في ظِلالِ الكلمة
رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 3

أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن

نص : ALB - INJEEL   |   صوت : MISLR - ABAUD - FOCHT   |   فيديو : BIB - COMM

أدوات الدراسة : البوليسية - الكتاب المقدس - ترجمة كتاب الحياة - الترجمة المشتركة - القاموس اليوناني - مكتبة الأخوة - في ظِلالِ الكلمة - الخزانة من الكتاب المقدس


الصفحة 1 من 2

مَعناهُ وأصلُهُ

قَبلَ أن نبدَأَ دِراسَتَنا لأسفارِ الكتابِ المُقدَّسِ واحداً تِلوَ الآخَر، لِنَنظُرْ إلى الكتابِ المُقدَّسِ كَكُلٍّ. فلِماذا يُسمَّى بهذا الإسم، ولِماذا يُشارُ إليهِ غالِباً "بالكتابِ المُقدَّس؟"

تأتِي كَلِمَةُ "الكِتاب المُقدَّس" أو Bible بالإنكليزيَّة أو بالفَرنسيَّة، منَ الكلمةِ اللاتِينيَّة Biblia، التي تَعني "كُتُب" بِصِيغَةِ الجمع. وهكذا تعني عبارَة "الكتاب المُقدَّس" بكُلِّ بَساطَةٍ "مجمُوعة كُتُب"، وبالتَّحديد، ستَّةً وسِتِّينَ سِفراً. وتعني كلمة مُقدَّس، "ما يَخُصُّ اللهَ، أو ما يأتي منَ الله." فالكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ، حَرفِيَّاً، "أسفارُ اللهِ المُقدَّسَةُ الصَّغيرة،" أو "مجمُوعَةُ كُتُبٍ تخُصُّ اللهَ وتأتي منهُ."

ويُشارُ إلى الكتِابِ المُقدَّسِ بأنَّهُ كَلِمَةُ اللهِ. لِماذا؟ بِسَببِ تصريحاتٍ قدَّمَها الرُّسُل، أمثال بُطرُس وبُولُس. أفضَلُ مِثالٍ على ذلكَ هُوَ 2تيمُوثاوُس 3: 16 – 17: "كُلُّ الكِتابِ المُقدَّسِ أُعطِيَ لنا بِوَحيٍ منَ اللهِ، وهُوَ نافِعٌ لتَعليمِنا ما هُوَ حَقٌّ، لِنُدرِكَ ما هُوَ خطأٌ في حياتِنا: وهُوَ يُقَوِّمُ إعوِجاجَنا ويُساعِدُنا لنعمَلَ ما هُوَ مُستَقيمٌ. إنَّهُ طريقَةُ اللهِ لجَعلِنا مُحَضَّرينَ بشكلٍ جَيِّدٍ في كُلِّ مرحَلَةٍ، ومُؤَهَّلينَ بشِكلٍ كافٍ لنعملَ الصَّلاحَ للجَميع." (تَرجَمَةٌ بِتَصرُّفٍ مع إضافَةِ تشديدات.)

مراراً وتِكراراً، يُذكَرُ التأكيدُ أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ ليسَ مُجَرَّدَ مَجمُوعَةٍ من الكتاباتِ البَشَريَّةِ عنِ الله. بل هُوَ كلماتُ اللهِ نفسِهِ، مكتُوبَةً بأقلامٍ بَشَريَّة، لَرُبَّما مِن قِبَلِ أربَعينَ أو أكثَر منَ الرِّجال، وعلى مدى خمسةَ عشرَ أو سِتَّةَ عشرَ قرناً. إنَّ عمليَّةَ تحريكِ اللهِ لهَؤُلاء الرِّجال لِيَكتُبُوا هذه الأسفار، تُسَمَّى "الوَحي،" الذي يعني حرفِيَّاً، "التنفُّس." وصفَ بُطرُس ذلكَ بالطَّريقَةِ التَّالِيَة: "عالِمِينَ هذا أنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الكِتابِ لَيسَت من تَفسيرٍ خاصّ. لأنَّهُ لم تأتِ نُبُوَّةٌ قَطّ بِمَشِيئَةِ إنسانٍ، بَل تَكَلَّمَ أُناسُ اللهِ القِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ منَ الرَّوحِ القدُس." (2بُطرُس 1: 20- 21).

إن الكَلِمَة اليُونانِيَّة "مَسُوقِينَ أو محمُولين" تُقدِّمُ صُورَةً جَميلَةً. إنَّها كلمة Phero. تَصَوَّرُوا سَفينَةً شِراعِيَّةً يدفَعها التَّيَّارُ أو يحمِلُها الرَّيحُ بِشراعِها، تَجِدُوا فكرةَ الوحي كما يُقَدِّمها لنا بُطرُس في هذا المكان. 


لآلافِ السِّنين، كانَ شَعبُ اللهِ يَطرَحُونَ السُّؤالَ، "لماذا يتألَّمُ شَعبُ الله؟" يُقدِّمُ سِفرُ أيُّوب أعمقَ وأشمَلَ جوابٍ على هذا السُّؤال. ولكنَّ سِفرَ أيُّوب ليسَ الجَوابَ الوَحيدَ الذي يُقدَّمُ على هذا السُّؤال في الكتابِ المُقدَّس. فمن سفرِ التَّكوين إلى سِفرِ الرُّؤيا، نَجِدُ أنَّ تألُّمَ شَعبِ اللهِ هُوَ مَوضُوعٌ قد تمَّت مُعالَجَتُهُ في كَلِمَةِ الله. في هذا الفَصل، سوفَ أُعالِجُ بإختِصارٍ ثلاثِينَ سَبَباً من أسبابِ التألُّم التي يُقَدِّمُها الكتابُ المُقدَّس.

