الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: أراميّة (لهجات)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

منذ القرن التاسع ق.م. برزت مدوّنات أراميّة، وما زالت بعض اللهجات اليوم محكيّة حتى أيامنا في سورية.

1) الأراميّة القديمة. القرن 9-7. إنّ الأراميّة القديمة، شأنها شأن العبريّة وشأن الفينيقيّة التي منها أخذت الأراميّة حروفها، دُوّنت على البرديات أو على الرقّ. وهذا ما يفسّر ندرة الوثائق. فلا نجد كتابات إلاّ محفورة على الحجر، أو إجمالات أعمال قانونيّة حُفرت على لويحات كانت تختم لفيفات من البرديّ أو الرقّ قد أتلفتها الرطوبة. أما الكتابات المهداة إلى الملوك والوجهاء مثل هدد يتعي في جوزان (القرن 9). وبر هدد في مملكة (القرن 9)، وزكّور في حدرك (القرن 8)، أو المعاهدات الدُوليّة المحفورة على مسلاّت سفيرة (القرن 8)، فقد دوّنت في لهجة أدبيّة لا تتبع دومًا ذات المبادئ الإملائيّة. فالتاء مثلاً قد تكتب س أو ش. هناك حرف في الأراميّة (الثاء) لم يجد ما يقابله في الفينيقيّة كما نجده في العربيّة. ونجد لهجة أخرى سمّيت خطأ "يهودي". ونحن نجدها في مدوّنتين ملكيتين في أرض شمال (جنوبي ماراس) تعودان إلى القرن الثامن. أما سائر المدوّنات التي وجدت في ذات الموقع، فقد كتبت في اللهجة المشتركة. وارتبط جزء واسع من الأراضي التي أقام فيها الأراميّون، بأشورية منذ القرن التاسع. كما أنّ مجمل الأراضي الأراميّة وجدت نفسها تحت الحكم الأشوريّ قبل نهاية القرن الثامن. وهكذا صارت الأراميّة اللغة الثانية في الإمبراطوريّة الأشوريّة (رج 2مل 18 : 26)، فاستُعملت حتى في نينوى وأشور وخلف. لهذا تضمّنت الأراميّة ألفاظًا مأخوذة من الأكاديّة. وبرز على مستوى النحو تأثير لغة على الأخرى لدى الكتبة. بالإضافة إلى ذلك وُجدت ألفاظ أراميّة في النصوص المسماريّة في اللغة الأشوريّة الجديدة التي تضمّنت أيضاً أسماء "تيوفوريّة" (تحمل اسم الإله) تدلّ على ديانة الأراميّين.

2) أراميّة الإمبراطوريّة. في القرن 7-2 ق.م. هي امتداد للأراميّة القديمة التي نمت أهميتها بفضل الأصل الكلدائي (وبالتالي الأراميّ) لملوك بابل الذين أخذوا المشعل من الأشوريّين. وبعدهم جاء الفرس الاخمينيّون في القرن 6، فمدّوا سلطانهم إلى مصر وآسية الصغرى، وجعلوا من الأراميّة لغة دواوينهم. ولهذا وُجدت مدوّنات أراميّة من أفغانستان إلى بحر إيجه، ومن البحر الأسود إلى النوبة. غير أنّ مصر هي التي قدّمت النصوص الهامّة بفضل جفاف الطقس الذي احتفظ بمخطوطات على البرديّ وعلى الرقّ، ولاسيّمَا وثائق الجالية الحربيّة اليهوديّة في الفنتين (جزيرة الفيلة)، والمراسلة مع المرزبان أرشام، ونصوص عديدة في سقارة التي تقع حيث كانت ممفيس القديمة عاصمة مرزبيّة مصر، وأخيرًا المراسلة الخاصة التي وُجدت في هرموبوليس (كمونو في المصرية، الأشمونَين في محافظة أسيوط). دوّنت مراسلة هرموبوليس في لهجة قريبة من الأراميّة الغربيّة، فاختلفت اختلافًا بسيطًا عن لغة الدواوين التي ارتبطت بالأحرى بالأراميّة الشرقيّة. في ذلك الوقت استُعملت الأراميّة أيضاً في فلسطين ودخلت في سفري دانيال (2 :4ب-7 :28) وعزرا (4 :8-6 :18؛ 7 :12-26). وبجانب الرسائل والبراءات المدوّنة في لغة الدواوين، نجد مقاطع إخباريّة دوّنت في أراميّة شائعة (كويني) سوف تستعمل أيضاً في الحقبة التالية. بهذه اللغة ترتبط نصوص أراميّة وُجدت في برديّة امهرست (مصر 63) التي دوّنت في كتابة "ديموتية" تفرّعت من الكتابة الهيراتيّة التي استعملت في مصر منذ القرن 7 ق. م. ومن نصوص هذه البرديّة، نجد نسخة أراميّة لما في مز 20 :2-6.

