الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: تجلّي (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

التجلّي (في اليونانيّة : ماتامورفوسيس، تبدّل الشكل) هو ظهور شخص في شكل (مورفي) يختلف عن شكله العاديّ. تشير هذه اللفظة إلى الآلهة الذين يظهرون في شكل بشريّ (كما في الميتولوجيا اليونانيّة والرومانيّة)، وإلى البشر الذين يرتدون شكلاً إلهيًا (في الديانات السرّانيّة في العالم الهلينيّ).

وهكذا نميّز التجلّي عن الظهور. لا تعرف أسفار العهد القديم "التجلّي"، بل تشير فقط إلى إشعاع وجه موسى بعد حديثه مع الله (خر 24 : 39). قالت الشعبيّة اللاتينيّة (الفولغاتا) إنّ وجه موسى كان عليه قرنان من نور، لهذا صوّر الفنّان ميكالنجيلو موسى بقرنين.

ويرد تجلّي المسيح على الجبل في الأناحيل الإزائيّة بعد اعتراف بطرس بالمسيح في قيصريّة فيلبس وبعد إنباء يسوع الأول بآلامه. فإن اعتبرنا الخبر مستقلاًّ بسبب فنّه الأدبيّ، فالرباط متين بين التجلّي واعتراف بطرس : فالنصان ينتميان إلى خبر قبل مرقسيّ للآلام، دُوّن في فلسطين في تاريخ قديم. ومع أنّ لاموازاة حقيقيّة لهذا الخبر، فالشرّاح يجعلونه في فئة النصوص الجليانيّة (مثل رؤية ابن الإنسان في رؤ 1 : 19-20). إنّه يتضمّن رؤية يتبعها تفسيرٌ يعطيه الملاك الذي يفسِّر الصوت الإلهيّ. فالصعود إلى الجبل والنزول منه ينتميان إلى رسمة أساسيّة. أمّا الحوار حول إيليّا، فيرتبط بفنّ أدبيّ آخر هو الحوار التعليميّ (مر 9 : 11-13). والأمر الأخير الذي به نهاهم يسوع من أن يتحدّثوا عن هذه الرؤية قبل القيامة (مر 9 : 9-10)، يدلّ على الوجهة الفصحيّة للنصّ. غير أنّ هذا لا يسمح لنا أن نجعل من التجلّي كروستوفانيا (ظهور المسيح) فصحيّة.

إنّ تحليل المواضيع يتيح لنا أن نحيط إحاطة أفضل بالفنّ الأدبيّ. نحن أوّلاً أمام وحي محفوظ لثلاثة رسل مميّزين سوف نجدهم في الظروف الكبرى من حياة يسوع (مر 5 : 37 وز؛ 14 : 33 وز). والجبل الذي تماهى منذ القرن 4 ب.م. مع تابور، هو الموضع التقليديّ للتيوفانيات (خر 19 : 24؛ 34 : 1مل 19). وفعل "ماتامورفون" (نجده في مت ومر، لا في يو ) هو في صيغة المجهول (المجهول الإلهيّ) : إنّ الصوت الذي يفسِّر يفهمنا أنّ الله يُظهر يسوع في "شكل" (مورفي) الابن (غل 2 : 6). إنّ التحوّل إلى كائنات من ضوء يميّز القائمين من الموت (دا 12 : 3؛ 1كو 15 : 40-50؛ 2با 51 : 5). والثياب البيضاء اللامعة تشير إلى المدلول عينه (رؤ 3 : 4-5؛ 7 : 9 : 1 أخن 62 : 15؛ صعود إش 9 : 9).

ويرتبط ظهور إيليّا وموسى بالانتظار اليهوديّ : إيليّا هو السابق للمسيح (ملا 3 : 23-24؛ سي 48 : 10). وموسى هو مرافقه حسب قصيدة الليالي الأربع في الترجوم (خر 12 : 42). لقد دلاّ كلاهما أنّ يسوع هو تتمّة الكتب المقدّسة. والخيام التي عرض بطرس بأن ينصبها تشير إلى عيد المظال أو عيد الأكواخ، حيث كانوا ينتظرون ظهور ملك يهوه الشامل (زك 14 : 9، 16). والسحاب المضيء هو علامة عن حضور الله (خر 24 : 15-16؛ 40 : 35). والصوت استعاد ما أُعلن في عماد يسوع : فمع مز 2 : 7؛ إش 42 : 1، دعوة لسماع الابن كما في تث 18 : 15 الذي أعلن النبيَّ الشبيه بموسى (تفسير مسيحانيّ للنصّ في أع 3 : 22؛ 7 : 37). إنّ الإعلان الإلهيّ يشكّل نقطة الثقل في النصّ. عند ذاك توقّفت الرؤية ودُعي التلاميذ إلى الصمت حتى وقت التتمّة (كما في العالم الجلياني، رج دا 8 : 26؛ 12 : 9).

أورد كلّ إنجيليّ هذا الحدث، فوضع فيه لمسته الخاصة. حين أعلن مر 9 : 1 مسبقًا مجيء الملكوت في قوّة، دلّ على أنّ الملكوت يتحقّق حين يجلس ابن الإنسان ملكًا بقيامته (14 : 62). وأبرز مت السمات الجليانيّة، ودلّ (حين أعطى الأولويّة لموسى) على أنّ يسوع هو موسى الجديد الذي يفسِّر الشريعة بسلطان. وتفرّد لو فذكر صلاة يسوع. والخروج (من هذا العالم) الذي يتحدّث عنه موسى وإيليّا هو موت يسوع وقيامته (رج تفسير الكتب في لو 24 : 26-27، 44-45).

استعاد 2بط 1 : 16-18 خبر التجلّي ليدلّ على أنّه استباق للمجيء (باروسيا)، وليردّ على المعلّمين الكذبة الذين يشكّون في هذا المجيء. وفي الإنجيل الرابع، تظهر حياة يسوع كلّها مجلببة بمجد القيامة (1 : 14؛ 2 : 11). فالجواب على توسّل يسوع (12 : 27) في الصوت السماويّ (12 : 28، "مجّدته وسأمجّده") يعتبر نسخة يوحناويّة لحدث التجلّي.

إنّ التفسير الإنجيليّ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتذكّر، بحيث يصعب علينا أن نعيد بناء الحدث الأصليّ. لا نقدر أن نستبعد أنّ صلاة يسوع عرفت فترات من الانخطاف ولاسيّمَا في تلك الحقبة الحاسمة التي فيها يصعد إلى أورشليم رغم احتجاج بطرس. صيغ الخبرُ الحاليّ في الجماعة الرسوليّة التي اهتمّت بأن تبيّن أنّ يسوع يتمّ الكتب، فدلّ على أنّ يسوع كان، خلال حياته على الأرض، يشارك مجد الله كالابن، وإن ظلّ هذا المجد مخفيًّا. ويمكن أن نقابل الإعلان المثلّث لبنوّة يسوع في المحطات الهامّة من حياته : العماد، الآلام، اعتراف الإيمان لدى (الحرس) بعد موت يسوع (مر 15 : 39 وز). لهذا استند آباء الكنيسة إلى التجلّي ليتحدّثوا على ألوهيّة المسيح.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.