الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: روح الله


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) الالفاظ. في العهد القديم، قلّما يسمَّى روح الله الروح القدس (إش 63:10؛ مز 51:13). ولكن السبعينية والكتب المنحولة تعطيه مرارًا هذا الاسم. وفي الترجمات الاراميّة والادب الرابيني والعهد الجديد، يسمّى روح الله الروح القدس مرارًا. فروح الله يسمّى "قدوس"، كما نقول "ذراعه مقدّسة" (إش 52:10؛ مز 98:1) واسمه "قدوس" (عا 2:7؛ حز 36:20)، و "كلمته قدّوسة" (إر 23:9؛ مز 510:42). فالله قدّوس في طبيعته (دا 4:5، 15). وهكذا فـ "الروح القدس" يعني في الواقع "الروح الالهي، روح الله " (خر 31 :3 حسب السبعينية). إن هذه العبارة قد حلّت محلّ أسماء قديمة في التوراة مثل "روح يهوه"، "روح إلوهيم". والسبب : لأن اليهوديّة المتأخّرة تجنّبت شيئًا فشيئًا التلفّظ باسم الله.

2) العهد القديم.

أولاً : روح الله بشكل عام. إذا أردنا أن نفهم فهمًا تامًا التعليم البيبلي حول روح الله، ننطلق من المعنى الاولاني ("روح" العبري الذي يعني النسمة، الريح، الروح). فالنسمة التي تُعتبر قوّة الحياة، تشكّل مع الريح قوى خفيّة وقديرة وروحيّة في أرض اسرائيل (جا 11:5؛ خر 5؛8، 10؛ 2صم 22:16؛ 1مل 19 :11؛ (إش 11:4؛ إش 40:7؛ أي 38 :24). وكما نتحدّث عن ذراع الربّ (إش 51:5) ويده (خر 9:3؛ تث 2:5) ووجهه (تك 33 :10) وأنفه (خر 15:8) وفمه (مز 33:6)، كذلك نتحدّث عن روحه (نسمته، أي 32 :8؛ 33 :4)، عن قوّة حياته. وهذا الروح يفعل كما يفعل الله نفسه. إذن، لا ندهش إن نُسبت الظواهر السريّة والخارقة إلى نسمة يهوه أو روحه، دالة على قوّة خاصة في الانسان أو في الطبيعة.

ونتحدّث عن روح الله كقوّة فاعلة من أجل خلاص الشعب. هذا ما نجده لدى القضاة (أو المخلِّصين) وأول ملوك إسرائيل : رأينا قوّة "روح الله " تعمل فيهم لكي "تخلّص" اسرائيل وتنصر قضيّة الربّ (قض 6 :14). "لبست" جدعون (قض 6 :34) وجاء ت "على" يفتاح (قض 11 :29) أو عتنيئيل (قض 3 :10)، "وملأت "شمشون" (قض 13 :25) فوصلت إلى أعماقه (قض 14 :6، 19؛ 15 :14). حين يأتي الروح عليهم، يقومون بأعمال خارقة من القوّة والبطولة ويحوزون انتصارات غير متوقَّعة (ق(ض 3:10؛ ض 6:34؛ 11 :29؛ 1صم 11:6-7). مزّق شمشون أسدًا، وقتل ثلاثين رجلاً، وحطّم الحبال التي تقيّده (قض 13 :25؛ 14 :6، 19؛ 15 :6، 14-15). وشدّد النصّ على أن هذه القوّة، قوّة روح الله، أمسكت داود حين مُسح ملكًا (1صم 16:13)، كما سبق لها وأمسكت شاول (1صم 10:6-7). لم نعد هنا أمام ظواهر عابرة يمنحها الله لانسان من الناس بالنظرة إلى وظيفة محدّدة من أجل الشعب. فروح الله يخلّص الشعب بقوّاد نالوا مواهب، يحرّره ويجعل من وجوده شهادة لقدرة إله اسرائيل. وهكذا ارتدى روح الله رجالاً، مثل موسى ويشوع (عد 11:17، 25؛ تث 34:9 وعد 27 :18)، مثل الملك المخلّص الذي هو داود الجديد الذي أنبأ به إشعيا (11 :1-9).

