في ظِلالِ الكلمة
البشارة كما دوّنها لوقا 15

أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن

نص : ALB - INJEEL   |   صوت : MISLR - ABAUD - FOCHT   |   فيديو : LFAN - BIB

أدوات الدراسة : البوليسية - الكتاب المقدس - ترجمة كتاب الحياة - الترجمة المشتركة - القاموس اليوناني - في ظِلالِ الكلمة - الخزانة من الكتاب المقدس


إذ نُتابِعُ جولتنا في أسفار العهدِ القديم التاريخية، واحداً بعدَ الآخر، وبعدَ أن درسنا سفري يشوع وقُضاة لتوِّنا، نأتي الآن إلى سفر راعوث. إن سفرَ راعوث هو قصةُ حُبٍّ جميلة وصغيرة في الكتاب المقدس، دارت أحداثُها في زمن حُكمِ القُضاة.

إنَّ قِصَّةَ الحُبِّ هذهِ تُصوِّرُ خلاصَنا وعلاقتَنا مع الرب يسوع المسيح. تُخبِرُنا أسفارُ العهدَين القَديم والجَديد أنَّنا مخطُوبُونَ للرَّب. فهو العريس ونحنُ، الكنيسة، عروسُه. نبدأُ برؤيةِ هذا الرمز عندما نصلُ إلى سفر راعوث، الذي هو "قصَّةُ الفداء." وهكذا يُقدِّمُ لنا الكتابُ المُقدَّس قصَّةَ الحُبِّ الجميلة هذهِ:

"حدثَ في أيَّامِ حُكمِ القُضاة أنَّهُ صارَ جُوعٌ في الأرض. فذهبَ رَجُلٌ من بَيت لحم يهوذا ليتغرَّبَ في بِلادِ موآب هو وامرأتُهُ وإبناهُ. واسمُ الرجُل أليمالك واسمُ امرأتِهِ نُعمِي واسما إبنيهِ مَحلُون وكِليُون. أفراتيُّون من بيتِ لحم يهوذا. فأتوا إلى بلادِ موآب وكانوا هُناك. وماتَ أليمالك رجل نُعمي وبقيت هي وإبناها. فأخذا لهما امرأتين موآبيَّتين، اسمُ إحداهُما عُرفَة واسمُ الأُخرى راعوث، وأقاما هُناكَ نحو عشرِ سنين. ثُمَّ ماتا كِلاهما محلون وكليون فتُرِكتِ المرأةُ من إبنيها ومن رجُلِها." (راعُوث 1: 1- 5)

كانَ قد نزلَ أليمالِك، نُعمِي، وإبناهُما إلى أرضِ مُوآب ، وهُناكَ عانُوا الأمَرَّين. وأرضُ موآب لها معنى سَلبِي بالنِّسبَةِ لليَهُودِ الأتقِياء، الذي يجعَلُ منها مثل الكُورة البَعيدة التي ذهبَ إليها الإبنُ الضَّالُّ. وقصَّةُ هذه العائلة هي على مثالِ قصة الإبن الضال. فعندما كانت العائلة الضالة في موآب، ماتَ الإبنانِ، وكذلكَ والدُهما. كانت نُعمي الفرد الوحيد الذي نجا من هذه العائلة التي هاجَرت إلى مُوآب هرباً منَ الجُوعِ في بيت لحم يهُوَّذا.

ومع التشديد على نُعمي، نرى مِثالاً واضِحاً عن المبادئ التي نراها في قصص الضالِّين. فعندما كانت نُعمي في موآب ساءتَ الظروف إلى أسوأ حال. فقبلَ أن يموتَ هذين الإبنين، تزوَّجا بإمرأتين موآبيَّتين، الأمرُ الذي كان ممنوعاً. فلقد ذهبت نُعمِي إلى موآب مع زوجِها وإبنيها، ورجعت بدونِهم، ولكن معها كنتين موآبيَّتين.

وتُتابِعُ القصةُ بالقولِ: "فقامت هي وكنَّتاها ورجعت من بلادِ موآب لأنَّها سمِعَت في بلادِ موآب أن الربَّ قدِ افتقدَ شعبَهُ ليُعطِيَهُم خُبزاً." (راعُوث 1: 6) وهذا ما يحدثُ عادةً للضالِّين. فعندما يكونون في حظيرةِ الخنازير أو بالأحرى في الكورةِ البعيدة في هذا العالم، يسمعون كم هي الأحوال جيِّدَة في بيتَ الآب.

"وخرجت من المكان الذي كانت فيهِ وكنَّتاها معها وسِرنَ في الطريقِ للرجوعِ إلى أرضِ يهوذا." (راعُوث 1: 7) وهُنا نرى عودة الإبنة الضالَّة. وقبلَ أن ترجِعَ نعمي، إلتَفَتَت إلىكَنتَيها وقالَت لهُما: " اذهبا ارجعا كُلُّ واحدةٍ إلى بيتِ أُمِّها. وليصنع الربُّ معكما إحساناً كما صنعتُما بالموتى وبي. وليُعطِكُما الربُّ أن تجدا راحةً كُلُّ واحدةٍ في بيتِ رجُلِها. فقبَّلتهما ورفعنَ أصواتهنَّ وبكينَ."

وتُتابِعُ القِصَّةُ بالقَول،"فقالتا لها إننا نرجعُ معكِ إلى شعبِك. فقالت نُعمي ارجعا يا بِنتيَّ. لماذا تذهبانِ معي. هل في أحشائي بنونَ بعد حتى يكونا لكُما رِجالاً. إرجعا يا بنتيَّ واذهبا لأني قد شِختُ عن أن أكونَ لرجُلٍ." (راعُوث 1: 11- 12) ونقرأُ أن عُرفَة قبَّلت حماتَها وذهبت بعدَ ذلك. أما راعوث فلَصِقَت بحماتِها.

فقالت نُعمِي لراعوث، "هوذا قد رَجَعَتْ سِلفتُكِ إلى شعبِها وآلهتِها. ارجعي أنتِ وَرَاءَ سِلفَتِكِ." وهُنا تبدأُ القصَّةُ بالتركيزِ على راعوث التي نلتقي فيها الشخصيَّةَ الرئيسيَّة في هذه القصة الجميلة. قالت راعوث، "لا تُلحِّي عليَّ أن أترُكَكِ وأرجِعَ عنكِ لأنَّهُ حيثُما ذهبتِ أذهبُ وحيثُما بِتِّ أَبيت. شعبُكِ شعبِي وإلهُكِ إلهي. حيثُما مُتِّ أموتُ وهُناكَ أندفِن." (راعُوث 1: 16- 18).

لقد أَعطَتنا راعوث مثالاً جميلاً عن الوَلاء، عندما إتَّخَّذت علَناً عهدَ الإلتِزامِ بِنُعمي. يُقدِّمُ هذانِ العَدَدانِ لنا نصَّاً نمُوذَجِيَّاً عن عُهُودِ الزَّواج، لأنَّهُما يُمَثِّلانِ ذلكَ النَّوع منَ الإلتزامِ الذي ينبَغي أن يَسُودَ بينَ الرَّجُلِ وزوجَتِه. فعندما تتزوَّج بشخصٍ ما، فأنتَ تلتزمُ بأن تذهبَ حيثُ يذهبُ الشريكُ الآخر وأن تعيشَ حيثُ يعيشُ الشريكُ الآخر. قد تقولُ في البداية أنكَ لا تتزوَّج عائلة الشريك الآخر، ولكن بعدَ سنوات سوفَ تكتشف أنهُ كان من الأفضل لك أن تقول "شعبُكِ شعبي،" وإلا لعانَيتَ الكثير منَ الصُّعوباتِ في علاقَتِكَ معَ زَوجَتِك.

