الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: سبت، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

في العبرية "ش ب ت" (في العربية : سبت أي استراح). في اليونانية : شاباتون. هو اليوم السابع في الأسبوع. فيه يعطلّون بعد ستة أيام من العمل (خر 20:8-11؛ تث 5:12-15؛ خر 31:12-17 :35 :1-3 : لا 23 :3). إن الصيغة المشتقة من "ش ب ت" هي "ش ب ت و ن" (راحة، ممارسة سبتيّة). قد تُستعمل وحدها (لا 23 : 24، 39؛ 25 :5) أو تسبق "السبت" (خر 16:23) أو تليه ((خر 31:15؛ خر 35:2؛ لا 16 :31؛ 23 :3، 32؛ 25 :4 هل نحن أمام صيغة التفخيم؟). حينئذ تترجم : سبت عطلة مقدّسة. وتستعمل "ش ب ت و ن" بعض المرات للحديث عن احتفالات غير اليوم السابع (لا 16 :31؛ 23 :24، 32،39؛ 25 :4، 5). إن تاريخ هذا التنظيم (تنظيم السبت) يبقى صعبًا فلا نستطيع أن نحدّد مراحله.

1) الاسم. يبقى أصل الاسم غامضًا. والتماهي بين السبت واليوم السابع يدفعنا إلى القول باشتقاق السبت من اليوم السابع (ش ب ع). ولكننا لا نستطيع أن نشرح غيابَ العين والشدّةَ على الباء في "ش ب ت". وقرّب بعضُهم االكلمة من الاكادي "شافاتو" (هناك جدال حول أصل هذه اللفظة) الذي يعني في بابل يوم البدر. لا شكّ في التشابه. ولكن العبور من "ش ف ت ت" (الاكادي) إلى "ش ب ت" العبراني، يجعل العلاقة المباشرة بين الاثنين غير معقولة، ولا تفسَّر إلا بالعودة إلى فرضيّة تتحدّث عن أساس سامي مشترك. وقال آخرون : ترتبط اللفظة بالجذر "ش ب ب" الذي نقرأه في العربية (شبّ) ويعني نما، كبر. وهذا ما يوافق السبت الذي أشار في الاصل الى القمر في ملئه، إلى البدر. ويبقى التفسير الساري (رج تك 2 :2-3) الذي يربط السبت بالفعل العبري "ش ب ت" : أوقف، توقّف (عن العمل) (تك 8 :22؛ يش 5 :12؛ نح 6:3). وفي سياق سبتي، يعني الفعل : توقّف عن العمل. عطلّ. وهنا لا نستطيع أن نفهم الانتقال من "ش ب ت" (الفعل) إلى "ش ب ب ت" (الاسم مع الشدّة على الباء). وهكذا يبقينا علم الاشتقاق في الغموض ولا يساعدنا على تحديد هويّة السبت.

2) أصل تنظيم السبت. يبدو السبت الاسبوعيّ خاصًا باسرائيل ولا يجد ما يقابله في العالم القديم. فالاشوريون والبابليون عرفوا "شفتو" مرة كل شهر. هو عيد البدر. في اليوم الخامس عشر من الشهر. ويُعتبر يوم بركة ومناسبة احتفالات عباديّة. وعرف دارسو الأيام البابليّة "أيام خطر" ترافقها بعضُ المحرمّات هي : 7، 14، 21، 28 من الشهر، وربما 19. هذا ما نكتشفه منذ القرن السابع. وهكذا نجد توالي أسابيع أربعة في الشهر. دون أن تسمّى هذه الأيام الأربعة (7، 14، 21، 28) "شفتو". وذكرت طقوس أوغاريت أيضًا عيدين يرتبطان بوجهين من أوجه القمر : القمر الجديد أو أول القمر والهلال، وعيد منتصف الشهر أو البدر. والبدر هو الأهم بطقوسه وذبائحه. ولا يبدو أن العالم الكنعانيّ عرف الأسبوع بأيامه السبعة. ولا شيء يتيح لنا أن نؤكّد أن القينيّين الذين التقى بهم بنو اسرائيل في الصحراء، والذين لا نعرف عنهم الشيء الكثير، قد عرفوا نظام الاسبوع. ومنعُ إشعال النار يوم السبت (خر 35:3؛ عد 15:32-36)، هل يعود الى أمر محرّم في قبيلة من الحدادين (تك 4 :22) ؟ لا شيء يساعدنا على التحقّق من هذه الفرضيّة. والتوراة نفسها لا تقدّم لنا خبرًا عن تنظيم السبت. فيبقى على المؤرِّخ أن يشقّ طريقه عبر نصوص تعود إلى اتجاهات مختلفة وأزمنة متنوّعة. لهذا، لا ندهش إن تنوّعت الفرضيّات.