ونتحدّث عن روح الله الذي يجعل الأنبياء يعملون ويتكلّمون. في أساس النبوءة، نُسب إلى الروح ظواهر غريبة لدى أشخاص "ملهمين" (1صم 19:20-21). لهذا وُلدت عبارة تحقيريّة : رجل الروح مجنون (هو 9 :7). ورفض الكاتب أن يسمّي الانبياء الحقيقيين بهذا الاسم. نحن نرى بشكل خاص ميخا وقد "امتلأ قدرة" من أجل رسالته النبويّة "بفضل روح الربّ" (مي 3 :8). "نزل" الروح على حزقيال وجعله يتكلّم (حز 11:5). أمسكه النبي، خطفه (حز 2:1-2؛ 3 :12، 24؛ 8 :3؛ 11 :1، 24؛ 37 :1). وربط أناس مثل إيليا وأليشع بين وظيفة الخلاص الملكيّة والوظيفة النبويّة (1مل 18 :12 2مل 2 :9، 15؛ رج 1أخ 12:19؛ (2أخ 15:1؛ 2أخ 20:14؛ 24 :20). إن روح الرب يعرّف، بواسطة الانبياء، على معنى عمل الله. يُدخل الناس في مشاريع الله وطرقه، ويحمل إلى الشعب حُكم الله. في هذا المجال، كان موسى النموذج؛ وكذلك كان "عبدُ يهوه" (إش 42:1؛ 61 :1) المخلّص والموحي بفضل روح الله الذي كان "عليه".

ونتحدّث عن روح الله كقوّة حياة وخلق. لا تُنسب حياةُ الانسان العاديّة، بشكل واضح، إلى روح الله إلا في نصوص متأخّرة بعض الشيء (أي 27 :3؛ 33 :4؛ 34 :14، 15؛ مز 104:29-30؛ إش 42:5؛ جا 12:7؛ حك 12 :1) مع أن فكرة نسمة الحياة الآتية من الله هي قديمة جدًا (تك 2 :7؛ رج تك 6 :3، 7؛ 7 :15، 22). فنادرًا ما يقدَّم روحُ الله على أنه قوّة تعمل في الخلق (تك 1 :2؛ يه 16 :14؛ (مز 33:6؛ مز 104:3؛ حك 1 :7)، ما عدا في النصوص الشعريّة حيث "روح" الله يدلّ على الريح (خر 15:8، 10؛ 2صم 22:16؛ (مز 18:16؛ مز 147:18؛ هو 13 :15؛ إش 40:7؛ أي 4 :9؛ 26 :13؛ 37 :10). نحن نجد هذا الروح في اعلانات النهاية الكبرى، اعلانات الخلاص الآتي (مز 37:1-14؛ إش 32:1-5).

