الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: قبطيّة، الكنيسة (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

والكتاب المقدس نبدأ فنشير بأن لفظة قبط هي ادغام للفظة يونانيّة "أيغبتوس" (/مصر). هذه الكنيسة المسيحيّة مركزها في مصر. نتوقّف عند مكانة البيبليا في لاهوتها، عند ما تمّ فيها من أعمال على مستوى الكتاب المقدّس، عند حضور الكتاب المقدّس في حياة الجماعة.

1) مكانة البيبليا في اللاهوت. تتميّز كنيسة الاسكندرية بتعلّق عميق بالكتاب المقدّس وبعناية لا تراخي فيها. هنا تكمن خاصيّتها في ما سمّيت المونوفيزيّة (أصحاب الطبيعة الواحدة) في مجمع خلقيدونية (451) حيث صعوبة التعبير والنزاعات السياسيّة هي التي قسّمت الكنائس أكثر من خلافات حقيقيّة على المستوى اللاهوتيّ. والكنيسة القبطيّة الحاليّة تجد نفسها كلّها في تقليد كنيسة الاسكندريّة الأولى ومدرستها. ففي "جامعة" الاسكندريّة وفي مكتبتها، مكتبة العالم المسيحيّ الكبرى، كان لدراسة الكتاب المقدّس المكانة الأولى، وهذا بحسب أوامر بطاركتها. ويقول ايرونيموس إنّ بنتينس أحد رؤسائها القدماء، كان من المفسّرين الكبار للنصوص المقدّسة. وخلفه الثاني، أوريجانس (185-254)، كان من أعظم دارسي الكتاب المقدّس في المسيحيّة الشرقيّة القديمة. فالإيمان الحقيقيّ هو في نظره الشرط الضروريّ لفهم الكتب المقدّسة. وقد ميّز تأويله ثلاثة معان في الكتاب : المعنى الماديّ، المعنى الجسديّ، المعنى الروحيّ. ويرتبط بالمعنى الروحيّ المعاني اللاهوتيّة والتعليميّة، وهي حقائق تقدّمها البيبليا عن الله والمسيح والحياة الأبديّة. وفي خطّ أوريجانس، اهتمّت كنيسة الاسكندريّة اهتمامًا متواصلاً بالتأويل وترجمة البيبليا إلى القبطيّة تدلّ على اهتمام خاصّ لدى المسيحيّة المصريّة بأن تربط إيمانها بالكتاب المقدّس.

ولكن ما هي هذه البيبليا التي تؤسّس لاهوت الكنيسة القبطيّة ؟ إنّ الرسالة 39 من رسائل العيد التي دوّنها أثناسيوس، البطرك 29 على كرسيّ الاسكندريّة (328-303)، تعلن لائحة الأسفار القانونيّة : الأسفار الخمسة، يش، قض، را، الملوك (1و2صم؛ 1و2 ل)، 1و2أخ، 1و 2عز (أي عز، نح)، مز، أم، جا، نش، أي، الاثنا عشر أو الانبياء الصغار (عا، هو...)، إش، إر، با، مرا، حز، دا. هذا بالنسبة إلى العهد القديم. وبالنسبة إلى العهد الجديد : مت، مر، لو، يو، أع، يع، 1و2بط، 1و2و3 يو، يهو، رسائل بولس 14 (مع العبرانيّين) رؤ. واعتبرت هذه الرسالة أنّ قراءة حك، سي، أس، يه، طو، ديدسكلية الرسل وراعي هرماس، هي مفيدة. ولكن في القرون الوسطى أدخلت الكنيسة القبطيّة في اللائحة القانونيّة، اس، طو، 1و2مك ثمّ 3مك (كتاب منحول). وبطريرك الاسكندريّة 112، كيرلس الخامس (1874-1929)، انتزع من اللائحة القانونيّة التي تعترف بها كنيسته : دا، 1و2مك، 3مك، يهو، اس اليونانيّ، حك، سي، با، الزيادات على دانيال. وقد يكون هذا بتأثير من العالم الروتستانتي الذي بدأ يؤثّر على مصر بشكل خاص، فقدّم ترجمة الكتاب المقدّس المعروفة فان دايك. وفي أيام ذاك البطريرك عينه، وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل، تأسّست مدرسة لاهوتيّة اعتُبرت وريثة مدرسة الاسكندريّة في أيام بنتينس وأوريجانس وغيرهما، وضمّت ضمًّا وثيقًا الدراسات اللاهوتيّة والدراسات البيبليّة. والتجديد في الكنيسة القبطيّة يحاول اليوم أن يعيد الأولويّة إلى الدراسات البيبليّة في كلّ ثقافة لاهوتيّة حقيقيّة.

