الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: روح، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) في العهد القديم.

أولاً : معنى الكلمة. روح في العبريّة كما في العربيّة والسريانيّة (في اليونانية، بنوما، بنفما) : النسمة، الريح، النفَس، الهواء، المناخ، المساحة الواسعة بين السماء والأرض. عنصر سريّ وغير منظور، ومع ذلك لا غنى عنه من أجل الحياة. هو واقع لا نستطيع أن نلمسه، ومع ذلك فهو يفرض نفسه بقوّة العاصفة. هو واقع كونيّ يرتبط به الانسان ولا يستطيع أن يحرّكه كما يشاء. هو قوّة حياة في الكون. تحدّث جيران اسرائيل عن الروح في لغة سطرية (الاله شو في مصر)، أما البيبليا فربطته بالله الذي هو خالق الكون الوحيد. أما اللغة الشعرية، بما فيها من جرأة، فقد احتفظت بصور قديمة تصوّر الروح كالنسمة الخارجة من أنف الله (خر 15:8؛ 2صم 22:16؛ مز 18:16؛ أي 4 :9). فالريح، والنسمة، والروح، وهذه القوّة الحياتيّة، لا تستطيع إلاّ أن تأتي من الله.

ثانيًا : الروح كقوّة حياة. التنفّس يدلّ على الحياة. وتُعتَبر النسمة مبدأ الحياة : الروح هو نسمة (نفخة) الحياة (تك 6 :17؛ 7 :15، 22؛ حز 37:10-14؛ مز 104:29-30) لدى الانسان كما لدى الحيوان (تك 7 :22؛ (عد 16:22؛ عد 27:16؛ إش 42:5؛ أي 34 :14-15؛ مز 104:29-30؛ جا 3:19). لهذا، يتوازى "روح" مع "ن ش م هـ " (النسمة، (إش 42:5؛ إش 57:16؛ أي 4 :9؛ 27 :3؛ 33 :4؛ 34 :14). فالانسان الجائع لم يعد له "روح"، لم يعد له نسمة حياة. فإن أكل وشرب عادت إليه روحه، عادت إليه نسمة الحياة (قض 15 :19؛ 1صم 30:12؛ رج مرا 1:11، 16، 19 حيث "ن ف ش" تعني "روح"). إذن، نسمة الحياة هي أيضاً قوّة حياة. فما ليس له "روح" هو بدون حياة وبدون قوّة (إر 10:14؛ حب 2:19). تبدأ الحياة مع نسمة الحياة (حز 37:8-10؛ جا 11:5)، التي هي، بحسب الأفكار الشرقيّة القديمة، نفس الاله ذاته : حين نفخ يهوه في اللانسان نسمة الحياة، صار الانسان نفسًا (كائنًا) حيّة (تك 2 :7؛ رج أي 27 : 3؛ 33 : 4؛ 34 :14-15؛ مز 410:29-30؛ أش 42:5؛ حز 37:1-14). لهذا يهوه هو إله نسمة الحياة (الارواح، روح وت) لكل بشر (أي لحم، عد 16:22؛ 27 :16). والانسان يحيا ما دام "الروح" (نسمة الحياة) في منخريه (أي 27 :3). وما إن تذهب النسمة أو يأخذها الربّ، حتّى يعود الانسان إلى التراب (أي 34 :14-15؛ مز 104:29-30؛ 146 :4). بعد الموت، يعود الجسد إلى التراب من حيث جاء، وتعود نسمة الحياة إلى الله الذي نفخها (جا 12:7؛ رج أي 34 :14-15؛ مز 104:29-30).