ونتحدّث عن الروح المنتظر. عن فيض الروح على الشعب. فعمل الوسطاء السابقين توخّى أن يجعل من هؤلاء الناس شعبًا حيًا وأمينًا، يتّحد مع الله ينبوع الحياة. وهذا هو عمل الروح. وأعلن الأنبياء باندفاع، اليومَ الذي فيه يحقّق الله كل هذا بقدرة روحه : هي قيامة حقيقيّة، تجديد في العمق، خلق جديد (حز 36:26-27) من أجل عهد جديد ونهائيّ. فروح الله الذي هو أساس العدل والحقّ سيُرسَل من العلاء (إش 32:15-20؛ رج 44:3-5). وروح الدينونة والتطهير سيمحو خطايا بنت صهيون (إش 4:4). والجماعة الجديدة التي أُخذت من وسط الأمم، بعد أن نقّاها روح الله وأعاد خلقها، تحيا بحسب وصايا الربّ حسب الروح الجديد ((مز 36:5-7؛ مز 39:9؛ (إر 31:31-34؛ إر 32:38-40؛ إش 59:21). وهذه الولادة الداخليّة التي استشفَّها الأنبياء، طلب المرتّل أن تتحقّق في أيامه (مز 51:12-14). في هذا النص من المزامير، وصل العهد القديم إلى الذروة : روح الله هو قوّة تجعل الانسان جديرًا بأن يتمّ مشيئةَ الله. ونجد ذات التعليم في سفر الحكمة حيث "الروح القدس، روح التأديب" الذي هو واحد مع الحكمة، يصوَّر كقوّة إلهيّة تربّي الانسان في الحكمة الحقيقيّة، في التقوى الحقيقيّة طلبًا للخير (حك 1 :4-7؛ 7 :22-24). واستعيد تمنّي موسى الكبير (عد 11 :29 : يا ليت جميع شعب الرب أنبياء، فيحلّ الرب عليهم روحه) في يوئيل بشكل إنباء أكيد (يوء 3 :1-5). وصلّى إش 63:7-8 لكي يأتي هذا الشعب من الأنبياء الامناء الذين يخضعون لروح الله : "يا ليتك تشقّ السماء وتنزل". إن نهاية العهد القديم والكتب اليهوديّة تشهد لهذا الانتظار الذي اشتعل بسبب "صمت الأنبياء" (1مك 4 :46).

ثانيًا : هل روح الله أقنوم كما في العهد الجديد؟ ينتج ممّا قلنا أن روح الله لا يظهر في العهد القديم على أنه اقنوم (شخص). ليس هو بكائن فرديّ يمتلك طبيعة روحيّة، عقليّة. ولا هو كائن مستقلّ يعمل بشكل منفرد. إنه القوّة التي بها يتدخّل الله في حياة الانسان، والتي لا تتميّز عن الرب، شأنها شأن يد الرب أو فمه. فروح الله الذي هو في الأصل نسمة الرب، يفعل خارجًا عن الرب كالنسمة التي يُرسلها فم الحيّ. لهذا يقال أن الروح يُرسل بيد الرب (إش 48:16؛ مز 410:30). يُوضع (إش 63:11). يُفاض ((إش 32:15؛ إش 44:3؛ حز 39:29؛ يوء 3 :1-2). أنه حاضر في اسرائيل كالمحامي ("روحي يقيم فيما بينكم"، حج 2:5؛ زك 4 :6)، كالقائد (مز 143:10؛ إش 63:14؛ نح 9:20)، كالمعلّم وحامل الموحي (نح 9:30؛ زك 7 :12؛ إش 59:21). وقلّما يصل التشخيص إلى إعطاء روح الله عواطف شخص حيّ (إش 6:3، 10) أو نشاطاً عقليًا (1صم 23:2؛ حك 1 :7). هذه التعابير هي صور بيانيّة تُشرَح في إطار قول يعتبر الروح مركز العواطف والأعمال العقليّة. فما صار روح الله أقنومًا (أو كائن بين الله والعالم) في العهد القديم أو العالم اليهوديّ المتأخر أو الكتابات الرابينيّة. في العهد القديم، صار الملائكة كائنات يتوسَّطون بين الله والعالم، ونُسب إليهم بعض نشاط روح الله (زك 4 :1، 4؛ (دا 10:16-17؛ دا 9:21؛ 10 :5، 13). ولكنهم ظلّوا يتميّزون عن روح الله.

