الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: زمن، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

نتصوّر الزمن خطاً متواصلاً نحدّد فيه بدقة موضوعيّة كل الاحداث مع المسافة بين حدث وحدث على مستوى المدى. ننطلق من الحاضر الذي نحن فيه، ونتطلّع إلى المستقبل وإلى الماضي. وقد يتواصل هذا الخطّ إلى ما لا نهاية في الاتجاهين. مدلول الزمن في شكله الثاني، هو تجرّد ينفصل عن أساسه، هو تحرّك متواصل للاشياء المادية يقيسه الزمن بعد أن قسَّمناه وحدات متساوية. عبّر اليونان عن مدلول الزمن بلفظة "خرونوس". أما العالم الاسرائيليّ فما اكتفى بهذه النظرة المجرّدة. بل اهتمّ بالمضمون التاريخي للزمن، بل بنظرة فلسفيّة إلى طبيعته. هناك من قابل بين الزمن الخطوطي عند العبراني والزمن الدائريّ عند اليونانيّ. ولكن النظرتين أكثر تنوّعًا وتشعبًا ممّا يُظن للوهلة الأولى بحيث نستطيع أن نقدّم رسمة سريعة لعالمين متداخلين.

1) الالفاظ. الكلمة الاكثر استعمالاً في العهد القديم للدلالة على الزمن هي "عت" (297 مرة). هناك من عاد بالكلمة إلى "ع ن ت" (رج الارامية ك ع ن ت، والآن) الذي يعود إلى "ع ن هـ " (أجاب أو اهتمّ بشيء من الاشياء). وآخرون إلى "ع د ت" الذي يرجع إلى "ي ع د" (حدّد موعدًا. م و ع د : الزمن المحدّد، الموعد). ليس للفظة "ع ت" المعنّى المجرّد الذي لـ "خرونوس". لهذا لا تترجمها السبعينيّة سوى ثلاث أو أربع مرات ((إر 30:7؛ إر 31:1؛ 49 :8، والسينائي في أس 5 :13) بـ "خرونوس"، بل بـ "كايروس" (الوقت المناسب، 162 مرة)، و "هورا" (الساعة، 26 مرة)، وظرف الزمان في أس 9:27؛ نح 2:6؛ سي 43 :7 وفي الأقسام الأراميّة في التوراة، نجد اللفظة الارامية : ز م ا ن. أما الزمن المتفّق عليه وموعد عيد ديني فهو "م و ع د". أما في الزمن الطويل في الحياة البشريّة أو حقبة من التاريخ، فهناك "دور" (جيل، تك 6 :9؛ 7 :1؛ 15 :16؛ خر 3:15؛ تث 32:7)، أو "الأيام" (ي و م في العبريّة) (تك 5 :4-5، 8، 11، 14، 17، 20؛ خر 2:11، 23؛ (تث 12:19؛ تث 22:19؛ ي(ش 4:14؛ ش 24:31؛ را 1:1) التي تُترجم بعض المرات بـ "خرونوس" في السبعينيّة. واستعمل العهد الجديد أيضًا لفظة "أيام" ((مت 2:1؛ مت 11:22؛ 23 :30؛ 24 :37؛ لو 1 :5؛ 4 :25؛ أع 5:37؛ 7 :45) بجانب "كايروس" (الزمن المؤاتي، المناسبة) و"خرونوس". رج سنة، ساعة، يوم، شهر، كلندار.

2) النظرة البيبلية. ^ أولاً : الوقت. نظرتنا إلى الزمن ترتبط بالكمية. وفي العالم العبريّ بالنوعيّة. وكان العبرانيون واليونان يحدّدون الزمن بالشمس والقمر. ولكن اليونان شدّدوا على الحركة المنتظمة (لهذا تحدثوا عن "الأجساد السماوية"). أما بنو اسرائيل فنظروا إلى إشعاع الشمس والقمر وسمّوهما "النيرين" (تك 1 :14-15؛ مز 361-371). هذا يعني أن الزمن هو موضوع خبرة للعبري، وموضوع حسابيّ لليوناني. وهذا الطابع الملموس والاختباري للزمن، لا يعبَّر عنه فقط في تماهي النور مع النهار والظلام مع الليل (تك 1 :5)، بل في تحديدات الزمن كما في العبارة التالية : "حين تحمى الشمس" "ي و م"، (تك 18 :1؛ 1صم 11:9، 2صم 4:5؛ نح 7:3). أو : "نسيم النهار" (تك 3 :8) أو : "مالت الشمس إلى المغيب" (تك 15 :12، 17). وهناك ظواهر أخرى في الطبيعة تحدّد الزمن، المطر (لا 26 :4؛ (تث 11:14؛ تث 28:12؛ إر 5:24؛ حز 34:26؛ زك 10 :1 : المطر في وقته؛ عز 10:13 : زمن الأمطار)، جفاف الوديان (أي 6 :17). لهذا كانوا يكتفون بعبارة مثل هذه "غدا في مثل هذا الوقت" (خر 9:18؛ يش 11 :6؛ (1صم 9:16؛ 1صم 20:12؛ 1مل 19 :2؛ 20 :6؛ 2مل 7 :1؛ 10 :6).

