الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: حزقيال (سفر)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

أوّلاً : المضمون. يتضمّن حز تقرير كرازة حزقيال النبويّة في صيغة المتكلّم : أقوال ا كما يسمّيها هو نفسه (1 :3) التي سمعها، ورؤى ا التي رآها (1 :1). وهناك آيتان مدوّنتان في صيغة الغائب (1 :3؛ 24 :24). يختلف حزقيال عن إشعيا وإرميا اللذين قلّما يتحدّثان عن نفسيهما. لا شكّ في أنّه وصل إلينا بالنسبة إلى إرميا أخبارٌ مفصّلة عن حياته بلسان كاتب سيرته. أما حزقيال فينقل إلينا بنفسه، وبدقّة كبيرة، ومن بداية الكتاب إلى نهايته، اختباراته النبويّة. من هذا القبيل يشبه حزقيال إلى حد بعيد القسم الأول من زكريا (زك 1-8). مقابل هذا لا يتكلّم حزقيال إلاّ قليلاً عمّا حصل له خارج اختباراته النبويّة. وأهمّ التفاصيل المعطاة لنا هي في الآيتين المدوّنتين في صيغة الغائب. وعن مضمون أقوال ورؤى حزقيال أي تعليمه النبويّ رج حزقيال.

ثانيًا : أصل الكتاب. كان الشرّاح حتى بداية القرن 20 يعتقدون أن النبيّ نفسه كتب حز حسب مخطّط منطقي، وأن الوحدة الموجودة هي من عمل النبيّ. ولكن جاء من يقول إنّ النبيّ أعاد تنقيح كتابه أو أن تلاميذه كتبوا أمورًا عديدة. وهناك رأي يعتبر أنّ النبيّ كتب الأقسام الشعريّة وأن تلاميذه كتبوا المقاطع النثريّة. وجاء أخيرًا من يقول إنّ حز دوِّن بعد المنفى أي بعد موت حزقيال. في كلّ هذا نبقى في مجال الافتراضات ونحتفظ بالكتاب على أنّه وحي ا إلى مؤمنيه.

ثالثًا : وحدة الكتاب. للوهلة الأولى يبدو تنظيم حز بسيطًا جدًّا. 1 :1-3 :21 : رؤية النبيّ ورسالته؛ 3 :22-24 :27 : دينونة أورشليم؛ 25-32 : دينونة الأمم؛ 33-37 : خلاص الشعب وإعادة بنائه؛ 38-39 : آخر الصراعات ضدّ أعداء أقوياء سوف ينتصر الشعب عليهم؛ 40-48 : المعبد الجديد الذي حوله يتوزّع الشعب في أرضه.

ولكن حين نتمعّن في الأمور، نرى أنّ الأمور تتشعّب وتتعقّد. فنطرح السؤال : هل 3 :22-27؛ 4 :4-8؛ 24 :15-27؛ 33 :21-22 هي أجزاء مبعثرة لخبر مفكّك؟ وهناك تكرار في 18 :1-32 و33 :21-22؛ ثمّ ما الذي يربط مقاطع ف 21 سوى لفظة "سيف"؟ تنوّعت الكتابات، كما يرى البعض، فتنوّعت اليد التي كتبت : يد حزقيال عادت إلى النص. يد تلاميذه. يد الناشر. فحزقيال نفسه الذي كان واعظًا عن العقاب حتى حصول الجلاء الثاني، صار فجأة مناديًا بالخلاص. قدّم خطبة جديدة أو هو أعاد قراءة أقواله السابقة. مثلاً، أعاد تفسير إعلان سقوط صور على يد نبوخذ نصر (29 :17-20). وهكذا نفهم أنّ حزقيال أعاد النظر في أقواله السابقة : مثلاً، تلك التي تعلن فناء الباقين في أورشليم سنة 597 (11 :7-13). سيقول فيما بعد إنّ البقيّة ستذهب إلى المنفى. هكذا نفهم الإشارة إلى البقيّة (6 :8-10؛ 9 :4-8؛ 12 :16؛ 14 :22-23). "ثلث... ثلث... ثلث... ثمّ كميّة قليلة" (5 :2-3).

لهذا ننظر إلى حز في تقليد استعاد فيه النبيّ مواد سابقة نبويّة، اشتراعيّة، كهنوتيّة وجعلها في شميلة سيقرأها تلاميذه من جديد ويعطونها وجهة كهنوتيّة.