3) الأراميّة الوسيطة. من القرن 2 ق.م. إلى القرن 3 ب.م. عرفت عدّة لهجات غربيّة وشرقيّة، كما عرفت نصوصًا دوّنت في الأراميّة الأدبيّة الشائعة التي تتميّز باختلافات طفيفة.

نذكر أولاً النصوص الأراميّة في قمران : ترجوم أيوب (المغارة 11)، الذي يعود إلى القرن 2. منحول (أبوكريفون) التكوين (المغارة الأولى) الذي يعود إلى القرن الأول ق.م. أما مخطوطات أخنوخ فقد دوّنت في لغة أدبيّة شائعة. ونقول الشيء عينه عن الترجمات الأراميّة للتوراة التي فرضت نفسها في العالم اليهوديّ. ترجوم اونكلوس في البنتاتوكس. ترجوم يوناتان المزعوم في الأنبياء دوّنا في الأراميّة الشائعة. ولكن استعمال الشتات لهما أدخل عناصر شرقيّة إليهما. و"مجلة تعنيت" قد دوّنت في اللهجة عينها، أي في الأراميّة الغربيّة الفلسطينيّة.

ونذكر ثانيًا الأراميّة الغربيّة التي وردت في عدّة لهجات. الأراميّة الفلسطينيّة التي تمثّلها بضع مدوّنات قصيرة وُجدت في أورشليم، ورسائل ابن الكوكب التي تبدو لغته قريبة من لغة ترجوم اونكلوس وترجوم يوناتان المزعوم. وهذا ما يؤكّد الأصل الفلسطينيّ لهذين الترجومين. أراميّة الأنباط، تلك القبائل العربيّة التي أقامت في أرض أدوم وفي النقب. نجد من هذه اللهجة مئات المدوّنات التي تمتدّ من القرن 2 ق.م. حتى القرن 4 ب.م. كما نجد برديّات كُشفت في بريّة يهودا. إنّ الكتابة الأراميّة لهذه النصوص، قد اتّخذت في القرن الأول ق.م. سمات أنباطيّة، وسوف تُستعمل لكتابة العربيّة. والأراميّة التدمريّة هي اللغة الأدبيّة لشعب عربيّ أقام في واحة تدمر والمناطق المجاورة. نعرف هذه اللغات في مدوّنات عديدة جدًّا تمتدّ من القرن الأول ق.م. حتى القرن الثالث ب.م. وقد عكست الأراميّة التدمريّة تأثير الأراميّة الشرقيّة. وطريقة كتابتها في حروف جرّارة تجعلها قريبة من السريانيّة.

ونذكر ثالثًا الأراميّة الشرقيّة بلهجاتها المتنوّعة التي نربط بها أيضاً مدوّنات أراميّة وجدت في التركستان الروسيّ وما وراء جبال القوقاز. فالحضريّة هي لغة الحضر (أو هترا في العراق) التي تبعد 100 كلم إلى الجنوب الغربيّ من الموصل كانت عاصمة مملكة عربيّة تابعة للفراتيّين. هذه اللهجة القريبة من السريانيّة قد تركت لنا عددًا من المدوّنات تعود إلى القرن 2-3 ب.م. والسريانيّة التي كانت في الأصل لغة منطقة الرها (اداسة. اليوم : أورفا في تركيا) احتفظت بمدوّنات وثنيّة تعود إلى القرن الأول المسيحيّ. ولما صارت لغة المسيحيّين في سورية وبلاد الرافدين، تميّزت بترجمة قديمة للكتاب المقدّس وبأدب مسيحيّ واسع جدًّا. ووُجدت مدوّنات أراميّة في لغة تحمل بعض الأخطاء، في أرمينيا وجيورجيا من القرن 2 ق.م. حتى القرن 3 ب.م. وهناك 3000 أوستراكة (شحفة) قد وجدت في نيزا في تركمنستان. هي تعود إلى القرن الأول ق.م.، وقد دوّنت في لغة تشبه إلى حدّ بعيد ما وُجد في أرمينيا وجيورجيا. أو هي تُقرأ في لهجة الفراتيّين الإيرانيّة التي كانت نيزا عاصمة من عواصمهم. هذا الرأي الأخير ليس بأكيد وإن كان استعمال الحروف الأراميّة معروفًا في إيران الوسطى. وقد تسري الملاحظة عينها على ستين مدوّنة في كتابة أراميّة وُجدت في "تبرك كلام" جنوبي بحيرة أرال.