وأهمُّ ما في الإلتزام هو "إلهُكِ إلهي." فإن لم يكُن لكما النظرة الروحية ذاتها، فلن يكون لكما أساسٌ موحَّدٌ للقيَم. وهذه واحدةٌ من المشاكِل التي تُحطِّمُ الزواج. فعندما لا يكونُ للزَّوجَين طريقة التفكير نفسها، ونظام القِيَم نفسه، وأُسلوب الحياة نفسه، عادةً ينتهون بالطلاق. فعندما يُفكِّران كيفَ يقضيان وقتهما، مالهما، طاقتَهُما، يبدُوَان وكأنَّهُما لا يتَّفِقان على شيء. والأساسُ الذي يُعطيكما فِكراً مُوحَّداً ونظامَ قِيَمٍ مُوحَّداً وأُسلوبَ حياةٍ مُوحَّد هو القول، "إلهُكِ إلهي." فعندما تَحصَلانِ على قِيَمِكُما من علاقَتِكما معَ الله، سوف يكُونُ لديكُما نظامَ قِيَمٍ مُوحَّد.

يَقُولُ العددُ الأخيرُ منَ الإصحاحِ الأوَّل، "فرجَعَت نُعمي وكَنَّتُها راعُوث المُوآبِيَّة معَها، وخَرَجَتَا من أرضِ مُوآب. فذهبتا كِلتَاهُما حتى دخلتا بيتَ لحمٍ في أوَّلِ أيَّامِ حصادِ الشَّعير." وكونَ زَمانِ رُجُوعِهما إلى بيتَ لحم في بدايَةِ مَوسِمِ حصادِ الشَّعير هو أمرٌ بالِغُ الأهمِّيَّة. وعند دُخُولِ هاتَينِ المرأَتَينِ إلى بيتَ لحم، كانت نُعمِي صُورَةً عن إبنةِ اللهِ التي ترجِعُ إلى بيتِ الآب. وكانت نِعمَةُ اللهِ بإنتِظارِها لإستِقبالِها، تماماً كما ركضَ الوالِدُ ليستَقبِلَ ويغمُرَ إبنَهُ الضَّالّ الذي رجعَ إلى بيتِ أبيهِ. (لُوقا 15: 20)

في هذه القصَّة ، تُمَثِّلُ راعُوث صورةً عن أولئكَ الأشخاص الذين ليسوا جزءاً من عائلة الله. فراعوث لم تكُنْ عِبرانيَّة، بل كانت أُمَمِيَّة. فهل يوجدُ عندَ الله أيةُ نعمةٍ لشخصٍ لا ينتمي إلى عائلةِ الله؟ بالطبعِ يوجد. فنعمةُ الله المُخَلِّصَة، التي أدرَكَتنا ونحنُ بعدُ خُطاةٌ، هي التي جعَلت منَّا جميعاً جزءاً من عائِلَةِ الله. وكما سنرى لاحِقاً، نعمَةُ اللهِ لنُعمي وراعُوث سوفَ تُوجَدُ في نامُوسِهِ.

فالناموسُ الأول الذي وفَّرَ النعمةَ لراعوث ونُعمي نجدُهُ في لاويين 19: 9-10. هذا الناموس المُتعلِّقُ بالإلتقاطِ أو بتعفيرِ الحقولِ بعد حصادِها، يقولُ، "وعندما تحصدون حصيدَ أرضِكُم لا تُكمِّلْ زوايا حقلِكَ في الحصاد. ولُقاطَ حصيدِكَ لا تلتقِط. وكرمُكَ لا تُعلِّلهُ ونُثارَ كرمِكَ لا تلتقِط. للمسكينِ والغريب تترُكُه. أنا الربُّ إلهُكُم." فقرَّرت راعوثُ من اليوم الأول في بيتَ لحم أن تخرجَ لتلتقِطَ وتُعفِّرَ في الحقول. ونقرأُ أنهُ كان لنُعمي ذو قرابةٍ من ناحيةِ زوجِها، رجُلٌ جبَّارُ بأسٍ ثري، من عائلةِ أليمالِك، إسمُهُ بوعَز. فقالت راعوث الموآبيَّة لنُعمي، "دعيني أذهبُ إلى الحقلِ وألتقط سنابِل وراءَ من أجدُ نعمةً في عينيه. فقالت لها إذهبي يا بنتي. فَذَهَبَتْ وجاءَتْ والتقطَتْ في الحقلِ وراءَ الحصَّادين. فاتَّفَقَ نصيبُها في قِطعةِ حقلٍ لبُوعَز الذي من عشيرةِ أليمالِك." (راعُوث 2: 2- 4)

هناك ناموسٌ آخر مُهمّ من نواميس موسى، الذي يُساعِدُنا على فهمِ قصَّةِ الحُبِّ هذه التي نَجِدُها في الكتابِ المُقدَّس. فلقد كان هُناكَ ناموسٌ في تثنية 25 يُسمَّى "ناموسُ الوليّ الفادي." يقولُ هذا الناموس، "إذا سكنَ إخوةٌ معاً وماتَ واحدٌ منهم وليسَ لهُ ابنٌ فلا تصِر امرأةُ الميتِ إلى خارِج لرجُلٍ أجنبي. أخو زوجِها يدخُلُ عليها ويتَّخذُها لنفسِهِ زوجةً ويقومُ لها بواجبِ أخي الزوج. والبكرُ الذي تلدُهُ يقومُ باسمِ أخيهِ الميت لئلا يُمحَى إسمُهُ من إسرائيل. وإن لم يرضَ الرجلُ أن يأخذَ امرأةَ أخيهِ تصعدُ امرأةُ أخيهِ إلى البابِ إلى الشيوخ وتقولُ قد أبى أخو زوجي أن يُقيمَ لأخيهِ اسماً في إسرائيل. لم يشأ أن يقومَ لي بواجبِ أخي الزوج. فيدعوهُ شيوخُ مدينتِه ويتكلَّمون معهُ فإن أصرَّ وقال لا أرضى أن أتَّخِذَها تتقدَّمُ امرأةُ أخيهِ إليهِ أمامَ أعيُنِ الشيوخ وتخلعُ نعلَهُ من رِجلِهِ وتبصُقُ في وجهِهِ وتُصرِّحُ وتقولُ هكذا يُفعَلُ بالرجُلِ الذي لا يبني بيتَ أخي. فيُدعَى اسمُهُ في إسرائيل بيتَ مخلوع النعل". وكانَ هذا الأمرُ عاراً في حضارَةِ إسرائيل القديمة.