وهناك كتّاب يجدون طريقة تحديد الوقت في ملاحظة الحواس : ك ع ت. ح ي هـ (تك 18 :10، 14؛ 2مل 4:16-17) : حين عاش الزمن أيضًا أي بعد سنة، في عودة ذات الفصل من فصول السنة. في ربيع السنة القادمة. وذات النظرة الملموسة إلى الزمن تسير إلى نهاية السنة التي تختتم بالقطاف : "دورة السنة أو الايام" (خر 34:32؛ 1صم 1:20؛ 2أخ 24:23). أو "ذهاب السنة" (1صم 1:11؛ 1مل 20 :22، 26؛ 1أخ 10:1؛ 2أخ 36 10). لن نجد تقسيم النهار إلى ساعات، في النصوص البيبلية، إلاّ في زمن متأخّر جدًا.

ثانيًا : الزمن المناسب. بما أن البنية الملموسة لمدلول الزمن في العالم العبري هي كذلك، فعمل من الأعمال (أو حدث من الأحداث) المحدّدة لا يليق بذاك الوقت، أو هو لا يُفعل في أي وقت كان. فلكل عمل زمنه الخاص. وكل شيء في وقته.

(أ) زمن الطبيعة. إن الطبيعة تعرف زمنًا لإنتاج الثمار (مز 1:3؛ مر 11:13). ولولادة الايائل (أي 39:1-2)، وهجرة السنونة (إر 8:7)، ولظهور القمر والنجوم (أي 38 :32)، وللحصاد ((إر 5:24؛ إر 51:33؛ هو 2 :11؛ أي 5 :26؛ يه 8 :2) والدراسة (إر 51:53) ولتشذيب الأشجار (نش 2:12؛ رج كلندار جازر)، ولإدخال البهائم (تك 29 :7). هناك وقت للطعام (را 2:14؛ حز 4:6-11؛ جا 10:17؛ مز 22:27؛ 451 :15)، وللانطلاق إلى الحرب (1صم 11:1؛ 1أخ 20:1). حسب أس 1:13، ظنّ الحكماء أنهم يعرفون الأزمنة، وأنهم يقدرون أن يعطوا الناس مشورة في شأنها. حين يخسر زمن تحديدَه، يزول من الكلندار (أي 3 :3-9؛ رج إر 20 :14). عندئذ يعود الشواش (عا 8:9؛ يوء 2 :2)، أو يحلّ محلّ التاريخ التدبيرُ الجديد للخلاص (زك 14 :7؛ إش 60:20). هي نقطة هامة، لأنها تبيّن أن زمن العالم أو زمن الطبيعة يرتكز على تناوب الزرع والحصاد، البرد والحرّ، الصيف والشتاء، النهار والليل (تك 8 :22).

(ب) زمن الانسان. ولحياة الانسان إيقاعها الخاص، كما يصوّره جا 3:2-8؛ رج تك 38 :27؛ حز 16:8 (زمن الحب)؛ لا 15 :25؛ 1مل 11 :4؛ 15 :23؛ مز 71:9 (الشيخوخة)، أي 22 :16؛ جا 7:17؛ 9 :12 (الموت). غير أن هذا الانتظام الدوريّ هو نسبيّ. فحين يجدّد الانسان قواه يقدر أن يعود إلى زمن الشباب (أي 33 :25؛ رج مز 103:5؛ إش 40:31). فحياة الانسان (زمنه في العبرية) يحدّدها (في ما يحدّدها) نشاطه المسؤول (أي 27 :6) وعناية الله الساهرة (مز 31 :16 : بيدك مواقيتي؛ 37 :18؛ رج 33:18-19). وهناك يوم فريد سيأتي حيث لن يكون نهار ولا ليل ولا شتاء ولا صيف (زك 14 :6). وهذا ما يقودنا إلى زمن الله.