4) الأراميّة المتأخّرة. من القرن 3 إلى القرن 13 ب.م. تتضمّن اللهجات الغربيّة واللهجات الشرقيّة. أما الأراميّة الغربيّة فنجدها في لهجات فلسطينيّة. هناك أولاً أراميّة الجليل أو الأراميّة اليهوديّة التي يمثّلها عدد من المدوّنات الاهدائيّة والتذكاريّة، وأجزاء أراميّة في كتب مدراشيّة وخصوصًا "تكوين ربا" و "لاويين ربا" وتراجيم فلسطينيّة عُرفت خصوصًا في أجزاء من خزانة القاهرة و"ترجوم نيوفيتي" الذي عُثر عليه في المكتبة الفاتيكانيّة. ونشير أيضاً إلى "ترجوم يوناتان المنحول حول البنتاتوكس" أو "يروشليمي الأول"، ثمّ "الترجوم الأجزائيّ" أو "يروشليمي الثاني"، ثمّ "التلمود الفلسطيني" أي "تلمود أورشليم". ولكنّنا لا نستطيع أن نثق بلغة هذه الكتب إلاّ في أجزاء خزانة القاهرة وعدد من التعويذات. وهناك ثانيًا السامريّة التي يمثّلها "ترجوم البنتاتوكس السامريّ"، ونصوص ليتورجيّة، ومؤلّفات مثل "ميمر مقرا" و"أساطير". كلّ هذه النصوص دوّنت في الحرف العبري العتيق المعروف لدى السامريّين. وهناك ثالثًا السريانيّة الفلسطينيّة التي عُرفت خصوصًا في النصوص البيبليّة المترجمة. دوّنت في حروف سريانيّة، وفي لهجة تحدّث فيها يهود اليهوديّة الذين اهتدوا إلى المسيحيّة. أمّا الأراميّة الشرقيّة فتتمثّل في ثلاث لهجات رئيسيّة. الأولى، السريانيّة التي قُسّمت إلى سريانيّة شرقيّة وسريانيّة غربيّة. كانت السريانيّة الشرقيّة لغة النساطرة في الإمبراطوريّة الساسانيّة ثمّ في عهد الأمويّين والعباسيّين، وقد نشرها المرسلون النساطرة فوصلوا بها إلى الصين وتركستان. والسريانيّة الغربيّة كانت لغة اليعاقبة (والموارنة) في المملكة البيزنطيّة الذين وصل تأثيرهم إلى الحبشة. والثانية، أراميّة يهود بابل التي عُرفت في "تلمود بابل" كما عُرفت في "أسئلة وأجوبة" الأكادميات البابليّة (غاؤونيم أي العظماء) وفي "كتاب الوصايا" لحنان بن داود، وفي مدوّنات الكاسات السحريّة التي تعود إلى القرن 6-7. وظلّ يهود بابلونيّة يتكلّمون الأراميّة أقلّه في المناطق الريفيّة حتى القرن الحادي عشر. الثالثة، الأراميّة الحديثة. نجدها في ثلاث قرى سوريّة، في منطقة طور عبدين (جنوبي شرقي تركيا)، وفي كردستان التركي والإيراني والعراقي، في أزربجيان، قرب بحيرة أورميا، وفي منطقة الموصل في العراق. ولكن يجب أن نعرف أن العدد الكبير من هؤلاء المتكلّمين الأراميّة الحديثة قد هاجروا إلى الولايات المتحدة وأوستراليا وكندا وبلدان أوروبا.