فبما أن راعوث كانت مُتزوِّجةً من رجُلٍ عبراني، كنتيجةٍ لهذا الزواج، دخلت إلى عائلةِ الله، الأُمَّة العِبرانيَّة. والآن فإذ ماتَ زوجُها وليسَ لهما ولد، لم تعُدْ راعوث تنتمي إلى عائلة الله، ولا إلى الشعب المُختار. يَقولُ الناموس أنهُ بإمكانها الذهابُ إلى ذو القرابةِ للزوج المُتوفِّي، وأن تختارَ الأجملَ والأغنى، وتقولُ لهُ، "أريدُكَ أن تتزوَّجَني." وإذا رَفضَها، فعندها تستطيعُ مُقاضاتَهُ في المحكمة. وإن لم يتزوَّجها، يقومُ الشيوخُ بِالإجراءاتِ التي تمَّ وَصفُها في نامُوسِ الفادِي الوَلِيّ.

أما الرجُل الذي كان يُوافق على الزواج من هكذا إمرأة، فكان عليهِ أن يعملَ لها أمرين. أوّلاً، كان عليهِ أن يفيَ كُلَّ دُيونِها، إن كان عليها دُيون. وثانِياً، كانَ على الوَلِيِّ الفادِي أن يتزوَّجَ هذه المرأة. وبإقامتِهِ هذه العلاقة معها، فهو بذلكَ يُرجِعُها إلى عائلة الله. هذا كان رجاءُ راعوث عندما رجعت إلى بيتَ لحم يهوذا. ولهذا يبدأُ الإصحاحُ الثاني بأنَّهُ كان لِحَمِي راعوث المُتوفِّي رجُلٌ ذو قرابةٍ جبَّار بأسٍ ثريٌّ إسمُهُ بوعَز.

وإذ تستمرُّ قصةُ الحُبِّ هذه، سوفَ نرى صُورةً عن نعمةِ الله للإبنِ الضال الذي كان راجعاً إلى بيتِ أبيهِ، ونعمةَ الله للشخصِ الذي يأتي إلى الله طلباً للفداء.

لآلافِ السِّنين، كانَ شَعبُ اللهِ يَطرَحُونَ السُّؤالَ، "لماذا يتألَّمُ شَعبُ الله؟" يُقدِّمُ سِفرُ أيُّوب أعمقَ وأشمَلَ جوابٍ على هذا السُّؤال. ولكنَّ سِفرَ أيُّوب ليسَ الجَوابَ الوَحيدَ الذي يُقدَّمُ على هذا السُّؤال في الكتابِ المُقدَّس. فمن سفرِ التَّكوين إلى سِفرِ الرُّؤيا، نَجِدُ أنَّ تألُّمَ شَعبِ اللهِ هُوَ مَوضُوعٌ قد تمَّت مُعالَجَتُهُ في كَلِمَةِ الله. في هذا الفَصل، سوفَ أُعالِجُ بإختِصارٍ ثلاثِينَ سَبَباً من أسبابِ التألُّم التي يُقَدِّمُها الكتابُ المُقدَّس.

1-يُمكِنُ أن يُعَلِّمَنا الأَلَمُ أنَّ اللهَ نفسَهُ هُوَ منبَعُ كُلِّ تَعزِيَة. هُناكَ فِكرَةٌ أعطَت بُولُس تَعزِيَةً عندما عانَى منَ تجرِبَةٍ صَعبَةٍ في آسيا: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح أبُو الرَّأفَة وإلهُ كُلِّ تَعزِيَة." (2كُورنثُوس 1: 3) ولقد قادَ الأَلَمُ بُولُس ليَكتَشِفَ أنَّ اللهَ كانَ دائماً حاضِراً بِجانِبِهِ وقادِراً على تَعزِيَتِهِ. ويتحدَّانا بُولُس لنكتَشِفَ الأمرَ ذاتَهُ عندَما نتألَّمُ.

2-الألَمُ يُدَرِّبُنا ويُؤَهِّلُنا ويُعِدُّنا لنُعَزِّي الآخَرين. تابَعَ بُولُس الفِكرَةَ التي بدَأَها في المقطَعِ المُشارِ إليهِ، عندما كتبَ قائِلاً، "الذي يُعزِّينا في كُلِّ ضِيقَتِنا حتَّى نستَطيعَ أن نُعَزِّيَ الذين هُم في كُلِّ ضِيقَةٍ بالتَّعزِيَةِ التي نتعزَّى نحنُ بها منَ الله." (2كُورنثُوس 1: 4) فالمُبَشِّرُ هُوَ مُتَسَوِّلٌ يُخبِرُ مُتَسَوِّلاً آخَر عن مكانِ وُجُودِ الخُبز. والخادِمُ المُؤهَّلُ للتَّعزِيَة هُوَ صاحِبُ قَلبٍ مُتَألِّمٍ يُخبِرُ قَلباً مُتَأَلِّماً آخر عن مكانِ وُجُودِ التَّعزِيَة. فعِندَما نكتَشِفُ التَّعزِيَةَ التي يُمكِنُنا أن نجِدَها في اللهِ نفسِهِ، نُصبِحُ خُدَّاماً مُؤَهَّلِينَ للتَّعزِيَة. فقط أُولئِكَ الذين إختَبرُوا الألَم الذي أدَّى بهم إلى إكتِشافِ تعزِيَةِ الله، فقط هَؤُلاء يُمكِنُهُم أن يُخبِرُوا القُلُوبَ الأُخرى المُتألِّمَة عن مكانِ وُجُودِ التَّعزيَة.

3-الألَمُ يَقُودُنا إلى طَلَبِ حِكمَةِ الله. بِحَسَبِ يَعقُوب، عندما يَقُودُنا ألَمُنا إلى المكانِ الذي لا نعرِفُ فيهِ بِبٍَساطَةٍ ماذا ينبَغي علينا أن نفعَلَ، يتوجَّبُ علينا عندها أن نطلُبَ حكمَةَ اللهِ لأَجلِ الحكمَةِ التي لا نملِكُها. "وإنَّما إن كانَ أحَدٌ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ فَليَطلُبْ منَ اللهِ الذي يُعطِي الجَميعَ بِسَخاءٍ ولا يُعَيِّر فسَيُعطَى لهُ." (يعقُوب 1: 5) يُؤكِّدُ لنا يَعقُوبُ أنَّ اللهَ سوفَ يغمُرُنا بالحكمَةِ التي نحتاجُها.