1-يُمكِنُ أن يُعَلِّمَنا الأَلَمُ أنَّ اللهَ نفسَهُ هُوَ منبَعُ كُلِّ تَعزِيَة. هُناكَ فِكرَةٌ أعطَت بُولُس تَعزِيَةً عندما عانَى منَ تجرِبَةٍ صَعبَةٍ في آسيا: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح أبُو الرَّأفَة وإلهُ كُلِّ تَعزِيَة." (2كُورنثُوس 1: 3) ولقد قادَ الأَلَمُ بُولُس ليَكتَشِفَ أنَّ اللهَ كانَ دائماً حاضِراً بِجانِبِهِ وقادِراً على تَعزِيَتِهِ. ويتحدَّانا بُولُس لنكتَشِفَ الأمرَ ذاتَهُ عندَما نتألَّمُ.

2-الألَمُ يُدَرِّبُنا ويُؤَهِّلُنا ويُعِدُّنا لنُعَزِّي الآخَرين. تابَعَ بُولُس الفِكرَةَ التي بدَأَها في المقطَعِ المُشارِ إليهِ، عندما كتبَ قائِلاً، "الذي يُعزِّينا في كُلِّ ضِيقَتِنا حتَّى نستَطيعَ أن نُعَزِّيَ الذين هُم في كُلِّ ضِيقَةٍ بالتَّعزِيَةِ التي نتعزَّى نحنُ بها منَ الله." (2كُورنثُوس 1: 4) فالمُبَشِّرُ هُوَ مُتَسَوِّلٌ يُخبِرُ مُتَسَوِّلاً آخَر عن مكانِ وُجُودِ الخُبز. والخادِمُ المُؤهَّلُ للتَّعزِيَة هُوَ صاحِبُ قَلبٍ مُتَألِّمٍ يُخبِرُ قَلباً مُتَأَلِّماً آخر عن مكانِ وُجُودِ التَّعزِيَة. فعِندَما نكتَشِفُ التَّعزِيَةَ التي يُمكِنُنا أن نجِدَها في اللهِ نفسِهِ، نُصبِحُ خُدَّاماً مُؤَهَّلِينَ للتَّعزِيَة. فقط أُولئِكَ الذين إختَبرُوا الألَم الذي أدَّى بهم إلى إكتِشافِ تعزِيَةِ الله، فقط هَؤُلاء يُمكِنُهُم أن يُخبِرُوا القُلُوبَ الأُخرى المُتألِّمَة عن مكانِ وُجُودِ التَّعزيَة.

3-الألَمُ يَقُودُنا إلى طَلَبِ حِكمَةِ الله. بِحَسَبِ يَعقُوب، عندما يَقُودُنا ألَمُنا إلى المكانِ الذي لا نعرِفُ فيهِ بِبٍَساطَةٍ ماذا ينبَغي علينا أن نفعَلَ، يتوجَّبُ علينا عندها أن نطلُبَ حكمَةَ اللهِ لأَجلِ الحكمَةِ التي لا نملِكُها. "وإنَّما إن كانَ أحَدٌ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ فَليَطلُبْ منَ اللهِ الذي يُعطِي الجَميعَ بِسَخاءٍ ولا يُعَيِّر فسَيُعطَى لهُ." (يعقُوب 1: 5) يُؤكِّدُ لنا يَعقُوبُ أنَّ اللهَ سوفَ يغمُرُنا بالحكمَةِ التي نحتاجُها.

4-الألَمُ يَقُودُنا إلى النُّضجِ الرُّوحِيّ. علَّمَ يعقُوبُ أنَّ الألَمَ يَجعَلُنا "تامِّينَ وكامِلينَ، غيرَ ناقِصِينَ في شَيءٍ." (يعقُوب 1: 4) فإمتِحانُ الإيمانِ يَقُودُ إلى ثِقَةِ الإيمان. وثِقَةُ الإيمانِ تَقُودُ إلى إنتِصارِ الإيمان، أو إلى "إكليلِ الحَياة." (يعقُوب 1: 12)

5-الألَمُ يَقُودُنا لِلُوصُولِ إلى نعمَةِ الله. عندما يُعطينا اللهُ الحكمَةَ لأنَّنا لا نعلَمُ ماذا ينبَغي أن نفعَلَ، سوفَ نحتاجُ أيضاً إلى نعمَةِ اللهِ التي تُمَكِّنُنا من تطبيقِ الحكمةِ المُعطاةِ لنا منَ الله. كتبَ بُولُس يَقُولُ في 2 كُورنثُوس 9: 8: "واللهُ قادِرٌ أن يَزِيدَكُم كُلَّ نِعمَةٍ لِكَي تَكُونُوا ولكُم كُلُّ إكتِفاءٍ كُلَّ حِينٍ في كُلِّ شَيءٍ، تزدادُونَ في كُلِّ عمَلٍ صالِحٍ." كُلُّ نعمَة، كُلُّكُم، كُلّ حِين، كُلّ إكتِفاء، كُلّ شَيء، كُل فَيض لكُلّ عمل صالِح. لا عَجَبَ أنَّ يُخبِرَنا بُولُسَ أن نفرَحَ في الآلامِ لأنَّها تَقُودُنا إلى إكتِشافِ كنزِ الحكمة والنِّعمَةِ هذا.

6-الألَمُ يُنتِجُ شَخصِيَّةً رُوحيَّة. يُنتِجُ فينا الألَمُ تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشَّخصيَّةِ التي لا تهرُبُ منَ الصُّعُوباتِ: "وليسَ ذلكَ فقط بَل نفتَخِرُ أيضاً في الضِّيقاتِ عالِمِينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صبراً، والصَّبرُ تَزكِيَةً، والتَّزكِيَةُ رجاءً، والرَّجاءُ لا يُخزِي." (رُومية 5: 3- 5أ) إنَّ هكذا كلماتٍ مثل الصبر والتَّزكِية تَصِفُ لنا ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "البَقاء تحتَ الضَّغط." إنَّها تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشخصيَّة التي تبقَى وتستَمِرُّ تحتَ الضَّغطِ، مهما صَعُبَت الظُّرُوف. هكذا تُصبِحُ البُرتُقالَةُ بُرتُقالَةً. فهي تبقَى مُعَلَّقَةً على الشَّجَرَةِ إلى أن تُصبِحَ بُرتُقالَةً ناضِجَة. وهكذا أيضاً بإمكانِ الألَمِ أن يُطَوِّرَ فينا هذه النَّاحِيَة الهامَّة منَ الشَّخصِيَّةِ الرُّوحيَّة.

