الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: قبرص


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

جزيرة في البحر المتوسط. تستعمل البيبليا هذا الاسم للمرة الأولى في 2مك 10 :3 وهي تتحدّث عن زمن البطالسة الذين كانت الجزيرة تخصّهم. احتلّها أنطيوخس الرابع وأقام فيها مدّة من الزمن حوالي سنة 168 ق.م. (2مك 4 :29؛ 10 :3؛ 12 :2)، ثم احتلّها الرومانيّون سنة 58 ق.م. كانت قبرص أولاً مقاطعة متعلّقة بالأمبراطور. وفي سنة 22 ارتبطت بمجلس الشيوخ وحكمها قنصل (أع 13:7). أقام يهود في قبرص (1مك 15:15-23) ومنهم برنابا (اع 4 :36ي) ومناسون (أع 21:16). حمل المسيحيّة إلى قبرص أشخاص هربوا من أورشليم (أع 11 :19ي). زار بولس وبرنابا الجزيرة خلال الرحلة الرسوليّة الأولى (أع 13:4-13). ثمّ زارها برنابا ويوحنا مرقس (اع 15:39). مدن قبرص المذكورة في البيبليا هي : سلامينة (أع 13:5)، بافوس (أع 13:6-16).

هذا في الكتاب المقدس. فماذا يقول التاريخ عن هذه الجزيرة؟ ثالث جزر البحر المتوسط بكبرها (227 كلم طولاً، 95 عرضًا). يشرف عليها جبل ترودوس البركانيّ (1953م) وجبال بنتادكتيلوس. مناخها حار وصيفها لطيف. منذ القديم، اشتهرت بخصبها وغنى معادنها ولاسيّمَا النحاس (سترابون 4 :6). فسُمّيت "جزيرة ألف عطر". كانت قريبة من آسية الصغرى (تبعد 65 كلم عن شاطئ كيليكية) والشاطئ السوريّ الفينيقيّ (95 كلم)، فشكّلت موقعًا مميّزًا للتبادل التجاري، وعرفت مزيجًا من السكان والحضارات. كانت مأهولة في العهد النيوليتي (الألف السادس). في البرونز الوسيط، سيطر عليها التأثير الشرقيّ والمصريّ. أما في البرونز الحديث فعالمُ اليونان بتجارته. عند ذاك دخلت اللغة اليونانيّة والكتابة المقطعيّة (مقطع الصوت، لا الحرف). في القرن التاسع، حلّ الفينيقيّون في شرقيّ الجزيرة. في نهاية القرن 7، سيطر عليها الأشوريّون. وبعد ذلك الفرس. وسنة 332، انضمّت إلى الاسكندر المقدونيّ. بعد موت الاسكندر، صارت مُلك اللاجيّين، ووجد السلوقيّون فيها المرتزقة الذين جعلوهم في جيشهم. سنة 169 احتلّها أنطيوخس الرابع وأجبِر على استردادها بسبب ضغط الرومان. ضمّتها رومة سنة 58 ق.م. إلى كيليكية. بعد هذه النظرة السريعة، نتوقّف عند تاريخ هذه الجزيرة في خمسة مقاطع : اتصال قبرص بالشرق. التأثير الفينيقي. السيطرة الأشوريّة والمصرية. الحقبة الفارسيّة. الحقبة الهلنستيّة. وننهي كل هذا بنظرة إلى الثقافة والدين.

1) علاقات قبرص بالشرق. تعود هذه العلاقات إلى النيوليتي (العصر الحجري الحديث). وما يدلّ على ذلك مناجم خيروكيتيا التي جاء سكانها من سورية حوالى سنة 7000 ق.م.، ومناجم كالافاسوس تنتا. ما شُيّد في ايريم، لمبا، كالافاسوس، يدلّ على التطوّر السريع في الحضارة القبرصيّة، خلال الحقبة الكلكوليتيّة (أي الانتقال من العصر الحجري إلى العصر البرونزي). كانت علاقات مع أناتولية التركيّة استعدادًا لحقبة البرونز، فصدِّر النحاس إلى بلاد الرافدين بواسطة المدن السوريّة. جاءت الوثائق عديدة في البرونز الحديث بسبب الاكتشافات الفنيّة في أنكومي، قرب سلامينة، وكيتيون، وهلا سلطان تكّي، وبالاي بافوس، ومواقع أخرى.