4-الألَمُ يَقُودُنا إلى النُّضجِ الرُّوحِيّ. علَّمَ يعقُوبُ أنَّ الألَمَ يَجعَلُنا "تامِّينَ وكامِلينَ، غيرَ ناقِصِينَ في شَيءٍ." (يعقُوب 1: 4) فإمتِحانُ الإيمانِ يَقُودُ إلى ثِقَةِ الإيمان. وثِقَةُ الإيمانِ تَقُودُ إلى إنتِصارِ الإيمان، أو إلى "إكليلِ الحَياة." (يعقُوب 1: 12)

5-الألَمُ يَقُودُنا لِلُوصُولِ إلى نعمَةِ الله. عندما يُعطينا اللهُ الحكمَةَ لأنَّنا لا نعلَمُ ماذا ينبَغي أن نفعَلَ، سوفَ نحتاجُ أيضاً إلى نعمَةِ اللهِ التي تُمَكِّنُنا من تطبيقِ الحكمةِ المُعطاةِ لنا منَ الله. كتبَ بُولُس يَقُولُ في 2 كُورنثُوس 9: 8: "واللهُ قادِرٌ أن يَزِيدَكُم كُلَّ نِعمَةٍ لِكَي تَكُونُوا ولكُم كُلُّ إكتِفاءٍ كُلَّ حِينٍ في كُلِّ شَيءٍ، تزدادُونَ في كُلِّ عمَلٍ صالِحٍ." كُلُّ نعمَة، كُلُّكُم، كُلّ حِين، كُلّ إكتِفاء، كُلّ شَيء، كُل فَيض لكُلّ عمل صالِح. لا عَجَبَ أنَّ يُخبِرَنا بُولُسَ أن نفرَحَ في الآلامِ لأنَّها تَقُودُنا إلى إكتِشافِ كنزِ الحكمة والنِّعمَةِ هذا.

6-الألَمُ يُنتِجُ شَخصِيَّةً رُوحيَّة. يُنتِجُ فينا الألَمُ تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشَّخصيَّةِ التي لا تهرُبُ منَ الصُّعُوباتِ: "وليسَ ذلكَ فقط بَل نفتَخِرُ أيضاً في الضِّيقاتِ عالِمِينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صبراً، والصَّبرُ تَزكِيَةً، والتَّزكِيَةُ رجاءً، والرَّجاءُ لا يُخزِي." (رُومية 5: 3- 5أ) إنَّ هكذا كلماتٍ مثل الصبر والتَّزكِية تَصِفُ لنا ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "البَقاء تحتَ الضَّغط." إنَّها تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشخصيَّة التي تبقَى وتستَمِرُّ تحتَ الضَّغطِ، مهما صَعُبَت الظُّرُوف. هكذا تُصبِحُ البُرتُقالَةُ بُرتُقالَةً. فهي تبقَى مُعَلَّقَةً على الشَّجَرَةِ إلى أن تُصبِحَ بُرتُقالَةً ناضِجَة. وهكذا أيضاً بإمكانِ الألَمِ أن يُطَوِّرَ فينا هذه النَّاحِيَة الهامَّة منَ الشَّخصِيَّةِ الرُّوحيَّة.

7-عندَما نتألَّمُ في شَبابِنا، نكسَبُ قُوَّةً لسنِّ البُلُوغ. نقرَأُ في مراثِي إرميا 3: 27، "جَيِّدٌ لِلرَّجُل أن يحمِلَ النِّير في صِباه." فعِندما يتجرَّبُ الشُّبَّانُ و الشَّابَّاتُ، يُطَوِّرُونَ قُوَّةً وإستِقراراً سيحتاجُونها ليتحمَّلُوا التَّجارِبَ في سنِّ البُلُوغ.

8-الألَمُ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ الألَمَ هُوَ الطريقة التي نُبَرهِنُ بها ذواتِنا بأنَّنا خُدَّامُ الله: "بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كَخُدَّامِ اللهِ في صَبرٍ كَثيرٍ في شَدائِد في ضَرُوراتٍ في ضِيقاتٍ." (2كُورنثُوس 6: 4) عندها يُريدُنا اللهُ أن نتجاوَبَ معَ ذلكَ "في طَهَارَةٍ في عِلمٍ في أناةٍ في لُطفٍ في الرُّوحِ القُدُس في محبَّةٍ بلا رِياءٍ في كلامِ الحَقِّ، في قُوَّةِ الله." (2كُورنثُوس 6: 6 و7أ) الألَمُ هُوَ القُوَّةُ الدِّينامِيكيُّةُ التي يستَخدِمُها اللهُ ليُؤَسِّسَ هذا "المعهد اللاهُوتيّ" الذي فيهِ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل.

9-الألَمُ يُقيمُ "تُخوماً عجائِبِيَّةً" في رحلاتِ إيمانِنا. عندما صَلَّى داوُد طالِباً الإنقاذ في وقتِ الأزَمة (مَزمُور 3: 1- 6)، صَلَّى بإيمانٍ وثِقَةٍ سبقَ وتبرهَن نجاحُهُما، لأنَّهُ تأكَّدَ من أمانَةِ اللهِ في أوقاتِ الأزَماتِ في حَياتِهِ. ففي كُلِّ مرَّةٍ نتأكَّدُ فيها أنَّ اللهَ مَوجُودٌ بجانِبنا في أوقاتِ الأزمَة، نكسَبُ "تُخماً عجائِبيَّاً" يُقَوِّي إيمانَنا في أزماتِ الحاضِرِ والمُستَقبَل.

10-الألَمُ يُمَهِّدُ الطريقَ لِخلاصِ الله. لقد كرزَ إشعياءُ قائِلاً أنَّ حياةَ المَسيَّا سوفَ تَكُونُ بمثابَةٍ شارِعٍ عريضٍ من خلالِهِ سيأتي اللهُ بِخلاصِهِ إلى هذا العالم: "كُلُّ وطاءٍ يرتَفِعُ وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ ينخَفِضُ ويَصِيرُ المُعوَجُّ مُستَقِيماً والعَراقِيبُ سَهلاً. [ويُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خلاصَ الله]." (إشعياء 40: 4) لقد كانت حياةُ يسُوع شارِعاً جلبَ اللهُ من خلالِهِ خلاصَهُ إلى هذا العالم. فَلِكَي نَكُونَ مثلَ اللهِ، فهذا يعني أن نَكُونَ شارِعاً يأتي اللهُ عليهِ بخلاصِهِ إلى هذا العالم من خلالِنا. فاللهُ قادِرٌ أن يأتِيَ بِخلاصِهِ إلى الآخرين من خلالِ حياتِنا، عندما تُسَوَّى جِبالُ كبريائِنا بالأرض، وعندما تمتَلِئُ فراغاتُ حياتِنا، وعندما تُقَوَّمُ خطايانا المُعوجَّة، وعندما تُعالَجُ وتُنَعَّمُ الجُرُوحُ الوعِرَة في حياتِنا والنَّاتِجَة عنِ الألَم.

11-الألَمُ يُظهِرُ قُوَّةَ الله. عندما صَلَّى بُولُس إلى اللهِ ليُريحَهُ من شَوكَتِهِ في الجَسَد، قالَ لهُ اللهُ، "تكفيكَ نِعمَتِي، لأنَّ قُوَّتِي في الضَّعفِ تُكمَلُ." (2كُورنثُوس 12: 9) فيُمكِنُ لِضَعفاتِنا أن تَكُونَ مجالاً لإظهارِ قُوَّةِ اللهِ وسُلطانِهِ. قد يَكُونُ هذا تفسيراً مُحتَمَلاً للتَّعَبِ المُزمِن الذي يُرافِقُ كُلَّ أنواعِ الأَلَم. فعجزُنا يُظهِرُ ويستَعلِنُ قُدرَةَ الله.

