الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: شريعة القداسة


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) حدودها ومضمونها. لفت نظرَنا في مجمل التشريع الكهنوتي الفصولُ الأخيرة في سفر اللاويّين مع القرار "كونوا قديسين لأنّي أنا قدوس" الذي يتكرّر في 11 :44، 45؛ 19 :2؛ 20 :26؛ رج 20:7. ونجد أيضاً في هذه الفصول عبارة أخرى قريبة : "أنا الربّ أُقدِّسكم" (20 :8؛ 21 :23؛ 22 :9، 16، 32؛ خر 31:13). فمع أنّ عرض الشرائع سيتواصل في سفر العدد، إلاّ أنّنا نجد في لا 26 :46 عبارة تبدو كخاتمة لوحَي سيناء : "تلك هي الفرائض والأحكام والشرائع التي وضعها الرب لبني اسرائيل، في جبل سيناء، على موسى". وتأتي هذه الجملة بعد سلسلة من البركات واللعنات قريبة ممّا نجد في تث 28. كلّ هذا جعل الشرّاح يفكّرون بشرعة مستقلّة شبيهة بالشرعة الاشتراعيّة وقد سمّيت شريعة القداسة. هي فرضيّةٌ حدّدت بدايةَ هذه الشرعة في ف 17، لأنّها تبدأ بشريعة حول المعبد مثل شرعة العهد و الشرعة الاشتراعيّة. هذا البرهان المبدإي ليس بحاسم، ونحن لا نستطيع أن نحدّد بداية نصّ إلاّ على أساس معايير أدبيّة. فإذا وضعنا جانبًا العبارتين اللتين ذكرناهما أعلاه، نستطيع أن نلاحظ عبارات تاريخيّة تظهر في هذه الفصول ولا تظهر في مكان آخر : "أنا الرب الذي أخرجكم من أرض مصر لأكون إلهًا لكم" (11 :45؛ 22 :33؛ 25 :28؛ رج 26:12، 13). إذن يجب أن نحتفظ بالفصول التالية كلّها أو بعضًا منها : 11؛ 19؛ 20؛ 21؛ 22؛ 25؛ 26. ويتلخّص مضمون هذه الفصول كما يلي : ف 11 : حيوانات تؤكل وحيوانات محرّمة. ف 19 : شرائع مختلفة وخصوصًا أخلاقيّة. ف 20 : شرائع حول الزواج وعبادات الآلهة الغريبة. ف 21 : نقاوة الكهنة. ف 22 : شرائع حول التقادم. ف 25 : السنة السبتيّة واليوبيل. ف 26 : شرائع قصيرة (آ1-2) ثمّ بركات ولعنات.

2) ميزة هذه الشريعة. لسنا هنا أمام تشريع، أمام مجموعة من الشرائع تحدّد بنية الشعب. بل فقط أمام سلسلة من الممارسات المتعلّقة بشعائر العبادة والفرائض الأخلاقيّة. ونلاحظ في مجال النظم : اليوبيل (25 :8-55) الذي يؤكّد، شأنه شأن السنة السبتيّة، على سلطان الله على الأرض التي عليها استقبل شعبَه (25 :23). غير أنّ هذا السلطان يترجم هنا بالطريقة التي بها يعطي الربّ حصص هذه الأرض للبيوت التي تكوّن شعبه. واليوبيل يعيد دوريًا في أوقات محدّدة هذا الترتيب الأولاني. كما نلاحظ الأهميّة المعطاة للسبت (19 :30) الذي لا تتكلّم عنه شرعة العهد ولا الشرعة الاشتراعيّة. ونلاحظ ثالثًا الحكم على مولك (20 :1-15) وهو اسم لا نجده إلا في 1مل 11 :7؛ 2مل 23 :10؛ إر 32:35؛ إش 57:9. ونلاحظ رابعًا تطلّبًا دقيقًا للطهارة الطقسيّة لجميع الشعب وبالأحرى للكهنة، وذلك احترامًا لقداسة الربّ، والمعبد الذي بواسطته يقيم وسط شعبه (ل(ا 19:30؛ ا 20:3؛ 21 :12)، والأرض التي فيها يستقبل شعبه. ونلاحظ أخيرًا اندماج الغرباء بحيث يشاركون في شعائر العبادة (19 :33-34).

