الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: ثواب (الـ ~ والعقاب)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

تُعلّم البيبليا بشكل واضح أن البرّ ينبوع سعادة، والخطيئة سبب شقاء. وهذا الرباط بين البرّ والسعادة، بين الخطيئة والشقاء، قد صيغ في قاعدة عامّة على أساس نظرة ملموسة، بل ماديّة، إلى البركة واللعنة (في مجتمع ريفيّ، تربط النصوص بين البركة والمطر في وقته، تث 11 : 11-14). هذا ما يراه الانسان، يحسّ به، يختبره. لهذا، لا يُستبعد أن تمرّ معاقبة الشرّ بواسطة الانسان، بفضل شريعة المِثل، في مجتمع لامركزيّ لا تحميه الشرطة (لا 24 : 10)، أو بفضل شريعة وضعيّة تنظّم، تحت نظر السلطة، العلاقات بين البشر، وتحدّد عقاب الجرائم. ولكن في النهاية، يرتكز هذا الرباط على عدالة الله التي حكمها لا يخطئ فتكافئ كل واحد بحسب أعماله. نجد كلامًا عن هذا التعليم في عدد من الأمثال (مت 20 : 1-16؛ 24 : 46-51 وز؛ 25 : 14-30؛ لو 19 : 11-28)، ونصوصاً واضحة في مز 1؛ 32 : 10؛ 62 : 12، 94؛ أم 24 : 12؛ جا 3 : 17؛ 11 : 9؛ 12 : 14؛ سي 16 : 1، 23؛ إر 32 : 19؛ (مت 16 : 27؛ رو 2 : 6؛ 2 كور 5 : 10؛ رؤ 20 : 12. إن الله يثيب حتى أفكار الانسان وأعماله الخفيّة (حك 1 : 7-11؛ مت 6 : 4، 6، 18؛ رو 2 : 16). وستصل الأمور بالدكالوغ (الوصايا العشر ) إلى تجاوز كل حدود ممارسة قانونيّة، وتحريم اشتهاء ما يخص القريب (خر 20 : 17؛ تث 5 : 21).

1) العهد القديم. ^ أولاً : المجازاة في حياة الانسان على الأرض. إذا وضعنا جانبًا بعض النصوص المتأخّرة، فالعهد القديم كله يفترض أن مجازاة الخير والشرّ تتمّ على هذه الأرض. فالشريعة وكتب الأنبياء تعد بالثواب والعقاب الزمنيّ، لا من أجل الشعب إجمالاً وحسب (تث 4 : 40؛ 5 : 33؛ 6 : 3؛ 7 : 12-26؛ 28 : 1ي؛ يش 1 : 7-8؛ 8 : 34؛ 23 : 1 ي)، بل من أجل الانسان الفرد الذي يُوعد بحياة طويلة وسعيدة في كنعان إن هو مارس الشريعة (خر 20 : 5؛ تث 5 : 16؛ 6 : 2؛ 15 : 4-10...). ونقول الشيء عينه عن تعليم المجازاة في الأسفار الحكميّة : فهو يتحرّك بشكل رئيسيّ في مجال السعادة على الأرض. فالفضيلة تمنح الغنى والكرامة (أم 3 : 16؛ 8 : 18-19؛ 10 : 22؛ 13 : 22؛ 22 : 4؛ مز 112 : 3، 10) والخصب (أم 3 : 10) والوفرة والازدهار (أم 13 : 25) والأولاد العديدين والسعادة في المنزل العائليّ (مز 128) وامتلاك الأرض (مز 37؛ 25 : 13)، والنسل (مز 37 : 8) والممتلكات الدائمة (أم 13 : 22). أما الخطأة فيهلكون مع نسلهم (مز 37 : 20-22، 34، 38؛ 112 : 10). والفضيلة تمنح الانسان الصحّة (أم 4 : 22) وطول العمر (أم 3 : 2؛ 4 : 10؛ 9 : 11؛ 10 : 27؛ 11 : 31؛ أي 5 : 26؛ مز 34 : 13؛ 91 : 16؛ سي 1 : 12، 20؛ 3 : 6). أما الخطأة فيموتون قبل الأوان (أي 15 : 20، 32؛ 22 : 16؛ أم 10 : 27؛ 22 : 23؛ مز 55 : 24). وتذكر التوراة أيضاً الخيرات الروحيّة، من صداقة الله وحبِّه وعطفه واهتمامه وحمايته (أم 3 : 23، 26، 33-34؛ 10 : 29؛ 11 : 8؛ 12 : 2، 22؛ 15 : 8، 29؛ 16 : 17؛ مز 84 : 12، 13؛ 91 : 14-16؛ 146 : 8). وتتلخّص هذه المجموعة من الخيرات الماديّة والروحيّة في لفظة "ط و ب" (طيّب، خير ) أو "ح ي ي م" (الحياة). فبعد الموت، يُجمَع الأخيارُ والأشرار بدون تمييز في الأسافل، في الموت (رج الألم والحياة).

