الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: فردوس، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) اللفظة. أخذت لفظة "فردوس" من الفارسيّة القديمة : بايري - دايزا. أي الحديقة، الموضع المحاط بسياج. كان اكسينوفون أوّل من استعمل هذه اللفظة في اليونانيّة (باراداسوس، رج أناباس أو النزول 1 2 :7، أي حديقة ملك فارس). ونجد اللفظة مرارًا في البرديات. في السبعينيّة، استُعملت بشكل مطلق (أي بدون مضاف إليه). فاللفظ يستعمل 13 مرّة في تك 2 :8-3 :24 مع مضاف : فردوس النعيم (تك 3 :23،،24؛ خر 31:9؛ يوء 2 :3). فردوس الله (تك 13 :10؛ خر 28:13؛ 31 :8). فردوس الربّ (إش 51 :3 حسب بعض المخطوطات). وهكذا ننتقل من المعنى الدنيويّ إلى معنى الجنّة التي أعدّها الله للإنسان. بعد ذلك، سيطر المعنى الدينيّ في العالم القديم وفي العهد الجديد. في هذا المعنى، يعني الفردوس الجنّة التي فيها وُضع آدم في البدايات، أو موضع الأبرار بعد الموت. ويعبَّر عن السعادة في الفردوس، بحياة وافرة وخضرة كثيرة. ما ترجمته السبعينيّة للفظة فردوس، هو الكلمة العبريّة "ج ن" (جنة، جنينة). أمّا لفظة "عدن" فتدلّ على موضع في تك 2 :8 (رج غدن في العربيّة : اخضرار النبات، اللين والنعمة). أمّا عبارة "جنة في عدن" كما نقرأها في تك، إش، يوء، فنجدها أيضًا في سي 40 :27. احتفظت السبعينيّة بعض المرّات بلفظة "عدن" (تك 2 :8، 10؛ 4 :16). ولكنّها ترجمتها أغلب المرات بـ "تريفي" أي نعيم، رفاهية لذات. من هنا "فردوس اللذات" في 4 عز 7:36. ولكنّنا نجد ثلاث مرات لفظة "فردوس" في العبريّة المتأخّرة (ف ر د و س، نش 4:13؛ جا 2:5؛ نح 2:8) وهي تعني "الحديقة".

2) معطيات سفر التكوين. أولاً : الموقع. يتكلّم تك 2 :8 عن فردوس في الشرق. فهم بعضُهم "الشرق" في معنى زمنيّ (لا مكانيّ). مياه وافرة. ونهر الفردوس ينقسم أربعة أنهر ترتبط بالأقسام الرئيسيّة الأربعة في الأرض : فيشون وفيه الشلالات وجيحون الذي يحيط بأرض كوش. هو النيل. والنهران الأخيران معروفان : دجلة والفرات. هذان النهران الأخيران يجعلاننا نعيد النظر في حز 28:13-14 حيث تبدو عدن (ج ن. ا ل و هـ ي م" ) جنّة الآلهة. حين نتذكّر النظرات الرافدينيّة والأوغاريتيّة، قد يكون "جبل الآلهة" (أش 14:13؛ مز 48:3) في الشمال، في جبل أراراط. من حيث يجري هذان النهران. وجاء حز 28:13-14 قريبًا من النصوص الميتولوجيّة، ولكن لا وجود للمرأة ولا للحيّة. في تك 3 :24، جعل الله الكروبيم شرقيّ جنّة عدن. وملجأ قايين، في أرض نود، هو أيضًا شرقيّ جنة عدن. وهكذا تكون الجنة في الغرب. إذن، لم يتطلّع المرجع اليهوهيّ إلى مكان محدّد جدًّا. بل أراد أن يذكّرنا أنّ هذه الجنّة هي على الأرض. وأنّ الأرض نعمت في هذا الموضع بخصب خارق في عهد الإنسان الأول. ولكن نظرة اليهوهي لم تكن نظرة حزقيال. في تك، قربُ الله من الإنسان هو ينبوع سعادة. أمّا حز فاستعمل المعطيات الميتولوجيّة بشكل واسع، كي يحطّم كبرياء الإنسان.

