الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: خلق، خبر (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

تبدأ البيبليا بخبر الخلق (تك 1 :1-2 :14) أو الأيام الستّة. ويُنسب هذا الخبر إلى التاريخ الكهنوتي، وقد دُوّن في المنفى أو بعد المنفى. غير أن هذا النص ليس وحده المتكلّم عن الخلق. فالخبر اليهوهي حول الفردوس والسقطة (تك 2 :4ب - 3 :24) قد امتلك خبرًا للخلق خاصاً به (2 :4ب، 24) يعبّر عن ذات الايمان بيهوه، خالق جميع الأشياء، ويفرد ذات المكانة المميّزة للانسان (في اليهوهي، الانسان هو في قلب الخلق. في الكهنوتي هو قمّة الخلق). غير أن الخبرين يختلفان اختلافًا عميقًا على مستوى الألفاظ والأسلوب والنماذج الكوسمولوجية التي يستلهمانها (الخلق لليهوهي هو عبور من الصحراء إلى الأرض المزروعة. أمّا الكهنوتي فيصوّر الخلق عبورًا من الشواش إلى الكون، إلى العالم المنظّم)، والأسئلة التي يجيبان عليها. كان تك 2 :4ب - 24 ملتصقًا بخبر السقطة التي تفسِّر لماذا صارت الأشياء هكذا مع كل هذه الألغاز (3 :16-19) التي لا تعود إلى الخالق (تك 2)، بل إلى الخطيئة (تك 3). أما تك 1 :1-2 :4أ، فهو "خبر خلق" أو بالاحرى نشيد خلق يفسّر لماذا خُلقت الاشياء : فمنذ البدء، خلق ا السماء والأرض.

1) بنية الخبر. بُني الخبر بناء محكمًا مع مقدمة (1 :1، تستبق ما يلي، فتتحدث عن خلق كل شيء بيد ا ) وخاتمة (2 :4 أ) تستعيد المقدّمة في معانيها (أسلوب التضمين). نظر الكاتب إلى العالم في شكله المكتمل، فأعاد تكوينه كما في البدء. بدأ فذكر الشواش (خاوية خالية، آ2 ت و هـ. و ب د هـ. تائهة في المساحات) الذي هو عكس العالم المنظّم. وصوّر عملَ الخلق في دبتيكا بدرفتين : عملُ الفصْل بين المخلوقات (آ3-13) وعملُ التزيين أو مَلء المساحات (آ14-31)، حيث أعمال الأيام 4، 5، 6 تتجاوب مع أعمال الأيام 1، 2، 3.

في اليوم الأول، هناك عمل واحد. فُصل النور عن الظلام. في اليوم الثاني هناك المياه الفوقيّة والمياه التحتيّة مع الجلد (أو : الرقيع) الذي يفصل بين الاثنتين. في اليوم الثالث، فُصلت اليابسة عن الأرض وبرز النبات. في اليوم الرابع جُعلت النجوم والشمس والقمر في الفلك فزيّنته. في اليوم الخامس، الاسماك والطيور. وفي اليوم السادس، الحيوان والإنسان. وجاءت النتيجة نظرة إلى عمل ا الذي يتنامى في الكمال، ويصل إلى الذروة في خلق الانسان (آ26-28) وراحة اليوم السابع (2 :1-3). وبُني كل عمل حسب رسمة واحدة مع عبارات مقولبة : وقال ا. فكان كذلك (آ3، 6، 9، 11، 14، 20، 24، 26، 30). ويُذكر عمل الخلق (ما عدا بالنسبة إلى اليوم الثالث) : فصل ا (آ4). صنع (آ7، 16 - 25). خلق (آ21-27). دعا ا (آ5، 8، 10). ورأى ا أن ذلك حسن (آ4، 10، 12، 18، 21، 25، 31). وباركهم ا وقال (الكائنات الحيّة التي خُلقت في اليومين الخامس والسادس آ22، 28). وكان مساء وكان صباح (اليوم الليتورجيّ يبدأ في المساء) بعد الاشارة إلى اليوم (بعد العمل، 1 :2، 4، 5، 6، 8 :آ5، 8، 13، 19، 23، 31).