3) في العالم اليهوديّ. إن العالم اليهودي يسمّي مرارًا روح الله "الروح القدس". ويعتبره بشكل خاص قوّة إلهيّة تعرّف الأنبياء بالمستقبل والخفيّات (سي 48 :24؛ دا (يو) 13 :45؛ وص لاوي 2 :3؛ (1أخن 71:6؛ 1أخن 91:1؛ 4 عز 12:3-4؛ صعود موسى 11 :16؛ سيب 3:1-7)، وتُلهم أصحاب الكتب المقدّسة (4 عز 14 :22-45). ويُنسب إلى الروح أيضاً ظواهرُ سيكولوجيّة خارقة مثل الانخطاف والرؤى النبويّة (1أخن 61:11، 38؛ خر 31:3؛ عد 11:25) وأعمال البطولة (روح القوة، ترجوم حول قض 6 :34؛ 11 :29). في منحولات العهد القديم، الروح القدس هو مرارًا روح الله الذي يُعطى للآباء الأتقياء لكي يقوّيهم في ممارسة الفضيلة (وص شمعون 4 :4؛ وص بنيامي(ن 4:5؛ ن 8:2؛ يوب 1:20-23). وهو يفاض على جميع بني اسرائيل في التجديد المسيحاني (وص يهوذا 24 :2-3؛ وص لاوي 18 :11؛ مز سل 18 :8؛ رج (1أخن 5:7-8؛ 1أخن 48:1؛ سيب 3:573-585). ويتّفق هؤلاء الكتّاب على القول بأن هذه الظهورات للروح القدس تنتمي إلى الماضي. وهم يتحسّرون لأن روح الله ترك اسرائيل بعد مهمّة الأنبياء حجاي وزكريا وملاخي (1مك 4 :46؛ 9 :27؛ 14 :41؛ تل بابل سنهدرين 11أ، سوطه 48ب). ومع ذلك، فهناك بعض الرابينيين الذين تثبت كلمتهم بـ "الشكينة" (السكنى الالهيّة) أو "بت قول" (قول يأتي من السماء)، يستحقّون أن ينالوا الروح (تلمود بابل سوطه 48ب). وينسبون صمت الروح القدس إلى خطايا اسرائيل. ويرجون منه أن يحرّك النبوءة ويجدّد القلوب في الأزمنة المسيحانيّة.

4) العهد الجديد.

أولاً : استعاد العهد الجديد كل تعابير العهد القديم حول روح الله. ولكن هناك نقطتين تميّزان الفكر المسيحي وتعبيره. الأولى، التأكيد بأن عظمة فيض الروح المنتظر قد تحقّقت وأتت ثمارها على يسوع المسيح، وبه على الشعب الجديد في العالم كله. الثانية، صار الروح شخصاً حيًا. وهذا التشخيص ارتبط بالوحي النهائيّ لسرّ الله في يسوع. وكل هذا حسب عبارة مستمرّة : "كما في الكتب". إن أفكار العهد الجديد عن الروح القدس توافق أفكار العهد القديم. ومعظم العبارات التي تصوِّر في العهد القديم أعمال الروح، يستعيدها العهد الجديد : فالروح القدس يأتي من العلاء، من السماء (مر 1:10؛ يو 1 :32-33؛ 1بط 1:12). من الآب (يو 15 :26؛ 16 :13). هو ينزل (أع 10:44؛ 11 :15). يُرسَل، يعطيه الآب (لو 11 :13؛ رو 8 :15-16؛ غل 4 :6؛ 1يو 3 :24؛ 4 :13)، يُفاض (أع 2:17؛ تي 3:5-6). هو يملأ الانسان (لو 1 :15؛ 4 :1؛ أع 2:4؛ 4 :8) أو يقيم فيه (رو 8 :9؛ 1كور 3 :16).

