الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: عجيبة، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) اللغة والالفاظ.

أولاً : "م و ف ت" : المعجزة، النذير والدليل. نجد هذه اللفظة 36 مرة في العهد القديم وهي تتوازى مع "أ و ت" (آية، علامة). نجد "موفت" 9 مرات في تث، 5 في خر، 2 في إش، 4 في حز، 5 في مز. تترجمه السبعينية بـ "تاراس"، وبشكل نادر بـ "سيمايون" (الذي هو الترجمة العادية ل أ و ت). من جهة المضمون، تنطبق اللفظة على عالمين : إن أخبار سفر الخروج تستعملها في معنى "معجزة"، ولا سيّما في التقاليد الاشتراعيّة والكهنوتّية. والحقل الثاني هو الأدب النبويّ حيث تشير اللفظة إلى دليل يبيّن صدق كلمة النبيّ أو عمله.

(1) ونبدأ بأخبار الخروج. تقول الطبقة الكهنوتيّة في خر إن الآيات والمعجزات (أ ت و ت. و. م ف ت ي م) (خر 7:3) التي أجراها موسى وهرون لم تمنع فرعون من تقسية قلبه، وقد رافقتها عقوبات كبيرة (خر 7:4). في خر 7:9، معجزة العصا التي تحوّلت إلى حيّة، هي في الوقت عينه علامة تدلّ على شرعيّة مرسلي الله، وإشارة سلبيّة تدلّ على رفض فرعون للنداء (خر 7:13). في خر 11:9، أكّد الكاتب الكهنوتيّ أن تقسية قلب فرعون توخّت تكثير المعجزات (لن يسمع منكما فرعون، وهكذا تكثر معجزاتي في أرض مصر). إن الوجهة السلبية للمعجزات، يشدّد عليها أيضًا التقليد الاشتراعي في النؤمن التاريخيّ الذي نقرأه في تث 26:5-9 (آ8) : "أخرجنا الرب من مصر بيد قويّة وذراع ممدودة برعب عظيم، بآيات وبمعجزات)، وعدد من الاتهامات التي نقرأها في (تث 29:2؛ تث 6:22؛ 7 :19؛ 34 :11؛ 4 :34 : "هل من إله حاول أن يأتي ليأخذ لنفسه أمّة في قلب أمّة، بمحن وآيات ومعجزات، بالحرب، بيد قويّة وذراع ممدودة وبرعب عظيم". إن لفظة "م و ف ت" تحيط بها سلسلة من الأسماء تشدّد على معناها السلبيّ. ولكن الكاتب الاشتراعي يبيّن أيضًا الوجهة الايجابيّة للمعجزات لشعب اسرائيل الذي سيعرف أن "الربّ هو الله، أن لا أحد آخر سواه" (تث 4:35). إن وجهة التقليد الاشتراعيّ حول معجزات مصر، قد وجدت تعبيرًا عنها في صلاة إر 32:20-21، وذلك بعد أن اشترى (افتدى) إرميا حقل حنمئيل في عناثوث، ساعة كانت أورشليم ترزح تحت الحصار، كما وجدت تعبيرًا في المزامير في صور قريبة من النؤمن التاريخي (مز 78:43؛ 105 :5-27)، وفي نح 9:10 ( 1أخ 16 :12) حيث الآيات والمعجزات وجدت لها امتدادًا في مديح لاسم يهوه تحتفل به ليتورجيّة التكفير العظيمة، بعد الحدث الأصليّ بقرون من الزمن ("وضعت اسمًا كما في هذا اليوم").

(2) في الأدب النبويّ. ان حقل التطبيق الثاني للفظة "موفت" نجده في الأدب النبويّ. ويمثّل إش 8:18 أقدم استعمال لهذه الكلمة. إعتزل النبيّ الحياة العامة بعد الحرب الافرايمية الاراميّة سنة 734-735، لأن كلامه لم يُسمع. فتوجّه إلى حلقة صغيرة من التلاميذ (إش 8:16). "ها أنا والأنبياء الذين وهبهم لي الربّ القدير... آيات له ومعجزات في أرض اسرائيل". حياة النبيّ هي معجزة (ودليل) لمعاصريه، كما كان الاسم الرمزي الذي أُعطي لابنيه (أش 7 :3 : بقيّة تعود، ش ار. ي ش و ب؛ 8 :1 : سلب سريع نهب قريب، م هـ ر. ش ل ل. ح ش. ب ز). وفرض الربّ على النبيّ في 20 :3 أن يمشي عاريًا وحافيًا ثلاث سنوات، وهذا الفرض يدلّ مسبقًا على سبي السكان إلى أشورية. هذا العمل الرمزيّ يورده أحد تلاميذ النبيّ ويسميه "ا و ت. م و ف ت" (في المفرد) : علامة وتنبيه (آية وأعجوبة). أما حزقيال فأمره الله بأن يمثّل انطلاقًا إلى المنفى. هيّأ بقجته في وضح النهار. وعند المساء جعلها على كتفه، وثقب سور المدينة ومضى إلى المنفى في الليل "لأني جعلت منك نذيرًا لبيت اسرائيل" (حز 12:6-10). فحياة النبيّ الحميمة (مُنع من لبس الحداد على امرأته من قبل الرب) صارت "م و ف ت"، عبرة للمنفيّين (حز 24:24-27). وأرانا المدوّن الاشتراعيّ (1مل 13 :3-5) نبيًا لا نعرف اسمه يلعن هيكل بيت إيل. "وفي ذلك اليوم عينه أعطى "م و ف ت" (علامة) قائلاً : "سينشق هذا المذبح ويتبدد. علامة على ما كلمني به الرب".إن لفظة "م و ف ت" هنا تقابل "أ و ت" : هي واقع رمزيّ يعلن واقعًا آخر سيحدث بشكل أكيد.

وطرح تث 13:2 مسألة النبيّ "الكذاب" الذي يقدّم "آية أو معجزة" ويدعوك إلى أن تتبع الآلهة الكاذبة. سمح الربّ بهذه الآية "كي يمتحنكم ليعلم هل أنتم تحبّون الرب إلهكم من كل قلوبكم ونفوسكم" (آ4). فمعيار التعليم الحقيقيّ يتغلّب على معيار تحقيق الآيات. وطلب الملك حزقيا من إشعيا : "ما العلامة" (ا و ت) (2مل 20 :8 2أخ 32 :24)؟ إن لفظة "أ و ت" في 2مل، تحلّ محلها "م و ف ت" في نص 2أخ الموازي. وهذا يعني أن اللفظتين مترادفتان. وصوّر يوء 3 :3 يوم الربّ لتجديد لمعجزات الخروج، يرافقها فيض الروح وانقلابات كونيّة : "وأصنع عجائب في السماء وعلى الأرض، دمًا ونارًا وأعمدة دخان". في زك 3 :8، يوصف يشوع عظيم الكهنة ورفاقه بأناس " م و ف ت" (آية) فيعلنون الزرع الشرعيّ لداود. والمرتّل المضطهد هو أيضًا علامة للشعب (مز 71:7). وأخيرًا نذكر استعمالين للفظة "م و ف ت" في سي، بمناسبة الحديث عن موضوعين في العهد القديم تتركّز فيهما المعجزات : الخروج وخبر إيليا وأليشع : "جدّد المعجزة وكرّر الآيات" (المعجزة هي الخروج من مصر، سي 36 :16). "امتلأ أليشع من روحه فصنع ضعف آيات إيليا، وكلمات فمه كانت معجزات" (سي 48 :12 حسب العبري). وهكذا نكون أمام تفسير حرّ كما في 2مل 2 :9 : "قال أليشع لإيليا : تكون لي حصتان من روحك". في اليونانية، "تاراس" تقابل "م و ف ت". وهي تعني في اليونانيّة القديمة النذير. أخذ هوميروس اللفظة فجعلها مع زوش فنقلها إلى النطاق الدينيّ. واختارتها السبعينيّة لتنقل "م و ف ت"، وجعلتها مع "سيمايا" (في الجمع) لتدلّ على الآيات والمعجزات. استعملت بشكل سلبيّ في الأناجيل الإزائيّة (مر 13 :22 مت 24 :24) وعند يو 4 :48، فنالت المعنى الايجابيّ في أع ودلّت على معجزات أجراها الرسل.