أراميون لا نعرف حتى الآن أقدم تاريخ للاراميين. إذا عدنا إلى عا 9:7 نرى أنهم جاؤوا من قير. فإذا حدّدنا "قير" في الشمال الشرقي للجزيرة العربية، حيث أقام الكلدائيّون (كلدو )، يتوافق عا 9:7 مع سلسلة تك 22 :21ي التي يكون فيها كاسد (كلدو ) وقموئيل (والد أرام وجدّ الاراميين) أخوين وابنَي ناحور. فإذا كان الافتراض صحيحًا، يصبح لابان أراميا (تك 25 :20) وكذلك يعقوب (تث 26:5). وحين يتحدّث العهد القديم عن ناحور (تك 24 :10)، فهو يذكر اسم ارام نهرايم (ارام النهرين. في الاكادية : نهريما. في المصرية : نهرن) وهي المنطقة الواقعة بين المجرى الأعلى للفرات ودجلة (تث 23:5؛ قض 3 :8؛ مز 60:2؛ 1أخ 19:16. رج فدان أرام). هل نستطيع أن نصعد إلى ما قبل القرن الثاني عشر؟ لقد وُجد في بلاد الرافدين على طول الفرات الأوسط وجنوبه، حوالي السنة 2000، عنصر إثني تنتمي أسماؤه إلى السامية الغربية، وقد يكون السابق لمجموعات سيُسمّون فيما بعد أراميّين ويقيمون في سورية وفلسطين. إن الكتابات الأشورية في القرن الثاني عشر تعرف قبائل "أرامو" التي جاءت من الصحراء السوريّة العربيّة ودخلت إلى مناطق أشور المتحضّرة. سموا "احلامي" أي "أحلاف". ولكنهم لم يقدروا أن ينظّموا دولة كبيرة. غير أنه بعد القرن العاشر نظّموا دويلات صغيرة ذكرت التوراة منها :

1) أراميي صوبة : أقاموا بين سلسلة لبنان الشرقيّة والصحراء السوريّة العربيّة، في البقاع بين السلسلة الغربيّة والسلسلة الشرقيّة في لبنان. لقد سيطروا على الاراميين الذين أقاموا داخل سورية وامتدّوا إلى الشمال. نعرف من ملوكهم هددعزر بن رحوب الذي قهره داود (2صم 8:3-8). في هذا الاطار نقرأ اسم مدينتين : بيروتاي، باطح (يجب ان نقرا طبحات أو طبحة. رج 1أخ 18:8؛ تك 22 :24، حيث طابح هو ابن ناحور ). استولى داود على كمية من النحاس (لهذا سُميت المدينة صوبة، والصهب يدل على اللون الأحمر، كما سمّيت في اليونانيّة خلقيس وهي عنجر الحالية). ويروي 2صم 10:6-14 انتصارًا ثانيًا لدواد على أراميّي صوبة الذين حالفوا أراميّي بيت رحوب ومعكة.

2) أراميي بيت رحوب (2صم 10:6). دويلة على حدود عجلون الشرقيّة. تقع شمالي أرض العمونيين (انظر آثار رحاب). يذكر عد 13:21 اسم مدينة رحوب ويذكر قض 18 :28 وادي بيت رحوب.

3) أراميي معكة (2صم 10:6؛ يش 13 :11). أقاموا في منطقة مرج عيون بين السلسلة الشرقيّة والسلسلة الغربيّة في لبنان. نعرف مدينة آبل تل معكة التي احتلها بنو إسرائيل (2صم 20:14-22) واستردّها بنهدد (1مل 15 :20) واحتفظ بها، قبل أن يضمّها تغلت فلاسر الثالث إلى بلاد أشور.

4) أراميي جشور. كانوا جيران أراميّي معكة. أقاموا عند السفح الشمالي لجبل الجولان.

5) أراميي دمشق. خضعوا مدة لداود (2صم 8:6). بعد هذا ثار رزون بن اليداع على هدد عازر ملك صوبة. ثم جمع جيشًا واحتل دمشق. وفي أيام سليمان، عادى رزون بني إسرائيل (1مل 11 :23-25) وبدأت حرب الاستقلال الارامية. وفي أيام بنهدد، صارت دمشق قوّة يُحسب لها حساب في سورية. خاف منها بنو إسرائيل في الجنوب والأشوريون في الشرق. واحتل حزائيل كل شرقي الاردن حتى ارنون. منذ القرن التاسع راقبت أشور بحذر قوّة دمشق الصاعدة. وحين احتل الأشوريون بابل ووضعوا حدًّا لحرب الجبهتين، وجّهوا قواهم على دمشق. ضمّ تغلت فلاسر كل أرض الاراميين، وفي سنة 734 احتلّ دمشق. ولكن امتد التأثير الارامي كثيرًا على مستوى الحضارة. وسيطرت اللغة الارامية، ففرضت نفسها وصارت اللغة العالمية. وهذا ما حدث أيضاً يوم حوّل الكلدائيون مملكتهم إلى عالم أرامي فوجّهوا السياسة مع السلالة البابلية الجديدة. رج جوزان، بيت عادان.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.