ثانيًا : الروح القدس هو قدرة الله، قوّة الله التي تعمل في يسوع، في أخصّاء يسوع، في الكنيسة. وساعة تبدأ خبرة الروح العظيمة في الكنيسة، تقدّم الكرازة المسيحيّة يسوع كما يلي : "كان يسوع الناصري رجلاً أيدّه الله بينكم بما أجرى على يده من العجائب والمعجزات والآيات كما أنتم تعرفون... والآن رفعه الله بيمينه إلى السماء، فنال من الآب الروح القدس الموعود به فأفاضه علينا" (أع 20:22-33). تذكّر بطرس البدايات في الجليل بعد العماد الذي أعلنه يوحنا، فبيّن كيف أن الله مسحه بالروح القدس والقوة (أع 10:37-38؛ رج لو 1 :35؛ أع 1:8). وقد بدأت رسالة يسوع العلنيّة بتأثير من الروح (مت 4:8؛ مر 1:12؛ لو 4 :1، 18). والمشهد الانجيلي للمعموديّة، مع نزول الروح، يبيّن أن يسوع قد أقيم بشكل احتفاليّ كمسيح الله ومختار الله (مت 3:16؛ مر 1:10؛ لو 3 :22؛ يو 1:32-33) حسب إنباءات الأنبياء (إش 11:2؛ 42 :61 :1) وآمال اليهود في ذلك الوقت (1أخن 49:3-4؛ 62 :2 : وص يهوذا 24 :2؛ وص لاوي 18 :7؛ مز سل 17 :42؛ 18 :8). يدعونا العهد الجديد لكي نتعرّف إلى الروح القدس في أعمال القدرة مثل طرد الشياطين (مت 12:28؛ لو 11 :20 : "باصبع الله ") والأشفية. وفي معجزة هي الحبل البتوليّ (مت 1:18، 20؛ لو 1 :35 حيث يتوازى روح الله مع قدرة الله ). في خط النبوءات، نرى الروح يعمل في ظواهر مدهشة مثل قراءة الأحداث قراءة نبويّة، الرؤى، الاقوال النبويّة (لو 1 :41، 67؛ 2 :25-26؛ أع 7:55؛ 8 :29، 39؛ 11 :12، 28؛ 20 :23؛ 21 :11؛ 1كور 12 :10). في التكلّم بألسنة (أع 2:4، 17-18 في العنصرة؛ أع 10:44-46؛ 19 :6). في موهبة التفسير (1كور 12 :10؛ 14 :2-28). في تمييز الأرواح (1كور 12 :10؛1تس 5 :19-21؛ 1يو 4 :1). في الايمان الذي يصنع المعجزات. هناك عمل محدّد، أو عمل مستمرّ من أجل مهمّات أو وظائف ضروريّة لحياة الجماعة (1كور 12 :28 : جميع الذين أقامهم الله في الكنيسة؛ السبعة في أع 6:3-5؛ الرسل في (أع 1:8؛ أع 2:4؛ رج 5:3، 9؛ 8 :15، 17؛ 15 :28؛ يو 20 :22؛ 2تم 1:14؛ أع 20:28). ويُذكر فيض الروح أيضاً مرتبطاً بوضع اليد في إطار المعموديّة ((أع 8:17-19؛ أع 19:6؛ رج 9:17)، أو بوظيفة خاصة في خدمة الجماعة (مع المواهب، 1تم 4:14؛ 2تم 1:6-7).