3) لاهوت شريعة القداسة. نتوقّف بشكل خاص عند الفرائض الأخلاقيّة التي نقرأها خصوصًا في ف 19. نحن تقريبًا أمام فرائض الدكالوغ، أمام الوصايا العشر. تُزاد عليها فرائضُ أخرى تحدّد تطبيقَها في الحالات الملموسة. وكل هذا يدلّ على متطلّبة عميقة لاحترام الشخص البشريّ في عبارة نقرأها في 19 :18 : "تحبّ قريبك مثل نفسك". ونلاحظ أن الكلمة التي تترجم "القريب" (رع) تدلّ على ذلك الذي نرتبط به بغير رابطة القرابة والجيرة والعمل. ومع ذلك، نبحث عن القريب فقط داخل الشعب المختار. وتتحدّر متطلّبة القداسة من القرب "المادي" بالله الذي يقيم وسط شعبه. فقداسته تؤثّر على الأرض كلّها. والقداسة هي له أيضاً مهمّة جدًّا (26 :34، 35)، وهو يرذل ويكره الشعب الذي لا يقوم بواجبه بأن يكون قديسًا. وفي ف 26 تصبح الأرض شخصًا يترافق مع الإنسان. وعبرها يبارك الربّ شعبه أو يعاقبه. "إن سلكتم في فرائضي... في حينه تخرج الأرض غِلالها وشجر الحقل ثمره" (26 :3-4). وتتوضّح العلاقة بين الله والشعب في شكل مهم يُفهم التزامًا متبادلاً في 26 :3-33. ولكن ما يلي ف 26 يدلّ على أنّ هذا العهد الذي وصل إلى الفشل هو جزء لا يتجزّأ من مشروع أعمّ (ب ر ي ت) سيتحقّق بطريقة أخرى. أما ما تحقّق منه بشكل نهائي، فهو أنّ اسرائيل قد تحرّر وفُرز (جعل جانبًا) ليكون الربُّ إلهه. أما عطيّة أرض كنعان (25 :38) فهي عطيّة نهائيّة. إلاّ أنّ ف 26 يترك المسألة مفتوحة. لا تُذكر عودة الشعب المنفيّ إلى الأرض التي استعملها استعمالاً رديئًا.

4) تاريخ شريعة القداسة. اكتشف العلماء منذ زمن بعيد تقاربات بين هذه الشريعة وبعض أقوال حزقيال، كاهن أورشليم (ف 18، 44). نحن نفهم هذا الأمر إذا كانت شريعة القداسة تعبيرًا عن متطلّبات العهد الخاص بمعبد أورشليم، وإذ كان تث يجمع إرث معابد الشمال. مهما يكن من أمر، فالوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ الذي تفترضه هذه الشرائع هو وضع مملكة يهوذا في آخر قرون تاريخه. كان هذا النصّ، شأنه شأن تث، رسمة نموذجيّة لوعظة حول العهد تدعو السامعين إلى الالتزام، إمّا في الاحتفالات العاديّة وإمّا في الظروف الخاصّة. وقد يعود جوهر النصّ إلى زمن يوشيّا إن لم يكن قبل ذاك الزمن. ومن الواضح أنه لم يبقَ من هذه النواة سوى أجزاء أعيدت صياغتها قبل أن تدخل في التشريع الكهنوتي. وقبل ذلك، كان النصّ قد عرف تدوينات عديدة حتى زمن المنفى. ولكن يبدو أنه لم يكن هناك تدوين في زمن المنفى. فلا يُعقل أن يكتب شاهد عيان لوضع فلسطين بعد سنة 586، ف 26 الذي يصوّر البلاد بشكل صحراء مقفرة.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.