الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: تفسير (البيبليا في الكنيسة)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

بمناسبة مرور مئة سنة على رسالة لاون الثالث عشر "العناية الإلهيّة"، وبمناسبة مرور خمسين سنة على رسالة بيوس الثاني عشر "بفيض الروح القدس"، ظهرت في 15 نيسان 1993 وثيقة عن الفاتيكان تؤكّد وتوسّع ما وصل إليه المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور وحي الله (أو : كلام الله) وتفتح آفاقًا جديدة عنوانها : "التفسير البيبليّ في الكنيسة". وقد دوّنتها اللجنة الحبريّة البيبليّة بناء على أوامر يوحنا بولس الثاني. وقّعها قداسته في 23 نيسان، وأبرز فيها ثلاث ميزات أساسيّة : روح انفتاح، توازن واعتدال، تشديد على أن كلمة الله الفاعلة تتوجّه بشكل عام إلى جميع البشر.

بعد تمهيد، جاءت هذه الوثيقة في أربعة أقسام : منهجيّات ومقاربات التفسير البيبليّ. مسائل تأويليّة بيبليّة. أبعاد تميّز التفسير الكاثوليكيّ. تفسير البيبليا في حياة الكنيسة. في وثيقة تدلّ على انفتاح كبير، وتُوافقُ على التفسير التاريخيّ النقديّ، وتُقدّر سائر المناهج والمقاربات مثل المقاربة السيكولوجيّة والتحليليّة. يبدأ القسم الأول فيحلّل مناهج التفسير المعروفة اليوم، من المنهج التاريخيّ النقديّ إلى المقاربة التحرّريّة والنسائيّة. تُدرس النقاط الهامّة في كل منهج، ويقيَّم بشكل إيجابيّ قدر المستطاع. وهذا ما يعطي القارئ الشعور بأنه أمام عدد من المقاربات والمناهج تساعده على اكتشاف بعد النصوص البيبليّة وغناها. ويدافع النصّ عن التفسير التاريخيّ النقديّ، ويعتبر أن لا غنى عنه في دراسة علميّة لاكتشاف معنى النصوص القديمة. وبما أن الكتاب المقدّس الذي هو كلام الله، هو في الوقت عينه كلام البشر الذي دُوّن في لغة البشر، لهذا فهو يتطلّب أساليب بشريّة ولاسيّما التاريخ النقديّ. لا شكّ في أنّ لهذه المنهجيّة حدودها، ولكن امكانيّاتها مهمّة جدًّا لكي تنتزعنا من أصوليّة تتعلّق بالحرف وتنسى الروح، تتعلّق بالكلمة المكتوبة ولا تصل إلى الله الذي ألهم البشر لكي يكتبوها.

وتتوقّف الوثيقة عند القراءة الرموزيّة أو السيميائيّة. قدّمت المنهج ودلّت على حدوده، كما أبرزت ضعفه حين يضيع في لغة لا يفهمها عامّة الناس. وجاءت المقاربة السيكولوجيّة والتحليليّة التي تحمل غنًى كبيرًا على مستوى الخبرة الدينيّة، فتسعف "المبشّر" في العمل الرعائيّ. غير أنّ هناك خطرًا في مثل هذه المقاربة : تجعلنا ننسى واقع الخطيئة والخلاص، وتهدّد الطابع التاريخيّ لتعليم يستند إلى حدث فريد بدّل مجرى الكون. هذا لا يعني رفضًا لمثل هذه المقاربة، بل إشارة إلى حدودها، ولا سيّما إذا حاولت أن تتعدّى إمكانيّاتها كمحاولة بشريّة. أمّا المقاربة التحرّريّة التي نبتت بشكل خاص في أميركا اللاتينيّة، فهي ترتكز على مبادئ أساسيّة هامة : الله حاضر في تاريخ شعبه لكي يخلّصه. إنّه إله الفقراء الذي لا يتحمّل الظلم ولا الضيق. لهذا لا يستطيع التأويل الكتابيّ أن يبقى حياديًّا، أن يبقى في الغيوم، بل هو يأخذ جانب الفقراء، مثل الله، ويلتزم بالكفاح من أجل تحرير المستغَلّين. والمشاركة في هذا الكفاح تتيح للقارئ أن يكتشف معاني لا تنكشف له إلاّ إذا قرأ النصّ في إطار من التضامن الحقيقيّ مع المستضعفين. ولكن الوثيقة تبيّن أيضاً مخاطر هذا النمط من القراءة. فهذه المقاربة ما زالت فتيّة وهي تحتاج إلى الكثير من الفطنة. فهناك من يجعل جميع النصوص الكتابيّة على المستوى الواحد. ولكن من لا يعرف أن العهد القديم لا يحمل ملء الوحي وأنه يهيّئ الطريق للعهد الجديد! ثمّ إنّ هناك تيّارات في لاهوت التحرّر قد استلهمت تعاليم ماديّة دون أي روح نقديّة. أُخذت تحت ضغط المسائل الاجتماعيّة، فنسيت البعد الاسكاتولوجيّ في الكتاب المقدّس.