رابعًا : لاهوت حز. (أ) تسامي ا. إنّ لاهوت حز هو نفسه لاهوت المشترع الكهنوتي الحاضر في البنتاتوكس. إنّه يشدّد على تسامي ا. والصفة الإلهيّة التي يبرزها بصورة خاصة هي قداسة ا، لا على المستوى الأخلاقيّ فحسب، بل على المستوى الوجوديّ والماورائيّ. وتبريرُ عمل ا تجاه الفرد والشعب هو الدليل على هذه القداسة أو عقاب الخطيئة. لهذا فالنظرة إلى قداسة ا عند حزقيال تسير في خط واحد : فعنصر العاطفة في علاقات ا مع الإنسان يختفي بعض الشيء، والأفكار الدينيّة التي تطبع سائر الأنبياء بطابع التقوى نادرة. إنّ ا يعطي أغنى عطايا الخلاص من أجل مجده العظيم. فهو قبل كل شيء إله إسرائيل ويبقى كذلك. فيهوه وإسرائيل يخص الواحد الآخر أو كما يقول حزقيال على خطى التوراة : يهوه هو إله إسرائيل، وإسرائيل هو شعب يهوه (11 :20). هذا ما كانت عليه الأمور في الماضي، وهذا ما ستكون عليه في المستقبل. تصوّر ا مخطّط الخلاص لإسرائيل، وسيكشف عنه التاريخ. ويقوم هذا المخطط على دعوة (لا توجد الكلمة عند حزقيال) واختيار (20 :5) وقطع عهد (16 :8) أو توزيع خيرات العهد وأرض خاصة، وحضور الرب وسط شعبه كينبوع بركات غنيّة. كل هذا وعد ا به الأنبياء وحقّقه بعد الخروج من مصر. ولكن الشعب خسره بخطيئته في وقت السبي، فوجب على إسرائيل أن يترك أرضه، وما عاد ا يسكن وسط شعبه.

ففي أرض غريبة لم تعطَ رؤيةُ مجد ا إلاّ إلى شخص مميّز هو حزقيال. وهذه الرؤية أعطت للنبيّ الذي دلّ على مكانة إسرائيل المميّزة وسط سائر الشعوب (5 :5)، اليقينَ أن مصير إسرائيل سيتبدّل وأنّه سيعود إلى وضعه السابق (16 :55). سيتحطّم النير الغريب وسيجتمع اليهود المشتّتون. سيعود الشعب إلى أرضه، ويعيش هناك بأمان، وينعم بعهد سلام لن يسمّيه حزقيال عهدًا أبديًّا (رج إر 31 :31). ولكن من أجل عقد عهد السلام هذا، سيعطي يهوه إسرائيل قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا (11 :19؛ 36 :26). سيقدّس شعبه ويطهّره. حينئذٍ يتحقّق الخير الثاني الناتج عن العهد : يسكن يهوه وسط إسرائيل إلى الأبد (37 :25).

وإنّ حزقيال متيقّن من هذا الأمر بحيث يرى منذ الآن المكان الذي يقيم فيه يهوه (ف 40-48). يرتّب هذا المكان بشكل يرضي كلّ متطلّبات قداسة ا. وبحسب الشرعة النبويّة المعروضة، تكون أرض يهوه خصبة بطريقة مدهشة (36 :30)، ويعيش إسرائيل شعبًا واحدًا (37 :22) مع راع واحد إلى الأبد. والراعي هو صورة مسيحيانيّة، لأنّ النصوص التي تذكره تذكر مواضيع سائر الانبياء المسيحانيّة والاسكاتولوجيّة. هناك من ينكر أن نكون أمام المسيح الذي أنبأ به الأنبياء (خصوصاً إشعيا في نبوءة عمانوئيل وعبد الرب) والذي يتمّ الخلاص باسم الربّ وأمره. فالمشترع الكهنوتيّ يجهل المسيحانيّة التي نادى بها هؤلاء الأنبياء. وهذا يتّفق مع الواقع وهو أنّ العهد الجديد لا يفسّر في معنى مسيحانيّ نصوص حزقيال المذكورة غالبًا (17 :22-24؛ 34 :23 ي؛ 37 :24 ي). ولكن حزقيال لا يتوقّف عند مثال اللاهوت الكهنوتيّ. إنّه يذهب أبعد من سابقيه. ولكي نقتنع بالقول، يكفي أن نستعيد 34 :3، ونتذكّر أن يسوع يسمّي نفسه الراعي الصالح (يو 10:11-16)