ثالثًا : الروح القدس قوّة مقدّسة ومبدأ حياة جديدة من أجل المؤمنين في نهاية الأزمنة. أعلن يوحنا المعمدان وهيّأ مجيء ذاك الذي يعمدّ "بالروح القدس والنار" (مت 3:11؛ لو 3 :16) أي ذاك الذي يُتمّ التنقيةَ المسيحانيّة الكبرى (إش 4 :4 : روح النسمة والعدل،وروح الاحراق؛ 1أخن 62:2؛ (إش 31:9؛ إش 66:15؛ عا 7:4؛ ملا 3 :2). وهذا يكون في الوقت عينه (رج مر 1:8؛ أع 1:5؛ 11:16) الفيض العظيم لهذه القدرة الإلهية التي تعيد بناء الشعب على المستوى الخلقيّ والدينيّ كما قال الأنبياء (إر 31:32-34؛ حز 36:25-27). وتعبّر عدد من نصوص العهد الجديد عن وعي واضح بدخول في أزمنة الخلاص الأخيرة، المطبوعة بفيض الروح. غير أننا نلاحظ بشكل خاص، مكانة يسوع في هذا الفيض العظيم، والارتباط الجديد بالروح الذي دشّنه بعبوره العظيم ((أع 1:8؛ أع 2:33؛ 4:23-31؛ يو 3:14-15؛ 7:39؛ 12:32-33؛ 16:7). الروح القدس هو هذه القوّة التي بها يحوّل يسوعُ المؤمنين، ويجعلهم مشاركين في حياته. إنه ناشط وسط المقدَّسين في المسيح (1كور 2:10-16) كمبدأ حياة جديدة ونهائيّة (1كور 6:11؛ رج يو 3:5-8؛ 6:63؛ 7:37-39). ليس الروح فقط "عربونًا" (2كور 1:22؛ أف 1:13) يكفل لشعب الله (اسرائيل الله، غل 6:16) امتلاك الميراث والمجد الابدي (رو 8:23). إنه أيضاً قوّة الله "للحياة في المسيح" (رو 8:2-3). في العهد الجديد، لا بحسب الحرف، بل بحسب الروح (2كور 3:17)، ينتمي المؤمن إلى المسيح (رو 7:4).

والمسيحيّ هو الذي يمتلك روح المسيح (رو 8:9)، الروح القدس (رو 5:5). هو الذي يكون في الروح (رو 8:9). يحرّكه روح الله (رو 8:14)، يقيم فيه الروح (8:11). والروح القدس يكفل للمؤمن التبنّي الالهي وافتداء الجسد الذي كان عبدًا للخطيئة (رو 8:20-22). وهكذا يُصبح الجسد روحيًا بالقيامة (1كور 15:44)، حين يلجه كلّه الروحُ القدس ويسود عليه (غل 3:20-21). فالروح القدس الذي يُحيي ويقدّس، يتّحد اتحادًا حميمًا بالمسيح بحيث يقول بولس: نتبرّر في المسيح. أو: نتبرّر في الروح (1كور 6:11؛ غل 2:16). نتقدّس في المسيح. أو: نتقدّس في الروح القدس (رو 15:16؛ 1كور 1:2). نُختم بختم الروح القدس. أو: نُختم بختم المسيح (أف 1:13؛ 4:30). بل يعلن الرسول أن المسيح هو الروح (2كور 3:17) هو الروح الذي يحيينا بكلّيتنا (1كور 15:45. صار آدم الثاني روحًا محييًا، رج يو 11:25؛ 14:6). والمعمودية هي دخول في هذه الحياة الجديدة "في المسيح" أو "في الروح". هي "غسل الولادة والتجديد في الروح القدس" (تي 3:5؛ رج رو 6:3-4، 12؛ 1كو(ر 6:11؛ ر 12:13؛ غل 3:27؛ أع 2:38). فالانسان الذي هو لحم ودم عليه أن يُولد من فوق، من الروح (يو 3:3-6؛ 6:63).