7-عندَما نتألَّمُ في شَبابِنا، نكسَبُ قُوَّةً لسنِّ البُلُوغ. نقرَأُ في مراثِي إرميا 3: 27، "جَيِّدٌ لِلرَّجُل أن يحمِلَ النِّير في صِباه." فعِندما يتجرَّبُ الشُّبَّانُ و الشَّابَّاتُ، يُطَوِّرُونَ قُوَّةً وإستِقراراً سيحتاجُونها ليتحمَّلُوا التَّجارِبَ في سنِّ البُلُوغ.

8-الألَمُ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ الألَمَ هُوَ الطريقة التي نُبَرهِنُ بها ذواتِنا بأنَّنا خُدَّامُ الله: "بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كَخُدَّامِ اللهِ في صَبرٍ كَثيرٍ في شَدائِد في ضَرُوراتٍ في ضِيقاتٍ." (2كُورنثُوس 6: 4) عندها يُريدُنا اللهُ أن نتجاوَبَ معَ ذلكَ "في طَهَارَةٍ في عِلمٍ في أناةٍ في لُطفٍ في الرُّوحِ القُدُس في محبَّةٍ بلا رِياءٍ في كلامِ الحَقِّ، في قُوَّةِ الله." (2كُورنثُوس 6: 6 و7أ) الألَمُ هُوَ القُوَّةُ الدِّينامِيكيُّةُ التي يستَخدِمُها اللهُ ليُؤَسِّسَ هذا "المعهد اللاهُوتيّ" الذي فيهِ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل.

9-الألَمُ يُقيمُ "تُخوماً عجائِبِيَّةً" في رحلاتِ إيمانِنا. عندما صَلَّى داوُد طالِباً الإنقاذ في وقتِ الأزَمة (مَزمُور 3: 1- 6)، صَلَّى بإيمانٍ وثِقَةٍ سبقَ وتبرهَن نجاحُهُما، لأنَّهُ تأكَّدَ من أمانَةِ اللهِ في أوقاتِ الأزَماتِ في حَياتِهِ. ففي كُلِّ مرَّةٍ نتأكَّدُ فيها أنَّ اللهَ مَوجُودٌ بجانِبنا في أوقاتِ الأزمَة، نكسَبُ "تُخماً عجائِبيَّاً" يُقَوِّي إيمانَنا في أزماتِ الحاضِرِ والمُستَقبَل.

10-الألَمُ يُمَهِّدُ الطريقَ لِخلاصِ الله. لقد كرزَ إشعياءُ قائِلاً أنَّ حياةَ المَسيَّا سوفَ تَكُونُ بمثابَةٍ شارِعٍ عريضٍ من خلالِهِ سيأتي اللهُ بِخلاصِهِ إلى هذا العالم: "كُلُّ وطاءٍ يرتَفِعُ وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ ينخَفِضُ ويَصِيرُ المُعوَجُّ مُستَقِيماً والعَراقِيبُ سَهلاً. [ويُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خلاصَ الله]." (إشعياء 40: 4) لقد كانت حياةُ يسُوع شارِعاً جلبَ اللهُ من خلالِهِ خلاصَهُ إلى هذا العالم. فَلِكَي نَكُونَ مثلَ اللهِ، فهذا يعني أن نَكُونَ شارِعاً يأتي اللهُ عليهِ بخلاصِهِ إلى هذا العالم من خلالِنا. فاللهُ قادِرٌ أن يأتِيَ بِخلاصِهِ إلى الآخرين من خلالِ حياتِنا، عندما تُسَوَّى جِبالُ كبريائِنا بالأرض، وعندما تمتَلِئُ فراغاتُ حياتِنا، وعندما تُقَوَّمُ خطايانا المُعوجَّة، وعندما تُعالَجُ وتُنَعَّمُ الجُرُوحُ الوعِرَة في حياتِنا والنَّاتِجَة عنِ الألَم.

11-الألَمُ يُظهِرُ قُوَّةَ الله. عندما صَلَّى بُولُس إلى اللهِ ليُريحَهُ من شَوكَتِهِ في الجَسَد، قالَ لهُ اللهُ، "تكفيكَ نِعمَتِي، لأنَّ قُوَّتِي في الضَّعفِ تُكمَلُ." (2كُورنثُوس 12: 9) فيُمكِنُ لِضَعفاتِنا أن تَكُونَ مجالاً لإظهارِ قُوَّةِ اللهِ وسُلطانِهِ. قد يَكُونُ هذا تفسيراً مُحتَمَلاً للتَّعَبِ المُزمِن الذي يُرافِقُ كُلَّ أنواعِ الأَلَم. فعجزُنا يُظهِرُ ويستَعلِنُ قُدرَةَ الله.

12-عدَم كفاءَتنا تُظهِرُ كفاءَةَ الله. الألَمُ يجعَلُ منَّا غيرَ مُلائِمين وغيرَ كَفُوئين. فلقد أُعيقَتْ كفاءَةُ بُولُس كَثيراً بِسَبَبِ شوكَتِهِ في الجَسَد. (2كُورنثُوس 12: 7- 10) ولكن عندما نَكُونُ ضُعفاء، يكُونُ اللهُ قَوِيَّاً. وعندما نَكُونُ غيرَ قادِرين، يَكُونُ اللهُ قادِراً. فاللهُ يستَطيعُ أن يستخدِمَ أَلَمَنا ليُعَلِّمَنا أينَ تنتَهي قُوَّتُنا وأينَ تبدَأُ قُوَّتُهُ.