(أ) المجازاة الفرديّة. دلّت الأخبار القديمة في التوراة بوضوح، على أن الله لا يحسب فقط حساب أعمال الجماعة، بل يثيب أو يعاقب أعمال كل فرد. فإن كان آدم وقايين ونوح وداود يمثّلون بشكل من الأشكال الجماعة، فامرأة لوط (تك 19 : 26) أو عير وأونان (38 : 7-10)، وشفرة وفوعة (خر 1 : 15-21)، ومريم (عد 12 : 10)، وأبيـمالك (قض 9 : 56)، وحفني وفنحاس (1صم 2 : 12-17، 34؛ 4 : 11)، ونابال ( 1صم 25 : 39) وعزّة (2صم 6 : 6) يدلّون على أن الله يجازي كل واحد بحسب أعماله (1صم 26 : 23؛ رج خر 32 : 33؛ تث 29 : 19-25). ومع أن التوراة تعود إلى الأمّة إجمالاً، فعدد من الترتيبات على مستوى الجرائم يستند إلى مبدأ المسؤولية الفرديّة (خر 21 : 14-15؛ 22 : 18؛ 30 : 33؛ 31 : 14؛ لا 20 : 3؛ عد 5 : 5-6، 31؛ 15 : 30-31...). فالمجازاة الفرديّة هي أساس السلوك في الحياة، ولا سيّمـا في الأسفار الحكميّة. ونلاحظ أن قاعدة المجازاة حسب أعمال الفرد، صارت مسألة نسبيّة في العهد مع سلالة داود حسب 2صم 7 : 14-16؛ مز 89. "فعهد النعمة" هذا غير المشروط، يهيِّئ أسئلة جذريّة لنهج المجازاة الفردية في الأدب الذي جاء فيـما بعد.