ثالثًا : الروح هو موضع العواطف والأفكار. إن العواطف القويّة تؤثّر على أعضاء التنفّس. ولن يعود "روح" في أناس يائسين أو مدهوشين (ي(ش 2:11؛ ش 5:1؛ 1مل 10 :5). ويعود التنفّس عندما يستعيد الانسان ذاته (تك 45 :27). صاحب الكآبة يكون "الروح" فيه ثقيلاً (1صم 1:15) وابن المرارة يكون "الروح" فيه (تك 26 :35؛ سي 7 :11) أو "نفش" (النفس، 1صم 1:10؛ 22 :2) مرّة. الانسان الغاضب لا يعود فيه نسمة (خر 6:9؛ مي 2 :7) أو أنف (أم 14:17) أو "نفش" (عد 21:4). والرجل الصبور له نفَس، نسمة (جا 7:8) أو أنف (أم 14:29؛ 16 :32) طويل. المتكبِّر روحه عالية (أم 16:18). والمتواضع روحه، متواضعة (أم 29:23). "الحزن يسحق الروح" أو كما في النص : "كآبة الروح تيِّبس العظام" (أم 17:22). بما أن النسمة (النَفَس) ترتبط ارتباطاً وثيقًا بتحرّكات النفس، فإن "روح" هو أيضاً موضع العاطفة والفكر والإرادة (خر 35:21، 29؛ إش 19:3؛ إر 51:11؛ (حز 11:19؛ حز 36:26؛ مز 51:12؛ أم 16:2؛ 21 :2)، شأنه شأن القلب والنفس.

رابعًا : الروح والأرواح. لا نستطيع أن نعطي مدلولاً فلسفيًا للروح كما يتحدّث عنه العهد القديم. كما لا نستطيع أن نرى في أفكار التوراة عن الروح آثار أرواحيّة قديمة أو شياطين متعدّدة. ففي جميع التعابير التي تدلّ على تحرّكات الروح، يبقى المعنى الاصلي للنسمة واضحًا. وهذا ما نستطيع أن نبرهن عنه بتعابير متوازية تتحدّث عن أعضاء التنفّس. ثم إن "روح" لا يُستعمل أبدًا في العهد القديم ليدلّ على النفس المنفصلة أو على الأرواح (في الجمع)، كما هو الحال في العالم اليهودي المتأخّر وفي العهد الجديد. إن لفظة "روح" (في المفرد ) تدلّ نادرًا على روح غير محدّد (قض 9 :23؛ 1صم 16 :14ب، 15-16، 23؛ 18 :10-11؛ 19 :9؛ 1مل 22:19-23). إن "روح" هو دومًا محدّد، معرَّف، ما عدا في 1مل 22 :21. وروح الحسد (عد 5:14، 30)، وروح الزنى (هو 4 :12؛ 5 :4) وروح النجاسة (زك 13 :2) لا تعتبر أرواحًا شريرة. فالفكرة عن الشياطين في العهد القديم لم تكن موسَّعة. وفي تعابير مثل "روح دوار" (إش 19:14)، "روح ذهول" (إش 29:10)، روح حكمة (خر 28:3؛ تث 34:9؛ إش 11:2) روح الحنان والرحمة (زك 12 :10) روح أو ريح العقاب الحريق (إش 4:4)، نحن أمام استعداد يعطيه الرب، أمام صفة من صفات الفكر.

خامسًا : الروح والجسد (أو البشرية. اللحم والدم، "ب س ر" في العبريّة). لا يقول العهد القديم إن الله هو روح، هو كائن روحيّ، كائن لاماديّ. غير إن النقائض بين الإنسان واللحم، بين الله والروح (أش 31:3) تدلّ على أن الله والروح هما مضمونان يقعان على مستوى واحد. فالانسان واللحم (أو البدن) هما ضعيفان وعابران (إش 40:5؛ أي 10 :4-5؛ مز 56:5؛ 78 :39). الله والروح لا يفنيان. هما قديران (أي 10 :4-5؛ إر 17:5-8). يبدو أننا نجد النقيضة نفسها في تك 6 :3. ولكن إذا كان العهد القديم لا يقول إن الله الروح، فهو يكرّر بأن له روحًا، بأنه يُعطي الروح، أو يعطي روحه، أو يفعل بروحه في الانسان (رج روح الله).

2) في العالم اليهوديّ.