عُرفت قبرص في ذلك الوقت باسم "ألاشية" وأقامت علاقات تجاريّة ودبلوماسيّة مع أناتولية (الأناضول)، بحر ايجه، مصر، سورية وفلسطين. ولكن الحضارة الساطعة في القرن 15-13 قد انقلبت سنة 1225 ق.م. بدخول أهل ايجه ثمّ أهل أخائية الهاربين من البلوبونيز بعد دمار المراكز الميسينيّة في أرض اليونان. وجاءت اكتشافات تلقي ضوءًا جديدًا على هذه الحقبة الصعبة من تاريخ قبرص : فهناك نصّ حثّي من شوفيلوليوما الثاني (1200 ق.م.) يتحدّث عن ثلاثة لقاءات مع "أعداء ألاشاية" و"سفن ألاشية". ولكن ليس الموضوع ملك قبرص بل مجتاحون من أخائية استوطنوا جزءًا من الجزيرة منذ القرن 13. إليهم تشير رسالة قيّم قبرص العظيم إلى ملك أوغاريت، تعلمه بأن عشرين سفينة عدوّة أبحرت إلى هدف مجهول. انتصر اليونان في قبرص، بحيث صارت اللغة اليونانيّة محكيّة في قبرص في القرن 11 كما تقول لائحة أبجديّة وُجدت في بلايبافوس. وظهر الطابع الايجاوي (بحر إيجه) للجزيرة ولا سيّمَا على مستوى الفخاريّات. فالفخاريّات والهندسة دلّت على أنّ قبرص دخلت حقبة جديدة بين سنة 1200 وسنة 1050، فأقام فيها شعب جديد. وحدث تدمير على أثر ظاهرة طبيعيّة أو اجتياح جديد سنة 1075، فتراجع سكان الجزيرة القدماء إلى بعض المناطق وظلّوا يتعاملون بلغتهم حتى الزمن الهلنستي. كانت مواقع قد هُدمت مثل انكومي وكيتيون، فعاد السكّان إليها. وفي السنة 1050-950، نحن أمام فترة ظلام بعدها سيدخل الفينيقيّون إلى الجزيرة.

2) التأثير الفينيقيّ. من القرن 10إلى القرن 8 ق.م. هذه الحقبة السابقة للسيطرة الأشوريّة، هي حاسمة بالنسبة إلى انطلاقة المراكز الفينيقيّة التي بدأت مع اتصالات قديمة بالجزيرة، ومع الانتشار الفينيقيّ في الغرب. ولقد اتّفق الشرّاح على تحديد تاريخ إقامة الفينيقيّين في قبرص سنة 900. وما يدلّ على ذلك اللغة والكتابة. فهناك مدوّنة جنائزيّة تعود إلى بداية القرن 9 وتدلّ على أنّ الفينيقيّين الذين أقاموا سنة 900 في قبرص احتاجوا أن يملأوا مدفن أحد الوجهاء بدعوات على من يتجاسر ويتعدّى على القبر. دوِّن هذا النصّ في لغة فينيقيّة وكتابة فينيقيّة. منذ ذلك الوقت كان تمركزُ الفينيقيّين في الجزيرة واسعًا. وهناك أيضًا وثيقة فينيقيّة في ظاهرها تعود إلى سنة 850-750، من خيروكيتيا (تبعد 20 كلم إلى الشرق من أماتوس)، ومدوّنة فينيقيّة على إناء، تعود إلى القرن 9، وقد وُجدت في سلامينة جرّة فينيقيّة تتضمّن عظام طفل. وفي بلايوبافوس، دلّت مدوّنة ثالثة على انتشار الكتابة الفينيقيّة. ورابعة في كيتيون (سنة 800).

وما اكتفى الفينيقيّون بالإقامة في موضع واحد، بل توزّعوا على عشرين موضعًا في الجزيرة : سوق تجاري، مستوطنة، حصن، أو مدينة مملكة. إذا كانت لفظة "م ل ك ت" على نصب نورا المهداة للاله فوماي، تدلّ على "ملك كيتيون"، فهذه المدينة كانت "دولة" فينيقية في القرن 9، أي في حقبة أولى المعابد الفينيقيّة في حي بامبولا، وفي زمن إعادة بناء الهيكل الكبير في حي كاتاري. في القرن 8، وحوالى سنة 735، قرطاجة قبرص هي مدينة، فيها مستوطنة تحت إمرة حاكم (س ك ن) أرسله حيرام الثاني، ملك صور. ثارت كيتيون ولكنّها عادت تخضع للومي ملك صيدون كما يقول يوسيفوس في العاديات (9 :284). ودلّت مقابر الأمراء في سلامينة على الأثر الفينيقيّ في الجزيرة. ووجود مدن ممالك في قبرص، برز في نهاية القرن الثامن بمدوّنات سرجون الثاني (721-705)، ساعة اتّصل الأشوريّون للمرّة الأولى بقبرص. تشير النصوص إلى "سبعة ملوك يا" وهي منطقة يادنانا التي هي اسم قبرص.