(ب) حضور ا. مجد ا هو تشخيص (10 :4). وهو لا يرتبط بعد بأورشليم وبالهيكل. بل يمكن أن يظهر في أرض نجسة (حز 1-3). يترك المدينة والهيكل بعد أن صارا مغارة لعبادة الأوثان (8-11)، ويعود بعد دمار الهيكل (43 :1-7أ). فالحياة ارتبطت بهذا الحضوري الإلهيّ، لا الحجر. فإن رأى حزقيال في بداية الكتاب حضور ا في وسط مسبيّي بابل، إلاّ أنّ النصّ يؤول إلى الآية الأخيرة الذي يكرّس إقامة اسرائيل في أرضه. "منذ ذلك اليوم، يكون اسم المدينة يهوه شمه، أي الرب هناك" (48 :35؛ رج 37:28). إنّ كلّ المواعيد تشدّد على حضور ناشط لإله يهتمّ اهتمامًا خاصًا ومباشرًا بشعبه (20 :33؛ 34 :11). وهذا التقارب بين ا وشعبه يختمه عهد سلام (34 :25-30). فلا نصل إلى اتّفاق جافّ، بل إلى رؤية عجيبة فيها تخرج مياه وافرة من بيت ا لتفيض الحياة والخصب (47 :1-12). ففي ا وحده نجد الحياة.

هنا تُذكر عبادة الأوثان. فإذا كان التعرّف إلى ا هو المتطلّبة الأساسيّة التي تجعل من اسرائيل شعبًا وُعد بالحياة، فالشرك يعني اختيار الموت، وهو ما يدلّ على رفض تسامي ا وحضوره. لسنا هنا أمام أزمة عابرة سبّبتها ظروف تاريخيّة، مثل الإقامة في كنعان وسط شعوب أوثانيّة. بل رفض أساسيّ بدأ منذ اليوم الأول، بل تمرّد (20 :8). ولفظة "تمرّد" هي لفظة مفتاح في حز تدلّ على موقف اسرائيل. وقد خلق حزقيال عبارة "بيت تمرّد" (2 :5). ورفْضُ ا يعني الخضوع للأصنام. ذهب اسرائيل فعبد هذه "الرجاسات" (20 :4، كلمة تطبّق على الأمم الوثنيّة، تث 18:9، 12)، هذه "السفالات" وهذه "الأوثان القذرة" (20 :7-8). وعلى مدّ الكتاب يفضح النبيّ شرك اسرائيل في كلّ أشكاله، فيدلّ إلى أيّ حدّ لم يعد اسرائيل شعب ا (6؛ 8؛ 14 :1-6؛ 16 :15-43؛ 18 :5-6أ؛ 20).

غير أنّ عبادة الأوثان هي وجه من اغتراب اسرائيل وضياع ذاته. فالوجه الثاني هو الظلم الاجتماعيّ : فالوجهان لا ينفصلان (8 :17). كان حز هنا في خطّ أنبياء القرن 8-7. ولكنّنا نتعرّف إلى احتجاجه من خلال لمسات خاصّة. استعمل كلمة "استغلّ" على مستوى التضييق الاجتماعيّ، ولاسيّمَا في ما يتعلّق باستلاب أرض الفقراء (45 :8؛ 46 :18). كما وصف بشكل عام استغلال الضعفاء (18 :7، 12، 16؛ 22 :7، 29). فالجور والعنف هما قسمة أورشليم كل يوم (7 :23؛ 8 :17؛ 12 :19). وإذ يتكلّم النبيّ عن "الصدّيق" (18 :5-13؛ 33 :12-16) يشير إلى الرب. أمّا طريقة فرز الناس فتتمّ انطلاقًا من معايير اجتماعيّة : "أنا أحكم بين السمينة والضعيفة" (34 :20). الربّ يرعى بالإنصاف، يعني يزيل الأغنياء (34 :16). ويتوسّع حزقيال في انتقاد الطبقة الحاكمة (رج مي 3 :11؛ صف 3:3-4). كلّهم خطئوا : الكهنة والرؤساء والأنبياء والأغنياء (22 :25-29). أمّا الأكثر خطأ فهم الملوك الذين اهتمّوا فقط باستغلال الشعب. وحدهم (45 :8-9) أو في رفقة الملاّكين الكبار (34 :1، 10). إنّ السلطة أفسدت أولئك الذين أُعطوا المسؤوليّة الكبرى.