لا ينظر العالم اليهوديّ المتأخّر إلى الروح بشكل فلسفيّ. وحده سفر الحكمة الذي تأثّر بالفكر اليونانيّ، صوّر الروح (بنفما، بنوما) على أنه لاماديّ، عاقل، لا يفنى، يلج كل شيء (حك 7:22-23). في سائر الأسفار القانونيّة الثانية، وفي منحولات العهد القديم،تسيطر (كما في الكتابات الرابينيّة) ذات الأفكار التي نجدها في الأسفار القانونيّة الأولى. ومع ذلك، فهناك بعض الأفكار الجديدة. فنفوس الموتى تُسمّى أرواح الموتى ((1أخن 22:3-13؛ 1أخن 93:12؛ 98 :3، 10؛ يوسيفوس، الحرب 7 6 :3). وفي خطّ تعليم موسّع عن الملائكة والشياطين، تميّز النصوص بين الأرواح الصالحة والأرواح الشريّرة، ولكل من هاتين الفئتين منطقة تأثير خاص في الطبيعة وفي البشر. إن كتاب اخنوخ ((1أخن 60:12-21؛ 1أخن 65:8؛ 66 :1) يعرف أرواح تدير ظواهر الطبيعة. ووصيّات الآباء الاثني عشر تتحدّث عن روح الضلال، روح الفجور، روح النجاسة، روح بليعار (وص يهوذا 20 :1، 5). وتذكر اليوبيلات روح الحق. ولكن جميع هذه الأرواح تخضع لربّ الأرواح (2مك 3 :24؛ يوب 10 :3؛ عد 16:22 كما في السبعينية؛ رج رؤ 22 :6).

3) في العهد الجديد.

أولاً : روح الانسان. في العهد الجديد، يفقد "الروح" (بنفما) معناه الأصلي كنسمة حياة (2تس 2:8؛ رج إش 11:4؛ يو 20 :22) وريح (يو 3 :8؛ عب 1:7؛ رج مز 104 :4). غير أنه اعتاد أن يتقبّل معنى أكثر فلسفيًا. يقوم روح الحياة (يع 2 :26؛ رؤ 11:11) بعد أن يترك الجسد (لو 8 :55؛ 23 :46 موردًا مز 31:6؛ يو 19 :30؛ أع 7:59) إلى السماء (عب 12:23؛ رج دا 3 :6) أو الجحيم (1بط 3:19؛ رج 1أخن 22 :3-13). روح الانسان هو مركز عواطفه وأفكاره وإرادته ((مر 2:8؛ مر 8:12؛ 2كو(ر 2:13؛ ر 7:13؛ رو 8 :16). وهو يعارض البدن (اللحم والدم، البشر، الجسد) كما تعارض الإرادةُ المستقيمة والقويّة ضعفَ الطبيعة البشريّة (مت 26:41؛ مر 14:38)، أو كما يعارض العنصرُ الروحيُّ في الانسان الجسدَ (1كور 5 :3؛ 2كور 7 :1؛ كو 2 :5). غير أن لفظة "روح" قد تدلّ أيضاً على الانسان كلّه (غل 6 :18؛ فل 4 :23؛ فلم 25؛ 2تم 4:22). إن 1تس 5:23 يذكر الروح (بنفما) مع النفس (بسيخي) والجسد (سوما) (رج عب 4 :12). هناك من يرى هنا تمثُّلاً ثلاثيًا، وكأن الانسان عند بولس مؤلّف من ثلاثة عناصر هي الروح والنفس والجسد. ولكن الرسول يفكّر بالاحرى هنا باللفظتين العبريتيّن (روح، ن ف ش) اللتين تدلاّن كلاهما على نسمة الحياة أو مركز الأفكار والعواطف.

ثانيًا : الروح كاستعداد داخليّ. وقد يحدّد الروح بعض المرات صفة فيدلّ على استعداد داخليّ (1كور 4 :21؛ غل 6 :1؛ أف 4 :23؛ 1بط 3:4). هذا الاستعداد الداخليّ هو طبيعيّ، أو هو روح يعطيه الله. ليس التمييز دومًا واضحًا في رسائل بولس الرسول (رو 8 :15؛ 2كور 12 :18؛ فل 1 :27).