2) أعمال ودراسات حول الكتاب المقدس.

نميّز هنا ما دوّن في اللغة القبطيّة وفي اللغة العربيّة.

(أ) البيبليا والأدب الذي كُتب في اللغة القبطيّة. نتحدّث هنا في المعنى الحصري عن أعمال كتّاب مصريّين دوّنوا كتبهم حول البيبليا في اللغة القبطيّة. ونترك جانبًا أولئك الذين كتبوا في اليونانيّة أو الأراميّة أو السريانيّة. كما نترك أيضًا ما ترجم إلى اللغة القبطيّة ولاسيّما الكتابات الغنوصيّة التي وُجدت في نجع حمادي. فأدب هذه اللغة القبطيّة دلّ على تأثير عميق، طبعه فيه الأسلوب القبطيّ البيبليّ الذي جاء من ترجمات البيبليا إلى القبطيّة، أو من السبعينيّة. وهكذا انطبع هذا الأسلوب بعبارات أراميّة وعبريّة عديدة. ونحن نجد هذا الأسلوب في الكتب الكنسيّة كما في الكتب الدنيويّة، وإن كانت قليلة العدد. وبين المخطوطات القديمة التي تبدو قريبة من أصول اللغة القبطيّة الأدبيّة، نجد ترجمات العهد القديم وأدب ما بين العهدين. مثلاً، برديّة في لغتين (اليونانيّة والقبطيّة ذات اللهجة الفيوميّة) موجودة في همبورغ (المانيا). وهي تتضمّن : نش، مرا، جا. ثمّ "صعود إشعيا". والنص الصعيدي القديم في برديّة بودمر 6 (أم 1 :1-21 :4). ثمّ إنّ الإيرادات الكتابيّة، والصور البيبليّة، والتلميح إلى الأسفار المقدّسة، هي كثيرة في الوعظ القبطيّ والفقاهة وحياة القدّيسين. مثلاً "رسائل" أنطونيوس الناسك (260-356). رسائل مكاريوس الاسقيطي (القرن الثالث أو الرابع). رسائل مقاريوس الاسكندراني (القرن 4). مؤلّفات سرابيون أسقف تمويس في منطقة طيبة ( 362). نظام القديس باخوميوس ( 346). عظات شنوده (334-451 أو 466). نسكيّات أشعيا الاسقيطي (حوالي 400). أقوال الآباء. مؤلّفات قسطنطين الاسيوطي (القرن السادس) الواسعة. كلّ هذه الكتابات قد تشرّبت التعليم البيبلي. ونذكر بعض الكتّاب :

- أتناسيوس الأول (299-373). بطريرك الاسكندريّة (328-373). إنّ مؤلّفات الوعظ والتأويل القبطيّ المنسوبة إلى أتناسيوس هي كثيرة جدًّا. مثلاً مواعظه حول الميلاد، حول الآلام، حول الفصح. تفسير المزامير. حول مت 20:1-16؛ لو 11 :5-11؛ يو 11؛ رو 1 :28. حول ملكيصادق... إنّ أتناسيوس لم يكتب أبدًا في القبطيّة. ولهذا قد تكون هذه المؤلّفات التي ذكرناها مترجمة عن اليونانيّة. أو قد تكون قد ألّفت بيد أشخاص آخرين ونسبوها إلى أتناسيوس.