(ب) المجازاة الجماعيّّة لسلوك الفرد. هناك أمر لافت في المجازاة حسب العهد القديم : طابعُه الجماعيّ ولا سيّمـا في الحقبة القديمة. فالعقاب يصيب الجماعة بسبب خطيئة من أحد أعضائها. فكبرياء الانسان الأول حملت الألم إلى كل انسان في ممارسة وظائف حياته الخاصة. وقايين صار، عندما قتل أخاه، أب نسل ملعون. ووقاحةُ كنعان جعلت من أبنائه عبيد سام. وحين خُطفت سارة، عوقب بيت الذين قاموا بعمل الخطف (تك 12 : 17؛ 20 : 7؛ رج عد 16 : 27-30، قورح؛ يش 7 : 24، عاكان؛ 1صم 2 : 31، عالي؛ 2صم 12 : 10، داود؛ 1مل 14 : 10، رحبعام؛ تث 11 : 5-6...). الشعب كله يُضرب بخطيئة واحد (عد 16 : 20 - 22؛ يش 7 : 1 ي؛ 22 : 20؛ 2صم 21 : 1؛ 24 : 16-17). وأعلن خر 20 : 5؛ 34 : 7؛ عد 14 : 18؛ تث 5 : 9؛ إر 32 : 18، أن يهوه هو إله غيور يعاقب خطيئة الآباء حتى الجيل الثالث والرابع. هذا الشكل من المجازاة الذي يجعل الجماعة متضامنة مع أفراد خطأة، يجد أصله وتبريره في علاقات قانونيّة لجماعة عابرة فيها يرتبط الصراع من أجل الحياة ارتباطاً وثيقًا بين أعضاء عائلة أو عشيرة. وهكذا يكونون كلهم متحرّكين بروح واحدة فيشعرون أنهم مسؤولون عن أعمال الآخرين وهم كذلك. لهذا، لا يستطيع الامان المتبادل في هذا المجتمع أن يُكفَل إلا بشريعة انتقام الدم التي لا تنحصر في القاتل، بل تمتدّ أيضاً إلى الذين يتضامنون معه (2صم 21 : 5؛ 1مل 15 : 29؛ 16 : 11؛ 2مل 9 : 26؛ 10 : 6-7).

وهذا النمط من المجتمع ما زال موجودًا في العالم الحديث يقدر ما الانتماء الوطني أو الاتني يتجاوز الأفراد بحيث نكون أمام شخصيّة متضمنة (تتضمّن الأفراد في حضنها) أو شخصيّة جماعيّة (الجماعة أقوى من الفرد). ففي هذه الظاهرة القديمة، العلاقات بين المجموعة والفرد، هي علاقات الجزء بالأغصان في الشجرة. فالمجموعة حاضرة في كل فرد من أفرادها. والعضو الفرد يمثّل المجموعة كلها. ويجب أن نكمّل هذا البعد الافقي بالبعد العموديّ أو التاريخيّ. ففي الجدّ نجد بذار العشيرة أو الشعب. اسرائيل يدلّ على يعقوب كما يدلّ على نسله كلّه.

مقابل هذا، كل اسرائيلي يمثّل الجدّ في المعنى الحصري للكلمة، وبشكل عام، كل انسان هو "آدمي"، أي مرتبط بآدم. في أيام الملكيّة، خفّت (أو الغيت) استقلاليّة القبائل والعشائر والعائلات (أو البيوت)، فانضمّت تدريجيًا إلى مجتمع صار الكون فيه مدينة. فخسرت المجازاة الجماعيّة جزءًا كبيرًا من علّة وجودها. وقد دل 2مل 14 : 6 وشريعة تث 24 : 16 على تطبيق مبدأ المجازاة الجماعيّة في الاحكام، فبيّنا وعيًا لهذا الأمر. ولكن هذا لم يمنع أن يظلّ روح هذه المجازاة حاضرًا. ونجد بعض آثاره في المزامير (37 : 28، 38؛ 109 : 9-10، 14) وفي الأسفار الحكميّة (حك 3 : 12؛ 4 : 3-6؛ سي 41 : 5، 7).

تجاه هذا، تستطيع الجماعة أن تنعم بالمكافأة التي استحقّها أحد أفرادها. ففضيلة نوح خلّصت أيضاً أبناءه (تك 6 : 18؛ 7 :1، 23). وفضيلة لوط نجَّت كلَّ عائلته (تك 19 :12). وصدق كالب وشجاعته فتحا له ولأولاده الطريق إلى أرض الميعاد (تث 1:36؛ رج تك 26 :4-5؛ 2صم 6 :12...). وفي تعليم المجازاة الفردية الذي نجده في الأدب الحكمي ((أم 14:26؛ أم 20:7؛ سي 44:11-12) وفي المزامير (69 :37؛ 102 :29؛ 103 :17)، نجد النظرة عينها. بل اعتقد المؤمنون أن الله هو أكثر سخاء في الثواب وأقل قساوة في العقاب ((خر 20:6؛ خر 34:7؛ تث 5:10؛ إر 32:18). أما مبدأ التضامن في المجازاة، كما طبّقه اسرائيل، فينتج عن أخبار الآباء أو نصوص مثل يش 2 :18؛ 6 :22، 25؛ قض 1 :24-25.