ثانيًا : أوت. الآية. العلامة. نجد هذه اللفظة 78 مرة في النص العبري، منها 39 مرة في البنتاتوكس، 19 مرة في إش، إر، حز. ترجمت السبعينيّة "ا و ت" 75 مرة بلفظة "سيمايون". وجمعتها مع "م و ف ت" 18 مرة لتدلّ على الآيات المعجزات. توضع "أ و ت" في الرأس وتستعمل العبارة في صيغة الجمع. تدلّ اللفظة في حدّ ذاتها على علامة منظورة، على شيء ندركه. وهذا الشيء يأخذ معناه في علاقة بالواقع الذي يدلّ عليه. نحن أمام واقع طبيعيّ وشكليّ. ولكن السياق قد يمنحه مدلولاً دينيًا. وهو يقوم بستّ وظائف نستطيع أن نجملها في ست نقاط. (1) موفة : لا سيّما في تقليد ضربات مصر (خر 8:18-19؛ 10 :2، اليهوهي؛ 7 :3-5، الكهنوتي)، وفي ذكرانة الخروج من مصر ("وإذا سألكم بنوكم غدًا "ما هذا؟" فقولوا لهم : "بيد قديره أخرجنا الرب من مصر، من دار العبودية، فيكون ذلك كالوشم على أيدينا أو كالعلامة على جباهنا بين عيوننا"، خر 13:14-16، تقليد اشتراعي؛ رج تث 6:20؛ 29 :2-3). (2) حماية. رج العلامة على قايين لئلاّ يقتله أحد (تك 4 :15 يهوهي). (3) الايمان (عد 14:11، 22 والنؤمن التاريخي في تث 26 :5-9). (4) ذكرانة (ز ك ر و ن في العبرية، (تث 6:8؛ تث 1:18؛ يش 4:6-7). وهناك أصل الفطير. (خر 13:16-18) (5) العهد : علامة قوس قزح في السماء في خبر نوح (تك 9 :12، 13، 17)، علامة الختان (تك 17 :11)، والسبت (خر 31:13، 17). هي نصوص ترتبط بالتقليد الكهنوتي. (6) تثبيت أو تبرير تشريع : خر 4:8-9 (يد موسى البرصاء)؛ 1صم 2:34 (موت ابني عالي في اليوم نفسه)؛ 1صم 10:5-9 (لقاء شاول بالانبياء المخطوفين). وهناك فعلات رمزيّة يقوم بها الأنبياء ((إش 8:18؛ إش 20:3؛ خر 4:3).

الترجمة العاديّة للفظة "أ و ت" هي "سيمايون". إن لفظة سيمايون عند الازائيين ترتبط بمتطلّبة تتجاوز مشيئة الله. إن السلطات اليهودية أو هيرودس يريدون علامات. والقول حول آية يونان يرد في أربعة أشكال مختلفة في الأناجيل الازائيّة (مت 12 :38-39 لو 11 :26-29؛ رج مر 8:11-12؛ مت 16:1-4 الذي لا يتضمّن ذكر يونان). في محاكمة يسوع، أورد لو 23 :8 في تقليد خاص به : "فلما رأى هيرودسُ يسوع فرح كثيرًا لأنه كان يرغب من زمان بعيد أن يراه ويرجو ان يشهد آية تتم على يده". في النهاية، يظهر طلب الآيات كمعارضة لسلطة يسوع وبحث عن مدهش لا شيء يسنده. في سفر الأعمال، تُستعمل لفظة "سيمايون" ثلاث مرات فقط (بدون "تاراتا") في 4 :16، 22؛ 8 :6. ومرّة واحدة مع "ديناميس" (عمل قوّة) في 8 :13، للدلالة على شفاء مخلّع الباب الجميل في الهيكل على يد بطرس، أو المعجزات العديدة التي أجراها فيلبس في السامرة. ولكن العبارة المفضّلة في أع هي جمع بين "سيمايون" و"تاراتا". تُستعمل هذه العبارة التوراتيّة تسع مرات في معنى إيجابيّ (عكس ما عند الازائيين ويوحنا) لتدلّ على تجدّد معجزات الخروج، أو نشاط يسوع والرسل العجائبيّ. أما عند يوحنا، فلفظة سيمايون تُستعمل في صيغة المفرد، وهي علامة تشريع (تدلّ على شرعيّة) يجريها يسوع بالنظر إلى سلطته تجاه خصومه : يو 2 :18 (بمناسبة الحديث عن دمار الهيكل : "أية علامة أو آية ترينا لتفعل ذلك"؟)؛ يو 6 :30 (بمناسبة تكثير الأرغفة : "أية آية تصنع كي نرى ونؤمن بك"؛)؛ يو 12 :18 (بمناسبة إقامة لعازر). ولكن الاستعمال المفضّل لدى يوحنا هو "سيمايا" في صيغة الجمع، للدلالة على عجائب يسوع : 2 :11 (عرس قانا : هذه أولى آيات يسوع، صنعها في قانا الجليل فأظهر مجده فآمن به تلاميذه)؛ 4 :54 (شفاء ابن الضابط الملكيّ)؛ 6 :14 (تكثير الأرغفة)؛ 9 :16 (الأعمى منذ مولده)؛ 11 :47 (إقامة لعازر). فالأشفية وإقامة ميت وتكثير الخبز والخمر، كل هذا آيات اختارها الانجيليّ بين آيات أخرى (20 :30) لكي يؤكّد على ضرورة الايمان بأن "يسوع هو المسيح، ابن الله " (20 :31).

إن عبارة "سيمايا كاي تاراتا" تُستعمل دومًا في السبعينيّة لتدلّ على العبارة العبرية "ا و ت و ت. و. م ف ت ي م". نجدها مرة واحدة عند الإزائيين ومرة واحدة عند يوحنا، للدلالة على آيات ومعجزات أجراها المسحاء الكذبة والأنبياء الكذبة في نهاية الأزمنة (مر 13 :22 مت 24 :24)، أو على طمع اليهود في أن يطالبوا بآيات خارقة (يو 4 :48 : "أنتم لا تؤمنون إلّا إذا رأيتم الآيات والعجائب"). ولكن الوضع يختلف كل الاختلاف في أع، حيث تُستعمل العبارة بشكل إيجابي وفي معنيين مختلفين : الأول يرتبط بموسى وبالخروج (أع 2:19؛ 7 :36). والثاني بمعجزات الرسل ((أع 4:10؛ أع 5:12؛ 14 :3؛ 15 :12). وقد نستطيع ان نتكلّم عن مستويين مختلفين، مستوى الاعتبار النمطيّ أو التيبولوجيّ، ومستوى وعي الخبر الرسوليّ. يصوّر المستوى الأول الفداء الاسكاتولوجيّ في يسوع، ويقابله مع التحرير من مصر الذي جرى مع موسى : أع 2:19 (إيراد يوء 3 :3)؛ أع 7:36 (ايراد خر 7 :3). العبارة هي "تاراتا كاي سيمايا" ولا تستعمل إلا في خبر العنصرة (أع 2:19، 22، 43) واستفانوس (أع 6:8؛ 7 :36).

ويصوِّر المستوى الثاني نشاط الرسل العجائبي الذي يتوافق كل الموافقة مع نشاط يسوع ويسير في خطه. إن الآيات والمعجزات التي تمّت بقدرة الله ((أع 4:30؛ أع 5:12؛ 14 :3؛ 15 :12) و"باسم فتاك القدوس يسوع" (أع 4 :30ب)، تبيّن شرعيّة رسالة الرسل في خطّ الفعلات الرمزيّة لدى الأنبياء. العبارة هي حينذاك : "سيمايا كاي تاراتا". هذا التقسيم يبقى مفيدًا، شرط أن نلاحظ أن عجائب أع 2:22، 43، تنتمي بالاحرى إلى الفئة الثانية، لا إلى الفئة الأولى. في 2 :43، يدور الحديث بوضوح عن "العجائب والآيات التي تجري على أيدي الرسل". وفي 2 :22، نجد صورة عن كل نشاط يسوع العجائبيّ الذي هو ينبوع نشاط الرسل والذي يبيّن شرعيّة رسالته ("يسوع الناصري، هذا الرجل الذي أيّده الله لديكم بالعجائب والمعجزات والآيات التي أجراها الله على يديه فيما بينكم"). إن لفظة "دنيامايس" (عجائب، أعمال قدرة) هي اللفظة المفضلّة لدى الازائيين للتحدّث عن عجائب يسوع.