(ج) دور الشريعة. بما أنّ حزقيال دخل في تفاصيل ملموسة على مستوى الظلم واللاعدالة، شعر بعضهم أنّه يعيد كل شيء إلى تتميم سلسلة من الأحكام والقواعد. بما أنّ الشعب الاسرائيليّ تجاوزها، فهو يموت (ف 18) وأورشليم تدمّر (5 :5-8؛ 22 :7-16). غير أنّنا لسنا هنا أمام شريعانيّة تعارض الخلقيّة النبويّة السابقة التي كانت ديناميكيّة وروحيّة. رأى اسرائيل الشرائع تتوسّع، مثل تث أو شرعة القداسة في لا 17-26. إذن، ذكر حز أنّ اسرائيل تسلّم شرائع تتيح له أن يعيش في نظام أراده ا، فلا بدّ من تنظيم الحياة لئلاّ تصبح ينبوع أنانيّة. والقضيّة بالنسبة إلى اسرائيل قضيّة موت أو حياة في شكل مملوس جدًّا، لأنّ كيان اسرائيل يعني علاقة خاصة بالإله القدوس. كان حز أول من أعلن دينونة ا وفيها يؤدّي اسرائيل حسابًا عن سلوكه (7 :3؛ 20 :4؛ ف 35-36)، لأنّ مسؤوليّة اسرائيل وحرّيته هما على المحك. وهكذا نكون أمام تحديد لمتطلّبة ا. ولكن لا يمكن أن يكون هناك من شريعانيّة، لأنّ الغفران يُعطى مجّانًا (18 :31)، ولأنّ إمكانيّة الطاعة لوصايا ا هي عطيّة من ا الذي يبدّل القلوب (36 :26-27).

وإذ أراد حز أن يدلّ اسرائيل أنّه لا يستطيع أبدًا أن يُبرز "استحقاقاته"، عاد أكثر من مرّة (وهذا ما لم يفعله الأنبياء قبله) إلى تاريخ اسرائيل (16 :20؛ 23؛ 36 :16-20). هذا التاريخ هو سلبيّ من أوّله إلى آخره. فلم يكن اسرائيل في يوم من الأيام شعب ا، بمعنى أنّه أظهر حضور ا أمام الأمم، وهذا كان علّة اختياره (أي : اختاره ا ليظهر حضوره). اسرائيل هو عابد أصنام منذ الإقامة في مصر (ف 20). وأورشليم ليست عاصمة مجيدة، بل قرية من أصل وثنيّ (ق 16). فليست أفضل من السامرة. وكلتاهما ليستا أفضل من سدوم (ف 23). لا نستطيع أن نجد في هذا التاريخ شيئًا يكفّر عن عبادة الأصنام التي رافقت اسرائيل منذ ولادته. فتاريخ الشعب ضلال طويل ينتهي بالمنفى (20 :23). فتجاه تاريخ اشتراعيّ (تث، يش، قض، ا و2صم، 1 و2مل) حاول أن يلقي بعض الضوء ليحافظ على المستقبل، اتّخذ حز موقف قطيعة تامّة يمنع الشعب من تجربة العودة إلى الماضي : يجب أن يقبلوا بالموت والدمار، لكي يصلوا إلى حياة يعطيها ا.