الفرضيّة الأولى : هل نظّم السبت قبل المنفى؟ بحسب فرضيّة معروفة اليوم، يعود السبت كراحة اليوم السابع الذي قد يكون له أصل قديم لا نستطيع أن نبرهن عنه، قد يعود إلى تأسيس الديانة اليهويّة، الديانة المرتبطة بيهوه، الرب الذي هو. هذا ما تشير إليه جميع التشريعات (خر 20:8-11؛ 23 :12، الالوهيمي 34 :21، اليهوهي؛ 31 :12-17، الكهنوتي؛ تث 5:12-25). ويُعطى له في كل هذه النصوص الوصف عينه : اليوم السابع الذي فيه نتوقّف عن العمل بعد ستّة أيام من العمل. وفي التعبير القديم للوصايا العشر (دكالوغ)، أعطيت الفريضة بدون شروح : "لا تعمل (عمل العبيد) يوم السبت". وزيدت الأسباب في وقت لاحق : البُعد الانساني للسبت (خر 23:12؛ تث 5:14). الاحتفال بالخروج من مصر (تث 5:15). ما فعله الخالق (خر 20 :11 وهو مقطع ينسبه الشرّاح إلى التقليد الكهنوتي الذي يستلهم تك 1 :1-2 :4). خر 31:12-17 وهو مقطع كهنوتي يعتبر أن السبت هو علامة "من جيل لجيل"، "وعلامة أبدية"، "عهد أبدي" ( آ16) بين الرب وشعبه. ق خر 20 :12،20. في زمن المنفى اتخذ السبت (كان العيد الوحيد الذي تُمكن ممارسته بعيدًا عن الهيكل) كل أهميته وصار (مثل الختان، تك 17) العلامة التي تميّز الشعب المختار.

الفرضيّة الثانية : هل نظّم السبت بعد المنفى؟ كان السبت في الأصل عيد البدر ولم يأخذ مدلوله كراحة اليوم السابع؛ الاّ بعد العودة من المنفى. فالنصوص الأكيدة في الحقبة الملكيّة (عا 8:5؛ هو 2 :13؛ إش 1:13؛ 2مل 4 :23) تذكر السبت مع رأس الشهر كعيد فرح يحتفلون به في المعبد. لا شيء يدلّ على أننا أمام اليوم السابع، بل أمام عيد البدر كما في أوغاريت وبلاد الرافدين (ك س هـ، مز 81:4؛ أم 7:20). مع أن عيد السبت لم يُذكر ابدًا في يش، قض، 1-2 صم، فقد وُجد قبل المنفى، بل منذ القرن التاسع (2مل 4 :23)، وكانت له مكانته في لائحة الوصايا القديمة التي احتفظ بها لا 19 :3،30. "احفظوا سبوتي". هذه النظرة إلى السبت هي نظرة حزقيال (20 :12-13، 16، 20، 21، 24؛ 22 :8، 26؛ 23 :38)، التي تظهر حتى في التوراة ((حز 44:24؛ حز 45:17؛ 46 :1) حيث يظهر السبت في خط موازٍ مع رأس الشهر (45 :17؛ 46 :1، هذا إذا نسبنا ذكرَ الستة أيام إلى المدوِّن الكهنوتي)، كما في (إش 56:2-6؛ إش 58:13؛ 66 :23 (في توازٍ مع رأس الشهر). ما من نصّ من هذه النصوص يذكر اليوم السابع كما يشدّد التقليد الكهنوتي ((خر 16:26؛ خر 20:10؛ 31 :15-17؛ لا 23 :3؛ تث 5:14). هو يمكن أن يُفهم إن لم يكن السبت راحة اليوم السابع منذ أصول اسرائيل. ولكنه يُفهم إذا كان الهدف من النصّ إدخال نظام جديد في الجماعة. إن هذه النظرة الجديدة إلى السبت التي ارتبطت بالاخذ بالكلندار البابلي (بين سنة 604 وسنة 587) وبحدث المنفى، قد تكون عملَ الأوساط الكهنوتية التي استلهمت ولا شكّ تنظيم "الأيام الخطرة" في بابل، ففرضت نفسَها في النهاية بعد العودة من المنفى. وذلك بفضل اعتراف ملوك الفرس بالتوراة الموسويّة (عز 7:12-26).

