الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: خطيئة، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

داخل الخبرة البشريّة الشاملة للشرّ، يُلقي الوحي البيبلي ضوءً ا على واقع لا يمكن أن نتحدّث عنه إلا في الإيمان، هو واقع الخطيئة. اكتشاف بطيء ومتدرّج، تعميق لمعنى الخطيئة يترافق مع اكتشاف سرّ ا ومشروعه الخلاصيّ العظيم. فالخطيئة في معناها الخاص لا تُفهم إلا بالنسبة إلى قصد ا حول الكون والانسان، كل انسان. وذلك بالنسبة إلى العهد، بالنسبة إلى الحياة الحقيقيّة التي لا يمكن أن تكون للانسان حياة مع ا، حياة بحسب الروح.

1) العهد القديم. الخطيئة في العهد القديم لها مدلول ديني أكثر منه أخلاقي. لسنا أولاً أمام تجاوز قاعدة وقيمة لها صفات خاصّة، بل أمام قطع رباط شخصيّ، ورفض مشروع ا المعلن، ورذْل ارادته، وإغاظة شخصيّة للقدّوس الذي عقد عهدًا مع شعبه. رج تك 1-11؛ مز 32؛ 51. ومجمل أقوال الأنبياء.

أولاً : طبيعة الخطيئة. (أ) تجاوز القدسيّات. هناك أخبار شعبيّة قديمة قد احتفظت بأساس نظرة آليّة وخارجية عن الخطيئة : تصوَّر الخطيئة تجاوزًا (ماديًا في بعض المرات) لمنطقة ا، فيُجعل الانسانُ بذات الفعل خاطئًا وموضوع غضب ا (2صم 6:6-8). وهكذا نلتقي بنظرة بديئية إلى ما هو "مقدّس" (نجدها في كل الشرق القديم) : هناك أشياء وأماكن محرّمة على الخبرة الدنيويّة. لا نستطيع أن نقترب منها دون أن ننال عقابًا على ذلك إذا لم نكن مهيّأين على المستوى الطقسيّ (الطاهر والنجس، والنجاسة المرتبطة يتجاوز إحدى المحرّمات). من الواضح أن العهد القديم تجاوز كل التجاوز هذه النظرات الخارجيّة إلى الخطيئة. ولكن لهذه الألفاظ قيمتها، وقد ظلّت مستعملة في نصوص متأخرة (مز 51:4، 9) : إنها تعبّر عن طابع ا المتسامي، عن سرّ محرق، عن طابع الخطيئة التي هي قبلي ومعي، أقترفها غصبًا عني وبإرادتي، التي هي "لطخة" تلتصق بي.

(ب) إغاظة، ضرر، قطع رباط شخصيّ مع الاله الحيّ. تابعَ العهدُ القديم بواسطة الانبياء بشكل خاص، تعمّقه في هذا الاتجاه. فمنذ الخبر اليهوهي للبدايات (تك 1-11)، قدّم ف 3 خطيئة الزوجين الأولين كنموذج لكل الخطايا التي جاءت بعدها. الخطيئة عمل موجّه ضدّ ا، ولها نتائج خراب بالنسبة إلى الانسان وإلى محيطه. الخطيئة جهالة تقود الانسان إلى الموت. فهذا الانسان المرتبط ارتباطاً جذريًا با يريد أن يكون مستقلاً، أن يجعل نفسه مزاحمًا . عندئذ يخسر اتجاهه العميق بالنسبة إلى منابع الحياة الحقّة (تك 3 :8، 22-24؛ رج 4:11 الذي يدل على تكاثر الخطيئة وتناميها، وعلى تقهقر الحياة. رج تاريخ البدايات). وهكذا تنكشف الخطيئة كقوة تستعبد الانسان، وهي عبوديّة لا يخلّصه منه إلاّ تدخّل إلهي، تدخل يمنحه الخلاص الحقيقيّ. خلاص يكون دومًا تحرّرًا، فيعيد اتجاه الحياة ( توبة ورجوع)، ورباطات الحياة بالعهد، بالنسبة إلى كل واحد، وبالنسبة إلى الشعب كله. هذه الخبرة العميقة التي بدأ شعب اسرائيل يعيشها كانت خصبة على مستوى اللغة والتعابير.