(ج) مجازاة جماعيّة لسلوك الشعب. لقد دمّر الله البشرية التي قبل الطوفان بسبب شرّها. ودمّر كذلك سدوم وعمورة، والبنيامينيين في جبعة. وانتزع من الاموريين أرضهم (تك 15 :16؛ لا 18 :24-25؛ تث 9:15-16). وبلبل تخطيط البُناة المتكبرّين في برج بابل فشتّتهم. ومعارضة أريحا وعماليق لشعب اسرائيل كلّفتهم الحياة (1صم 15). وأعلن الأنبياء (أو صوّروا) في أقوالهم على الأمم دمار نينوى على أنه عقاب من الله لأجل شرورها. ودلّ تك 18 :22-32 حيث نرى الرب مستعدًا لكي يعفو عن سدوم لأجل عشرة أبرار فيها، أن الرحمة أقوى عند الرب من ثقل الخطيئة (حز 14 :12-23 يشير إلى نظرة أكثر قساوة). أما في تك 15 :16، فتأخير العقاب الالهيّ لا يبرّره صبرُ الله (الذي يترك للخطأة مهلة للتوبة)، بل العدالة الدقيقة (بل المنتقمة) التي تفرض عقابًا قاسيًا وتنتظر الوقت المناسب.

واحتلّ اسرائيل باختياره مكانة خاصة وسط الأمم، وإن كانت تلك المكانة لا تُبعد عنه كل عقاب. لهذا أعلن الأنبياء أن الشعب يعجّل في دماره بسبب انحطاطه الأخلاقيّ والدينيّ. واقتنع إر 5:1-6 أن يهوه يعفو عن أورشليم من أجل بارّ واحد. ولكن الفساد عمّ في كل مكان، فما وجد الله باراً مع أنه بحث. حسب حز 14:12-23، لا يقدر أناس مثل نوح ودانيل وأيوب أن يحموا المدينة من الدمار، مهما كانت أعمالهم واستحقاقاتهم (رج إر 15 :1-3). واستلهم تث هذه الكرازة وربط امتلاك الأرض الهادئ بممارسة الشريعة ممارسة دقيقة (4 :1، 40...). وحاول المؤرّخ الاشتراعيّ أن يبيّن، على ضوء الأحداث، أن دمار مملكة اسرائيل ومملكة يهوذا، كان المجازاة العادلة للخيانة (1مل 13 :34؛ 14 :16؛ 2مل 17 :7-23؛ 24 :3-4). وحدث أن ضُرب الأبرار مع الخطأة (مز 21:3، 9؛ تك 18 :23). ولكنهم نالوا العفو بعض المرات كجماعة (حز 9:4) أو أفراد (نوح، لوط، عبد مالك في إر 39:15-18 وباروك في إر 45:1 ي؛ رج حز 14 :12-23). ولكن البقيّة التي احتفظ بها الله ليتمّ المواعيد التي وعد بها الآباء، لا تتكوَّن، حسب حز 14:22-23، من الأبرار، بل من الخطأة والأشرار.