ثانيًا : شجرة الحياة و شجرة معرفة الخير والشر. توجد شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشرّ في وسط الجنّة (تك 2 :9). عرف الشرق القديم "شجرة الحقيقة". ولكن هذا لا يعني أنّ شجرة الحياة هي خلاصة عدد من الأشجار. هي رمز الطعام الذي يعطيه الله، فيذكّر في أم 3:19 باقتناء الحكمة. إنّ شجرة المعرفة تتيح خبرة الشقاء والتعاسة الاختبار الصحيح. في 1مل 3 :9، طلب سليمان أن تكون له ملكة تمييز الخير والشرّ.

ثالثًا : العناصر الأدبيّة في الخبر. من نتائج تحليل المراجع، اكتُشفت ثلاثة مراجع في الخبر. نجد أن اليهوهي كوّن خبرًا يدخل فيه انتقاد المواد. فعلى النقد أن يُبرز ما أراد المدوّن أن يقول لنا.

(1) تك 2 :4ب - 7 : في الصحراء حيث الماء يحمل الحياة، خلق الله الإنسان كائنًا حيًّا، نفسًا وجسدًا (الإنسان بكليّته. لا فصل بين الاثنين). نحن أمام نصّ انتروبولوجي مهمّ جدًّا.

(2) تك 2 :8-9 : نسخة ثانية عن خلق الجنّة. لا نجد شجرة المعرفة في كلّ التوراة، إلا في تك 2 :9.

(3) تك 2 :10-14 : لا يلعب هذا المقطع أي دور من أجل ولْي الخير. هو يصوّر الجنّة : المياه التي تحيي هي بَركة.

(4) تك 2 :15-17 : الله أعطى الإنسان كلّ شيء. وجعل له حدودًا : شجرة واحدة لا يستطيع التصرّف بها. واللاأمانة لله تولّد الموت.

(5) تك 2 :18-24 : وإذ أراد الربّ الإله أن يداوي عزلة الرجل جعل له عونًا بإزائه. خلق الله الحيوانات فاستقبلها الإنسان وأدخلها في إطار حياته. وحلّ بالإنسان رقاد عميق فمنعه من أن يرى الله يعمل في حياته الخاصّة. ما رأى إلاّ النتيجة : رأى المرأة التي أخذها الله منه. وكانت آ24 خاتمة تتحدّث عن وحدة الرجل والمرأة. جمع اليهوهيّ كل هذه العناصر. وكان 2 :25 انتقالة حيث يعبّر العري والخجل عن ضعف الرجل والمرأة وهزيمة ممكنة. مع تك 3 :1 تدخّلت حيّة الفردوس.

رابعًا : النماذج الأدبيّة. إنّ سطرة اتراحاسيس الحكيم جدًا، تقدّم رسمة لخبر البدايات كما نجده في تك 1-11. وُجدت نسخات عن هذه السطرة في فينيقية وفي كنعان، وهي تعود إلى أولى السلالات البابليّة. بدأت ولادة الكون مع كوسموغونيات تبدأ بغياب الحياة والكائنات كما في تك 2 :4ب-5 (في بابلونية وفي مصر). في ملحمة غلغامش (جلجامش) أوتنفستيم (نوح البابلي) دلّ غلغامش على "نبتة الحياة". وعرفت النصوص المصريّة "شجرة الحياة" وهي نبتة تقدّم للآلهة فتمنح الخلود. والأنهر التي تحيط بالعالم : هل نبحث عن فيشون في مصر مع "ف ج ش ن"؟ لقد استعمل اليهوهيّ تراث الحكمة في عصره لينزع السطر عن نماذجه الأدبيّة، فصحّح وأضاف. وبدل شجرة واحدة، شجرة الحياة في وسط الجنة، وهي رمز الحياة الخالدة لدى الآلهة، أضاف شجرة معرفة الخير والشر، السعادة والتعاسة، وهي ترتبط بالحكمة المصريّة (رج صلاة نافر أنيت). هي المرّة الأولى التي تُجعل فيها هذه الشجرة الثمينة من أجل النجاح أو العمل الواعي (تك 3 :6) مع شجرة الحياة. انطلق اليهوهي من كل هذا، فألّف تك 2 :4ب-4 :26. فكان لنا كل ما يتعلّق بالفردوس حيث الإنسان يحيا بنسمة الله (2 :7)، فيلعب حياته بين البركة واللعنة. كان الله قد خلقه للسعادة والخلود، وكان الفردوس رمزًا لهما : حياة حميمة مع الله، توافق مع الخليقة، حياة سهلة، أمل بالخلود.