(ج) الالفاظ. الألفاظ التي تعبّر عن الخطيئة في العهد القديم هي غنيّة ومبتكرة. فالكلمات المستعملة لا تعود إلى لغة دينيّة خاصة. فبجانب مدلولها الدينيّ والاخلاقي، احتفظت بمعناها الدنيويّ. والصور المحسوسة التي تشير إليها الجذور العبريّة، تبقى قريبة جدًا من حياة الانسان اليوميّة. هناك "ح ط"، "ح ط ا ت". إن فعل "ح ط ا" يعني أخطأ الهدف، ابتعد. تبدو الخطيئة إغاظة ضد ا أو البشر. ولفظة "ع و ن" التي تعني الملتوي والمعوجّ، قد تدلّ على الوجهة الخلقيّة في الخطيئة. ولكنها تُبرز أيضاً واقعيّتها كشيء أمامنا (نجد هذه اللفظة عند الأنبياء). في أقوال الأنبياء، تكشف هذه الالفاظُ الوضع الحقيقيّ للخاطئ أمام ا، لا برّه بالنسبة إلى العهد. ولفظة "ف ش ع" (تمرّد، ثورة) تدلّ على النيّة السيّئة نفسها وتُبرز المبادرةَ التي يتّخذها الانسان في هذه القطيعة. إن "فشع" تعبّر أفضل من غيرها عن الوجهة الدينيّة في الخطيئة : معارضة ارادة الانسان ، رفض السماع له، خيانة ورذل. ونجد عبارات مصوَّرة تُبرز هذه الوجهة. يقال أن الخطيئة تجرح، تحزن، تغضب، تسيء إلى ا ((تث 4:25؛ تث 9:18؛ 32 :31؛ قض 2 :12؛ إر 11:17). الخاطئ يحتقر، يُغضب، يهين ا ((عد 14:11؛ عد 16:30؛ (إش 1:4؛ إش 5:24؛ مز 74:10، 18). وهناك نصوص تراعي تسامي ا، فتتجنّب القول إن الخطيئة تمسّ ا ذاته. نقرأ في إر 7:19 : "ألعلّهم يسخطونني، يقول الرب؟ بل يسخطون نفوسهم لخزيهم". رج أي 35 :5-8. غير أن هناك نصوصاً عديدة تجعلنا نستشفّ هذا الواقع السرّي : حين قطع ا عهد حبّ مع شعبه، صار شخصاً "تجرحه" خطيئتُنا. ما عاد يستطيع أن يبقى "بلا احساس" (وإلاّ يكون صنمًا) أمام خطيئة اسرائيل التي تصوّر قطعًا لعهد الحبّ، زنى وخيانة، تجردًا ونسيانًا تامًا للرحمة (هو 1-3؛ إر 2-3؛ حز 16؛ إش 54:6-10). ونجد في بداية مز 51 (الذي هو قمّة تعبير المؤمن عن وجدان خاطئ) الألفاظ الثلاثة التي ذكرناها : "ح ط ا ت". "ع و ن". "ف ش ع". ولكن تأتي بعدها حالاً ألفاظ تحدّثنا عن ا الحنون (ح ن ن)، المحبّ (ح س د)، الرحيم (ر ح م ي م). وتأتي بعد ذلك عبارات تدلّ على "عودة القلب" وطلب حارّ من أجل "قلب جديد" بواسطة "خلق جديد" (رج حز 11:19؛ 18 :30-32؛ 36 :26؛ إر 31:31-34).

