الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: طهارة، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) العهد القديم. في العبرية : ط هـ ر (طاهر ). ط م ا(نجس). مدلولان يتقابلان ولا سيّمـا في الأدب الكهنوتي، في إطار الطقوس. تصيب الطهارة (والنجاسة) الأمكنة والاشياء والحيوانات والانسان، ولا تدلّ في ذاتها على صفة خلقيّة، بل على جدارة أو عدم جدارة بالنسبة إلى شعائر العبادة وحياة الجماعة العباديّة.

نجد التمييز البيبليّ في معظم الديانات القديمة. ففي عالم كله أسرار (عالم الجنس، المرض، الموت)، نظّمت الحكمة القديمة في البشريّة "ممنوعات" (تابو) تؤمّن دوام الحياة للمجموعة ولأعضائها. ولم يفترق الشعب العبرانيّ عن الشعوب المحيطة به، فتعامل مع مدلولَي الطهارة والنجاسة في خط يتوافق مع الإيمان بيهوه، حتّى جاء الكاتب الكهنوتي فأعطى هذه الممارسة شكلاً لاهوتيًا.

أولاً : الأدب القبل كهنوتي. كانت استعمالات "ط هـ ر. ط م ا". قليلة في هذه النصوص، وقد دلّت على نظرة وممارسات قديمة. فخبر الطوفان اليهوهي يميّز الحيوانات غير الطاهرة من الحيوانات الطاهرة (تك 7 :2، 8) التي تقدّم ذبيحة للرب (تك 8 :20). وعرف المرجع الالوهيمي نجاسة الأصنام (تك 35 :2)، ولكنه لا يذكر شيئًا نجسًا (قض 13 :7). وداود لا يشارك في وليمة الهلال (أو القمر الجديد) لأنه ليس طاهرًا (1صم 20:40). وبتشابع تطهّرت من نجاستها (2صم 11:4). وندّد الأنبياء بعبادة الآلهة الكاذبة على أنها نجاسة (هو 5 :3؛ 6 :10؛ إر 2:7، 23؛ 7 :30؛ 13 :27؛ 19 :13؛ 32 :34). سيكون عقابها المنفى في أرض نجسة (عا 7:17) حيث يأكلون الأطعمة النجسة (هو 9 :3-4). وقدّم تث بعض قواعد الطهارة حول الاطعمة العاديّة والأطعمة المقدّسة (12 :15، 22)، حول الأرض المقدّسة (21 :22). حول المقاتلين في حرب الله (23 :11)، حول العشور التي تدفع مرّة كل ثلاث سنوات (26 :14). وكان تث أول من حاول أن يرتّب الحيوانات بين طاهرة ونجسة (14 :4-20) وأن يبرّر المنع الذي يصيبها على أنه "رجس" (14 :3).

هذه المعطيات القليلة لا تعكس فكرًا موحَّدًا، بل تتيح لنا بعض الاستنتاجات. يحدَّد الطاهر والنجس بالنسبة إلى الله وإلى شعائر العبادة. فالحيوانات الطاهرة هي التي تُقبل كذبيحة (تك 8 :20). والأرض الطاهرة هي الأرض التي أعطاها الله لاسرائيل (تث 21:22). والحيوانات النجسة هي رجس، ويجب أن نمقتها (تث 14:3). والأرض الغريبة نجسة لاننا لا نستطيع أن نعبد يهوه فيها (عا 7:17؛ هو 9 :13). والآلهة الكاذبة نجسة مع اسرائيل الذي يزني معها (هو 5 :3؛ 6 :10؛ إر 2:7، 23) فيخون ربّه. قلّما تُذكر في هذه النصوص نجاسةُ الافراد، كما لا تُوضح أسبابُها (عالم الجنس، تث 23:11؛ 1صم 20:40؛ 2صم 11:4؛ الحداد، تث 26 :14). كل هذا يدلّ على حالة عابرة تَستبعد من المشاركة في القدسيّات (تث 12:15، 22؛ 23 :11؛ 26 :14). يبقى أن تث 23:2 يحدّد زمن النجاسة وطقس التطهير.

غير أن "الطاهر والنجس" و "التطهير" ستأخذ في بعض الأطر معنى أخلاقيًا واضحًا (إش 6:5؛ حب 1:13؛ إر 33:8).