دان ا شعبه، وهو يدين الأمم. فإذا كان اسرائيل قد أخطأ إلى هذا الحدّ، فما تكون خطيئة الأمم؟ لذلك احتلّت دينونة الأمم حيّزًا هامًّا في حز (ف 25-32؛ 35). ولكنّنا ندهش حين لا نرى دينونة بابل. بيد أن حزقيال منطقيّ مع نفسه : فهو يتحدّث عن انتصار بابل على أعدائها، وهكذا لم يعد من أمل لإسرائيل في التحالفات السياسيّة. ولا يفهم حز الأقوال على الأمم كتعزية لإسرائيل، بل كدلالة على ازدياد الوضع خطورة. ليس من أمل في الأفق، وبشكل خاص من جهة مصر التي كرّس لها إشعيا أربعة فصول (29-32). إنّ أهميّة هذه الأقوال على مصر تبرز في تأريخها المحدّد : فستّة تواريخ (من 12 تاريخًا، أو 14 حسب بعض الشرّاح) نجدها هنا. وهكذا يظهر ا أنّه لم يُؤخذ على غفلة منه. فهو عارف بالأحداث، وهو يكلّم الأمم بسلطان. فإذا أراد العالم أن يثبت وأن يعيش في سلام، هناك حدود لا يمكن تجاوزها. فكبرياء الأمم تهدّد توازن العالم (29 :3، 9؛ 30 :6؛ 31 :10-11؛ 32 :11). والأقوال على صور تحدّد ينبوع هذه الكبرياء : الجمال والغنى (27 :3-4؛ 28 :1-4). فالغنى له مخاطره. لقد دهش شعب من المزارعين الفقراء، شعب اسرائيل، حين رأى جزيرة لا زراعة فيها، مثل صور، تصبح غنيّة جدًّا. هذا يعني أنّ التجارة هي إجرام (28 :5، 16-18). فمن اغتنى بفضل عمل الآخرين، اقترف جرمًا. ما من نبيّ لاحظ هذا الأمر في السابق على المستوى الدوليّ. فعلى أهل صور أيضًا أن يعرفوا أنّ الربّ هو ا. ذاك هو هدف الأقوال على الأمم، وإن كان ا لا يستطيع أن يتوجّه إليها في صغية المخاطب (كنتم) كما في هو الأمر مع شعبه.

(د) الخلاص. لم ينل شعبُ اسرائيل وحده وعدًا بالخلاص، بل مصر أيضًا (29 :13-16) وبالنسبة إلى هذا البلد الكبير، الخلاص يعني أن يتخلّى عن السيطرة بحيث لا يحاول أن يقف فوق الآخرين. فماذا يكون الخلاص بالنسبة إلى شعب اسرائيل وسائر الشعوب؟ فبعد الموت والدمار، لن يكون الخلاص سوى تجدّد تام. يتطهّر شعب اسرائيل (36 :26)، وتُعاد له إمكانيّة أخذ القرار (36 :26). والروح الذي أعطى القوّة للنبيّ، يقيم في بني اسرائيل ويعلّمهم الطاعة (36 :27). ورؤية العظام اليابسة (37 :1-14) توخّت أن ترينا هذا التبدّل الذي هو في الحقيقة، عبور من الموت إلى الحياة. ولكن ما يلفت النظر، هو أن حز لا يبقى على مستوى السخاء الذي لا يلزم الانسان في شيء، لا يبقى على مستوى "العاطفة".

فسمؤوليّة كل واحد تبقى هي هي، رغم الوعد الذي أُعطي للشعب. لهذا شدّد حز على الفرديّة (18 :1ي؛ 33 :1ي)، حتى في نظرته إلى التاريخ. فكل انسان يُدعى إلى التوبة، وينال تنبيهًا يتوجّه إليه توجّهًا خاصًا (18 :4، 20).كل انسان يحمل قيمته في ذاته (20 :37-38؛ 34 :17-22)، ويكون مسؤولًا عن أعماله.

والإطار الذي فيه يُعاشُ الخلاص الذي يقدّمه الله، هو خلاص شعب مع أرض مستعادَة (36 :29-37) زال منها الخوف والجوع وسيطر الأمان (34 :25-31). وعادت النظم القديمة (العهد، الهيكل، ملكيّة داود، أرض الموعد) إلى ما كانت في السابق، ولكن بنعمة مجانيّة من عند الله (37 :24-28). فهي أيضًا لم تقدر أن تقاوم الانهيار الذي تبع المنفى والذهاب إلى السبي. وظلّ حز يهتمّ بوحدة مستعادة في شعبه (37 :15-23). غير أن على هذه الوحدة، بعد الآن، أن تحفظ حقوق كل قبيلة، لا أن تبتلعها.وخارطة أرض اسرائيل الجديدة (45 :1-8؛ 46 :16-18؛ 47 :13- 48 :29) قسمت الأرض ثلاثة عشر قسمًا متساوية : قسم لكل قبيلة، وقسم لأورشليم والكهنة، والأمير الذي حُدِّدت صلاحيّاته تحديدًا دقيقًا. هذا الأمير الذي يُسمّى بعض مرات داود الجديد (34 :23؛ 37 :24)، يكون في الواقع مجرّد رمز عن وحدة الشعب المستعادة : وحدة اجتماعيّة (ف 34)، ووحدة سياسيّة (ف 37). أما الملك الحقيقي، فهو الربّ (20 :33) الذي هو ينبوع كل حياة.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.