- تيوفيلوس. بطرك الاسكندريّة الثالث والعشرون (385-412). نجد منه عظة في القبطيّة عن "الصلب ولصّ اليمين"، وأخرى عن "الفتية الثلاثة في بابل". وعظة في العربيّة "حول بطرس وبولس".

- كيرلس الأول، خلف تيوفيلوس (412-444). كتب في اليونانيّة تفاسير للعهد القديم والعهد الجديد. ويُنسب إليه في القبطيّة تفسير الرؤيا، عظة "حول معجزة الفتية الثلاثة"، "مديح العذراء مريم"، "مديح يوحنا المعمدان" الذي لم نجد أصله في اليونانيّة.

- مقاريوس التكوي (حوالي 450). اضطهد في أيام مرقيانس. واعتبر مؤلّف عظة "حول ميخائيل رئيس الملائكة".

- تيموتاوس الثاني الايلوري. البطريرك 26 (457-477). ينسب إليه مديح لميخائيل رئيس الملائكة. ولكنّه لم يكتبه بنفسه.

- تيودوسيوس الأول البطريرك 33 (535-566). كتب في القبطيّة "مديح يوحنا المعمدان"، "مديح ميخائيل رئيس الملائكة"، عظة "حول انتقال العذراء مريم".

- روفوس، أسقف شوتيب (القرن 6). صاحب تفسير مت ولو. وهو تفسير مهمّ جدًّا وإن ظلّ مجهولاً.

- يوحنا البرلوسي في الدلتا. عاصر روفوس. كتب عظة "حول الدينونة الأخيرة"، وقد حُفظت في العربيّة.

- دميانس، البطرك 35 من بطاركة الاسكندريّة (578-607). ترك عظة "حول الميلاد".

- يوحنا، أسقف أشمون (أو يوحنا المتوحّد أو يوحنا الكاهن، القرن 6-7). كتب "مديح مرقس الانجيليّ" بشكل حوار مع شخص افترضه موجودًا أمامه.

- بنيامين الأول، البطرك 38 (626-665). كان رئيس الكنيسة القبطيّة ساعة الاجتياح الإسلاميّ لمصر (639-641). يحتفظ التقليد من هذا البطرك بعظة حول عرس قانا (يو 2:1-12) في اللغة القبطيّة.

- زكريا الشوي (مات بعد 720). ترك لنا عظة "حول العائلة المقدّسة في مصر". بعد الاجتياح العربيّ، أخذت اللغة القبطيّة طريق الانحطاط السريع. فمنذ القرن الثامن، لم يصدر إلاّ مؤلّفات قليلة في القبطيّة. مقابل هذا، نشطت ترجمة النصوص اليونانيّة والصعيديّة إلى البحيريّة (لهجة الشمال كما تبنّتها الليتورجيا). في القرن العاشر، ظهرت أولى المؤلّفات "القبطيّة" (أي المصريّة المسيحيّة) في اللغة العربيّة. وفي القرن 12، بدأ جبرائيل الثاني (1135-1145) البطرك 70 من بطاركة الاسكندريّة، ترجمة النصوص الليتورجيّة إلى العربيّة. وفي القرن 14، نستطيع أن نعتبر اللغة القبطيّة لغة ميتة، وإن ظلّت بين الموت والحياة في بعض الأوساط المثقّفة حتى القرن السابع عشر.

(ب) البيبليا وما كتب عنها في العربيّة من القرن 10 إلى القرن 15.

إنّ حقبة الانتاج البيبلي الكبير لدى المسيحيّين العرب في مصر، امتدّ من القرن العاشر إلى القرن الخامس عشر. نذكر :

- أبو اسحق ابن الفضل الله (حوالي 925). كتب مقالة حول مت 5.