ثالثًا : "ج ب و ر هـ " وألفاظ قريبة. تُستعمل هذه اللفظة 46 مرّة في العهد القديم، وهي تدلّ أولاً على قدرة الله نفسه (إر 10:6، الجبّار)، على الحكمة (أم 8:14)، على روح الله الذي يحلّ على المسيح (إش 11:2). وتطبَّق تفرّعًا على الملك (مز 20:7) وعلى الانسان (مز 8:6-10). ونجدها 11 مرة في صيغة الجمع (ج ب و ر و ت) لتدلّ على أعمال قدرة يجريها الله في الخلق وفي تاريخ الخلاص. ونستطيع أن نقول إن هناك ثلاث ألفاظ قريبة بعض الشيء من "ج ب و ر هـ "، بل مرادفة لها في عبارات موازية. الأولى : "م ع ث هـ" (عمل). تستعمل 322 مرة. ويترجمها العهد الجديد بلفظة "ارغون". نجدها ست مرات عند مت، مرتين عند لو، مرتين عند مرقس، 27 مرة عند يوحنا. الثانية : "ف ل ا"، "ن ف ل أ و ت"، معجزات. نجدها 36 مرة. وتترجمها السبعينية : توماسيون. لا نجدها أبدًا في العهد الجديد إلاّ في مت 21:15 "عندما رأوا المعجزات التي صنعها" أما لفظة "بارادوكسون" القريبة فنجدها فقط في لو 5 :26 "اليوم رأينا عجائب". الثالثة : "ن و ر ا و ت" : أعمال هائلة. تستعمل 44 مرة وتتطبّق بشكل خاص على الله (تث 10:21؛ 2صم 7:23). نجد هذه الالفاظ مجتمعة في مز 145:4-6 وفي معنى هو هو تقريبًا. "يسبِّح أعمالك (م ع ث ي ك) جيل بعد جيل وبجبروتك (ج ب و ر ت ك، جبروتك) يخبرون...أتأمل عجائب تدبيرك (ن ف ل و ت ك) وبعظائمك (ن و ر و ت ك) أحدّث".

رابعًا : إرغون. لفظة يونانيّة تعني : العمل. هي الترجمة العادية للعبرية "م ع ث هـ ". تستعمل عشر مرات في الأناجيل الإزائية، ومرّتين فقط في صلة بالمعجزات. يتحدّث مت 11:2 عن "أعمال المسيح" بمناسبة الكلام عن وفد يوحنا. ويضمّ لو 24 :19 "العمل" إلى "الكلمة" في حدث عماوس ليصوّر مجمل خدمة يسوع ("ما حدث ليسوع الناصريّ كان نبيًا قديرًا في القول والعمل عند الله والشعب كله"). في أع 7:22، استعمل لوقا العبارة عينها، في صيغة الجمع. في خطبة استفانوس، حديث عن موسى "فتعلّم حكمة المصريين كلها، وكان مقتدرًا في القول والعمل". أما يوحنا فاستعمل اللفظة 27 مرة، وغالبًا في صيغة الجمع مع لفظة "سيمايا" (5 :20، 36؛ 7 :3؛ 7 :7؛ 8 :39؛ 9 :3-4؛ 10 :25، 32، 37-38؛ 14 :10-12؛ 15 :24). وتدلّ "ارغون" في صيغة المفرد أيضًا على معجزة محدّدة من معجزات يسوع كما في 7 :21 الذي يشير إلى شفاء مقعد بيت حسدا، يوم السبت. إن "ارغا" (أعمال) يسوع هي "سيمايا" (آيات) بقدر ما هي أعمال الآب، بقدر ما يكشف بها الله عن ذاته. فالأعمال في نظر يوحنا هي في الوقت عينه تجلّي الله في يسوع ووحي طبيعة الابن الحقيقيّة. إذن، لها في الوقت عينه بُعد تيولوجيّ (حول الله) وكرستولوجيّ (حول يسوع المسيح). هذا ما نقرأه في يو 14 :10-11 : "الأقوال التي أتكلّم بها لا أتكلّم بها من نفسي. بل الآب المقيم فيّ هو يعمل أعماله (إرغا). صدّقوني أني أنا في الآب والآب فيّ. وإلاّ صدّقوا من أجل الأعمال".

إن لفظة "دنياميس" (القدرة، القوّة) تترجم مرارًا "ح ي ل" العبرية (164 مرّة) في السبعينيّة (قوّة)، وبعض المرات "ج ب و ر هـ " (13 مرة) التي صارت "دنستايا" في السبعينيّة. في العهد الجديد "ديناميس" تصوّر قدرة الله الذي يعمل في يسوع وبيسوع. وهي اللفظة المفضّلة عند الازائيين : تصوّر عجائب يسوع والرسل (مت، 12 مرة؛ مر، 10 مرات؛ لو، 15 مرة؛ أع 10 مرات). غابت هذه اللفظة من يو الذي يفضِّل "اكسوسيا" و"وسيمايا". أما يسوع فيصوّر معجزاته مع لفظة "ديناميس" في كلامه على كورزين وبيت صيدا (مت 11 :21 لو 10 :13). هو ما استطاع أن يجري أعجوبة (ديناميس) في الناصرة بسبب قلة إيمانهم (مر 6 :5-6 مت 13 :58). استعمل الازائيون (ولا سيّما لوقا) هذه اللفظة ليصوّروا قدرة يسوع المعطاة للرسل (مر 6 :7 مت 10:1 لو 9 :1؛ رج لو 10 :19)، وتلك التي يعطيها الروح القدس في العنصرة (أع 1:8) والتي تجد تعبيرًا عنها في إعلان الكرازة (أع 4:33؛ (رج 3:12؛ رج 4:7؛ 6 :8). وحين أراد لوقا أن يصوِّر بشكل عام قدرة الله وقدرة يسوع التي أعطيت للتلاميذ، استعمل صيغة المفرد. وحين أراد أن يصوّر عجائب محدّدة استعمل صيغة الجمع (أع 8:13؛ 19 :11). ففي الأناجيل كما في أع، "ديناميس" هي شرط لإمكانية تتميم "دينامايس" (أي أعمال قوّة).

وهناك ثلاث سمات لعجائب يسوع تميّزها عن المعجزات الهلنستيّة واليهوديّة المعاصرة. (1) لا ترتبط عجائب العهد الجديد بالسحر وأساليب السحر. (2) الحاسم في المعجزة هو قوّة شخصيّة يسوع وكلمته. فالكلمة القديرة تنتصر على قوى الشيطان الذي يسيطر على المرض والموت. إذن، معجزات يسوع هي حدث اسكاتولوجيّ. (3) تفترض معجزاتُ يسوع إيمان مجري المعجزة وإيمان الذين من أجلهم تتمّ المعجزة. هي علاقة بين شخصين (مر 9 :23 : "كل شيء ممكن للمؤمن"). سوف نرى أن هذه النقطة الأخيرة تصحّ بالنسبة إلى معجزات الشفاء في الازائيين الذين يُبرزون إيمان المستفيد وعلاقته الخاصة بمجري المعجزة. غير أن هذا التأكيد يحتاج إلى إعادة نظر في ما يتعلّق بمعجزات من نمط آخر غير الأشفية، حيث قدرة الفاعل ومبادرته تسيطران على "الساحة". من جهة ثانية، نجد عند يو عدّة أخبار معجزات حيث يكون الايمان لا سابقًا للمعجزة، بل لاحقًا لها.

2) معجزات العهد القديم.