هذه البنية المتشعّبة مع ثمانية أعمال توزّعت على ستة أيام، وذكرُ عمل الخلق مع ذكر أقوال الخلق، يلقيان الضوء على تاريخ طويل نسبه الشرّاح إلى هذا الخبر. يمكن أن يكون شكلهُ الأوّل (شفهيّ أو مكتوب) في "خبر أعمال الخلق". ثم جاء خبر "أقوال الخلق" الذي أعطى اللون اللاهوتي للتأليف الحاليّ. ولكن هذه النظرية تتضارب مع وحدة النصّ ووحدة الكاتب.

2) الفن الأدبي. إن الخبر الكهنوتي عن الخلق مع أسلوبه المجرّد من الصور، ورسمَتَه التي تتيح عمل الذاكرة وتلاوة النصّ، واهتمامه بالتحديد اللاهوتي، كلّ هذا يبدو كأنه خبر تعليميّ أورده الكهنة. ورأى فيه آخرون مقطعًا ليتورجيًا احتلّ في ليتورجية اسرائيل دورًا يشبه دور النشيد البابلي حول الخلق (انوما إليش، نشو 60-72) في عبادة مردوك، في بداية السنة الجديدة. غير أن التوراة لا تعطينا أية معلومة عن عيد بداية السنة في اسرائيل، كما لا تقول لنا كيف استُعمل الخبر في الليتورجيا.

يبقى أن هذا التعليم الكهنوتيّ يجد مكانه في شعائر العبادة، وقد توخّى أن يؤسّس شريعة السبت (2 :2-3). من الواضح أن الخبر يذكر الكوسموغونيّات الشرقيّة ولا سيّمـا الرافدينيّة. فمياه الشواش الأصلي (تهوم، آ2) التي يسيطر عليها الخالق (آ3 :10)، لا تنتمي إلى العالم الحضاري الفلسطيني حيث المياه (التي هي نادرة) خيّرة، بل إلى حضارة مدّت أرضها في الماء وانتجت قصيدة انوما إليش التي تنشد انتصار مردوك على تيامات (الاوقيانوس الاولاني)، والتي عرفها بنو اسرائيل خلال المنفى في بابل، في ليتورجية عيد أكيتو.

تمثّلات مشابهة بين انوما إليش وتك 1 :1-2 :4أ. ولكن الفكر البيبلي هو جديد في جذريّته. فا وحده يعمل منذ البدء، والشواش هو صورة عمّا "قبل الخلق". كانت أساطير الخلق قبل كل شيء تاريخ آلهة تُولد (تيوغونيا)، فتُجسّد قوى الطبيعة، وقد خُلق الانسان لخدمتها. أما في تك 1 :1-2 :4أ، فقد انتُزعت الأساطير عن كل شيء (البحر، السماء، الشمس والقمر اللذين لا يسمّيهما بل يعتبرهما نيرّين، سراجين، ووحوش البحر)، فأخذت كل خليقة مكانها بين سائر الخلائق. ا وحده ا. وقد خلق كل شيء، وجعل في الذروة الانسان الذي خلقه على صورته ليسود الخليقة ويرتاح معه في اليوم السابع. هذا التعليم الديني يبقى هو هو عبر أشكال حضارية عفّاها الزمان، فأدرك اليهوهي والكهنوتي قيمتها السنيّة.

3) اللاهوت. ^ أولاً : ا (الوهيم. اللهمّ. سيقول اسمه "يهوه" لموسى، خر 6 :2-3). هو الاله الذي كشف عن نفسه لاسرائيل من خلال التاريخ، وها هو يكشف ذاته هنا في عمله الخلاّق. هو الاله الواحد (وحده يفعل في الخبر ). هو الخالق وسيّد كل شيء. هو الاله القدير : برزت الخليقة كجواب على إرادته. وهي حسنة بحسب قصد خلقه، بل هي حسنة جدًا (1 :31) : هو حديث عن كمال خليقة ا التي تُبرز جذور الشرّ في إطار التدوين النهائيّ لسفر التكوين. اختلف الكهنوتي عن اليهوهي (تك 2 :4ب-24) بصوره الانتروبومورفيّة التي تدلّ على قرب ا من الانسان، فشدّد على تسامي الخالق الذي يختلف اختلافًا جذريًا عن خليقته، وهو الموجود قبل كل شيء والذي خلق كل شيء بكلمته.