3) ^ أولاً : قبل المنفى. تطوّر موضوع الفردوس في (أم 13:12؛ أم 15:14؛ رج 11:30. ثمر البرّ يولّد شجرة حياة لها طعم الحياة الفردوسيّة. وحين صوّر إشعيا عمانوئيل، جعله يغتذي بشكل عجائبي : "يأكل زبدًا وعسلاً إلى أن يعرف كيف يرفض الشر ويختار الخير" (إش 7:15). وإن إش 11:6-9، يذكرنا بالسلام بين البشر والحيوان، السلام المستعاد، وعودة الخصب (إش 29:17) مع وفرة الماء (إش 30:23-26) والسلام الذي يجعل الصحراء جنّة غناء (إش 32:15-20)، كل هذا يدلّ على تكوين الفردوس في نهاية الأزمنة.

ثانيًا : بعد المنفى. بعد المنفى، توقّف حزقيال عند الموضوع الفردوسيّ. "إنّ الأرض الخربة ستصبح جنّة عدن" (حز 36:35). في حز 31:1-9، تذكّرنا الأشجار الوارفة بأشجار عدن في جنّة الله. وفي رؤية أورشليم المقبلة مع الهيكل الجديد، تخرج المياه من تحت عتبة الهيكل، ويكبر النهر فيصبح سيلاً عارمًا. على شاطئيه تنبت الأشجار (47 :7) بورق لا يذبل (47 :12). والبحر الميت يصبح بحر حياة (47 :9). وأعلن أشعيا الثاني (إش 51:3) عزاء صهيون، "لأنّ الربّ يجعل الصحراء مثل عدن والقفر كجنّة الربّ". في زك 14 :8، يستعيد زكريا الثاني موضوع حز 47. ونلاحظ أيضًا في نش 4:13-15 الجنة العجيبة التي صارت في السبعينيّة "الفردوس"، وهذا ما أبعدنا عن فلسطين. ونزيد على جميع هذه النصوص رؤيا إشعيا (إش 24-27) الذي أعلن في القرن الرابع وليمة نهاية الأزمنة وزوال الموت (إش 25:8) وقيامة ممكنة للموتى (إش 26:19).