أولاً : تقاليد سفر الخروج. نحن هنا أمام أخبار ملحميّة؛ جاءت في إطار تقاليد أدبيّة. أما المثل اللافت فهو عبور البحر. بحسب التقليد اليهوهي، حفرت ريحٌ آتية من الشرق طريقًا في المستنقعات (خر 14:21). حسب التقليد الكهنوتي، مدّ موسى يده فتكوّن سورين من جهتي مجموعة الفارين (خر 14:22). حسب مز 114:3 : "البحر رأى ذلك فهرب، والأردن تراجع إلى الوراء". ونجد المسيرة عينها في خبر ضربات مصر. أما في ما يتعلّق بالضربة الأولى (خر 4:9، يهوهي)، فالنصّ يتحدّث عن بعض مياه النيل الذي صُبَّ على اليابسة فتحوّل إلى دم. أما النص الموازي في خر 7:17، فتحدّث عن كل مياه النيل التي تحوّلت إلى دم. وخر 7 :19 (كهنوتي) تحدّث عن كل مياه مصر بما فيها مياه البرك والآبار.

ثانيًا : دورة إيليا وأليشع. ترتبط هذه الدورة بفنّ العجائب التي تدلّ على شرعيّة النبي وصدقه. وهي تتألّف من سلسلة نبذات وحكايات نكتشف فيها ما يدهش. وفي ما يتعلّق بدورة إيليا بشكل خاص، حيث نرى النبيّ كمجترح معجزات والمدافع الحصريّ عن الايمان بالربّ، يظنّ النقد الحاليّ أننا لسنا أمام تذكّر تاريخيّ، بل أمام رؤية اشتراعيّة للتيّار النبويّ. وحدهما حدثا عودةِ المطر بناء على طلب إيليا (1مل 17 :7، 41-44) وذبيحة الكرمل (في بعض عناصرها) (1مل 18 :20-40) هما صدى لتقليد قديم. ولكن معجزات إيليا وأليشاع تهمنا بشكل خاص، لأنها صارت نموذجًا أدبيًا لتدوين أخبار المعجزات في العهد الجديد. والمثلان المميّزان من هذا القبيل هما : قيامة ابن أرملة صرفة صيدا (1مل 17 :7-24) نقابلها مع قيامة ابن أرملة نايين (لو 7 :11-17). في كلا الحالين، يحصل المشهد عند باب المدينة. والأم هي أرملة. ويقول النصان : عادت روح (أو نفس) الولد إليه (رج لو 8 :55)، فرُدَّ إلى أمه. والمقابلة الثانية هي بين تكثير الأرغفة عند أليشع (2مل 4 :42-44) وتكثير الأرغفة عند يسوع (مر 6 :30-44 والأخبار الخمسة الموازية). في كلا الحالين، حمل كميّةً قليلة من الطعام تلميذٌ أو تلاميذ لمجترح المعجزة. فأمر أليشع أو يسوع أن يُعطوا الشعب ليأكلوا. فاعترض التلاميذ. تجاهل السيّد الاعتراض، وأمرهم بأن يوزّعوا الطعام. وزّع التلاميذ الطعام. فأكلت الجموع وشبعت، "يأكلون ويفضل عنهم" (2مل 4 :44).

3) العالم الهلنستي.

أولاً : معجزات أسكليبيوس. (أ) وصْف هذه المعجزات. حُفظت معجزات أسكليبيوس الرئيسيّة على أربع مسلاّت وجدها المنقّب الأثري اليوناني كافادياس في ابيداورس اليونانيّة. تشوّهت المسلّة الثالثة. واحتفظت الرابعة ببعض الأجزاء. نتوقّف هنا عند المسلّتين الاوليين ونتبع الترقيم الكلاسيكي : الاحتفال المهيِّئ للشفاء بسيط. ولكن هناك استعدادًا ضروريًا لزيارة الاله : يغتسل الطالب ويقدّم ذبيحة. يدخل المريض منذ أول الليل إلى الهيكل أمام تمثال اسكليبيوس (في أثينة)، أو إلى موضع خاص في ابيداورس أوكوس. يتمدّدون على الأرض في فراش من ورق الشجر. ويظهر الاله دومًا خلال النوم، بشكل حلم، بوجه ملتحٍ وبعصا في يده.

(1) في أقدم الشهادات (كما في ابيداورس) يعمل الإله وحده أو بمساعدة حيوان مقدّس كالحيّة مثلاً. وما نلاحظه في ابيداورس، هو سرعة عمل الإله : أشفية مفاجئة لعميان ومقعدين. وقد يقوم بعمليات جراحيّة جريئة، تسير في خط مدرسة هيبوكراتيس. هناك عمليّتان جراحتيان، وثلاث حالات مختلفة، يُذكر فيها تدخّل خدّام اسكليبيوس الذين هم كهنة أطبّاء في معبد ابيداورس.

(2) في الشهادات المتأخّرة (القرن الأول ب. م.) نحن أمام علاج يطول أمده. ينصح الاله بشكل عام ببعض أعمال رياضيّة وحميتيّة (السير حافي الرجلين، السباحة، ركب الخيل... حماية من الطعام) مع فتح العروق وتطهير المعدة. هنا يصبح دور الكاهن مسيطرًا إن في تفسير الحلم أو في ترتيب العلاج. هذا لا يعني أن دوره لم يكن هامًا في الشهادات القديمة. كل ما نلاحظه هو أن النصوص لم تقل الشيء الكثير عن وظيفته المحدّدة.

(3) واللافت هو العلاقة المباشرة بين الجراحة والأدوية التي يفرضها الاله أو طبّ ذلك الزمان.

(4) تقدّم لائحة ابيداورس حالات المرض : 7 حالات لمرض العيون. 4 لحبَل غير متوقّع. حالتان لولادة بعد خمس أو ثلاث سنوات من الحبل. 4 حالات لمقعدين. 3 حالات لعرج. 3 حالات لدود الأمعاء. حالتان لجرح بحربة. حالتان للقرحة. حالتان لخراج مع قيح... وهكذا نكون بعيدين جدًا عن معجزات الانجيل.

(5) والوسائل المستعملة للشفاء تختلف كل الاختلاف عمّا في الانجيل. يقوم اسكليبيوس بعمليّات جراحيّة حقيقيّة. يستعمل أدوية الصيادلة، يزيل العلامات عن وجه بنداروس ويجعلها على وجه اللامؤمن اخيودورس مستعملاً عصابة رأس. يأخذ مكنسة ينزع البق، يلامس المعدة ويقبلها...

(6) يطلب اسكليبيوس إيمانًا غير مشروط بسلطة الشفاء عنده. فهو يجري معجزات يعاقب بها اللامؤمنين. وقد فرض الاله اسم "لا مؤمن" (أبستوس) على مخلّع الأصابع الذي هزئ من النذور. كما فرض تقدمة ذبيحة على هذا المريض أو ذاك.

(ب) تقييم هذه المعجزات. ماذا نقول عن واقع الأشفية والأساليب التي يستعملها أسكليبيوس؟ هناك من نظر إلى إيمان المريض. وآخرون إلى علاج طبيّ يقوم به كهنة المعبد خلال رقاد المريض. وفئة ثالثة تحدّثت عن شفاء طبيعي بواسطة أدوية مستعملة في ذلك الزمان. لا نختار بين هذه الحلول المختلفة، والواقع متشعّب ومعقّد. فهنالك مزج بين رقاد المريض ووسائل الطب، بين طبّ مقدّس وطبّ علميّ. ونستطيع أن نعطي الاستنتاجات التالية :

(1) منذ بداية نشاط معابد اسكليبيوس (منذ القرن 6 ق.م. في تريكة في تسالية)، لعب الكهنة دورًا هامًا في أشفية منسوبة إلى الاله.

(2) لم يكن تزاحم بين طبّ الكهنة وطبّ العوام. فطبّ العوام يتفرّع من طبّ الكهنة. ثم إن "مجموعة هيبوكراتيس" توصي المرضى برفع الصلاة من أجل شفائهم. ومع الوقت، تحوّل الكهنة إلى أطبّاء حقيقيين ولا سيّما في كوس، مهد هيبوكراتيس.

(3) توافقت الجراحة والأدوية في معابد اسكليبيوس مع طبّ ذلك العصر، ورافقت تطوّره منذ هيبوكراتيس (460-370) حتى غاليانس (129-199 ب.م.).

(4) نظن أن معابد اسكليبيوس كانت أول تنظيم اجتماعيّ للطب. وسوف يبني انطونيس أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروماني، ملجأ للذين سيموتون قريبًا، قرب هيكل الاله الشافي.