12-عدَم كفاءَتنا تُظهِرُ كفاءَةَ الله. الألَمُ يجعَلُ منَّا غيرَ مُلائِمين وغيرَ كَفُوئين. فلقد أُعيقَتْ كفاءَةُ بُولُس كَثيراً بِسَبَبِ شوكَتِهِ في الجَسَد. (2كُورنثُوس 12: 7- 10) ولكن عندما نَكُونُ ضُعفاء، يكُونُ اللهُ قَوِيَّاً. وعندما نَكُونُ غيرَ قادِرين، يَكُونُ اللهُ قادِراً. فاللهُ يستَطيعُ أن يستخدِمَ أَلَمَنا ليُعَلِّمَنا أينَ تنتَهي قُوَّتُنا وأينَ تبدَأُ قُوَّتُهُ.

13-الأَلَمُ قد يُشَكِّلُ فُرصَةً لتعلُّمِ التَّواضُع. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ شوكتَهُ في الجَسَد إستُخدِمَت لتمنَعَهُ من تمجيدِ نفسِهِ، لأنَّ الإختِباراتِ العجيبة التي إجتازَها، أُرسِلَت لهُ الشَّوكَةُ في الجسد كملاكِ الشيطان ليَلطِمَهُ لِئلا يرتَفِع. (2كُورنثُوس 12: 7) وبما أنَّنا يُمكِنُ أن نتجرَّبَ بالتَّنَصُّتِ على إطراءِ الآخرينَ بنا عندما يستَخدِمُنا اللهُ، وأن نسلُبَ اللهَ مجدَهُ الذي يستَحِقُّهُ، فاللهُ يستَخدِمُ أحياناً ألَمنا ليُبقِيَنا مُتواضِعين.

14-إختِباراتُ الألَم غالِباً ما تَقُودُ إلى إختِباراتٍ مُفرِحَة. نقرَأُ في المزمُور 126،

"لأن الذين يزرعونَ بالدموع يحصدُون بالإبتهاج." فالدُّمُوعُ التي نسكُبُها في أوقاتِ ألَمِنا، غالِباً ما تَكُونُ بِذاراً سوفَ تُعطي يوماً ما ثِمارَ الفَرَح. رُغمَ أنَّ الألَمَ يستَمِرُّ لموسِمٍ كامِل، ولكنَّهُ يُنتِجُ فرَحاً في مَوسِمِ الحَصاد. أحياناً يتوجَّبُ علينا أن نَنتَظِرَ للحالَةِ الأبديَّة، لِنَختَبِرَ هُتافَ الفَرَح.

15-الألَمُ يَكُونُ أحياناً تشحيلاً يبدُو وكأنَّهُ تأجيلاً لِلبَرَكَة. علَّمَ يسُوعُ أنَّنا نحنُ الأغصان وأنَّهُ هُوَ الكَرمة. لكي نحمِلَ ثماراً، ينبَغي أن نَكُونَ دائماً في علاقَةٍ معَ المسيح، الذي هُوَ كَرمَتُنا، تماماً كما تَكُونُ الأغصانُ مُرتَبِطَةً بالكَرمَة. فلِكَي نَكُونَ مُثمِرينَ، ينبَغي علينا أيضاً أن نتحمَّلَ عمليَّةَ التِّشحيل أو التنقِيَة المُؤلِمَة، لأنَّ كَونَنا قد تنقَّينا أو تمَّ تقليمُنا وتَشحيلُنا، سيجعَلُ من حياتِنا في المسيحِ أكثَرَ إثماراً وفرَحاً. (يُوحَنَّا 15: 2؛ 11)

16-الألَمُ يُعلِنُ المَسيحَ للعالَم. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّنا عندما نتألَّمُ، نكُونُ آنِيَةً خَزَفِيَّةً صغيرَةً ينبَغي أن تتَحمَّلَ الآلام، علَّنا نُعلِنُ كنزَ المسيح الثَّمين، الذي هُوَ بمثابَةِ نُورٍ يَشِعُّ على هذا العالم من خلالِ الشُّقوقِ الصغيرة في إنائِنا الخَزَفِيّ. (2كُورنثُوس 4: 7- 10) فبينَما نتألَّمُ، نُصبِحُ "مُكتَئِبِينَ في كُلِّ شَيءٍ لكن غير مُتَضايِقِين،" إذ نُعلِنُ مجدَ قُوَّةِ اللهِ في جسدنا المائِت.

17-الألَمُ يُمكِنُ أن يُحفِّزَ نُمُوَّ إنساننا الدَّاخِليّ. فالإنسانُ الخارِجِيّ هوَ مُؤَقَّتٌ زائِل، أمَّا الدَّاخِليُّ فأبَدِيّ. فبينما إنسانُنا الخارِجُ يفنَى، فإنَّ إنسانَنا الدَّاخِلُ يتجدَّدُ يوماً فيَوماً، إستِعداداً للحالَة ِالأبديَّة. (2كُورنثُوس 4: 16). فألَمُنا وقتِيٌّ، ولكنَّ إنعكاساتِ ألَمِنا قد تَكُونُ أبديَّةً. هذا مفهُومٌ رائِعٌ نستطيعُ مُشارَكَتَهُ معَ أُولئكَ الذين يُعانُونَ من مَرَضٍ خَبيثٌ ينقُلُهُم من هذا العالم إلى الأبديَّة.

18-الألَمُ يستَطيعُ أن يُعَلِّمَنا قِيَماً أبَدِيَّةً. نَقرَأُ أنَّهُ في الأيَّامِ الأخيرة، ستَتَزعزَعُ الأرضُ إلى أن لا يَبقى إلا تلكَ الأُمُور التي لا تتزعزَع. (عبرانِيِّين 12: 25- 29). فَبِما أنَّ حياتَنا وقتِيَّةٌ، وقِيَمنا هي غالِباً ما تتمحوَرُ حولَ أُمُورِ هذا العالم الوَقتِيَّة، يستَخدِمُ اللهُ أحياناً الألَمَ ليَرفَعَ أعيُنَنا عن تلكَ الأُمور الوقتِيَّة، ليُثَبِّتَها على قِيَمِ الأبديَّة.

19-الألَمُ يستَطيعُ تنقِيَتَنا. "لأنَّ إلَهَنا نارٌ مُحرِقَة." (عبرانِيِّين 12: 29) فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألمَ ليُحرِقَ في حياتنا كُلَّ ما يتعارَضُ معَ طبيعَتِهِ المُقدَّسَة. عمليَّةُ التَّنقِيَة هذهِ التي تُحَضِّرُنا للأبديَّة، قد تأتي إلينا بِشَكلِ الألَم.

20-الألَمُ يَكُونُ أحياناً حصادَ الخياراتِ السَّيِّئَة. فما نزرَعُه، إيَّاهُ نحصُدُ أيضاً. فإذا زرعنا فساداً، سوفَ نحصُدُ فساداً. والذِّهنُ المُنحَرِفُ الفاسِد يقُودُ حتماً إلى حياةٍ مُنحَرِِفَةٍ فاسِدة. أحياناً، عندما نتألَّمُ، نحصُدُ "مائِدَةَ العواقِب الوخيمة"، لأنَّنا نكُونُ قد زَرَعنا البُذُورَ المغلُوطَة في بُستانِ حياتِنا. (غلاطية 6: 7، 8)

21-الألَمُ يُثَبِّتُ هُوِيَّتَنا كأبناءِ الله. فاللهُ يُؤدِّبُ بأمانَةٍ أولادَهُ الحقيقيِّين. (عبرانيين 12: 4- 11؛ يُوحَنَّا 1: 12، 13). فهُوَ يتحمَّلُ مسؤوليَّةً تجاهَ أولادِهِ، لا يتحمَّلُها تجاهَ أُولئكَ الذين لا يَدْعُونَهُ أباً ورَبَّاً على حياتِهم. فبما أنَّهُ أبُونا ونحنُ أولادهُ، فإنَّهُ يُؤَدِّبُنا عندمَا نُخطِئُ.