(ج) زمن الله. و لله أزمنته (أو : أوقاته) التي تفلت من الدورات الطبيعيّة : زمن رضاه (إش 49:8؛ مز 69:14؛ 1كور 6 :2)، زمن (أو وقت) غضبه (إر 18:23؛ مز 21:10)، زمن افتقاده ((إر 6:15؛ إر 8:12؛ -10 :15؛ 46 :21؛ 5 :27؛ 51 :18)، زمن الانتقام (إر 51:6؛ رج تث 32:35، زمن الشفاء (إر 8:15؛ 14 :19). وأخيرًا هناك اليوم، يوم الرب. ومع أن مصير (أوقات، ازمنة) الكائن البشريّ يبدو وكأنه يُفلت من الله، لأنه ينتظر عبثًا الأيام التي فيها يخلّص الله الابرار (أي 24 :1)، فمواقيته تستحقّ أن نثق بها (إش 33:6). فالزمن الذي به يتدخّل الله في تاريخ البشرية هو زمن ذاك الذي هو موضوع هذا التدخل، لأنه يقرّر مصيره (إش 9 :3 : مديان؛ إش 13:9-22 : بابل؛ مز 137:8؛ حز 12؛ 22 :3 : أورشليم؛ حز 21:29 : صدقيا؛ حز 21:20 : عمون؛ حز 30:3-4 : زمن فيه تدخل الشعوب الوثنيّة إلى مصر؛ رج لو 21 :24؛ جا 8:5-6).

3) لاهوت الزمن. حسب النظرة العبريّة، إن عمل الله في العالم يحدّد الطبيعة الحقيقيّة للزمن وبالتالي مصير البشريّة. لهذا استطاع أع 17:26 (نظرة جليانيّة إلى حقبات الكون الكبرى، قُسم الزمن إلى حقبات) أن يقول إن الله حدّد مسبقًا الزمن أي مصير جميع شعوب الأرض (رج دا 2 :1ي؛ 7 :1ي؛ 8 :1ي؛ 11 :1ي؛ با 48؛ 2؛ 4 عز 13:57-58؛ وثص 6 :2). إذا كان لله مخطّط خلاص من أجل العالم، فهو يحقّقه حتمًا في الزمن وبواسطة الزمن. هذا هو زمن الخلاص الذي يبدأ في نقطة محدّدة (والخلق، تك 1 :1-2؛ حك 2 :23-24؛ مت 19:4، 8؛ مر 10:6؛ يو 1 :1ي) ويتوجّه نحو النهاية أو الكمال ((مت 13:39-40؛ مت 24:3؛ 28 :20؛ عب 9:26. رج اسكاتولوجيا) ساعة يتجدّد الكون في يوم الرب. هذا هو الزمن الخاص بـ مجيء المسيح (1تم 6:15)، والزمن الخاص بالحصاد أيضًا من أجل الأبرار (غل 6 :9). وقته مخفيّ عن البشر (مت 24 :36 وز؛ أع 1:7؛ 1تس 5:1-2؛ 1بط 1:11؛ 2بط 3:10). ويُسمّي دا 8:17، 19؛ 11 :35، 40؛ 12 :4، 9 الحقبة التي تسبق بشكل مباشر الحدث الأخير، "زمن النهاية" (اسكاتولوجيا). وبين الاثنين يقع تجسّد ابن الله في وقت يحدّده غل 4 :4؛ أف 1 :10؛ مر 1:15 بـ "يحين الوقت " في الأصل : الملء). تفترض هذه العبارة الجليانيّة (دا 11:35؛ طو 14 :5؛ 2 با 40:3؛ 4 (عز 4:35-36؛ عز 5:50-51؛ 6 :18-19؛ 9 :5؛ 11 :44) أن الأزمنة (أي تطوّر التاريخ) مدى حدّده الله مسبقًا ونحن سنصل إليه قبل مجيء الخلاص (دا 2؛ 7؛ 8؛ 11). لا يقول بولس في أي مكان تدلّ أحداث تاريخيّة على هذا الملء. كانت حياة يسوع موجّهة نحو ذروة هي وقته أو ساعته (مت 26:28؛ يو 2 :4؛ 7 :6، 8؛ 12 :23؛ 13 :1؛ 17 :1). بعد هذا، وتجاه أزمنة الجهل (أع 17:30) السابقة، تعيش البشرية أزمنة محدّدة تعلن فيها كلمة الله ( تي 1 :3؛ 1تم 2:6). غير أن زمن الخلاص هذا (الذي منحه الله) يفرض متطلّباته على الانسان. وعلى الانسان أن يراه هكذا (رو 13 :11) ويستخرج منه سلوكًا حكيمًا (أف 5 :16؛ كو 4 :5). وحين لا نعترف بزمن افتقاد الله (لو 19 :44)، نجتذب على نفوسنا دينونة الله التي هي الوجه الآخر لهذا الافتقاد (1بط 4:17).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.