ثانيًا : معجزات ابولونيوس التياني.

(أ) المصادر : هناك من قابل بين معجزات يسوع ومعجزات ابولونيوس التياني، ذاك الواعظ المتجوّل في القرن الأول المسيحيّ، الذي ارتدى سلطة عجائبية خارقة. أشار اوريجانس إلى "مذكّرات ابولونيوس التياني، الساحر والفيلسوف"، وأعلمنا أن عدّة فلاسفة كبار أخذوا بسلطة ابولونيوس السحرية، فجاؤوا إليه واعتبروه ساحرًا (ضد قلسيوس، 6 :41). واعتبر اوسابيوس القيصري نفسه مجبرًا على الردّ في مقال صغير من 42 صفحة، على كتابين لهيروكليس (حاكم بتينية، في تركيا، حيث موطن أبولونيوس، وهو الذي حرّض ديوكليسيانس على اضطهاد المسيحيين) بعنوان : صديق الحقيقة، وفيهما يحاول أن يبيّن سموّ أبولونيوس على يسوع الناصريّ (اوسابيوس، ضد هيروكليس، الآباء اليونان 795-868).

(ب) وصف المعجزات. هي أشفية أو ما هو قريب من الأشفية : إقامة موتى، إخراج شياطين، تنبّؤ وعرافة.

(1) شفاء شاب أشوريّ مستسق. خلال الحلم أرسله اسكليبيوس إلى أبولونيوس فنصحه بالحمية.

(2) شاب من طرسوس عضّه كلب فصار مجنونًا، فأجبر أبولونيوس الكلب على لحس الجرح. فشُفي الشاب من كلَبه كما شُفي الكلب نفسه بعد أن عبر نهر كونوس بناء على أمر ابولونيوس، "لان شرب الماء دواء ضد الكلب".

(3) إقامة صبية ماتت قبل عرسها بوقت قليل. سار خطيبها وراء الجنازة مع كل شعب رومة. أمر ابولونيوس بإيقاف المحمل. لمس الفتاة وتلفّظ بكلمات سرّية. "أيقظ الفتاة من الموت، فتكلّمت وعادت إلى بيت أبيها على مثال الفتى الذي أقامه هركليس". وتساءل فيلوستراتس : هل نحن أمام موت ظاهر أم موت حقيقيّ؟

(4) إخراج شيطان من شاب. كان ابولونيوس يتكلّم عن سكيب الخمر، فأغرق شاب بالضحك. فحدّق أبولونيوس بنظره، فأخذ الشيطان الذي فيه يصرخ صرخات الغيظ والحنق. وترك الشيطان الشاب بعد أن قلب تمثال الرواق الملكيّ، فدلّ على ذهابه بشكل ملموس.

(5) نصح أبولونيوس رجل أعمال لا حظّ له، أن يشتري حقلاً، فيجد المال الكافي لكي يزوّج بناته الاربع. وهكذا كان. وجد الرجل جرّة فيها 3000 قطعة من الذهب. فتزاحم طالبو يد الفتيات.

مع هذه المعجزات نحن بعيدون جدًا عن معجزات يسوع. فهي قبل كل شيء أعمال رحمة لا معجزات تمجّد حكيمًا يريد أن يسند علمه. ثم إن معجزات يسوع هي جواب على إيمان المريض : النازفة (مر 5:34). والد الصبيّ الذي يقع في الصرع (مر 9:23). طيما ابن طيما الأعمى (مر 10:52). وأخيرًا، معجزات يسوع هي علامة ملموسة على أن ملكوت الله قد جاء على الأرض (مت 12 :28 وز). وهي تؤكّد انتصار الله على قوى الشرّ، انتصارًا يظهر حتى في الجسد.

4) الأدب الرابيني. أولاً : وصف المعجزة. هناك أدب رابيني واسع جدًا في هذا المجال. أما نحن فنتوقّف بشكل خاص عند نصوص ترتبط بمعلّمَين اشتهرا بعجائبهما : رابي حوني صانع الدوائر (القرن الأول ق.م.). رابي حنيفا بن روسة (القرن الأول ب.م.). اشهر معجزة لحوني هي معجزة المطر. "صنع دائرة ووقف فيها وقال أمام الله : يا سيّد الكون، التفتَ أولادُك إليّ، لأني ابن البيت أمامك. أقسم باسمك العظيم أني لن أتحرّك من هنا حتى ترحم أولادك. وبدأ المطر يتنازل قطرات" (المشناة، تعنيت 3 :8). نلاحظ هنا تلميحًا إلى ما فعله النبي إيليا الذي جعل الله شاهدًا له في الجفاف الذي يحلّ بالبلاد : "حيّ هو الرب إله اسرائيل الذي أعبده لن يكون في هذه السنين المقبلة ندىً ولا مطر إلاّ حين أُعلن ذلك" (1مل 17 :1). وأضاف النص الموازي، نص تلمود بابل (تعنيت 23أ) : "إن شمعون بن شطه (رئيس الفريسيين) أرسل يقول : إن لم تكن حوني، آمر عليك الحرم. وإن كانت هذه السنوات مثل سنوات إيليا الذي أمسك مفاتيح المطر بيده، أما يكون اسم الاسماء قد تنجّس بسببك؟ ولكن ماذا أقدر أن أفعل وأنت وقح تجاه الله وهو يصنع مشيئتك، مثل ابن وقح تجاه أبيه فيصنع له أبوه مشيئته. وقال له : أبّا، خذني استحمّ في مياه ساخنة. اغسلني في المياه الباردة. أعطني جوزًا ولوزًا ودراقًا ورمانًا. فأعطاه."

ثانيًا : مقابلة مع العهد الجديد. هناك تشابه بين هذين الحكيمين ويسوع، بالنظر إلى موقفهم البنويّ تجاه الله الذي يسمّونه "أبّا". نقرأ خبر رابي حناني الخفيّ وحفيد حوني : "حين احتاج العالم إلى مطر، أرسل إليه الرابينيون أولاد المدرسة فأمسكوا بأطراف ثوبه وقالوا : أبّا، أبّا، أعطنا مطرًا. فأجاب : يا سيّد الكون، إصنع ذلك للذين لا يعرفون أن يميّزوا أبّا الذي يعطي المطر من أبا الذي لا يستطيع أن يعطيه" (تلمود بابل، تعنيت 23ب). نلاحظ أن حناني يستعمل لفظة أبّا ليدلّ على الله، على مثال ما فعل معه الأولاد. ولكن حين يتوجّه بنفسه إلى الله، يسميّه : "سيّد الكون".

أما يسوع فأغرق في الموقف البنويّ، فما استعمل فقط "أبّا" كتسمية، بل كنداء إلى الله (مت 11 :25-26 لو 10 :21 : "أمدحك أيها الآب، يا ربّ السماء والأرض، لأنك أظهرت للبسطاء ما أخفيته عن الحكماء والفهماء".) وهذا النداء (والدعاء) قد طبع بطابعه الجماعات المسيحيّة الأولى الناطقة باليونانيّة، فاحتفظت باللفظة الأراميّة (أبّا) دون أن تترجمها (رو 8 :15؛ غل 4 :6). والنقطة الوحيدة من التقابل الحقيقيّ بين أخبار معجزات هذين "المعلّمين التقيين" وبين يسوع، هو الشفاء الذي قام به حننيا على ابن غملائيل، معلّم القدّيس بولس. إليك النصّ حسب تلمود اورشليم (بركوت 5 :19) : "وحصل أن ابن رابي غملائيل كان مريضًا. فأرسل اثنين من تلاميذه إلى رابي حننيا في مدينته. فقال لهما : انتظرا إلى أن أذهب إلى العلّية. وصعد إلى العلية ونزل. ثم قال لهما : أنا متأكّد أن ابن رابي غملائيل قد شُفي من مرضه. وتطلّعا إلى الساعة. في تلك الساعة طلب الولد طعامًا". إن النص الموازى في تلمود بابل (بركوت 34ب) يضيف : "إذا سالت صلاتي في فمي، أعرف أنها استجيبت. وإلاّ أعرف أنها رُذلت". إن المقابلات مع شفاء عبد قائد المئة (مت 8:7-13؛ لو 7:1-10) وابن الموظّف الملكيّ (يو 4:46-53)، هي واضحة. هل ارتبط النصّ التلموديّ بالانجيل؟ أو نكون في الحالتين أمام مثال مشترك على المستوى الأدبي فاستقى منه التلمود والانجيل؟

إذا وضعنا جانبًا هذا المثل الفريد من نوعه، ما يلفت النظر قبل كل شيء هو الخلافات (لا التشابهات) بين المعجزات الرابينيّة والمعجزات الانجيلية.