ويُطرح سؤال ثالث : هل نظام السبت نظام مركّب من عناصر مختلفة؟ هناك كتّاب يعتبرون أن السبت كيوم سابع هو مزيج بين واقعين قديمين : السبت كعيد عباديّ في الحقبة الملكية، وتعطيل اليوم السابع بطابعه الانساني (خر 23 :12 الذي لا يذكر السبت؛ تث 5:14). متى تمّ هذا التماهي بين النظامين ولماذا؟ هنا يبدأ الجدال. بين زمن حزقيا ويوشيا، في شرائع كهنوتيّة تربط السبت بالخلق وبسيناء (خر 20:11؛ 31 :12-17)؟ أو في زمن المنفى، كردّة فعل على النظام البابلي الذي يتحدّث عن "أيام الخطر"؟ كان السبتُ عيدَ البدر، فتماهى مع اليوم السابع ليعطي إطارًا ليتورجيًا خاصًا بحياة المنفيّين.

والسؤال الرابع : ما الذي فرضته التوراة، وكيف طبّقه المؤمنون؟ ونبدأ بالبنتاتوكس (أسفار الشريعة الخمسة) الذي يقدّم شرائع وثلاثة أخبار تعليميّة طرحها الكهنة حول السبت (تك 1 :1-2 :4أ؛ خر 16 : يهوهي أعاد فيه النظرَ المرجع الكهنوتي؛ عد 15:32-36). فُرضت راحة اليوم السابع دون أن يُسمّى سبتًا في خر 34:21 (يهوهي)؛ 23 :12 (الوهيمي) مع اهتمام انسانيّ. ونجد الاهتمام عينه في وصيّة السبت في تث 5:12-15 ( آ14) الذي يربطه (كما في جميع الاجراءات الاجتماعية، (تث 15:15؛ تث 16:12؛ 24 :18-22) بالتحرّر من مصر. الوصيّة الرابعة من الوصايا العشر (خر 20:8-10؛ تث 5:12-15) التي تبدو في تعبير طويل وإيجابي، تتميّز عمّا سبق فتفترض تاريخًا متشعّبًا. فمن الأكيد أن الشريعة في خر 20 وتث 5 قد وجدت تعبيرها الأخير لدى المدوّن الكهنوتي في زمن بعد المنفى. والدستور الاشتراعي (تث 12-26) لا يذكر أبدًا السبت. هل تركه ولم يشر إليه لأنه لا يتضمّن الحجّ إلى المعبد المركزي؟ لا نستطيع هنا إلاّ أن نقدّم الفرضيّات. فالفرائض الكهنوتية في لا 19 :3، 20؛ 26 :2 (حز 22:8، 26؛ 23 :38) وطقوس عد 28:9-10 (حو 46:4-5)، تتحدّث فقط عن السبت دون تحديد اليوم السابع. ولكن التماهي بدا صريحًا بين السبت واليوم السابع في سائر النصوص الكهنوتيّة (خر 31:12-17؛ 35؛ 1-3؛ لا 23 :3) التي ترى في اليوم السابع "سبتًا للرب" (لا 23 :3؛ خر 20:10)، يومًا مكرّسًا للرب ((خر 31:15؛ خر 35:2؛ 20 :11)، علامة انتماء إلى العهد (خر 31:3، 16، 17)، يجب أن نراعي طابعه القدسيّ (ولا ندنّسه، خر 31 :4)، فنتوقف عن كل عمل على صورة الخالق ((خر 31:17؛ خر 20:11؛ تك 2:2-3). أما عقاب تدنيسه فالموت (خر 31:14-15)، حتى ولو كان جمع الحطب من الحقل (عد 15:32-36) أو إشعال النار (خر 35 :1-3 وهو محرّم يفرضه خر 16:23؛ 16 :29 الذي يفرض أيضًا بأن لا يخرج الانسان من بيته).