في هذه الظروف نفهم أن تكون عاطفة لامبالاة أو استياء قد سيطرت على الشعب في المنفى. وقد عبِّر عن هذه العاطفة بقول أورده حزقيال لكي يدلّ حالاً على عدم توافقه معه : "الآباء أكلوا الحصرم وأسنان البنين ضرست" (حز 18:2). ردّ حزقيال على هذا الموقف الانهزاميّ، فشدّد على أن الله لا يُسرّ بموت الخاطئ، بل يفضّل أن يراه يحيا، مع العلم أن التوبة هي الشرط الذي لا غنى عنه من أجل الحياة (18 :23-32؛ 33 :11، 14-16). والقول الذي فيه يقطع حز 18:1-32 كل رباط مع مبدأ المجازاة الجماعيّة، يُوضع في سياقه التاريخيّ. يتوجّه النبيّ إلى المنفيّين ويصف وضعهم بأنه بداية جديدة : استقلّ عن الماضي وما أهتم بأخطاء ورثها الأبناء عن الآباء، فأعلن أن الله يُعطي خلاصه للبار كما للخاطئ الذي يتوب. إذن، لسنا هنا أمام نظريّة عامة عن المجازاة، بل أمام وعد بالخلاص. إذا كان حز 37 قد بيَّن أنّ هذا الخلاص هو ممكن من جهة الله، فقول حز 18:1-32 يُعلن المتطلّبات المفروضة على الانسان لكي يتحقّق الوعد. ولكن مقابلة مع حز 16:1 ي؛ 20 :1 ي؛ 21 :3، 9-10؛ 23 :1ي، تبيّن بوضوح أنه، إذا كان عقاب اسرائيل عقابًا جماعيًا، فالنبيّ يفكّر في المجازاة الفرديّة حين يتحدّث عن الخلاص الآتي. هكذا فهمه إر 31:29-30 (هو إضافة لاحقة استندت إلى حز 18 :2). قبل إرميا مبدأ المجازاة الجماعيّة في ما يتعلّق بعصره، والمجازاة الفرديّة لحقبة إعادة بناء إسرائيل (رج آ29 : "في تلك الأيام").

ثانيًا : المجازاة بعد الحياة على الأرض. بعد المنفى، كانوا يعتبرون المجازاة الأرضيّة الشاملة والكافية، على أنها عقيدة بحيث يستخلصون خطيئة الانسان حين ينظرون إلى شقائه وتعاسته (أصدقاء أيوب؛ لو 13 :2، 4؛ يو 9 :2). هذه النظرة الصلبة التي كذّبتها الوقائع، قادت إلى ازمة جعلت التعليم حول المجازاة يتطوّر وينمو. في سفر أيوب، حارب أحد الحكماء الشرعيّة المطلقة للمجازاة على الأرض. وثار سفر الجامعة أيضاً ضد الرأي التقليديّ، وأعلن أكثر من مرّة (7 :15؛ 8 :10، 14؛ 9 :2-3) أن الخير لا يجازى دومًا، والشرّ لا يُعاقب. كل هذا عبثٌ في الوجود البشريّ. وبدت بعض المقاطع في سفر الجامعة (2 :26؛ 3 :17؛ 8 :12-13) تدافع عن الرأي المعاكس، وقد أقحمت هنا لكي توازي الطابع الهدّام و "الهرطوقيّ" للكتاب. ولكن بقدر ما وعوا صوابية هذه الانتقادات، حاولوا أن يخرجوا من المأزق. فبعد الطرح المتحدِّث عن وجود خطايا خفيّة (اعتبر أي هذه النظرة غير كافية)، كان كلام عن ضرورة الألم كمربّ للانسان ومكفِّر عن خطايا الآخرين (إش 53). ولكننا ما زلنا على مستوى التلمّسات بالنسبة إلى الحلّ الذي سينتصر في النهاية عبر طرق أخرى.