(1) المعجزة الحقيقيّة لدى الرابينيين تقوم في الخلق والعناية الالهية. فالمدارش حول مز 19:6 يؤكّد : "كل يوم تصنع عجائب ومعجزات لا يعرفها أحد... فكسرة الخبز معجزة تساوي في أهميتها عبور البحر الأحمر". والمدراش حول مز 89:2 يذهب أبعد من ذلك فيقول : "ضرورات الحياة اليوميّة هي أعظم من الفداء". نحن أمام طريقة تؤكّد أن كل شيء موجود في فكر الله، ويظهر في الوقت الذي يريده الله لكي ينضمّ إلى سلسلة الأحداث العادية. في الأساس، المعجزة الحقيقيّة هي نظام الطبيعة.

(2) في معجزات الرابينيين لا نستطيع أن نتكلّم عن دور فاعل لمجترح المعجزة، ولا نقدر أن نعتبره الفاعل الرئيسيّ للمعجزة. فصلاة الرابي التقيّ تلعب الدور الحاسم، والرب هو الفاعل الحقيقيّ للمعجزة. أما عمل يسوع فيختلف كل الاختلاف. هو الذي يشفي بشكل مباشر بسلطة كلمته القديرة والسامية ("أريد، كن طاهرًا" مر 1:41؛ "أيها الروح الأصمّ الأخرس، أنا آمرك أخرج من الصبي ولا ترجع"، مر 9 :25).

(3) الهدف الذي تتوخّاه العجيبة يختلف أيضًا كل الاختلاف. في العهد الجديد، نحن في أكثر الحالات أمام شخص مصاب بمرض محدَّد، يأتي إلى يسوع ويتوسّل إليه لكي يتدخّل من أجله. هذا النوع من العجائب لا نجده في عالم الرابينيين القديم، ما عدا الحالة التي ذكرناها أعلاه. فالمعجزة الرابينيّة تتوخّى تبرير قيمة الوصايا (هلكوت) والنظم الدينيّة من جهة. ومن جهة ثانية، إبراز استحقاقات رابي تقيّ. أما يسوع، في الأناجيل الإزائية، فلا يقوم بمعجزة من أجل مجده الخاص، ولا ليبرّر وصايا الله (ليبيّن صدقها) (مت 4 :7 : "أجاب يسوع الشيطان : كُتب: لا تجرّب الرب الهك").

5) العهد الجديد.

أولاً: أقوال يسوع في معجزاته. تورد لنا الأناجيل ثلاث كلمات ليسوع حول معجزاته (مت 11:5 لو 7:22: مت 11:21 لو 10:13؛ مت 12:27-28 لو 11:19-20). تاريخيّة القولين الثاني والثالث ثابتة. أما تاريخية الاول فهي مثار الجدل.

(أ) ونبدأ بالوفد الذي أرسله يوحنا المعمدان إلى يسوع (مت 11:15 لو 7:22). "العميان يستعيدون النظر، والعرج يمشون والبرصى يطهَّرون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون". تصوّر هذه الآية سلسلة من المعجزات أجراها يسوع، وهي ترتبط كلها (ما عدا ما يتعلّق بالبرص) بإيراد ضمني أو واضح من (إش 61:1؛ إش 35:3؛ 29:18؛ 42:18 (العميان)؛ 35:6 (العرج)؛ 35:5؛ 29:18؛ 42:18 (الصمّ)؛ 26:19 (الموتى). وتبشير المساكين إيراد واضح في إش 61:1 (حسب السبعينيّة): "أرسلني لأحمل البشرى (لأبشّر) إلى المساكين". يحتلّ "تبشير المساكين" قمّة اللائحة، فتكون النتيجة إظهار المعجزات بشكل حصري في وجه نسبيّ، وترتيبها لتصل إلى الجوهريّ الذي هو التبشير. قد نظنّ أن لفظة "مسكين" (فقير) تدلّ هنا بشكل عام على الذين نعموا بهذه الآيات الخمس التي تمّت من أجل البؤساء. فتعداد شفاء خمس حالات نمطيّة من المرض، صار بشرى لجميع المتألّمين. معجزات يسوع تعلن بعلامات فاعلة أن ملكوت الله هو هنا، وأن المساكين لن يعودوا مساكين. فالبشرى للمساكين هي أن الله يريد أن يبدّل وضعهم، وأنه بدأ يفعل منذ الآن بواسطة يسوع. ما وعد به أشعيا للأزمنة الأخيرة قد وجد منذ الآن تتمّة أولى نموذجيّة في رسالة يسوع العامّة، ولا سيّما في نشاطه الشفائيّ.

(ب) ندب كورزين وبيت صيدا (مت 11:21-22 لو 10:13-14). "الويل لك، يا كورزين! الويل لك، يا بيت صيدا! لأنه لو أن المعجزات التي جرت فيكما جرت في صور وصيدا، لتابتا من قديم في المسوح وقعدوا على الرماد. لكني أقول لكم: سيكون مصير صور وصيدا يوم الحساب أكثر احتمالًا من مصيركما". يقدّم هذا النصّ جميع ضمانات الصحّة للأقوال الخاصّة بيسوع: إن الدينونة الاسكاتولوجيّة ترتبط بالتوبة والاهتداء، وتتمّ حسب موقف الانسان تجاه يسوع في حياته على الأرض (لو 12:8-9)، ولا سيّما بالنظر إلى معجزاته. وهذا ما لا يمكن أن يكون دوِّن قبل القيامة. ففشل معجزات يسوع في كورزين وفي بيت صيدا، يدلّ على أن هذه المعجزات لم تُكره الناس على التوبة، وأنه لا بدّ من الايمان لنكتشف في هذه العجائب قدرة الله الفاعلة في العالم (رج لفظة "ديناميس" اليونانية، و "ج ب و ر هـ " التي تقابلها في العبريّة).

(ج) طرد الأرواح وملكوت الله (مت 12:27-28 لو 11:19-20): "فإن كنت أنا ببعلزبول أطرد الشياطين، فبمن يطرده أتباعكم لذلك هم يحكمون عليكم. وأمّا إن كنت بروح (باصبع في لو) الله أطرد الشياطين، فملكوت الله أقبل عليكم". نستطيع أن نقول أيضًا: ملكوت الله قد أدرككم الساعة. قولان صحيحان، وإن وُجد الواحد مستقلاً عن الآخر في التقليد السابق للانجيل.

(1) الاول يدلّنا على أن يسوع اعترف بسلطة عجائبية حقيقية لدى المقسّمين اليهود، ولدى مجموعة خرجت من مجموعة التلاميذ (مر 9:38-40).

(2) الثاني يربط تقسيمات يسوع بمجيء ملكوت الله. فيسوع، حين يخلّص الانسان من الشيطان، يجعل الملكوت يجيء. ويسوع يُتم بالتقسيمات نصرَ الله على العالم الشرّير (مر 3:23-27)، وفي الوقت عينه يؤمِّن مجيء ملكوت الله. وهكذا يحتلّ يسوعُ قلبَ تعليمه: إنه الوسيط الذي لا بدّ منه بين الله والبشر كما في القول السابق حول الدينونة الاسكاتولوجيّة لابن الانسان التي تتمّ حسب موقف البشر من يسوع (لو 12:8-9).