ثانيًا : تحليل الخطيئة كفعل. يعتبر العهد القديم (شأنه شأن العهد الجديد) أن أصل الخطيئة هو في الانسان. لن نبحث عن تفسير في "مبدأ الشرّ"، ولن نتّهم ا (سي 15 :11-17؛ رج عا 3:6؛ إش 45:7، لا شيء يُفلت من سلطة ا الخالق). يشير خبر تك 3 إلى الحية، فيدلّ على إغواء، يأتي من خارج الانسان (تسمّى فيما بعد الشيطان أو إبليس، حك 2 :24؛ رج زك 3 :1-9؛ أي 1 :6). فالتفكير في البداية يُبرز واقعًا يقول إن الشرّ حاضر هنا، وهو يجتذب الانسان (هو 2 :3-7 يتكلّم الآن عن يعقوب اسرائيل؛ مز 51:7 هو شخصي وجماعيّ؛ تك 3 على مستوى البشريّة). وهناك نصوص تتحدّث عن الشهوة في داخل الانسان (نوايا سيّئة تتكوّن في قلب الانسان "طوال النهار" أو "منذ صباه" : تك 6 :5؛ 8 :21؛ إر 17:9؛ أي 14 :4؛ 15 :14-16، اجتذابات مختلفة : أي 31 :24-25). يرى العهد القديم أن الموضع الذي تتكوَّن فيه (داخل الانسان) المشاريعُ الصالحة والرديئة، هو القلب. وقيمة الانسان على المستوى الاخلاقي هي قيمة قلبه (أقوال حول "ختانة القلب"، لا 26 :41؛ تث 30:6؛ (إر 4:4؛ إر 9:25؛ حز 44:7-9؛ "القلب المنكسر"، (مز 34:19؛ مز 51:19؛ إش 61:1؛ القلب الجديد الذي هو ثمرة العودة وعطيّة ا : حز 18:31-32؛ 36 :26). ولفظة "ضمير" لا توجد في هذا المعنى إلا في حك 17 :11. نجد تمييز الخطيئة المقترفة "بيد مرفوعة"، وتلك المقترفة بضلال أو بدون شرّ (لا 4-5؛ عد 15:22-31). فعبر الافعال الخارجيّة، يلفت الأنبياء انتباهنا إلى أعماق الانسان حيث الأمانة للعهد حاضرة وحيث يتمّ الخيار بين الحياة والسعادة من جهة، والموت والشقاء من جهة أخرى (تث 30:15-20).

2) السبعينيّة والعالم اليهودي. نجد هنا تشديدًا على الوجهات القانونيّة : الخطيئة "دين" يعفينا منه ا أو لا يعفينا. والفعل اليوناني "افياناي" (غفر، عفا) يترجم كلمات عبريّة مختلفة (س ل ح، لا 4 :20؛ 5 :10، 13؛ 19 :22؛ ك ف ر : إش 22 :14...). وقد شدّد العالم اليهودي على هذه الوجهة القانونيّة ولا سيّمـا في تعليمه عن المجازاة. "ح و ب هـ" (ما يجب علينا) هي الخطيئة. وكان تشديد أيضاً على حريّة الانسان. فيجب عليه (وهو يقدر ) أن يسهر لكي يكون عدد أعماله الامينة متفوّقًا على عدد خطاياه (ميزان).

3) العهد الجديد. هامرتيا (خطيئة). أنوميا (لاناموس). عند بولس بشكل خاص، باراباسيس (خطوة خاطئة، تجاوز ). "بارابتوما" (سقطة). باراكوي (لاسماع، عصيان، رو 5 :14-19).