(أ) الاتحاد الوثيق مع الله. سبق لإرميا وواجه مسألة المجازاة التي صارت قاسية بالنسبة إليه بعد فشل مهمّته الظاهر (أحسّ أنه لم يعد جديرًا بالقيام بها، رج 11:18-12 :6؛ 15 :10-21؛ 20 :17-18). ومع أنه في صراعه الداخليّ وجَّه إلى الله كلامًا قريبًا من التجديف (15 :10-18؛ 20 :7)، فما تراجع ولا استسلم لليأس. أحسّ (واعترف) أن اتحاده بالله يكفي ليعطي معنى لحياته، فيكافئ آلامه خير مكافأة (15 :19-20). وصاحب مز 73 الذي يرتبط مع إر بقرابة روحيّة، تحدّث بوضوح أكثر. لم يصل إلى حلّ بشكل نظريّ (كما لم يصل إر 12 :1-15). ففي معبد الله ( آ17)، فهم أن المجازاة لا ترتبط بخيرات هذه الأرض. بل بسعادة تفهمُنا أننا موضوع اهتمام الله وحبّه (آ23-28). امتلأ حماسًا فعبّر عن يقينه بأن الله سيكون قسمتَه إلى الأبد (آ26) بحيث وصل إلى إمكانيّة تقول إن الموت نفسه لن يفصله عن الله. ظنّ بعض الكتّاب أنهم وجدوا هذا التعليم في آ24ب (مع ما فيها من غموض)، فقالوا : "من بعد (أي في نهاية حياتي) وإلى المجد تأخذني". هذا الشطر يلمّح إلى انتقال أخنوخ (تك 5 :24؛ سي 44 :16) وإيليا (2مل 2 :3؛ سي 48 :9). ففعل "ل ق ح" يعود في مز 49:16 (رج مز 16) فيدلّ على اتحاد مستمرّ مع الله كجزاء لعدالته.

(ب) مشاركة في السعادة الاسكاتولوجية، رج هنا المقال في القيامة.

(ج) تأثير هلنستي. اتصلّت بالانتروبولوجيا اليونانية (في النظرة إلى النفس، إلى الانسان) الافكارُ التقليدية في العهد القديم حول الحياة بعد الموت، فلقيت تحوّلاً هامًا في الاوساط الهلنستية (أوساط الاسكندرية مثلاً). قبلوا ببقاء النفس كمبدأ حياة، فأحلّوا محلّ النظرة إلى حياة للانسان منقوصة في الشيول، حياة أخرى كلها إيجابية ولا سلبيّة فيها. هذه النظرة الجديدة أتاحت للحكماء أن يعتبروا الوجود في الآخرة حياة، وبالتالي حياة من السعادة بفضل بعض الشروط. هذا لا يعني أن اليهود استقوا فكرة الخلود من الفلسفة اليونانية. فهذه الفسلفة أعطت فقط المقولات الضروريّة التي بفضلها برز اليقينُ الذي وُلد ونما في محيط بيبليّ، القائل إن الاتحاد مع الله لا يوقفه الموت. وصار هذا اليقين حقيقة مطلقة. لهذا، اعتبر حك 9 :15 الموت تحرّرًا يتيح لنفوس الموتى أن يقتربوا من الله (3 :9؛ 5 :15)، حيث يجدون، مع الملائكة (5 :5)، السلام والحب والرحمة (3 :3، 9). لهذا، لا همّ إن مات الانسان شيخًا أو قبْل أوانه، إن مات وله أولاد أو بلا عقب (3 :13-14؛ 4 :7-18). وقد يكون الموت المبكّر نعمة خاصة من لدن الله (4 :10-11).

2) العهد الجديد. ^ أولاً : المجازاة في الحياة على الأرض. قلّما تحدّث العهد الجديد عن المجازاة على الأرض. فيسوع يرفض النظرة القديمة التي ما زالت سارية في عصره. يعتبرها قاسية وغير متحرّكة (لو 13 :1-4؛ 16 :19-31؛ يو 9:2-3). غير أن مر 10:30-31 (بالنسبة إلى الذين يتركون كل شيء من أجل يسوع) و 1 كور 11 :29-30 (بالنسبة إلى تقبّل الافخارستيا) يقبلان بعض القبول بالمجازاة الفرديّة على الأرض. هذا هو الوضع بالنسبة إلى الجماعة اليهوديّة. نبّهها يسوع مرّات عديدة أنها ستعاقَب بسبب لا إيمانها (مت 21:33-46؛ 24 :1 ي؛ لو 13 :3، 5؛ 19 :41-44).