ثانيًا : الادب الكهنوتي. (أ) شريعة القداسة. إن شريعة القداسة (لا 17 :26)، التي تُعتبر بشكل عام (في شكلها الأول كما في لا 11) كعمل كهنة أورشليم المعاصرين لإصلاح يوشيا، دلّت على منعطف هام حين جعلت من شرائع الطهارة متطلّبات القداسة (11 :44-45؛ 19 :2؛ 20 :7، 26)، وربطتها بموسى وسيناء على مستوى الشرائع الأخلاقيّة (لا 19). إذا جعلنا جانبًا الزنى (لا 18 :20، نجد لائحة العلائق الجنسيّة، 18 :16، تُشجب على أنها نجاسة سبّبت دمار الكنعانيين وقد تدمّر بيت اسرائيل، 18 :24-30). فكل النجاسات المحصاة هنا هي عباديّة (حيوانات طاهرة ونجسة، 11؛ 22 :25؛ استشارة العرّافين، 19 :31؛ ذبيحة لموكل، 20 :3) وتعني بشكل خاصّ الكهنة (21 :1-4، 11-12؛ 22 :3-9).

(ب) حزقيال. وجاء همّ الطهارة عينه فألهم حزقيال الذي جاء جذريًا أكثر من هوشع وإرميا، وندّد بمساومات اسرائيل مع الآلهة الكاذبة التي هي نجاسة (20 :30-31، 43؛ 22 :3، 4؛ 23 :7، 13، 30؛ 26 :17)، وعبّر عن الخلاص بألفاظ طهاريّة (تتجاوز الوجهة العباديّة، 36 :25-28). اهتمّت "توراة" حزقيال بقداسة الهيكل حيث يُقيم الله وسط شعبه (43 :7)، فأبعدت عنه اللامختونين (44 :4-9)، والقصر الملكي ومدافن الملوك، واهتمت بطهارة الكهنة (44 :25-27) الذين نالوا أيضاً مهمّة التعليم لكي يميّز الناس بين المقدّس والدنيوي (المباح)، بين الطاهر والنجس (اللاطاهر ) (44 :23).

(ج) الأنبياء والكتابات البعد منفاوية. هذا الاهتمام بالطهارة الذي ألهم أيضاً كتّاب العودة من المنفى (إش 52:11؛ 65 :3-5؛ 66 :3؛ حج 2:10-14)، يَبرز لدى الكتّاب الكهنوتيين في حقبة ما بعد المنفى، الذين جعلوا في قوانين مختلف حالات الطهارة وطقوس التطهير (لا 11-16؛ 5 :2-3؛ (عد 5:1-4؛ عد 9:6-14؛ 35 :33-34، فرائض طعامية، الجنس، خوف من الموتى، تكفير) فجاءت مفصّلة جدًا ولا سيّمـا في ما يخص الماء الطهور (عد 19) الذي لا نعرف إن كان قد طُبِّق (عد 31:23). إن اللاهوتيين الكهنوتيين الذين أرادوا أن يشرّعوا من أجل جماعة عبادية (خر 25:8؛ 29 :43-45) تعيش في محيط وثني، اهتموا بأن يحموها من كل نجاسة. لا نقدر أن نقول إلى أيّ حدّ مُورست هذه القواعد الدقيقة التي لم يعرف تفصيلها سوى الكهنة (حز 44:23؛ لا 10 :10)، فنظنّ أنها فرضت على مجمل الجماعة العباديّة حالةً دائمة من النجاسة الطقسيّة تسبّبها ضرورات الحياة. ومهما يكن من أمر، فإن شرائع الطهارة هذه قد طبعت بطابعها القويّ العالم اليهوديّ (2أخ 23:9؛ 29 :16، 18؛ 30 :17؛ (عز 6:21؛ عز 9:11؛ نح 12:30). ارتبطت بسيناء، شأنها شأن الشرائع الاخلاقيّة، فكانت علامة الانتماء إلى الربّ والطاعة لمشيئته، فأتاحت هكذا لشعب اسرائيل أن يؤكّد على هويّته وسط الوثنيين، ويقاوم تأثيرهم (دا 1:8، 12؛ يه 10 :5؛ 12 :2؛ طو 1:10-11)، وحرّكت أمانةً قادت عددًا من الناس إلى الاستشهاد خلال اضطهاد انطيوخس الرابع ابيفانيوس (1مك 1 :41-46؛ 2مك 6 :18-31؛ 7 :1-41).

غير أن الطهارة الطقسيّة ليست الاهتمام الوحيد في الديانة البعد منفاوية التي تُشرف عليها شريعة موسى. فالتيّار الحكمي لا يُفرد لها أية مكانة، بل يشدّد على الناحية الخلقيّة وممارسة الفضائل اليوميّة. وسفر المزامير يتضمّن فقط تلميحين تاريخيين إلى النجاسة (79 :1؛ 610 :39)، ولكنه يشدّد على طهارة اليدين (مز 18:10؛ 2صم 22:22، 25؛ 24 :4) والقلب ((مز 24:4؛ مز 51:12؛ 73 :1، 13)، ولا يضع شرطاً للقاء الله في الهيكل سوى الأمانة الاخلاقيّة (مز 15؛ 24 :3-4).