13-الأَلَمُ قد يُشَكِّلُ فُرصَةً لتعلُّمِ التَّواضُع. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ شوكتَهُ في الجَسَد إستُخدِمَت لتمنَعَهُ من تمجيدِ نفسِهِ، لأنَّ الإختِباراتِ العجيبة التي إجتازَها، أُرسِلَت لهُ الشَّوكَةُ في الجسد كملاكِ الشيطان ليَلطِمَهُ لِئلا يرتَفِع. (2كُورنثُوس 12: 7) وبما أنَّنا يُمكِنُ أن نتجرَّبَ بالتَّنَصُّتِ على إطراءِ الآخرينَ بنا عندما يستَخدِمُنا اللهُ، وأن نسلُبَ اللهَ مجدَهُ الذي يستَحِقُّهُ، فاللهُ يستَخدِمُ أحياناً ألَمنا ليُبقِيَنا مُتواضِعين.

14-إختِباراتُ الألَم غالِباً ما تَقُودُ إلى إختِباراتٍ مُفرِحَة. نقرَأُ في المزمُور 126،

"لأن الذين يزرعونَ بالدموع يحصدُون بالإبتهاج." فالدُّمُوعُ التي نسكُبُها في أوقاتِ ألَمِنا، غالِباً ما تَكُونُ بِذاراً سوفَ تُعطي يوماً ما ثِمارَ الفَرَح. رُغمَ أنَّ الألَمَ يستَمِرُّ لموسِمٍ كامِل، ولكنَّهُ يُنتِجُ فرَحاً في مَوسِمِ الحَصاد. أحياناً يتوجَّبُ علينا أن نَنتَظِرَ للحالَةِ الأبديَّة، لِنَختَبِرَ هُتافَ الفَرَح.

15-الألَمُ يَكُونُ أحياناً تشحيلاً يبدُو وكأنَّهُ تأجيلاً لِلبَرَكَة. علَّمَ يسُوعُ أنَّنا نحنُ الأغصان وأنَّهُ هُوَ الكَرمة. لكي نحمِلَ ثماراً، ينبَغي أن نَكُونَ دائماً في علاقَةٍ معَ المسيح، الذي هُوَ كَرمَتُنا، تماماً كما تَكُونُ الأغصانُ مُرتَبِطَةً بالكَرمَة. فلِكَي نَكُونَ مُثمِرينَ، ينبَغي علينا أيضاً أن نتحمَّلَ عمليَّةَ التِّشحيل أو التنقِيَة المُؤلِمَة، لأنَّ كَونَنا قد تنقَّينا أو تمَّ تقليمُنا وتَشحيلُنا، سيجعَلُ من حياتِنا في المسيحِ أكثَرَ إثماراً وفرَحاً. (يُوحَنَّا 15: 2؛ 11)

16-الألَمُ يُعلِنُ المَسيحَ للعالَم. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّنا عندما نتألَّمُ، نكُونُ آنِيَةً خَزَفِيَّةً صغيرَةً ينبَغي أن تتَحمَّلَ الآلام، علَّنا نُعلِنُ كنزَ المسيح الثَّمين، الذي هُوَ بمثابَةِ نُورٍ يَشِعُّ على هذا العالم من خلالِ الشُّقوقِ الصغيرة في إنائِنا الخَزَفِيّ. (2كُورنثُوس 4: 7- 10) فبينَما نتألَّمُ، نُصبِحُ "مُكتَئِبِينَ في كُلِّ شَيءٍ لكن غير مُتَضايِقِين،" إذ نُعلِنُ مجدَ قُوَّةِ اللهِ في جسدنا المائِت.

17-الألَمُ يُمكِنُ أن يُحفِّزَ نُمُوَّ إنساننا الدَّاخِليّ. فالإنسانُ الخارِجِيّ هوَ مُؤَقَّتٌ زائِل، أمَّا الدَّاخِليُّ فأبَدِيّ. فبينما إنسانُنا الخارِجُ يفنَى، فإنَّ إنسانَنا الدَّاخِلُ يتجدَّدُ يوماً فيَوماً، إستِعداداً للحالَة ِالأبديَّة. (2كُورنثُوس 4: 16). فألَمُنا وقتِيٌّ، ولكنَّ إنعكاساتِ ألَمِنا قد تَكُونُ أبديَّةً. هذا مفهُومٌ رائِعٌ نستطيعُ مُشارَكَتَهُ معَ أُولئكَ الذين يُعانُونَ من مَرَضٍ خَبيثٌ ينقُلُهُم من هذا العالم إلى الأبديَّة.

18-الألَمُ يستَطيعُ أن يُعَلِّمَنا قِيَماً أبَدِيَّةً. نَقرَأُ أنَّهُ في الأيَّامِ الأخيرة، ستَتَزعزَعُ الأرضُ إلى أن لا يَبقى إلا تلكَ الأُمُور التي لا تتزعزَع. (عبرانِيِّين 12: 25- 29). فَبِما أنَّ حياتَنا وقتِيَّةٌ، وقِيَمنا هي غالِباً ما تتمحوَرُ حولَ أُمُورِ هذا العالم الوَقتِيَّة، يستَخدِمُ اللهُ أحياناً الألَمَ ليَرفَعَ أعيُنَنا عن تلكَ الأُمور الوقتِيَّة، ليُثَبِّتَها على قِيَمِ الأبديَّة.

19-الألَمُ يستَطيعُ تنقِيَتَنا. "لأنَّ إلَهَنا نارٌ مُحرِقَة." (عبرانِيِّين 12: 29) فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألمَ ليُحرِقَ في حياتنا كُلَّ ما يتعارَضُ معَ طبيعَتِهِ المُقدَّسَة. عمليَّةُ التَّنقِيَة هذهِ التي تُحَضِّرُنا للأبديَّة، قد تأتي إلينا بِشَكلِ الألَم.