أولاً : الأناجيل الإزائية. ما يلفت النظر هنا هو سياق استعمال هذه الألفاظ : إعلان غفران (أو الإعفاء) الخطايا هو قلب الانجيل كخبر طيّب (لو 24 :47). والدعوة الملحّة إلى التوبة للدخول في خلاص ا الذي يقدّم لنا اليوم (لو 3 :3؛ رج مر 1:4-5، 15؛ 2 :5، 17)، هو وحي عن رحمة ا في مواقف يسوع وأقواله (لو 7 :36-37)، وذلك في خط الأنبياء هوشع، إرميا... هذا مع العلم أننا نجد نظرات موروثة من العالم اليهودي مع فعل "اوفايلاين" (مت 6:12؛ 18 :22-35؛ لو 7:41-42). وهناك وحي واضح حول شموليّة الخطيئة، وحاجة البشريّة كلها إلى الخلاص الذي يقدّم للجميع في شخص يسوع المسيح. وهكذا تترافق الخبرتان : خبرة الخطيئة وخبرة الخلاص. ولكننا نحسّ منذ بداية عمل يسوع (مر 1:12، 27؛ 2 :5، 17) أن مُلك قوى الشرّ في العالم قد شارف على نهايته.

ثانيًا : الرسائل البولسيّة. فكّر بولس بالخلاص في يسوع المسيح، فرأى الخطيئة "قوّة" شرّ، قوّة موت. دخلت إلى العالم بعد أن تجاوز الانسان الأول (آدم) الوصيّة (رو 5 :12، 14). والخطيئة تسود جميع البشر ما دام المسيح لم يخلّصهم (غل 3 :22؛ رو 3 :19، 23؛ أف 2:1-3). فالخطيئة المشخّصة (هامرتيا، مع الـ التعريف في الرسالة إلى رومة) هي سيّد مستبدّ تقود الانسان إلى العبوديّة والموت (رو 5 :12، 21؛ 6 :7، 14، 16، 19، 23؛ 7 :7-8). الخطيئة (كشخص حي) هي أكثر من مجموع تجاوزاتنا وذنوبنا. هي حالة ابتعاد عن ا وعجز عن إدراكه. وما ينجينا من الخطيئة، نعمة ا التي أعطيت لنا في المسيح الذي أسلم، مات عنا، عن خطايانا (1كور 15 :3، 17؛ غل 1 :4). وهذه النجاة التي هي جذريّة في مبدأها، والتي تُدخلنا في الحرية الحقيقية وفي الحياة بحسب الروح، تبقى معرّضة للخطر في هذه الحياة، لأن المسيحي يقدر أن يسقط أيضاً تحت سلطة الخطيئة (رو 6:12-13).

ثالثًا : الكتابات اليوحناوية. نجد هذه السمات عينها عند يوحنا. فالخطيئة (هامرتيا، 31 مرة، منها 25 في صيغة المفرد، كأنها شخص حيّ) وقوّة الشرّ لهما اسم هو "سلطان" هذا العالم الذي يعارض ا معارضة لا عودة عنها (يو 12 :31؛ 14 :30؛ 16 :11؛ 17 :15؛ 1 يو 2 :16؛ 5 :19). هو قوّة موت، "قاتل منذ البدء" (يو 8 :44؛ 1 يو 3 :8-12). قد قهره المسيح بشكل نهائيّ (12 :31؛ رج 16:33؛ رؤ 12:9). إن وحي المسيح المخلّص يجعل الانسان أمام خيار حاسم ( يو 8 :24، 9 :41). وحين يتقبّله يصبح "ابن ا " (1 :12) وينتقل من الظلمة إلى النور. ولن يخطأ بعد (1 يو 3 :6-9؛ رج 1:8-10؛ 2 :1-2)، ففداء المسيح هو فاعل ونهائيّ. جاء في الحقيقة لكي "يرفع خطيئة العالم" (يو 1 :29).

إن الوحي النهائيّ المخلّص في يسوع المسيح هو في الوقت عينه نور على كل واقع الخطيئة. غير أن إعلان الانجيل لا يأتي فقط ليضيف لائحة أكثر تفصيلاً على خطايا معروفة (رو 1 :29-32؛ 2تم 3:1-7؛ تي 1 :7)؛ بل هو يدعونا لكي نؤمن "بغفران الخطايا"، يدعونا إلى أن نتقبّل هذا الغفران ونعلنه (لو 24 :47).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.