ثالثًا : الروح والبدن (اللحم والدم، العنصر البشري). ولكن حين يعارض بولس الروح والبدن (رو 8 :4؛ غل 3 :3-6؛ 5 :16-25؛ 6 :8)، عند ذاك يدلّ الروح على قوّة الله التي تبرّر الانسان وتُحييه، ويكون البدن عنصر الضعف حيث الخطيئة تقيم وتحدث الدمار (غل 5 :19-20). في 1كور 2 :14-15؛ 3 :1، نرى الانسان الروحي (بنفماتيكوس) الذي يسيطر عليه كله الروح، يعارض الانسانَ البدنيَّ (البشري، اللحمي) أو النفسي (بسيخيكوس) الذي لا يمتلك الروح (رج يع 3 :15؛ يهو 9)، الانسانَ الطبيعيّ (1كور 15:44-45).

رابعًا : الروح والحرف. "الروح" له هنا ذات المعنى كما في النقيضة السابقة. لسنا فقط أمام تعارض بين قراءة سطحيّة للكتاب المقدس وفهم أعمق. ففي فكر بولس، التعارض حاضر بين شريعة مكتوبة تكتفي بأن تقود الانسان في طريق الحياة، وسلطة المسيح المحيية التي تحرّر في الحقّ وتخلّص (رو 8:1-2). لا شكّ في ان بولس كان شاهدًا لفهم حرفيّ وشريعانيّ للشريعة. والخبرة التي عاشها على طريقه كمؤمن، هي جوهريّة لكي نفهم فكره ولغته (2كور 3). هي خبرة كشف وتحرير (2كور 3:14-18). وقد تجرَّأ فدعا "حرفًا" الشريعة القديمة كفرائض مكتوبة تفرض على الانسان طاعة لا يستطيع أن يحقّقها (رو 7 :6). فالشريعة لا تستطيع في ذاتها أن تعطي الروح المسيحيّ الذي يحرّر الانسان، وإن أعلنت ما سوف يتحقّق وهيّأت الطريق له. ففي نظر بولس، تسود في "العهد الجديد" شريعةُ روح الحياة في المسيح (رو 8:2-3) التي بها يتحرّر الانسان فيصبح خليقة جديدة (2كور 5 :17؛ غل 6 :15؛ رج إر 31:31-34؛ حز 36:26-29). الروح يُحيي (يو 3 :5؛ 6 :63؛ 1كور 15 :45).

خامسًا : الأرواح الصالحة والأرواح الشريرة. قلّما يتحدّث العهد الجديد عن الأرواح بشكل عام (أع 23:8-9؛ عب 12:9)، وعن الأرواح الصالحين أو الملائكة (عب 1:14؛ رؤ 4:5؛ 5 :6). ولكنه يتكلّم بالاحرى عن الأرواح الشريرة، ولا سيّمـا في الأناجيل الإزائية وفي سفر الأعمال. يدعوها بشكل خاص : الأرواح النجسة (مت 12:43؛ مر 1:23، 26؛ لو 4 :36؛ 6 :18؛ (أع 5:16؛ أع 7:8؛ رؤ 16:13).

سادسًا : الروح وطبيعة الله. قال يو 4 :24 : "الله روح". نقرّب هذا التعبير من سائر التعابير اليوحناويّة : "الله نور". "الله محبّة". لسنا هنا أمام تحديد فلسفيّ، بقدر ما نحن أمام صورة عن عمله تجاهنا : هو يعطي الروح الذي يجدّد ويخلق أيضاً، الذي يصنع عابدي الآب الحقيقيين (بالروح والحق يو 4 :23)، الأبناء الحقيقيين. لا يشدّد هذا التعبير على الطابع اللامادي لله. فالروح لا يعارض المحسوس على ما في "العقل (نوس) الافلاطوني". ففي العالم البيبلي، حين نقول "الله روح" نقرّ به أنه الينبوع، أنه وحده الحيّ الذي لم يتقبّل الحياة. أنه ينبوع العطايا الروحيّة التي تتجاوز كل ما عند المخلوقات. أنه ذاك الذي يعطينا الروح القدس.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.