- ساويروس، أسقف أشمونين. إنّ مؤلّفه "كتاب الإيضاح" يتضمّن عدّة فصول مكرّسة لتفسيرات بيبليّة : حول البنتاتوكس ويشوع (يشير إلى الصور التوراتيّة التي تدلّ على المسيح). حول خر 15:1-19 (نشيد موسى). حول مز 135؛ 150؛ دا 3.

- مرقس ابن القنبر ( 1208). كتب "تفسير" أسفار موسى الثلاثة الأولى، في خطّ الإصلاح الكنسيّ الذي كان محرّكه الأول. وقد نُشر هذا التفسير في ثلاثة أجزاء ونُسب خطأ إلى مار افرام السريانيّ.

- بطرس السدمنتي (حوالي 1260). من أصل أرمني. راهب في سدمنت في الفيوم. كتب تفسيرًا للأناجيل يبدأ في مت 26:37. كما كتب حياة يسوع.

- بولس البوشي، أسقف القاهرة (حوالي سنة 1240). عُرف خاصة بتفسيره لسفر الرؤيا.

- الوجيه يوحنا القليوبي (حوالي 1270). كتب تفسيرًا لرسالة بولس إلى رومة.

- ابن كاتب قيصر. عاصر الوجيه يوحنا القليوبي. فسّر سفر الرؤيا ورسائل بولسيّة.

- أبو اسحاق العسّال (حوالي 1230). كتب مقدّمة هامّة لرسائل بولس مع فهرس لاهوتي. وله أيضًا تفسير حول آلام يسوع.

- أبو شاكر، شماس الكنيسة المعلّقة في القاهرة (حوالي 1270). "كتاب الشفاء" الذي دوّنه، يتحدّث عن يسوع المسيح في العهد القديم والعهد الجديد.

- أبو البركات، قسّ المعلّقة في القاهرة ( 1325). كتب "مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة"، وهو موسوعة لاهوتيّة هامّة مع مقدّمة مستفيضة من أجل دراسة الكتاب المقدّس.

- وهناك كتّاب آخرون ورثوا الأدب القبطيّ ولاسيّمَا على مستوى الوعظ والفقاهة.

(ج) البيبليا وما كتب في العربيّة بعد القرن 15.

بعد القرن الخامس عشر، عرفت "القبطيّة" العربيّة انحطاطًا واضحًا. ولا نستطيع أن نسمّي على مستوى التفسير أكثر من بضعة أسماء قليلة.

- ابراهيم الجوهري ( 1795). موظّف كبير في إدارة مدينة القاهرة. كتب تفسيرًا للأنبياء الكبار والأنبياء الصغار.

- يوساب، أسقف جرجي ثمّ أخميم (1735-1826). كاتب غزير. له مجموعة مقالات تفسيريّة حول لا 16 :5-10؛ سي 24 :14؛ 1صم 28:8-25؛ (مت 18:7-9؛ مت 15:13؛ يو 17 :12؛ 14 :6؛ رو 9 :6؛ 1كور 15 :23-24.

- افرام عدد أو "راهب البراموت". أصله من السريان الأرثوذكس. دوّن في أواخر القرن التاسع عشر في دير البراموت (وادي نطرون) : "وسائل التفسير في علم التفسير"، القاهرة 1897.

- ونذكر "حياة يسوع" المكتوبة شعرًا والتي ظهرت سنة 1682. نجهل اسم كاتبها الذي عاد إلى الأناجيل القانونيّة كما إلى الأناجيل المنحولة.

- لدى الأقباط الكاثوليك نذكر روفائيل الطوخي (1695-1787) واغابيوس بيشاي (1831-1887) اللذين نقلا الكتاب المقدّس من اللاتينيّة الشعبيّة إلى العربيّة.

3) البيبليا في حياة الجماعة

نتوقّف عند أربع وجهات : البيبليا والحياة الرهبانيّة. البيبليا والليتورجيا القبطيّة. تذكّرات بيبليّة في أرض مصر. البيبليا في الحياة اليوميّة.