ثانيا: لائحة المعجزات وأنماطها. حسب أصحاب التاريخ التكويني، هناك ثلاثة عناصر تبني خبر المعجزة: تقديم المرض وطلب الشفاء. مسيرة الشفاء ونتيجة التأثير في الحاضرين وهتاف الإعجاب. وجاء من ركّز خبر المعجزة على مدلول الحدود التي لا يمكن تجاوزها، ولكنها تُقهر في الحال بواسطة مجترح المعجزة. فيُبنى الخبر حول ثلاثة عناصر: مُجري المعجزة. المريض. العلاقة بينهما. فقد يُنظر إلى العلاقة من جهة المريض فتتركّز على إيمانه. أو يُنظر إليها من جهة مجري المعجزة فتتركّز على مبادرته وقدرته. في المجموعة الأولى (تركيز على المريض) نجد أخبار الشفاء. في المجموعة الثانية (تركيز على يسوع) نجد أخبار طرد الشياطين والخلاص من الضيق (عطيّة الخبز مثلاً)، وإظهار حقيقة من الحقائق.

(أ) طرد الشياطين. نحن أمام صراع بين مجري المعجزة والشيطان الذي يمتلك انسانًا (يحلّ فيه). تعود المبادرة إلى مجري المعجزة الذي ينادي الشيطان. لا يظهر الممسوس إلا كحقل قتال تقع عليه الحرب.

(1) يستعمل الخصمان ذات الاستراتيجية في الهجوم والدفاع (معرفة عبارات عتيقة، لغات غريبة، اسم الخصم، رج مر 5:7، 41؛ 7:43).

(2) يقاتل الشيطان ببسالة. وحين يترك الولدَ المصروع مثلاً، فهو يتركه "كالميت" (مر 9:26).

(3) الممسوس الذي فيه شيطان، هو مسرح صراع كونيّ فيه تتواجه قوّتان آتيتان من خارج عالم البشر، هما الله والشيطان.

ونحن نقدم ستَّ حالات من طرد الشياطين في الاناجيل وحالتين في أع. ممسوس كفرناحوم (مر 1:21-28؛ لو 4:31-37). متشيطن جراسة (مت 8:28-34؛ مر 5:1-20؛ لو 8:26-39). ابنة السوريّة الفينيقيّة (مت 15:21-28؛ مر 7:24-30). الابن المصاب بداء الصرع (مت 17:14-21؛ مر 9:14-29؛ لو 9:37-43). الممسوس الأخرس (مت 9:31-34؛ لو 11:14). الممسوس الأعمى والأخرس (مت 12:22-23). الخادمة التي خرج منها الشياطين (أع 16:16-18). أبناء سكاوا السبعة (أع 19:11-17).

(ب) الأشفية. نربط بالأشفية الاخبارَ التي تتحدّث عن إقامة موتى أو عودتهم إلى الحياة العاديّة. عادت نفوسهم إليهم.

(1) الصراع الذي بين قوّتين متعارضتين، يحلّ محلّه هنا نقلُ قوّة خيّرة. في طرد الشياطين، تنتصر قوّة صاحب المعجزة بطريقة عدوانيّة، عنيفة. في الأشفية، تتّخذ هذه القوة شكل عون ناعم وخفيف كما في حالة نازفة الدم (مر 5:28-29). في الحالة الأولى، يظهر المريض وكأن العدوّ قد احتلّه (كما يحتل العدوّ حصنًا). في الحالة الثانية يظهر الضعف فقط في طرد الارواح، ردّة فعل الحضور هي سلبيّة في أغلب الاحيان (مر 1:27؛ الخوف؛ 5:17: طلب الجراسيون من يسوع أن يتحوّل عن تخومهم). في الشفاء، ردّة الفعل (حين تُذكر) هي عبارة الإعجاب والمديح.

(2) الوسيلة الشفائيّة التي يستعملها يسوع في الأشفية هي لمسة بسيطة أو وضع الأيدي. فكأننا أمام قوّة تشعّ. لا نجد هذه الفعلة في تقسيمات العهد الجديد (ما عدا في الإجمالة في لو 4:40-41؛ أع 19:11-12. ولكن يبقى جدال فيما يخصّ هذين المقطعين).

(3) موضوع وضع الايدي قد يجتمع مع موضوع البصاق (مر 7:32؛ 8:22-23)، موضوع الطين المجبول بالبصاق (يو 9:6). الإيمان بالقوّة الشفائية لصانع المعجزات هو دومًا حاضر لدى المريض أو لدى الحاضرين. ويظهر الإيمان في بعض المرات كنتيجة للمعجزة (أع 9:42. رج انجيل يوحنا). ويدلّ يسوع نفسه على التوبة والاهتدء كنتيجة معجزاته (مت 11:12 لو 10:23).

هناك 13 شفاء في الاناجيل (منها ست إقامة موتى) و 6 في أع. حماة بطرس (مت 8:14-15؛ مر 1:29-30؛ لو 4:38-39). الأبرص (مت 8:1-4؛ مر 1:40-45؛ لو 5:12-16). ابنة يائيرس (مت 9:18-26؛ مر 5:21-43؛ لو 8:40-56). نازفة الدم (مت 9:20-22؛ مر 5:25-34؛ لو 8:43-48). الأصمّ الأخرس (مر 7:31-37). أعمى بيت صيدا (مر 8:22-26). برتيما الأعمى (مت 20:29-34 حيث نجد أعميين؛ مر 10:46-52؛ لو 18:35-43). قائد المئة في كفرناحوم (مت 8:5-13؛ لو 7:1-10؛ يو 4:46-54). الأعميان (مت 9:27-31). ابن ارملة نايين (لو 7:11-17). البرص العشرة (لو 17:11-19). لعازر (يو 11:1-44). شفاء الكسيح (أع 3:1-11). كسيح لدّة (أع 9:33-35). إقامة طابيثة (أع 9:36-42). كسيح لسترة (أع 14:8-10). إقامة أفتيخوس في ترواس (أع 20:9-12). الحمّى في مالطة (أع 28:8-9).

(ج) الظهورات (ابيفانيا). نحن أمام معجزات حيث يظهر الاله (أو ممثّله) في أعماله أو في شخصه. ماذا نجد فيها؟ ظواهر نظرية وسمعيّة. كلمة وحي. غياب مفاجئ، وخوف المشاركين أو تأسّفهم. هناك 4 ظهورات في الاناجيل: عماد يسوع (مت 3:13-17؛ مر 1:9-13؛ لو 3:21-22). السير على المياه (مت 14:22-33؛ مر 6:45-52؛ يو 6:16-21). التجلّي (مت 17:1-9؛ مر 9:2-10؛ لو 9:28-36). تلميذا عمّواس (لو 24:13-35؛ مر 16:12-13).

(د) عمل إنقاذ. (1) تتميّز هذه المعجزات بانتصار على قوى الطبيعة (البحر) أو السياسة (السجن). (2) هذا النمط من المعجزات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنمط السابق فيبدو كظهور ابيفاني: يظهر يسوع مثل خيال يمشي على الماء (مر 6:49 وز). ويتمّ التخليص من السجن في ظهور ملائكة (أع 5:17-25؛ 12:3-19). (3) إن الابيفانيا التي تحمل العون المطلوب قد تبدو بشكل عبور، على مثال يسوع النائم في القارب الذي تهزّه العاصفة (مر 4:38) أو بولس السجين في السفينة التي تقلّه من كريت إلى مالطة ورومة، فيظهر له ملاك الله (أع 27:23 24).

نجد عمل تخليص واحد في الأناجيل وأربعة في أع. تهدئة العاصفة (مت 8:23-27؛ مر 4:35-41؛ لو 8:22-25). خلاص الرسل من السجن (أع 5:19-20). نجاة بطرس من السجن (أع 12:3-9). خلاص بولس وسيلا من سجن فيلبي (أع 16:23-40). خلاص بولس من الغرق (أع 27:6-44).

(هـ) معجزات تحمل عطايا الله. تتجاوب هذه المعجزة مع حالة من النقص (خبز الحياة، خمرة العيد). وإليك مميّزاتها الرئيسية:

(1) تعود المبادرة إلى مجترح المعجزة الذي يُطعم الجموع دون أن يطلب منه أحد (مر 6:35). أو هو يطلب أن تُرمى الشبكة (لو 5:4؛ يو 21:6). هناك صمت تام حول العجيبة نفسها. لا يُقال شيء عن كيفيّة تحقيقها. لا عمل يدويًا، ولا كلمة عجائبية. ما يلاحُظ هو النتيجة فقط.