20-الألَمُ يَكُونُ أحياناً حصادَ الخياراتِ السَّيِّئَة. فما نزرَعُه، إيَّاهُ نحصُدُ أيضاً. فإذا زرعنا فساداً، سوفَ نحصُدُ فساداً. والذِّهنُ المُنحَرِفُ الفاسِد يقُودُ حتماً إلى حياةٍ مُنحَرِِفَةٍ فاسِدة. أحياناً، عندما نتألَّمُ، نحصُدُ "مائِدَةَ العواقِب الوخيمة"، لأنَّنا نكُونُ قد زَرَعنا البُذُورَ المغلُوطَة في بُستانِ حياتِنا. (غلاطية 6: 7، 8)

21-الألَمُ يُثَبِّتُ هُوِيَّتَنا كأبناءِ الله. فاللهُ يُؤدِّبُ بأمانَةٍ أولادَهُ الحقيقيِّين. (عبرانيين 12: 4- 11؛ يُوحَنَّا 1: 12، 13). فهُوَ يتحمَّلُ مسؤوليَّةً تجاهَ أولادِهِ، لا يتحمَّلُها تجاهَ أُولئكَ الذين لا يَدْعُونَهُ أباً ورَبَّاً على حياتِهم. فبما أنَّهُ أبُونا ونحنُ أولادهُ، فإنَّهُ يُؤَدِّبُنا عندمَا نُخطِئُ.

22-الألَمُ يعني أحياناً أنَّ المسيحَ يرغَبُ بالشَّرِكَةِ معَنا. فالمسيحُ الحَيُّ المُقامُ يقرَعُ على أبوابِ قُلُوبِ أُولئكَ الذي لَيسُوا بارِدينَ ولا حارِّينَ في إلتِزامِهِم لهُ. هذا القَرعُ يُمَثِّلُ توبِيخَهُ وتأديبَهُ، عندَما نعتَبِرُهُ مُخَلِّصاً ولا نعتَبِرُهُ رَبَّاً. (رُؤيا 3: 19- 20) إنَّهُ يرغَبُ بالوُصُولِ إلى كُلِّ ناحِيَةٍ هامَّةٍ من نواحِي حياتنا، وأن تَكُونَ لنا شَرِكَة معَهُ في هذه النَّواحِي. فقَرعُ المسيحَ على قُلُوبِنا قد يأتِينا بِشكلِ الألَم.

23-كُورَةُ الخَنازِير البَعيدة غالِباً ما تُعجِّلُ الإبنَ الضَّالَّ على الرُّجُوع. تماماً كما "رجعَ الإبنُ الضَّالُّ إلى نَفسِهِ" عندما بدأَ يتألَّمُ في كُورَةِ الخنازير البَعيدة (لُوقا 15: 17)، هكذا الألَمُ أيضاً في "كُورَةِ الخنازير البَعيدة" في هذا العالم، قد يُعيدُنا إلى نُفُوسِنا، ويَقُودُنا إلى التَّوبَةِ، ويُرجِعُنا بتَصميمٍ إلى الشَّركَة معَ الآب وإلى قِيَمِهِ الأبديَّة.

24-تأديبُ الألَمِ يجعَلُنا نشتَرِكُ في قداسَةِ الله. فعندما يُؤَدِّبُنا أبُونا السَّماوِيّ بمحبَّةٍ، نقرأُ أنَّهُ يُؤدِّبُنا لأجلِ المَنفَعَة لكَي نشتَرِكَ في قداسَتِهِ. فاللهُ قُدُّوسٌ، وهُوَ يُريدُنا أن نَكُونَ قِدِّيسين. فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألَم ليُساعِدَنا على فَهمِ أهَمِّيَّةِ القداسَة في شَخصِيَّتِهِ وفي شخصِيَّتِنا. (عبرانِيِّين 12: 10).

25-نتألَّمُ أحياناً لأنَّ العالَمَ يكرَهُ المسيحَ وأتباعَهُ. كتبَ بُولُس الرَّسُول قائِلاً، "وجميعُ الذين يُريدُونَ أن يَعيشُوا بالتَّقوى في المسيح يسُوع يُضطَّهَدُون." (2تيمُوثاوُس 3: 12)

26-الألَمُ يُطَهِّرُ إيمانَنا. كتبَ بُولُس قائِلاً: "الذي بهِ تبتَهِجُونَ معَ أنَّكُم الآن إن كانَ يَجِبُ تُحزَنُونَ يَسيراً بتجارِبَ مُتَنَوِّعَة. لِكَي تَكُونَ تَزكِيَةُ إيمانِكُم وهِي أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفانِي معَ أنَّهُ يُمتَحَنُ بالنَّار تُوجَدُ للمَدحِ والكرامَةِ والمَجد عندَ إستِعلانِ يسُوع المسيح." (1بُطرُس 1: 6- 7). فكما يُنَقَّى الذَّهَبُ بالنَّار، هكذا إيمانُنا أيضاً، الذي هُوَ أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفَانِي، يُنَقَّى بنارِ آلامِنا.

27-عِندَما نتأَلَّمُ، نتبَعُ بذلكَ مِثالَ مُخَلِّصِنا. كتبَ بُطرُس يَقُولُ بأنَّنا مَدعُوُّونَ لنقتَفِيَ خُطُواتِهِ. (1بُطرُس 2: 21) فلقد عانَى من نِزاعِ الصَّليب لأجلِ خلاصِنا. وأخبَرَنا صراحَةً أنَّهُ علينا أن نحمِلَ صَليبَنا وأن نتبَعَ مِثالَهُ (لُوقا 9: 23- 25؛ 14: 25- 35). فعندَما نتحمَّلُ الألَمَ لأجلِ المسيح، نَكُونُ بذلكَ نقتَفي خُطُواتِهِ.

28-الألَم يفتَحُ أحياناً البابَ لِمَلَكُوتِ الله. عندَما إضطُّهِدَ بُولُس وبَرنابا في رحلاتِهِما الإرساليَّة، شَجَّعُوا المُؤمنينَ الآخرينَ بالقَول، "ينبَغي أنَّهُ بِضِيقاتٍ كثيرة ندخُل ملكوت الله." (أعمال 14: 22) رُغمَ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أن نتألَّمَ لكَي ندخُلَ إلى ملكوتِ الله، ولكنَّ كثيرينَ يأتُونَ إلى الإيمان من خلالِ بابِ الألَمِ والضِّيق.