22-الألَمُ يعني أحياناً أنَّ المسيحَ يرغَبُ بالشَّرِكَةِ معَنا. فالمسيحُ الحَيُّ المُقامُ يقرَعُ على أبوابِ قُلُوبِ أُولئكَ الذي لَيسُوا بارِدينَ ولا حارِّينَ في إلتِزامِهِم لهُ. هذا القَرعُ يُمَثِّلُ توبِيخَهُ وتأديبَهُ، عندَما نعتَبِرُهُ مُخَلِّصاً ولا نعتَبِرُهُ رَبَّاً. (رُؤيا 3: 19- 20) إنَّهُ يرغَبُ بالوُصُولِ إلى كُلِّ ناحِيَةٍ هامَّةٍ من نواحِي حياتنا، وأن تَكُونَ لنا شَرِكَة معَهُ في هذه النَّواحِي. فقَرعُ المسيحَ على قُلُوبِنا قد يأتِينا بِشكلِ الألَم.

23-كُورَةُ الخَنازِير البَعيدة غالِباً ما تُعجِّلُ الإبنَ الضَّالَّ على الرُّجُوع. تماماً كما "رجعَ الإبنُ الضَّالُّ إلى نَفسِهِ" عندما بدأَ يتألَّمُ في كُورَةِ الخنازير البَعيدة (لُوقا 15: 17)، هكذا الألَمُ أيضاً في "كُورَةِ الخنازير البَعيدة" في هذا العالم، قد يُعيدُنا إلى نُفُوسِنا، ويَقُودُنا إلى التَّوبَةِ، ويُرجِعُنا بتَصميمٍ إلى الشَّركَة معَ الآب وإلى قِيَمِهِ الأبديَّة.

24-تأديبُ الألَمِ يجعَلُنا نشتَرِكُ في قداسَةِ الله. فعندما يُؤَدِّبُنا أبُونا السَّماوِيّ بمحبَّةٍ، نقرأُ أنَّهُ يُؤدِّبُنا لأجلِ المَنفَعَة لكَي نشتَرِكَ في قداسَتِهِ. فاللهُ قُدُّوسٌ، وهُوَ يُريدُنا أن نَكُونَ قِدِّيسين. فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألَم ليُساعِدَنا على فَهمِ أهَمِّيَّةِ القداسَة في شَخصِيَّتِهِ وفي شخصِيَّتِنا. (عبرانِيِّين 12: 10).

25-نتألَّمُ أحياناً لأنَّ العالَمَ يكرَهُ المسيحَ وأتباعَهُ. كتبَ بُولُس الرَّسُول قائِلاً، "وجميعُ الذين يُريدُونَ أن يَعيشُوا بالتَّقوى في المسيح يسُوع يُضطَّهَدُون." (2تيمُوثاوُس 3: 12)

26-الألَمُ يُطَهِّرُ إيمانَنا. كتبَ بُولُس قائِلاً: "الذي بهِ تبتَهِجُونَ معَ أنَّكُم الآن إن كانَ يَجِبُ تُحزَنُونَ يَسيراً بتجارِبَ مُتَنَوِّعَة. لِكَي تَكُونَ تَزكِيَةُ إيمانِكُم وهِي أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفانِي معَ أنَّهُ يُمتَحَنُ بالنَّار تُوجَدُ للمَدحِ والكرامَةِ والمَجد عندَ إستِعلانِ يسُوع المسيح." (1بُطرُس 1: 6- 7). فكما يُنَقَّى الذَّهَبُ بالنَّار، هكذا إيمانُنا أيضاً، الذي هُوَ أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفَانِي، يُنَقَّى بنارِ آلامِنا.

27-عِندَما نتأَلَّمُ، نتبَعُ بذلكَ مِثالَ مُخَلِّصِنا. كتبَ بُطرُس يَقُولُ بأنَّنا مَدعُوُّونَ لنقتَفِيَ خُطُواتِهِ. (1بُطرُس 2: 21) فلقد عانَى من نِزاعِ الصَّليب لأجلِ خلاصِنا. وأخبَرَنا صراحَةً أنَّهُ علينا أن نحمِلَ صَليبَنا وأن نتبَعَ مِثالَهُ (لُوقا 9: 23- 25؛ 14: 25- 35). فعندَما نتحمَّلُ الألَمَ لأجلِ المسيح، نَكُونُ بذلكَ نقتَفي خُطُواتِهِ.

28-الألَم يفتَحُ أحياناً البابَ لِمَلَكُوتِ الله. عندَما إضطُّهِدَ بُولُس وبَرنابا في رحلاتِهِما الإرساليَّة، شَجَّعُوا المُؤمنينَ الآخرينَ بالقَول، "ينبَغي أنَّهُ بِضِيقاتٍ كثيرة ندخُل ملكوت الله." (أعمال 14: 22) رُغمَ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أن نتألَّمَ لكَي ندخُلَ إلى ملكوتِ الله، ولكنَّ كثيرينَ يأتُونَ إلى الإيمان من خلالِ بابِ الألَمِ والضِّيق.

29-يتوجَّبُ علينا جميعاً أن ندخُلَ الأبديَّةَ عبرَ مَوتِنا وقِيامَتِنا. قالَ يسُوعُ لإمرأَةٍ في جنازَةٍ مُعَيَّنة، أنَّ مُشكِلَتَينا اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المَرَضُ والمَوت، يُمكِنُهما أن يَكُونَا الطَّريقَ الذي يُؤدِّي بنا إلى حياتِنا الأبديَّة. (يُوحَنَّا 11: 20- 32) بإمكانِنا أن نُحَوِّلَ من هاتَينِ المُشكِلَتَين إلى تذكَرَةِ سَفَرٍ إلى بيتِنا السَّماوِيّ، وذلكَ بالإيمانِ بأنَّ يسُوعَ هُوَ الحَلّ الوَحيد لمَشاكِلِنا. ولكنَّ اللهَ لا يستطيعُ أن يُزيلَ المرضَ والمَوت، لأنَّ هذا سيحرِمُنا من طَريقِنا الوحيد للخُرُوجِ من هذا العالم. هذا سببٌ آخر يُفسِّرُ ألمَنا في بعضِ الأحيان.

30-فلسفَةُ المَوت الكِتابِيَّة. لكي يُثبِتَ الرَّاعي سُلطَتَهُ، غالِباً ما يضرِبُ الخِرافَ على قَرنِها ضرباتٍ خَفيفَة لكي يجعَلَها تربُضُ أرضاً. فبِحَسَبِ قَولِ داوُد، يُصبِحُ اللهُ راعِيَنا عندَما يُربِضُنا. (مَزمُور 23: 2). وعندَما تُوضَعُ هذه العلاقَة في إطارِها الصحيح، عندَها يَقُودُنا اللهُ إلى مياهِ الرَّاحَةِ، وإلى المراعِي الخُضر، فيفِيضُ كأسُنا رَيَّا. وعندما نَقُومُ مُجدَّداً، فإنَّ هذه المراعي تتحوَّلُ إلى مراعٍ صفراء يابِسَة، وتُصبِحُ المياهُ معكُورَةً، وكأسُنا فارِغَةً.