(2) تُصوَّر نتائجُ العجيبة مع توسّع يتفوّق على العمل الذي تمّت فيه العجيبة. فهذا يعود إلى أن الأساس النظري لمثل هذا النمط من المعجزات لا يجد ما يقابله في الخبرة اليوميّة كما في الأشفية. بما أن النموذج السرديّ غائب، تلعب الاستعارة دورًا واسعًا.

(3) إذا أردنا أن ندرك معنى هذه العجائب، يجب أن نقف تجاه رغبة الانسان الذي يريد أن يقتني خيرات هذا العالم بكثرة ومن دون مجهود من قبله.

نجد من هذا النمط 4 معجزات في الاناجيل: الصيد العجائبي (لو 5:1-11؛ يو 21:3-14). التكثير الأول للارغفة (مت 14:13-21؛ مر 6:30-44؛ لو 9:10-17؛ يو 6:1-15). التكثير الثاني للأرغفة (مت 15:32-39؛ مر 8:1-10). عرس قانا الجليل (يو 2:1-11).

(و) عجائب تبرير أو تثبيت. تتمّ هذه المعجزات بمبادرة من مجترح المعجزة. وهي تتوخّى تبرير (إظهار صدق) كلمة أو تصرّف. وهي تتوزّع على ثلاث فئات.

(1) عجائب تبرّر قاعدة أساسية. في ما يتعلّق بالسبت: ضرورة مساعدة انسان في خطر أهمّ من محافظة طقسيّة على الوصايا. هناك شفاء الكسيح (مر 2:1-10 وز) حيث الشفاء الذي أجراه يسوع بيّن صحّة سلطانه في غفران الخطايا. هذا النمط من المعجزات يظهر مرارًا لدى الرابينيين. هناك جواب التلمود على معجزات رابي اليعازر بن هرقانوس: "لا نعير انتباهنا لصوت سماويّ (أو للمعجزات). فقرارات السلوك (هلكه) تؤخذ بأكثريّة الأصوات" (بابا مصيعا، 59ب).

(2) معجزة مكافأة: لقد ثبتت شرعيّة القاعدة. ولكن الذي يمارسها ينعم بحماية أو خلاص خاص. تساءل أهل مالطة: هل بولس مجرم أم هو إله (أع 28:2-6)؟ فأجاب حكم الله بما يسمّى "تحكيم إلهي". تعلّقت الأفعى بيده ولكنه لم تؤذه. ونجد خبرًا مماثلاً بالنظر إلى رابي حانينا بن دوسا: لسعته الأفعى فماتت في الحال (تلمود بابل، بركوت 33أ).

(3) معجزة العقاب. هذه الفئة غائبة من الأناجيل. فلعنة التينة العقيمة (مت 21:18-19 مر 11:12-14) هي نقل رمزيّ لمثل لو 13:6-9 عن التينة التي لا تعطي ثمرًا. ولكن المثلين الوحيدين اللذين نستطيع أن نورد، هما مثل حنانيا وسفيرة في أع 5:1-11، ومثل الساحر عليما في أع 13:6-12. مقابل هذا، نجد عددًا كبير من مثل هذه العجائب في إبيداورس (لدى الرابينيين، تلمود بابل، بركوت 62ب).

نجد 6 معجزات تبرير (أو تثبيت) في الاناجيل وثلاثًا في أع. الانسان صاحب اليد اليابسة (مت 12:9-14؛ مر 3:1-6؛ لو 6:6-11). شفاء الكسيح (مت 9:1-8؛ مر 2:1-12؛ لو 5:17-26). شفاء المنحنية الظهر (لو 13:10-17). الرجل المستسقي (لو 14:1-6). دفع ضريبة الهيكل (مت 17:24-27). الأعمى منذ مولده (يو 9:1 -41). حنانيا وسفيرة (أع 5:1-11). الساحر عليما الذي صار أعمى (أع 13:6-12). بولس الناجي من الأفعى (أع 28:1-6).

(ج) لاهوت المعجزة. لكل انجيلي نظرته الخاصة إلى خبر يسوع والمعجزات. فهناك الوضع الخاص بالقرّاء، وهذا ما يعني تأوينًا للكلمة. ولكن الانجيليين لم يكتفوا بأن يكيّفوا تعليمهم وسامعيهم، بل كانت لهم نظرتهم اللاهوتيّة الخاصة، فعبرّوا عنها في سرد أخبار المعجزات.

(أ) مرقس.

(1) وضع معظم معجزاته في القسم الأول من انجيله (15 معجزة، 3 إجمالات في 1:1-8:33، وذلك من أصل 17 معجزة نجدها في مر). أما الذروة فهي اعتراف بطرس في قيصريّة فيلبس: "أنت المسيح" (مر 8:29). وظيفة المعجزات الكشف عن هويّة يسوع الحقيقيّة، وهذا لا يفهمه الشعب ولا التلاميذ.

(2) صحّح مر لاهوتًا يشير إلى يسوع الذي قُدّم بشكل "الانسان الالهي"، فتحدّث عن لاهوت اتضاع ابن الانسان (الانباءات الثلاثة بالآلام)، عن السر المسيحاني. فرض يسوع الصمت على معجزاته (مر 1:25، 44؛ 5:43؛ 7:36؛ 8:26). ولكن مسيحانيّته سطعت مثل ضوء النهار "رغم" إرادته (مر 1:28، 45؛ 7:36). جعل مرقس موضوع لا إيمان التلاميذ في قلب إنجيله (6:52؛ 8:14-21). وسؤال يسوع لتلاميذه "لكم عيون ولا تبصرون، آذان ولا تسمعون" (8:18؛ رج إش 6:10؛ إر 5:21؛ حز 12:2)، يجد صورة عنه في عجيبتين خاصتين بمرقس: الأصم الأبكم في 7:32-37. أعمى بيت صيدا في 8:22-26. في هذا المثل الأخير، يُشفى الأعمى على مرحلتين. هذا لا يعني أن الطبيب يتساءل عن نتيجة الدواء (البصاق) في المريض، بل أن أعين التلاميذ المستعدة لأن ترى في يسوع مسيحًا ملكيًا (8:29) ترفض أن ترى فيه مسيحًا متألمًا (8:31-33).

(ب) متّى.

(1) قام متّى بتحوّلات أسلوبيّة هامّة على أخبار المعجزات في مر. الغى التفاصيل التصويريّة. مثلاً، إن مت 8:28 أوجز في آية واحدة كل الوصف التصويري لممسوس الجراسيين في مر 5:1-6. وإن مت 9:2 ألغى وصف المخلّع الذي أُنزل من سقف البيت حيث كان يسوع (مر 2:2-4). وألغى مت 9:18-26 كل التفاصيل الملموسة في مر 5:21-43 الذي يصف سياق شفاء النازفة وإقامة ابنة يايرس. وألغى مت الأشخاص الثانويين (ق مت 8:14-15 مع مر 1:29-31). وركزّ خبره على حوار توسّع فيه وأطال ( ق مت 15:22-27 مع مر 7:24-30). وأعاد النظر في التكرارات فجعلها معقولة قدر المستطاع (قابل تكثير الارغفة مرتين في مت وفي مر). بعد الخطبة الكبرى الأولى (الموعظة على الجبل) (مت 5-7)، جمع مت عشر معجزات (ف 8-9) استعدادًا لما سيقوله للوفد الذي ارسله يوحنا المعمدان إلى يسوع (11:2-6).

(2) ابرز مت الالقاب الكرستولوجيّة (تتحدّث عن يسوع المسيح). وقدّم، مقابل هذا، أبرز سمات التسامي التي تجعل من يسوع ربّ الجماعة، فيسجد له الناس (بروسكيناين، 8:2؛ 9:18؛ 14:33؛ 15:25).

(3) قابل مت بين إيمان الوثنيين وإيمان اليهود، وهذا ما يدلّ على وضع جماعته بعد الفصح والقيامة (مت 8:10؛ 15:28). طبّق على التلاميذ (وبعدهم على المسيحيين) صفة "اوليغوبستوس" (قليل الايمان) التي يستعملها لوقا (لو 12:18 مت 6:30) مرة واحدة، و







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.