29-يتوجَّبُ علينا جميعاً أن ندخُلَ الأبديَّةَ عبرَ مَوتِنا وقِيامَتِنا. قالَ يسُوعُ لإمرأَةٍ في جنازَةٍ مُعَيَّنة، أنَّ مُشكِلَتَينا اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المَرَضُ والمَوت، يُمكِنُهما أن يَكُونَا الطَّريقَ الذي يُؤدِّي بنا إلى حياتِنا الأبديَّة. (يُوحَنَّا 11: 20- 32) بإمكانِنا أن نُحَوِّلَ من هاتَينِ المُشكِلَتَين إلى تذكَرَةِ سَفَرٍ إلى بيتِنا السَّماوِيّ، وذلكَ بالإيمانِ بأنَّ يسُوعَ هُوَ الحَلّ الوَحيد لمَشاكِلِنا. ولكنَّ اللهَ لا يستطيعُ أن يُزيلَ المرضَ والمَوت، لأنَّ هذا سيحرِمُنا من طَريقِنا الوحيد للخُرُوجِ من هذا العالم. هذا سببٌ آخر يُفسِّرُ ألمَنا في بعضِ الأحيان.

30-فلسفَةُ المَوت الكِتابِيَّة. لكي يُثبِتَ الرَّاعي سُلطَتَهُ، غالِباً ما يضرِبُ الخِرافَ على قَرنِها ضرباتٍ خَفيفَة لكي يجعَلَها تربُضُ أرضاً. فبِحَسَبِ قَولِ داوُد، يُصبِحُ اللهُ راعِيَنا عندَما يُربِضُنا. (مَزمُور 23: 2). وعندَما تُوضَعُ هذه العلاقَة في إطارِها الصحيح، عندَها يَقُودُنا اللهُ إلى مياهِ الرَّاحَةِ، وإلى المراعِي الخُضر، فيفِيضُ كأسُنا رَيَّا. وعندما نَقُومُ مُجدَّداً، فإنَّ هذه المراعي تتحوَّلُ إلى مراعٍ صفراء يابِسَة، وتُصبِحُ المياهُ معكُورَةً، وكأسُنا فارِغَةً.

المَوتُ هُوَ الرَّاعي الصَّالِح الذي يجعَلُنا نربُضُ ونرقُدُ في المَوت، لكي يستَطيعَ اللهُ أن يُورِدَنا إلى المراعِي الخُضر التي لا تَيبَسُ، وإلى مياهِ الرَّاحَةِ التي لا تتعكَّرُ، وإلى الكأسِ التي لا تفرَغُ. لكي نَنالَ هذه القِيَمَ الأبديَّة، علينا أن نختَبِرَ هاتَينِ المُشكِلَتَينِ اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المرَضُ وا لمَوت. هذا هُوَ التَّفسيرُ الكِتابِيُّ النِّهائِيُّ لسماحِ اللهِ لنا بأن نتألَّمَ أحياناً.

لدى كلِمَةِ اللهِ الكَثير لِتَقُولَهُ لنا عن الألَم، لكن هُناكَ الكثيرُ منَ آلامِ شعبِ اللهِ التي لا نفهَمُها. الكَلِمَةُ التي نستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في هذا العالم هي، "لِماذا؟" أمَّا الكَلِمَةُ التي سنستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في السَّماءِ فسَتَكُونُ كلمة التَّعجُّب، وبعدَ التَّعجُّبِ لعشرَةِ آلافِ سنَةٍ، سوفَ نبدَأُ بالقَولِ "هَلِّلويا."

الصفحة 1 من 3

إنَّ رِسالَةَ بُولُس الثانِيَة إلى تيمُوثاوُس هي أخِرُ وَصِيَّةٍ للرسُولِ بُولُس. يُخبِرُنا تاريخُ الكنيسةِ أنَّهُ بعدَ أن أُطلِقَ سراحُ بُولُس من سِجنِهِ الأوَّل في رُوما، ذهبَ بُولُس في رحلَةِ إرساليَّةٍ إلى إسبانيا، ومن ثمَّ عادَ إلى أفسُس. ومن أفسُس، إنطَلَقَ إلى تِرواس، وكانَ هُناكَ عندما قامَ الأمبراطُور الروماني نيرُون بإحراقِ روما، مُلقِياً اللومَ على تلاميذِ يسُوع المسيح. عندما حدثَ هذا، إعتُبِرَ جميعُ أتباعِ المسيح في الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة خارجينَ على القانُون، وعُومِلُوا بقسوَةٍ لا تُوصَف، ليسَ فقط من قِبَلِ الحُكُومَةِ الرُّومانِيَّة، بل ومن قِبَلِ سُكَّانِ رُوما. وبما أنَّ بُطرُس وبُولُس كانا أوَّلَ عدُوَّين مَشهُورَين، تمَّ توقيفُ بُولُس ثانِيَةً.

يبدُو من الطريقَة التي أُوقِفَ بها بُولُس أنَّهُ ما كانَ سيتحمَّلُ هذا التوقيف والسجن (2تيمُوثاوُس 1: 4). عندما كتبَ بُولُس هذه الرسالة لتيمُوثاوُس، كانَ يعرِفُ أنَّهُ سوفَ يتمُّ إعدامُهُ عمَّا قريب. هذا جعلَ من كلماتِ الرسُول الأخيرة جَليلَةً وثَقيلة.

لو قُدِّرَ لكَ أن تزُورَ سجنَ المامِرتَاين Mamertine في رُوما اليوم، لكُنتَ ستُقدِّرُ وزنَ ومعنى كُلّ كلمة في هذه الرِّسالة. في الطابِقِ السُّفلي من هذا السجن، هُناكَ زنزانَةٌ يُعتَقَدُ أنَّ الرُّومان وضَعوا بُولُس الرسُول فيها. ولقد كانت الطريقَة التي كانَ مُقيَّداً بها بالأغلال، بمثابَةِ تعذيبٍ مُستَمِرّ. لقد كانت رائِحَةُ هذه الزنزانَة لا تُطاق، والمكانُ لا يُحتَمَل. وكانَ يُحتَفَظُ بهذه الزنزانَة ليُوضَعَ فيها ألدُّ أعداءِ رُوما غير المرغُوب فيهم.