والمقاربة النسائيّة دخلت مع سائر المقاربات. فرحت الوثيقة بعدد النساء اللواتي يهتممن بتفسير الكتاب المقدّس، فيقدّمن نظرة جديدة، ويُبرزن نقاطًا كادت تضيع في النسيان. إذا كان الإنسان على صورة الله، فهو كذلك لأنه رجل وامرأة. فكلاهما صورة الله، لا واحد دون الآخر.

وتحدّث النص عن القراءة الأصوليّة لكي يرفض كل اتفّاق معها. فالأصوليّة لا تقبل بالقول إن كلمة الله الملهمة قد عبّر عنها لسان بشريّ، ودوّنت بوحي الله على يد بشر تبقى إمكانيّاتهم محدودة. لهذا السبب، تتعامل هذه القراءة مع النصّ البيبليّ وكأنّ الروح قد أملاه كلمة كلمة وحرفًا حرفًا. لهذا، فهي لا تستطيع أن تفهم أنّ كلام الله قد عبّر عنه لسانٌ بشريّ قد تأثّر بهذا العصر أو ذاك. المشكلة الأساسيّة في القراءة الأصوليّة هي في رفض الطابع التاريخيّ للوحي البيبليّ، وبالتالي استحالة قبول حقيقة التجسّد. إن القراءة الأصوليّة تعطي طابعًا تاريخيًّا أكيدًا لأحداث لم تعتبر نفسها يومًا تاريخيّة. أين المعنى الرمزي؟ أين المعنى الروحيّ ؟ هي تنساه وتتعلّق بالكلمة المكتوبة ولا تريد الخروج منها. لهذا بدت خطرًا عظيمًا، لأنّها شكل من أشكال انتحار الفكر. وعالج الفصل الثاني من الوثيقة مسائل تفسيريّة : كيف يفهم الإنسان المعاصر النصوص البيبليّة وهو الذي يهتمّ كما يهتمّ بالمعرفة التاريخيّة؟

وتوقّف عند محاولات مثل محاولة بولتمان الذي حاول أن يقرّب ما تقوله الكتب المقدّسة إلى إنسان اليوم. لهذا، يبقى عمل المؤوِّل الكتابيّ مهمًّا جدًّا في الكنيسة التي تجد موقعها في تقليد غنيّ يبدأ منذ القرون الأولى مع أوريجانس وإيرونيموس حتى أيامنا. وذكرت الوثيقة بين الأسماء الحديثة العالم الدومنيكاني لاغرانج الذي حورب وحارب كثيرًا في خطّ التفسير التاريخيّ النقديّ. ولكن يجب أن لا ينسى المؤوِّلُ مسؤوليّته حين يفسّر النصوص المقدّسة فيجعل غناها في متناول الرعاة والمؤمنين. وعملُهم لا يُدرك هدفُه إلاّ إذا ساعدوا الآخرين على أن يروا في النصّ البيبلي كلمة الله كما تتوجّه إليهم اليوم.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.