المَوتُ هُوَ الرَّاعي الصَّالِح الذي يجعَلُنا نربُضُ ونرقُدُ في المَوت، لكي يستَطيعَ اللهُ أن يُورِدَنا إلى المراعِي الخُضر التي لا تَيبَسُ، وإلى مياهِ الرَّاحَةِ التي لا تتعكَّرُ، وإلى الكأسِ التي لا تفرَغُ. لكي نَنالَ هذه القِيَمَ الأبديَّة، علينا أن نختَبِرَ هاتَينِ المُشكِلَتَينِ اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المرَضُ وا لمَوت. هذا هُوَ التَّفسيرُ الكِتابِيُّ النِّهائِيُّ لسماحِ اللهِ لنا بأن نتألَّمَ أحياناً.

لدى كلِمَةِ اللهِ الكَثير لِتَقُولَهُ لنا عن الألَم، لكن هُناكَ الكثيرُ منَ آلامِ شعبِ اللهِ التي لا نفهَمُها. الكَلِمَةُ التي نستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في هذا العالم هي، "لِماذا؟" أمَّا الكَلِمَةُ التي سنستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في السَّماءِ فسَتَكُونُ كلمة التَّعجُّب، وبعدَ التَّعجُّبِ لعشرَةِ آلافِ سنَةٍ، سوفَ نبدَأُ بالقَولِ "هَلِّلويا."

الصفحة 1 من 2

مُلاحَظَةٌ أخيرة عن الطريقة التي يُظهِرُ بها هذا البَيانُ الخُطوطَ العريضَة في إنجيلِ لُوقا هي أن نُدرِكَ أنَّ يسُوعَ يُعلِّمُ ويُدرِّبُ تلاميذَهُ بإستمرار ويتحدَّى الآخرين أن يُصبِحوا شُركاءَ معَهُ في تطبيقِ أهدافِ رسالتِهِ كما أعلَنها في الناصِرة. المثَلُ الأوَّلُ الواضِحُ من هذا هُوَ الطريقة التي بها جنَّدَ بطرُسَ معَهُ في تطبيقِ بيانِ إفتِتاحِ خدمتِه.

فذاتَ صباحٍ مُبَكِّر على شواطِئِ بحرِ الجليل، وعندما كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ جمعاً غَفيراً من الناس، سألَ بطرُس الذي كانَ قد رجعَ لتَوِّهِ من ليلَةٍ فاشِلَةٍ في صيدِ السمك، سألَهُ إن كانَ بإمكانِهِ أن يستخدِمَ سفينتَهُ كمنبَرٍ للوَعظ. يبدو أنَّ يسُوعَ إحتاجَ مكاناً مُرتَفِعاً قليلاً، لكي يستطيعَ أن يتكلَّمَ بِشكلٍ فعَّالٍ أكثَر معَ هذا الجمعِ الغَفير الذي كانَ قد زحمَهُ إلى طَرَفِ مياهِ بحرِ الجليل (لُوقا 5: 1- 11).

لم تكُنْ هذه المرَّة الأُولى التي يلتَقي فيها يسُوعُ بِبُطرُس. فلقد حدَثَ هذا عندما عرَّفَ أندراوُس أخاهُ بطرُس إلى يسُوع (يُوحنَّا 1: 41، 42). قِيلَ لنا أنَّ يسُوعَ وجَّهَ دَعوَةً لهذين الأخَوين، بالإضافَةِ إلى شُرَكائِهم في العمل، يَعقُوب ويُوحنَّا، اللذَينِ كانا شَقيقَينِ أيضاً. كانت دعوةُ يسُوع لهُم، "هلُمُّوا ورائي فأجعَلَكُم صَيَّادِي ناس." (متَّى 4: 19). قد تكُونُ هذه طريقةُ لُوقا المُسهَبَة في التعبيرِ عمَّا وصفَهُ متَّى في عددٍ واحِدٍ. أو قد يكونُ لُوقا يُخبِرُنا أنَّ يسُوعَ كرَّرَ وشدَّدَ على دعوتِهِ، مُظهِراً ماذا على بطرُس أن يتعلَّمَ إذا أرادَ أن يُصبِحَ صيَّادَ ناس.

بعدَ هذه الجلسة التعليميَّة، قالَ يسُوعُ لبُطرُس ما معناهُ، "أُريدُكَ أن تأخُذَني معكَ إلى صَيدِ السمك!" لقد تحدَّى بطرُس أن يخرُجَ بِسفينتِهِ ثانِيَةً إلى عُمقِ المياه. ثُمَّ طلبَ منهُ هُناكَ أن يُلقِيَ شباكَهُ في الماء، حيثُ سيلتقِطُ الكثيرَ الكثيرَ من السمك! (4)

بينما كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ الجمعَ، نقرَاُ أنَّ بُطرُس كانَ يغسِلُ شباكَهُ ويُنظِّفُ سفينتَهُ بعدَ ليلَةٍ فاشِلَةٍ من صَيدِ السمك. أتَصَوَّرُ أنَّ بطرُس لم يكُن في مزاجٍ هادِئ ذلكَ الصباح. وأَتَصَوَّرُ أيضاً أنَّهُ بينما كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ ذلكَ الجمعَ الغَفيرَ من الناس، أنَّهُ كانَ أكثَرَ إهتِماماً بهذا الصيَّاد الكَبير ممَّا كانَ مُهتَمَّاً بذلكَ الجمع الغَفير من النَّاس.

لقد عرفَ يسُوعُ أنَّهُ في غُضُونِ ثلاثِ سنواتٍ، هذا الرَّجُل الذي لم ينجَح ولا حتَّى في صيدِ السمك، سوفَ يَعِظُ عظةً يومَ الخمسين، التي ستُؤدِّي إلى توبَةِ ثلاثَةِ آلافِ نفس، وأنَّ الآلاف المُؤلَّفَة سوفَ يختَبِرونَ الخلاص في كُلِّ مرَّةٍ سيَعِظُ فيها بالإنجيل في الأيَّامِ اللاحِقة ليومِ الخَمسين (أعمال 2: 14- 42).

ويعرِفُ يسُوعُ أيضاً أنَّهُ بعدَ ثلاثِ سنواتٍ من ذلكَ الصباح، عندما سيقعُ ظِلُّ صيَّاد الناس العظيم هذا على أجسادِ المَرضَى الذين لا رجاءَ لهُم، سوفَ يُشفَونَ بطريقةٍ عجائبيَّة! (أعمال 5: 12- 16). لِهذا أنا أُؤمِنُ بأنَّهُ كانَ أكثَرَ إهتِماماً ببُطرُس ذلكَ اليَوم، ممَّا كانَ مُهتمَّاً ببَقيَّة الناس.