في ظِلِّ هذه الظُّرُوف، تبقى إستطاعَةُ بُولُس على كتابَةِ هذه الرسالة الثانية إلى تيمُوثاوُس وإرسالِها لهُ من السجن، تبقى لُغزاً لا يُمكِنُ حَلُّهُ. يبدو أنَّ الجميعَ تركُوا بُولُس، بإستثناءِ رجُلٍ شيخٍ إسمُهُ أونسيفُورُوس، بالإضافَةِ إلى طبيب بُولُس المحبُوب، لُوقا. لرُبَّما إستطاعَ أُونسيفُورُوس أو لُوقا تهريبَ هذه الرسالة إلى الخارِج. ومن المُؤكَّد أنَّهُ لم يكُن بإستِطاعَة بُولُس أن يكتُبَها بيَدِهِ؛ فلا بُدَّ أنَّهُ أملاها على أحدِهم.

إذ تقرَأُ هذه الكلمات الأخيرة لبُولُس، إيَّاكَ أن تنسَى إطارَ ذلكَ السجن الرهيب، الذي فيهِ خرجت هذه الكلمات من قَلبِ بُولُس الرسُول:

"فَلِهذا السبب أُذَكِّرُكَ أن تُضرِمَ أيضاً موهِبَةَ اللهِ التي فيكَ بِوَضعِ يَدَيَّ. لأنَّ اللهَ لم يُعطِنا رُوحَ الفَشَل بَلْ رُوحَ القُوَّةِ والمحبَّةِ والنُّصح." (2تيمُوثاوُس 1: 6- 7)

بإمكانِكَ أن ترى مُواصفات تيمُوثاوُس التي تظهَرُ من خلالِ هذه الأعداد. لا بُدَّ أن تيمُوثاوُس كانَ شخصاً خجُولاً كانت لديهِ صُعُوبَةٌ بالتعامُلِ معَ الناس. لهذا لمَّحَ بُولُس إلى أنَّ مُعجِزَةً حدَثَت عندما وضَعَ بُولُس يديهِ على تيمُوثاوُس خلالَ رسامتِهِ لهُ. كتبَ بُولُس يقُول ما معناهُ، "فإن كُنتَ ستُحرِّكُ هذه القُوَّة الكامِنَة فيكَ، فلن تخافَ أبداً أن تُخبِرَ الناسَ عن رَبِّنا، ولا أن تدَعَهُم يعرِفُون أنَّني صديقُكَ، حتَّى ولو كُنتُ أنا مسجُوناً هُنا من أجلِ يسُوع المسيح."

في الإصحاحِ الثانِي، سوفَ نرى بعضَ الإيضاحات التي تُلقي الضَّوءَ على ما تعنيهِ العلاقة الحقِيقيَّة معَ المسيح. من العدد 4 إلى العدد 7، يُعطي بُولُس إيضاحات الجُندِيّ، البطل الرِّياضِيّ، والفَلاح.

إنَّ التطبيقَ الواضِح الذي يُقدِّمُهُ بُولُس عن الجُندي هُوَ التالي: عندما يتجنَّدُ رَجلٌ ويذهَبُ للحَرب، لا يعودُ يُربِكُ نفسَهُ بالأعمال التي كانَ يقُومُ بها زمنَ السِّلم. بل يُكرِّسُ نفسَهُ كُلِّيَّاً وبالكامِل للأعمال المُختَصَّة بهذه الحرب. بطريقَةٍ مُماثِلة، يُشجِّعُ بُولُس تيمُوثاوُس ليكُونَ مُلتَزِماً تماماً بخوضِ معرَكةٍ من أجلِ يسُوع المسيح.

ثُمَّ، إذ يُعطي بُولُس إيضاحاتِهِ عن البطلِ الرِّياضِيّ، يقُول، "وأيضاً إن كانَ أحدٌ يُجاهِدُ لا يُكَلَّلُ إن لَمْ يُجاهِدْ قانُونِيَّاً." (1تيمُوثاوُس 2: 5) هُناكَ قواعِد للحياة في المسيح، منها أنَّهُ عليكَ أن تتألَّمَ من أجلِ يسُوع المسيح. عليكَ أن تحمِلَ صليبَكَ وتتبَعَهُ.

وعندما يكتُبُ بُولُس عن الفلاح، يقُولُ أنَّ الفلاحَ يعمَلُ بِكَدٍّ وإجتِهاد، سواءٌ عندما يزرَعُ أو عندما يحصد. ثُمَّ، "هوَ الذي يشتَرِكُ أوَّلاً في الأثمار." (1تيمُوثاوُس 2: 6) يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس ما معناهُ، "إعمَلْ بكَدٍّ كما يعمَلُ الفلاح. إعمَلْ بِكَدٍّ في الزَّرعِ، واعمَلْ بِكَدٍّ في الحصاد، وسوفَ تحصَلُ على حصادٍ عظيم."

لقد كانَ بُولُس واثقاً من حُضُورِ المسيح معَهُ، حتَّى خِلالَ ألمِه. حتَّى عندما نكُونُ أضعَفَ من أن نتمسَّكَ ببَقيَّةِ الإيمان، فإنَّ اللهَ يبقَى أميناً لنا ليُساعِدَنا، لأنَّهُ لا يقدِرُ أن يُنكِرَنا، لكونِنا خاصَّتهُ. إنَّ حقَّ اللهِ يَقِفُ ثابِتاً كصخرَةٍ عظيمةٍ راسٍخة لا تتزعزَع. إنَّهُ حجَرُ أساسٍ مكتُوبٌ عليهِ هذه الكلمات: "يعلَمُ الرَّبُّ الذين هُم لهُ." (13، 19)

تذكَّروا ظُروفَ بُولُس المُؤلمة والمأساوِيَّة عندما تقرَأُونَ هذه الكلمات عن التعزِيَة العظيمة. كتبَ بُولُس أنَّهُ من المُمكِن أن نمرَضَ ونضعُفَ، عقليَّاً وعاطِفيَّاً، وحتَّى رُوحيَّاً، حتى لا تبقَى لنا قُوَّةٌ لنُؤمِنَ ونُصلِّي. فهل سنهلِكُ في هكذا ظُرُوف؟ كلا! إنَّ هذا المقطَع يقُولُ أنَّنا حتَّى وإن أصبَحنا ضُعفاءَ لدرجَةٍ لا نقوى معَها على الصلاةِ والإيمان، فإنَّ اللهَ لن يُنكِرَ خاصَّتَهُ أبداً. حتَّى عندما لا نستطيعُ الإحتِفاظَ بالإيمان، فإنَّهُ سيكُونُ أميناً لنا.