(أ) البيبليا والحياة الرهبانيّة

أولاً : عند آباء البريّة. شكّلت قراءة الكتاب المقدّس والتأمل في نصوصه لدى آباء البريّة (القرن 3-6)، المحور الأساسيّ في الحياة الدينيّة. فتلاوة البيبليا تتوزّع حياة وأشغال هؤلاء الرجال الذين اجتذبتهم الوحدة وحبّ الله. ويبدو أنّ بعضًا منهم حفظوا الكتاب المقدّس كلّه عن ظهر قلبهم، مثل الطوباويّ سيرابيون الذي كان أميًّا وأبّا سليمان الأنطنوئي الذي اعتزل 50 سنة في مغارة، توصّل بعدها إلى حفظ الكتاب المقدّس كلّه. وبين فرائض الكمال التسع لدى الآباء كما أوردها بلاديوس في تاريخه (حوالي 420)، ترد التلاوة اليوميّة للمزامير، تتقطّعها قراءة سائر الكتب المقدّسة. أمّا أقوال الآباء فمليئة بالاستشهادات الكتابيّة. أمّا في ما يتعلّق بتفسير النصوص المقدّسة، فقد انقسم الآباء. منهم من عاد إلى تأويل القدماء ليلقوا الضوء على المقاطع الصعبة. وآخرون اشتهروا بتفاسيرهم مثل أبّا حوص أو بفنوسيوس الذي عاصر القديس انطونيوس أبي الرهبان. وفئة ثالثة مثّلها أبّا أرسانيوس، رفضت بعناد أن يجتذبها علمُ التفسير بسبب التوائه ومكره.

ثانيًا : الحياة المشتركة

إنّ الحياة الرهبانيّة المشتركة التي أسّسها القديس باخوميوس في القرن الرابع، ورثت حبّ الكتاب المقدّس من الآباء. فعلى المبتدئ أن يبرهن على معرفته للمزامير قبل أن يبرز نذوره الرهبانيّة. والقانون 140 في نظام باخوميوس (حوالي 320) يعلن : "بشكل عام، لا يبقى أحد في الدير إن لم يحفظ شيئًا من الكتاب المقدس، أقلّه العهد الجديد وسفر المزامير". واليوم أيضًا تتوزّع حياة الراهب (أو : الراهبة) القبطي بين الصوم والصلاة والعمل اليدويّ ودراسة الكتاب المقدّس. وتجديد الحياة الرهبانيّة القبطيّة في دير السرياني (وادي نطرون) وفي دير المحرّق (منطقة أسيوط) بعد أن قصدها شبّان جامعيّون دفعهم البطرك كيرلس السادس (1953-1971)، يترجم في اهتمام متزايد بالكتب المقدّسة. وفي وادي الريّان، اختار شبّان آخرون الطريق الأصعب، طريق الحياة التوحديّة كما في البداية، فغذّوا وحدتهم وعزلتهم بثقافة بيبليّة متينة ومتطلّبة.

ثالثًا : البيبليا والكرامة البطريركيّة

إنّ بطرك الاسكندريّة الذي يخرج بشكل عام من الأوساط الرهبانيّة، يُفرض عليه أن يدلّ على معرفة واسعة بالكتب المقدّسة. فمنذ القرن الثاني، كانت هذه المعرفة أساسيّة لمن سيجلس على كرسيّ القديس مرقس. أمّا طقس تكريس بطاركة الاسكندريّة، المحفوظ في مخطوط يعود إلى القرن الرابع عشر، فيطلب بوضوح من المرشّح معرفة كتابيّة لا غنى عنها. ونقول الشيء عينه على كلّ مستويات التراتبيّة الكنسيّة، حتى لو كان قارئًا أو مرّتلاً : عليه أن يكون عارفًا بالعهد القديم والعهد الجديد.