كيفَ إستطاعَ يسُوعُ أن يُغيَّرَ هذا الإنسان، الذي لم يقدِر ولا حتى على إصطيادِ السمك، أن يُغيِّرَهُ إلى شخصٍ سيكُونُ، إلى جانِب بُولُس الرسول، أعظَمَ صيَّاد ناس عرفَهُ العالَمُ على الإطلاق؟ إنَّ القُوى المُحرِّكة التي تُجيبُ على سُؤالي تحدُثُ في هذا اللِّقاء معَ بطرُس. لقد تحدَّى يسُوعُ بطرُسَ بأن يُِشارِكَهُ في تطبيقِ أهدافِ إرساليَّتِهِ، كما أُعلِنَت في بَيانِ الناصِرة.

عندما كانَ يسُوعُ وبُطرُس في السفينَةِ وسطَ عُمقِ المياه، طلبَ يسُوعُ من بطرُس أن يُلقِيَ شباكَهُ في البحر. فأجابَ بطرُس، "يا مُعلِّم، تعِبنا الليلَ كُلَّهُ ولم نصطَدْ شيئاً..." مُجدَّداً، أتصوَّرُ أنَّ بطرُسَ لربَّما توقَّفَ قليلاً في مُنتَصَفِ جوابِهِ، إلى أن إلتَقَت عينا بطرُس بعينَي يسُوع، فتابَعَ عندَها بالقَول، "ولكن على كلمتِكَ أُلقي الشبكة." (5)

عندما رفعُوا الشِّبَاك، كانت مملوءَةً بالسمكِ! (6-7) فنتيجَةً لهذا، وقعَ بطرُس عندَ قدمي يسوع وقال، "أُخرُج من سفينَتي يا ربّ، لأنِّي رجُلٌ خاطِئ." (8) فأجابَهُ يسُوع، "لا تَخف يا بُطرُس. من الآن أجعَلُكَ صيَّادَ ناس." (10)

قبلَ أن يلتَقِيَ بُطرُس بيَسوع، كانت يَشغُلُهُ هاجِسٌ واحِدٌ، ألا وهُوَ صيد السمك. إنَّ هاتَين الكلِمَتَين اللتين تكلَّمَ بهما يسُوعُ معَ بطرُس هما الكلمتان المُفضَّلَتانِ عِندِي لما يُسمَّى بالمأمُوريَّة العُظمى: "صَيد الناس." كثيرونَ لديهم المَيل في الكنائس ليُبَشِّرُوا نساءً وأولاداً، لأنَّ هذا أمرٌ أسهل من تبشيرِ الرِّجال. ولكنَّ يسُوعَ عرفَ أنَّ النِّساءَ والأولاد سيتبَعونَ الرجال، وأنَّنا إذا إصطَدنا الرِّجال، فسوفَ نربَحُ عائلاتٍ بأكمَلِها لهُ.

لماذا كانت ردَّةُ فعلِ بُطرُس على صيد السمك المُعجِزيّ هذا بأن دعا نفسَهُ خاطِئاً، وبقولِهِ ليسُوع أن يخرُجَ من سفينتِه؟ يقولُ بعضُ المُفسِّرين أنَّ يسوعَ كانَ قد وعظَ لتَوِّهِ للناس عن طبيعَةِ الإنسان الخاطِئة، وأنَّ بُطرُس كانَ قد تبكَّتَ على خطاياهُ آنذاك، وكان هذا بالتحديد إختِبارَ تجديد سِمعان بطرُس.

يَعتَقِدُ مُفسِّرُونَ آخرونَ أنَّ يسوعَ حاولَ أن يُجنِّدَ بطرُس ليكونَ شريكاً معهُ في تطبيقِ بيانِ الناصِري. ولَرُبَّما أدركَ بُطرُس أنَّ المسيحَ كانَ يسألُهُ، "هل تُريدُ أن تُصبِحَ شريكي في إعطاءِ البصرِ للعُميان، والحُرِّيَّة للمأسورين، والشفاء للمُنكَسِري القُلوب؟ هل تُريدُ أن تُغيِّرَ أولويَّاتِكَ من صيدِ السمك إلى صيدِ الناس؟" يعتَقِدُ هؤلاء المُفسِّرون أنَّ بطرُسَ كانَ تحتَ تبكيتٍ شديد على الخطيَّة، لدرجةِ أنَّهُ شعرَ بِعَدَمِ جدارتِهِ بهذه الدَّعوة.

 فلربَّما كانَ بطرُس يقولُ بذلك، "يا ربّ، إذهَبْ عنّي لأنَّني الرجُلُ الخطأ. فليسَ بإمكانِكَ أن تدعُوني لأكُونَ صيَّادَ سمكٍ، لأنَّني غيرُ مُستَحِقٍّ وغيرُ جديرٍ بذلكَ‍‍." إن كانَ هذا هُوَ جوهَرُ ما كانَ يقُولُهُ بطرُس، فإنَّهُ كانَ يُقدِّمُ مِثالاً عن الطُوبى الأُولى التي قدَّمها يسوعُ لكُلِّ واحِدٍ من تلاميذِهِ قائلاً: "طُوبى للمساكِينِ بالرُّوح." (متَّى 5: 3)

أرادَ يسوعُ أن يأخُذَ هذا الرجُل الذي لم يكُن قادِراً حتَّى على إمساكِ السمك، ليجعلَ منهُ صيَّادَ ناس. ولكي يفعلَ يسوعُ هذا، كانَ لا بُدَّ أن يعُلِّمَهُ من كانَ الصيَّاد الحقيقي على سفينَةِ بُطرُس في ذلكَ اليوم. وعندما دعا بطرُسُ يسوعَ قائلاً "يا مُعلِّم،" كانَ يُلمِّحُ إلى كَونِ يَسُوع هُوَ المُعلِّم، ولكنَّهُ لم يكُنِ الصيَّاد. ومن ثمَّ بدأَ يُعلِّمُ الربَّ عنِ الصَّيد – "فكُلُّ صيَّاد سمك يعرِفُ أنَّكَ إن لم تنجَح في صَيدِ السمك في عتمَةِ الليل، لن تنجَحَ في صيدِ ولا سمكَةٍ واحدَةٍ في وضحِ النَّهار"-يبدو أنَّ هذا كانَ موضُوعَ إعتِراضِ بطرُس.

الأمرُ الثاني الذي كانَ يُحاوِلُ الربُّ أن يعلِّمَهُ لبُطرُس هو أنَّهُ لن ينجَحَ في إصيطادِ الناس، إلى أن يتعلَّمَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام هُوَ صيَّادُ الناس الحقيقي الوحيد. فرحلتا صيد السمك هاتان – الأولى فاشِلة جداً، والثانِيَة ناجِحة بِشكلٍ خارِقٍ للطبيعة – أقنَعَتا بطرُس إلى الأبد ببعضِ الأسرارِ الرُّوحيَّة:

"إنَّ صيدَ الناس لا يتوقَّفُ على من أنا، بل على من هُوَ الرَّب. إن إصطِيادَ نُفُوسٍ لِيَسُوع لا يتوقَّفُ على ما أستطيعُ أنا أن أعمَلَهُ،


تابِع بَنْد - بشارة بَيَان

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.