3) السيطرة الأشوريّة والمصريّة. من القرن 8 إلى القرن 6 ق.م. افتخر سرجون الثاني بأنّه تلقّى خضوع ملوك قبرص، البلد الذي لم يسمع به أسلافه (نشو 284). هذا ما تقوله المسلّة التي نُصبت سنة 707 في كيتيون التي كانت عاصمة السلطة الأشوريّة في قبرص. أبقى الأشوريّون على المدن الممالك التي كانت عشرًا سنة 673 حسب لائحة التابعين لأسرحدون في قبرص وأشور بانيبال (نشو 291ب، 294). نلاحظ أن ملوك إيداليون وخيزوي وبافوس وتنولوي وكوريون وتماسوس وليدرا تسمّوا باسم يونانيّ. ونقول الشيء عينه عن ملك نوريا، ماريون. أمّا قيش، ملك سلامينة، ودوموزي، ملك قرطاجة، فاحتفظا باسم فينيقيّ. إذا كانت المعلومات حول وصول النيوبابلونيين إلى قبرص قد غابت، فإنّ هيرودوتس (2 :182) يشير إلى احتلال الجزيرة على يد الفرعون أماسيس (568-526) الذي فرض عليها الجزية (ديودورس الصقلي، المكتبة التاريخيّة 1 :68).

4) الحقبة الفارسيّة (القرن 6-4). خضعت قبرص لقمبيز (529-522) سنة 526/525. ولكنّها انضمّت إلى الثورة الإيونيّة سنة 99 /498 (ما عدا أماتاتونتس، هيرودوتس 5 :104). احتلّ الفرس الجزيرة مرّة ثانية سنة 498 بعد أن حاصروا المدن الثائرة ولاسيّمَا سولومي وبافوس (هيرودوتس 5 :108-116). وخلال الحرب الفارسيّة اليونانيّة، راح القبارصة تارة مع الفرس وطورًا مع اليونان. سنة 480 قدّموا 150 سفينة إلى اسطول احشويروش الأول. ولكن باوسانياس ثار على الفرس سنة 478-470، ولا سيّمَا في ايداليون. فحاصرها الفرس بمساعدة الفينيقيّين في كيتيون. وهكذا زالت مملكة إيداليون وضُمّت إلى كيتيون التي ابتلعت أيضًا مملكة تاماسوس. وفعل الأخمينيّون كما سبق للأشوريّين أن فعلوا، فاستندوا في القرن 5-4 إلى العنصر الفينيقيّ في الجزيرة (وقد كان قويًّا جدًّا في كيتيون). وفي أي حال، كيتيون هي في يد الفرس خلال معركة أوريميدون سنة 468. وقام الاثينيّون بحملة جديدة على قبرص سنة 460. ثمّ سنة 450. فاحتلّوا ماريون وحاصروا كيتيون وأخضعوا سائر المدن. ولكن مات قائدهم تيمون، وحلّ الجوع بالجنود، فتركوا الحصار سنة 449. وظلّت قبرص خاضعة للأخمينيّين حتى ارتقاء افاغوراس الأول العرش سنة 412، فطرد الفينيقيّ عبد أمون من سلامينة. ولكن هُزم أفاغوراس رغم مساعدة اليونان والمصريين له، فقوّت موقع السلالة الفينيقيّة في كيتيون. والثورة المعادية للفرس التي قام بها تسعة ملوك قبارصة بمعاونة ثورة قام بها تبنيت الثاني في فينيقية، كان أمدها قصيرًا. سنة 333، انضمّت قبرص إلى الاسكندريّة وشارك أسطولها في حصار صور.

5) الحقبة الهلنستيّة. بعد موت الاسكندر انتقلت قبرص إلى حكم انطيغونيس ثمّ بطليمس الأول (113-110) الذي ألغى المدن الممالك. احتلّ ديمتريوس الأول الجزيرة سنة 306، فاستعادها بطليموس الأول سنة 295/294. وستظلّ قبرص خاضعة للاجيّين حتى سنة 58 ق.م. إذ ضمّتها رومة إلى ممتلكاتها وربطتها بمقاطعة كيليكية. على أيام اللاجيّين، حاول الحكّام فرض الثقافة الهلينيّة. ولكن المدوّنات دلّت على حضور الفينيقيّة في الجزيرة. وزينون ابن كيتيون هو فينيقيّ وهو ينتمي إلى الطبقة المتعلّمة في الجزيرة، بل الوجهاء. وظلّت أسماء العلم الفينيقيّة حاضرة في الجزيرة حتى القرن 4 ب.م. في آلام الشهداء القبارصة.

6) الثقافة والدين. كان التأثير الفنيقيّ واضحًا في اللغة والكتابة، في كاسات ايداليون المعدنيّة، والأثاث الرفيع المطعّم بالعاج والملوّن في مدافن سلامينة، والفخاريّات في أماتوس... والهندسة الموجودة في مقابر أمراء تاماسوس وكيتيون وغولغوي وتربيزا (قرب سلامينة)، تنبع من الهندسة الفينيقيّة في القرن 9-7 التي نجد آثارها في السامرة أو رامة راحيل قرب أورشليم. ونقول الشيء عينه عن زينة البيوت. أما الدين فنجد تعابيره من خلال الالهة التي عُرفت في قبرص : بعل، أشمون، ملقارت، رشف، عشتار، غات. وهناك آلهة قبرصيّة فينيقيّة مثل : فوماي، سَسم.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.