وماذا تقول سائر أسفار التوراة في السبت؟ لا تتحدّث سائر أسفار العهد القديم كثيرًا عن السبت. ولكن ما تقدّمه يحمل شهادة حول ممارسة هذا اليوم الأسبوعيّ قبل المنفى. كان للسبت طابع العيد، طابع الفرح (إش 1:13؛ هو 2 :13). كانوا يذهبون فيه إلى المعبد. ويسألون رجل الله (2مل 4 :23). ويمتنعون عن ممارسة التجارة (عا 8:5). والإشارات المتواترة إلى السبت في سفر حزقيال، تدلّ على أهميّته في زمن المنفى والزمن الذي بعد المنفى، ولكنها لا تساعدنا على تحديده. واللايقين نفسه يرافق شهادة إشعيا الثالث ((إش 56:2-6؛ إش 58:13-16؛ 66 :3) الذي يبقى تاريخه الأدبي موضوع جدال. فنسبة هذا الكتاب إلى تلميذ أشعيا الثاني، تدلّ على أهميّة السبت في ديانة العودة من المنفى (نهاية القرن السادس، بداية القرن الخامس) كما على صعوبة ممارسته (إش 58:13). وهناك قول يمنع من حمل الاثقال (إر 7:19-27، ينسب إلى المدوّنين)، فيدلّ على مقاومة للشريعة داخل الجماعة حيث سيلجأ نحميا إلى إجراء ات جذريّة (نح 13:15-22. تم التزام الشعب، 10 :32).

بما أننا لا نملك الوثائق، يستحيل علينا أن نقول إلى أي حدّ مورس السبت في الواقع. فالأوساط التقيّة كانت متشدّدة في أمانتها. كانت يهوديت تصوم كل يوم ما عدا عشية السبت (بروساباتا، مر 15:42، اليوم الذي يسبق السبت) والسبوت (يه 8 :26) التي كانت تقضيها في أخدار العيد (10 :2). خلال اضطهاد انطيوخس الرابع ابيفانيوس الذي جرّ الناس إلى احتقار السبت (1مك 1 :29، 43، 45؛ 2مك 6 :6)، فضَّل الحسيديم (أي : الاتقياء) أن يُقتلوا من أن يدافعوا عن أنفسهم يوم السبت (1مك 2 :32، 38؛ 2مك 6 :10). أما المكابيون فوضعوا شريعة الدفاع الشرعيّ عن النفس (1مك 2 :4-41؛ 9 :43-44) قبل شريعة السبت. نحن أمام قرار تجاهله 2مك 8 :26-28 الذي لاحظ أن بني اسرائيل لحقوا بجيش نكانور المنهزم لأنه كان عشية السبت.

ونعود إلى الأدب اللابيبلي (بين العهدين) والعهد الجديد. فهناك أوساط يهوديّة شدّدت على مراعاة السبت، فأكثرت من الفرائض من أجل ممارسة دقيقة. وقال يوسيفوس في الحرب اليهوديّة (2 :471) إن الاسيانيّين كانوا أكثر تمسكًا بالسبت من سائر اليهود، فيمتنعون عن كل عمل، ويهيِّئون طعامهم في اليوم السابق لئلاً يشعلوا النار في ذلك اليوم، ويمتنعون عن أخذ شيء ووضْعه في مكان آخر، كما يمتنعون أن يركبوا دابة. هذه الصورة تثبتها وثيقة صادوق (أو دمشق) التي اكتُشفت في خزانة القاهرة ثم في مغاور قمران. فقدّمت 26 أمرًا محرمًا (10 :14-11 :18) لا نجد ما يقابل قساوتها في تشريع الرابينيين. وكتاب اليوبيلات (الذي وُجد أيضًا في قمران) يتضمّن أيضًا سلسلة من الأمور المحرّمة تصل إلى ممارسة الزواج لئلا يتدنّس هذا اليوم المقدّس (50 :8). ونزيد على هذه النصوص فرائض دقيقة تعلّق بها الفريسيون على ما نجد في العهد الجديد (مت 12:2؛ يو 5 :10). وتنظيم قوانين في 30 عملاً محرّمًا في المشناة، يدلّ على تكاثر النظم التي يلهمها همٌ يريد أن يؤمّن للسبت طابعه القدسيّ. ولكنها في الواقع شكلّت حملاً ثقيلاً سيندّد به يسوع مرارًا (مر 2:27-28؛ رج مت 12:10-14؛ لو 13 :10-17؛ 14 :1-6؛ يو 5:8-18)، ويعلن أن السبت للانسان وليس الانسان للسبت.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.