ثالثًا : أدب ما بين العهدين. إن اللقاء مع العالم الهليني طرح على بساط البحث عادات اسرائيل القديمة. لقد ظلّ يهود الاسكندريّة أمناء لجوهر قواعد الطهارة، فأعطوها تبريرًا دفاعيًا (رسالة ارستيس، فيلون والتأويل الاستعاري). والعالم اليهودي الفلسطيني الذي عرف مؤمنين تركوا إيمانهم (1مك 1 :11-15، 43، 52)، وآخرين عاشوا إيمانهم حتى البطولة، قد تميّز في بعض الاوساط الورعة، بجذريّة المتطلّبات البيبليّة. لم ينسَ كتاب اليوبيلات الشرائع الاخلاقيّة، ولكنه اهتمّ كثيرًا بالطاهر والنقيّ، ومنع كل علاقة مع أبناء الظلمة الذين سيحاربونهم حسب قواعد الطاهر والنجس (نظح 7:4-6؛ 9 :8-9). واهتم الفريسيون اهتمامًا خاصاً بطهارة الثياب والولائم، واعتبروا الوثنيين أنجاسًا وامتنعوا عن الأكل معهم. وشرح التشريع الرابيني مطوّلاً (12 مقالاً في المشناة)، قواعد الطاهر والنجس، فقدّم لنا عبارة غريبة : "الكتب تنجّس اليدين" (يدييم 3 :5)، واستلهم العادة الكهنوتيّة التي تفرض على الانسان أن يغتسل قبل أن يلمس ما هو مقدس (لا 16 :4، 24) وبعد أن يلمسه، ما يحمل عدوى (كالنجاسة). ولكننا لا نستطيع القول إن المقدّس ينجِّس الانسان.

2) العهد الجديد. ^ أولاً : يسوع. إن يسوع الذي تُصوّره الأناجيل الإزائيّة، يلمس الأبرص (مر 1:40-43)، يأكل مع العشّارين والخطأة (مر 2:15-17)، يشجب الممارسات الفريسية (مر 7:1-23؛ مت 15:1-20؛ 23 :23-28)، لا يدلّ على اهتمام بالطهارة الطقسيّة، بل يشدّد على الطهارة الأخلاقيّة. ما يجب أن نطهّره أولاً هو القلب لا اليدان والكأس.

ثانيًا : الكنيسة الأولى. إن المشاكل الدقيقة التي طرحتها مسألة دخول الوثنيين إلى الكنيسة الأولى التي تألّفت في البدء من يهود ظلّوا أمناء لتقاليدهم الدينيّة، فرضت على "المسؤولين" التعمّق في هذه المسألة ((أع 10:9-16؛ أع 11:1-18؛ 15 :7-11). كل هذا جعلهم يتعدّون الحلول الموقتة المليئة بالفطنة (أع 15:19-21، 23-29)، والصراعات بين فئتين (غل 2 :11-21)، فيحدّدون موقع الطهارة في المنظور المسيحيّ للتبرير بالايمان بالمسيح. الله يبرّر بالايمان لا بأعمال الشريعة (رو 10 :9-12؛ 3 :2-5؛ أف 2:8-9)، فيعطي روحه للجميع، من اليهود والوثنيين، الذي يؤمنون بالربّ يسوع (أع 11:17؛ 15 :8-11). "لا شيء نجس" في ذاته (رو 14 :14)، في نظر المسيحيّ الذي تحرّر من الشريعة ومن محرّماتها الطقسيّة (غل 3 :23-4 :10؛ كو 2 :16-17؛ عد 9:10)، وسار منذ الآن في "شريعة المسيح" (1كور 9 :21؛ غل 6 :2)، "شريعة الروح الذي يُعطي الحياة" (رو 8 :2؛ غل 5:16-25). على المسيحيّ الذي تقدّس بالروح (ينبوع القداسة وطالبها منّا) أن يرفض الشرّ مع النجاسة (أكاترسيا، في معنى الفوضى على مستوى الجنس، غل 5 :16-21؛ 1كور 6 :9-10؛ 1تس 4:3-8؛ أف 4 :19؛ 5 :3-5؛ رو 6 :19)، ويحفظ نفسه نقيًا وبلا عيب (فل 1 :10)، ويخدم الله بقلب طاهر (1تم 1:5؛ 2تم 2:22؛ يع 4 :8) وضمير نقيّ (1تم 3:9). فالطهارة التي لا تستبعد العفّة (هاغنايا)، تحدّد حياة أبناء الله الذين تقدّسوا وتطهّروا (يو 13 :10؛ 15 :3) بروح المعموديّة في الايمان، فيتموّن تقديسهم (2كور 7 :1) في انتظار اللقاء بالربّ (في 1 :10). تلك هي كل الطهارة الخلقيّة كما في العهد القديم، ساعة تتمّ نبوءات العهد الجديد (إر 31:31-34؛ حز 36:25-28).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.