ثانيًا : ثواب وعقاب بعد الحياة على الأرض. أعلِنت المجازاةُ ليوم الربّ، ليوم القيامة أو اليوم الأخير، في لعنة مدن الجليل (مت 10:20-25). والمعيار هو الإيمان (بالمسيح، يو 12 :47-50؛ 2تس 1:7-8؛ 1بط 1:5)، الذي يجب أن يظهر من خلال الأعمال الصالحة (مت 25:31-46؛ يو 5 :29؛ رو 2:7-11). والسعادة التي هي حصّة الأبرار، تصوَّر بأشكال متنوّعة : كمجازاة وافرة في السماء (مت 5 :12 وز ). ككنز نجمعه على الأرض بأعمالنا وباستحقاقاتنا (6 :20؛ 19 :21؛ لو 12 :33). كمشاركة في وليمة ملكوت الله (لو 13 :29؛ رج مت 8:11؛ 25 :10). كدخول إلى فرح الربّ (مت 25:21، 23) الذي يقيمنا على كل ما له (مت 24:47؛ لو 12 :44؛ رج 19:17، 19). كامتلاك الملكوت المهيّأ لنا منذ أساس العالم (مت 25:34؛ رج 2بط 1 :11). وتتحدّث رو 2 :7، 10 عن كرامة ومجد وخلود وسلام. و1بط 4 :13 عن فرح وبهجة. و 1بط 5:4 عن إكليل مجد لا يذبل (رج أيضاً 2كور 5 :1؛ أف 2 :6؛ 1بط 1:4؛ رؤ 3:21؛ 7 :9).

أما الأناجيل الإزائيّة فتصوّر تصويرًا استعاريًا مصير الخطأة في نهاية الأزمنة كاستبعاد من قاعة الوليمة (مت 25:22) أو من ملكوت الله (1 كور 6 :9) أو كطرْد (لو 13 :28) إلى الظلمة الخارجية بعيدًا عن الملكوت ((مت 8:12؛ مت 22:13؛ 25:30)، كجلد وتعذيب (لو 12:47). وتتحدّث النصوص مرارًا عن نار محرقة (مت 13:42-50)، عن جهنّم (18:9؛ 23:33؛ مر 9:43-45، 47) أو النار الابديّة ((مت 18:8؛ مت 25:41؛ رج يهو 7) المهيَّـأة لإبليس ولملائكته (مت 25:41؛ رج مت 6:9؛ فل 1:28؛ 3:19؛ 1تم 5:3؛ 2 تس 1:9؛ 1تم 6:9؛ عب 10:39؛ 2بط 2:1، 3؛ 3:7، 16). ولا يقال مرّة بشكل واضح إن المجازاة تتمّ حالاً بعد الموت. ولكن هذه المجازاة مفروضة أقله بشكل موقّت في مثل لعازر (لو 16:19-31) وفي نصوص مثل لو 23:43؛ غل 1:23؛ 2كور5:6-8؛ رؤ 14:13. وعند يوحنا وبولس نجد فكرة تقول إن المجازاة الاسكاتولوجيّة تتمّ منذ هذه الحياة، لأنهما يعتبران الحياة (التي هي للازائيين مجازاة مقبلة، رج (مت 7:14؛ مت 18:8؛ 19:16-17، 29؛ 25:46؛ (مر 9:43-44؛ مر 10:17؛ لو 10:25؛ 18:18-30) خيرًا نمتلكه منذ الآن بالإيمان بالمسيح (رج * الدينونة). ونقول الشيء عينه عن الموت (الابدي) الذي هو مصير الخطأة الاسكاتولوجي، في نهاية الزمن (يو 5:24؛ 8:51؛ رو 1:32؛ 6:21-23؛ يع 1:15؛ رؤ 2:11؛ 20:6-14؛ 21:8). الموت هو لهم حالة تبدأ منذ هذه الحياة وتمتدّ إلى الأبد.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.