ثالثًا : أدب بين العهدين. نجد ذكرًا للفردوس في البدايات كي نتصوّر تصوّرًا أفضل فردوس نهاية الأزمنة. غُرس في اليوم الثالث من الخلق (يوب 2 :7؛ 2أخن 30:1؛ 4 عز 6 :42)، فكان جزءًا من الأشياء الثلاثة التي خلقها الله قبل الكون. وصوّر 1أخن 24:4 شجرة حياة معطّرة بعطر لطيف. وتشبه شجرةُ المعرفة الكرمة (1أخن 32:4). وكانت نظرات عديدة عن تحديد موقعها بعد السقطة. ثمّ وُجد فردوس يدخله الأبرار بانتظار الدينونة الأخيرة. خُطف أخنوخ من على الأرض (تك 5 :24)، فنُقل إلى الفردوس حيث شارك الملائكة مصيرهم. وفي 1أخن 22، يتضمّن الشيول موضعين للأبرار وموضعين للأشرار. وأخذ أخنوخ يكتشف الفردوس (1أخن 17-19؛ 21-25) ويعبر أرض الأطياب (1أخن 27-32) فيمرّ قرب شجرة المعرفة بثمرها الذي يشبه عنقود العنب. في 1أخن 39، رأى الأبرار يتشفّعون من أجل الأحياء، وهذا ما يدلّ أنّ الفردوس هو موضع إقامة حاليّة. وجلس أخنوخ بين الشمال والغرب فرأى الآباء الأوّلين والقدّيسين (1أخن 70:3-4). أمّا كتاب اليوبيلات (يوب 8 :19) فجعل من عدن جبلاً عاليًا. ووضع 4 عز 7:36 فردوس الأبرار في نبع الأنهار الأربعة. وصوّر "أرضًا أخرى"، جنّة برّ حيث الأبرار ينتظرون القيامة. وهكذا نصل إلى موضع الراحة بعد صورة عن طرق متعدّدة. وأخيرًا، عرف العالم اليهوديّ فردوس نهاية الأزمنة، فقابل بين نار وفردوس النعيم (رج لو 16 :19-31). وأعلنت وص لاوي 18؛ رؤ 2:7؛ 22 :2، وأورد يوسيفوس (الحرب 2 :541) معتقدات مشابهة لهذه لدى الاسيانيّين فتصبح الأفراح ملموسة. وميّزت رؤيا باروك السريانيّة الفردوس المسيحاني على الأرض من الفردوس الإسكاتولوجي في السماء.

رابعًا : العهد الجديد. ترد كلمة "فردوس" ثلاث مرّات في العهد الجديد (لو 23 :43، كلمة يسوع على الصليب؛ 2كور 12 :4؛ رؤ 2:7). ماذا يعني جواب يسوع على طلب اللص التائب؟ أولاً، تحقيق مباشر (اليوم) لما طلب. ثانيًا، رفقة المسيح (معي) في موضع يجد الأبرار خلاص الله من أجلهم. وفي نظر لوقا، إنجيليّ الغفران (7 :36-50؛ 19 :1-10؛ 23 :34)، منذ الصليب دلّ يسوع على مجيء زمن الخلاص. عند مرقس (مر 1:13) يستعيد خبر تجربة يسوع مسيرة معاكسة لمسيرة آدم. فهو يتغلّب على التجربة وعلى وحش البرّ العائش في وفاق معه. وفي 2كور 12 :4، أشار بولس إلى انخطاف حصل عليه ليبيّن لخصومه أنّهم ليسوا وحدهم مميّزين على مستوى هذه الظواهر. ويُبرز نعمة الله التي يمنحها بالمسيح لمن قبل ضعفه. أمّا موضع الفردوس ففي السماء الثالثة. بعد ذلك، ستصوّر "رؤيا بولس" (كتاب منحول) زيارته إلى الفردوس وإلى جهنّم. والتلميحات إلى الفردوس في سفر الرؤيا كثيرة (21 :4؛ 22 :1، 14، 17). وإن 2 :7 ينهي الرسالة الأولى من الرسائل إلى الكنائس : "أعطي الغالب أن يأكل من شجرة الحياة الموضوعة في فردوس الله".

خامسًا : منحولات العهد الجديد وتقليد الآباء. يذكر "إنجيل توما" (22) في الفردوس خمس أشجار لا يسقط ورقها. "فمن عرفها لا يذوق الموت". وقد توسّع التفسير الآبائيّ في أمور تتعلّق بالفردوس : إنّ أنهار الفردوس الأربعة تجري من تحت الصليب. ورأى أفرام السرياني فردوسًا أولانيًّا مستمرًّا يذهب إليه الأبرار، ويجعل موقعه على جبل عالٍ جدًّا. وهكذا يتبيّن في البعيد موضوع الفردوس المفقود.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.