يُعلِّمُ بُولُس عن هدَفِ حياةِ المُؤمِن بواسِطَةِ إيضاحٍ عن الآنِيَة (20- 21). في تِلكَ الأيَّام، كانَ لدى الناس آنِيَةٌ، أو جِرارٌ في منازِلِهم. بعضُ الآنِيَة كانت تُستَخدَمُ لأهدافٍ سامِيَة، والبعضُ الآخر من الآنِيَة كانت تُستَخدَمُ لأهدافٍ مُبتَذَلَة (بما أنَّهُ لم تكُن هُناكَ مجاري للمياهِ الآسنة الخارِجة من المراحِيض في تِلكَ الأيَّام.)

يقُولُ بُولُس، "يا تيمُوثاوُس، هذا يُشبِهُ إتِّباعَكَ للمَسيح. فبإمكانِكَ أن تكُونَ إناءً يُستَخدَمُ للأهدافِ المُبتَذَلَة، وبإمكانِكَ أن تديرَ ظهرَكَ للشهواتِ الشبابِيَّة، وتُعطي كُلَّ إهتِمامِكَ إيجابِيَّاً للخَيرِ والإيمانِ والمحبَّةِ والسلام. عندها ستكُونُ إناءً مُلائِماً للأهدافِ السامِيَة، وستكُونُ إناءً نظيفاً نافِعاً لخدمةِ السيِّد.

في أحدِ أكثَرِ الأعداد المألُوفة في هذه الرسالة، كتبَ بُولُس يقُول: "إجتَهِد أن تُقيمَ نَفسَكَ للهِ مُزَكَّىً عامِلاً لا يُخزَى مُفصِّلاً كَلِمَةَ الحَقِّ بالإستِقامَة." (2تيمُوثاوُس 2: 15) إنَّ الكلمة المُتَرجَمَة "إجتَهِدْ" تعني "أُبذُلْ قُصارى جهدِكَ." يقُولُ بُولُس، "يا تيمُوثاوُس، درِّبَ نفسَكَ أن تبذُل قصارى جهدِكَ، حتى ينتُجَ عن إلتِزامِكَ بالدرس أن يُصادِقَ اللهُ على خدمتِكَ يوماً ما." دائماً إسألْ نفسَكَ: هل أنتَ تدرُسُ كِفايَةً، وتجتهدُ لتَتَعلَّمَ كلمةَ الله؟

في نهايَةِ هذا الإصحاح الثاني، ينصَحُ بُولُس الراعي الشابّ تيمُوثاوُس كيفَ يُساعِدُ الناس على حلِّ مشاكِلِهم. نُسمِّي هذا اليوم بالإرشادِ الرَّعَويّ. في أيَّامِ بُولُس، كانُوا يُسمُّونَ ذلكَ بالرِّعايَة. ما يُحَيِّرُني هُوَ كَونُ كلمات بُولُس الأخيرة، التي شارَكَها في تِلكَ الظُّرُوفِ المُؤلمة والقاسِية، درَّبت تيمُوثاوُس على إتقانِ مهارَةِ الرِّعاية الصالِحة.

يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس أنَّ المُشكِلة معَ الناس الذين يُصحِّحُ مسارَهم ويُرشِدُهُم هو أنَّهُم يعيشُونَ في شكلٍ مُناقِضٍ لخُطَّةِ اللهِ الفَريدَة لحياتِهم. (تُعبِّرُ إحدى الترجمات عن ذلكَ بالقول أنَّهُم كانُوا "يُناقِضُونَ أنفُسَهم"). لقد كانُوا يُقتَنَصُونَ لفَخِّ إبليس (26). هُناكَ أسبابٌ عديدَةٌ لماذا يقُومُ الناسُ بهكذا أعمال. قد يُقارِنُونَ أنفُسَهم معَ أشخاصٍ آخرين، أو قد يُقلِّدُونَ آخرين، أو قد يسمَحُونَ لأنفُسَهم بأن يخضَعوا لرَقابَةِ الآخرين. هُناكَ عدَّةُ طُرُقٍ قد "نخسَرُ بها نُفُوسَنا" بهذا المعنى. إنَّ الأشخاصَ الذين يُناقِضُونَ خطَّةَ اللهِ لحياتِهم سيُواجِهُونَ صُعوباتٍ كثيرة وسيفقُدونَ السعادَةَ في حياتِهم.

يقُولُ بُولُس ما معناهُ، "يا تيمُوثاوُس، إذا شِئتَ، إستَمِعَ لهؤُلاء الناس بوداعَةٍ ولُطفٍ وطُولِ أناة، وسوفَ تُبقي ثمارُ الرُّوحِ الثلاثة هذه البابَ مفتُوحاً لله، وتجعَلُ إستِماعَكَ يستَحِقُّ الجُهدَ المبذُولَ من أجلِه. عندها ستُصبِحُ قادِراً أن تُعلِّمَ هؤُلاء الناس وأن تُعرِّفَهم على الحقيقَةِ التي تستطيعُ أن تُحرِّرَهم." (أنظُر يُوحنَّا 8: 32) عليكَ أن لا تتجادَلَ بتاتاً معَ هكذا أشخاص، لأنَّ هذا سيُغلِقُ البابَ أمامَ الله، ويترُكُهم في قُيُودِ الشيطان. أعتَقِدُ أنَّ هذا من أفضَل ما كُتِبَ حول موضُوع الإرشاد الرعوي الرُّوحِيّ.



تابِع بَنْد - بشارة بَيَان

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.