رابعًا: الروح القدس كشخص وأقنوم. تتحدّث معظم النصوص عن الروح القدس كقوّة. وهذا لا يظهر فقط في توافق نصوص العهد الجديد مع نصوص العهد القديم، بل في عدّة عبارات تتحدّث عن الروح القدس على أنه شيء أو محيط حياتي. على أنه ينبوع حياة وقوّة سرية. ولكن لا بشكل مباشر على أنه شخص. مثلاً: أفاض الروح القدس (أع 2:33؛ تي 3:5-6). أعاق الروح (1تس 5:19). عمّد في الروح القدس أو بالروح القدس (مر 1:8؛ أع 10:38). ارتوى من الروح القدس (1كور 12:13). كُتب مع الروح القدس (2كور 3:3). امتلأ من الروح القدس (لو 1:15، 41؛ أف 5:18). وهذا يظهر أيضاً في الموازاة بين الروح القدس وقوّة الله (لو 1:17، 35؛ أع 1:8). إذن، حين يُنسب إلى الروح القدس نشاطٌ كالكلمة (أع 8:29) والرغبة (رو 8:6) والاقامة (رو 8:9)، لا نستطيع أن نستنتج بكل بساطة أننا نعتبر الروح شخصاً. مثل هذه العبارات تُستعمل أيضاً في التشخيصات أو في مدلولات مجرّدة. مثلاً: الجسد يرغب (رو 8:6). الشريعة تقول (رو 7:7). الخطيئة تسكن (رو 7:17). وعبارة "التجديف على الروح القدس" تدلّ على عدم إقرار بقدرة الله الفاعلة (إصبعه في لو 11:20، روحه في مت 12:28-30)، في أعمال واضحة يجريها مرسله. فإذا وضعنا جانبًا مت 28:19، لا يدلّ أي نصّ من الاناجيل الازائيّة بوضوح، على أن الروح القدس هو شخص (وأقنوم).

وكذا نقول عن الروح القدس في أع. يُعتبر في أغلب المرّات قوّة، لا شخصاً. هو "عطيّة ونعمة" (أع 2:38؛ 10:35). وهو مشخّص بعض المرات. يتكلّم بفم الأنبياء (4:25؛ 28:25). يكلّم الرسل ((أع 8:29؛ أع 10:19؛ 11:12؛ 13:2؛ 20:23؛ 21:11) ويرسلهم (13:4) أو يمنعهم (أع 16:6) أو يفرض عليهم أن يقيموا (16:7). يقيم أساقفة لكي يديروا الكنيسة (20:28). من غشّ الرسلَ لم يغشّ البشر بل الروح القدس (5:3) أو الله (5:4). وهناك من يجرّب الروح القدس (5:9). كل هذه العبارات تُفهم كتشخيص لقوّة الله. أما 15:28 (الروح القدس ونحن قرّرنا) فيدّل بشكل مباشر على أن الروح هو شخص.

وفي الرسائل البولسيّة التي تذكر الروح 146 مرة، نجد روح الانسان. ونجد القوة الالهية، قوّة الله المقدسة، قوّة الابن، قوّة يسوع المسيح (2كور 3:17-18؛ غل 4:6؛ فل 1:19). والطابع الشخصي للروح القدس سيصبح أكثر وضوحًا (رو 8:15-16، 6؛ 1كور 3:16). وهناك العبارات الثالوثية (1كور 12:4-6؛ 2كور 13:13).

وفي يو، الروح القدس (14:26) هو روح الحق (14:17؛ 15:26؛ 16:13؛ رج 1يو 4:6؛ 5:6؛ يوب 25:14)، هو معزي آخر (بارقليط، يو 14:16). الروح القدس هو محام آخر، لأنه يحلّ محلّ المسيح بعد قيامته ليساعد التلاميذ (يو 14:26؛ 1ي و2:27)، ليجعلهم يفهمون الواقع العميق لعمل المسيح، ليكشف لهم معنى (يو 16:13-15) هذا الزمن السريّ الذي يعيشونه: زمن حضور جديد للربّ، زمن اتحاد جديد معه وفهم متجدّد لكلماته (14:26؛ 16:12-13: يذكركم)، زمن الشهادة (15:26). فالروح القدس الذي يحلّ محلّ يسوع في الكنيسة يشخَّص. هو شخص في صيغة المذكّر (16:8، 13-14). هذا مع العلم أن "بنفما" لفظة حيادية في اليونانيّة (لا مذكّر ولا مؤنث). هذا يعني أن يوحنا يتكلّم عن الروح على أنه شخص يتميّز عن الآب والابن ولكنه، مع الآب والابن، يسكن في المؤمنين ويفعل فيهم (14:16-19، 26؛ 15:26؛ 16:7؛ 17:21-23).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.