ثانيًا : الإنسان (آدم، اسم جمع. يدلّ على كل انسان، وليس اسم علم. هو رجل وامرأة. آ27. صيغة الجمع في آ26، 28، 29). يبدو منذ البداية قمّةَ الخلق (1 :26-27). هو الخليقة الوحيدة التي كانت موضوع تشاور إلهي (آ26)، الوحيدة التي خُلقت على صورة ا، ونالت مهمّة بأن تتسلّط على الخليقة (آ26-28). لا شكّ في أن سموّ الانسان ارتبط بخلقه على صورة (ص ل م، رج صنم في العربيّة) ا وشبهه (د م و ت. رج الدمية في العربيّة). نحن أمام عبارة قويّة في خبر يُبرز بهذا الشكل تساميَ ا. ولكن ما معنى عبارة "على صورة ا ومثاله"؟

لا شيء يتيح لنا أن نحصر تأكيد الكاتب في شبه مع كائنات في البلاط السماويّ (الوهيم، تك 3 :5، اليهوهي). فالكهنوت لا يعرف "الوهيم" سوى الاله الواحد، وهو يقول بوضوح إن "إلوهيم خلق الانسان على صورته" (آ27أ). هناك نصوص موازية تسمح لنا بأن نقول إن "صورة ا " هذه تنتمي إلى طبيعة الانسان التي انتقلت بآدم المخلوق على شبه ا (تك 5 :1)، إلى ابن ولده على شبهه، مثل صورته (تك 5 :3)، وهي تميّز الانسان بعد الطوفان (9 :6). غير أن كل هذه النصوص لا تساعد على تحديد هذه الصورة. هناك شروح قد عُرفت في خط مز 8:6؛ سي 17 :3-14؛ حك 2 :23. غير أن الكهنوتي لا يقول شيئًا عن طبيعة هذه الصورة، بل يتوقّف فقط عند الوظيفة التي تؤسّس علاقة الانسان بالخليقة (1 :26-28). في الأساطير، خُلق الإنسان لخدمة الآلهة. وهنا، الانسان الذي هو صورة ا، قد تسلّم مهمّة (لهذا باركه ا، 1 :28) بأن يملأ الأرض ويُخضعها ويسود على عالم الحيوان (آ26، 28).

ثالثًا : السبت. السبت نظام يعود إلى سيناء (خر 20:8-11؛ 31 :12-17). لهذا، لم يُذكر اسمه في الخبر (2 :2-3)، ولكن أشير إليه بإلحاح مع تكرار اليوم السابع، وذكر فعل "ش ب ت" (توقّف عن العمل). والحديث عن السبت هو الذي فرض تقديم الخلق في ستة أيام. كتُب تك 1 :1-2 :4 أ في وقت أخذ السبت أهمية خاصة (خر 20:12، 20؛ 22 :28، 26؛ إش 56:2، 4؛ 58 :13)، فحاز مكانته (حز 20:11؛ 31 :17) ومدلوله اللاهوتيّ. أنهى ا عمله، فدخل في راحته، وهي راحة لن تنتهي (لم يذكر المساء والصباح)، وإليها يُدعى الانسان لكي يشارك في راحة السبت.

رابعًا : إن الخبر الكهنوتي حول الخلق، الذي هو أولى سلسلة انساب (توليدوت، 2 :4أ)، يدشّن الخبرَ الكهنوتي. قد تكون العبارة "هذه مواليد" التي هي مق(دمة 5:1؛ دمة 6:9؛ 10 :1؛ 11 :10، 27، 25؛ 12 :19؛ 36 :1، 9؛ 37 :2. كلها نصوص كهنوتيّة)، قد أضيفت إلى الخبر فبدت كتوقيع له. ومهما يكن من أمر، إن هذه الخاتمة تشكّل انتقالة مع ولْي الخبر الكهنوتي (تك 5 :1). فيبدو خبر الخلق كأول "مواليد" تكوّن التاريخ الكهنوتي وتقود إلى نسل هرون الكهنوتي (عد 3:1). إن خبر الخلق الذي ضمّ الكهنوتي واليهوهي وجُعل في بداية تك، هو الفصل الأول في تاريخ البدايات (ف 1-11) الذي سيكون، بعد الخليقة الصالحة كما أرادها ا، تاريخ الخليقة وفي الوقت عينه بداية تاريخ الخلاص.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.