(ب) البيبليا والليتورجيا القبطيّة

وُلدت الليتورجيا القبطيّة من عادات خاصة بكنيسة الاسكندريّة، وتكيّفت بشكل عميق مع الطقوس الرهبانيّة، واغتنت بالتقاليد السريانيّة. وهكذا تميّزت بالمكانة الهامّة التي تحتلّها فيها قراءة الكتاب المقدّس. فكتب القراءات القبطيّة العديدة، ولا سيّمَا في البحيريّة التي هي اللغة الليتورجيّة الأولى منذ القرون الوسطى، تسمّى "كاتاميروس" أي "جزءًا بعد جزء". وهي تتضمّن قراءات (آية من المزمور، مقطع من الإنجيل، وخلال صوم يونان، والصوم الكبير) قراءات الليتورجيا الافخارستيّة (المركّزة على نافور القديس باسيليوس) التي تتضمّن مختارات من رسائل بولس والرسائل الكاثوليكيّة وأعمال الرسل وآية من المزمور والإنجيل. كل هذا لجميع أيام السنة. ولقد احتفظت الليتورجيا القبطيّة ببقايا من القراءة المتواصلة التي عرفتها الكنيسة الأولى : فخلال الأسبوع المقدّس أو أسبوع الآلام، يقرأون الأناجيل الأربعة كلّها. وخلال سهرة عيد الفصح (من سبت النور إلى عيد القيامة) يقرأون أناشيد وصلوات من العهد القديم والعهد الجديد. وفي صباح السبت المقدّس أو سبت النور، يقرأون كل سفر الرؤيا بعد تقدمة الصباح، والساعة الثالثة والساعة السادسة. وتنتهي ليتورجيّة هذا اليوم بتسع قراءات من العهد القديم. أما ساعات الفرض (أو الأجبية) فتتضمّن 19 مزمورًا للصباح، 12 للساعات الثالثة والسادسة والتاسعة، والمساء والستار. في القومة الأولى، 9 مزامير. وفي الثانية مزامير المساء ما عدا مز 116 - 117. وفي الثالثة، مزامير الستار. ويزيد الرهبان فرضًا يتضمّن 29 مزمورًا تُتلى قبل أن تُطفأ الأنوار في الدير. ونشيد المزامير هو فرض يوميّ تتلوه الجوقة قبل تقدمة البخور في الصباح وفي المساء. نجد فيه مزامير وقراءات من العهد الجديد والعهد القديم. وتتميّز مختلف الليتورجيّات الأسراريّة في الكنيسة القبطيّة بعدد كبير من المقاطع الكتابيّة. مثلاً، تتضمّن مسحة المرضى سباعيّة كاملة. يقرأون : يع 5 :10-20؛ مز 6:3-2؛ يو 5 :1-17. ثمّ رو 15 :1-7؛ مز 150:2-3؛ لو19 :1-10. ثمّ 1كور 12 :28-13 :8؛ مز 37:2-3؛ مت 10 :1-8؛ ثمّ رو 8 :14-21؛ مز 50:3-4؛ لو 10 :1-9؛ ثم غل 3 :12-17؛ مز 4:2؛ لو 7 :36-50؛ وأخيرًا أف 6 :10-18؛ مز 24:18-20؛ مت 6:14-18 (نلاحظ أنّ كلّ مقطع انجيليّ يسبقه مقطع من المزامير، وتلك قاعدة في الليتورجيا القبطيّة). وسائر الطقوس الخاصة ببعض الظروف، غنيّة هي أيضاً بالقراءات البيبليّة : في تدشين كنيسة، 20 قراءة من العهد القديم والعهد الجديد. في الجناز أو صلاة الموتى : يُنشد مز 51 ثمّ 4 أو 5 مزامير وقراءات من العهد الجديد تختلف باختلاف صفات الميت. إذا كان رجلاً، يُقرأ (مز 139:7-10؛ مز 119:175-176؛ 113 :10-12؛ 116 :1-9؛ 1 15 :1-23؛ مز 65:5-6؛ يو 5 :19-29. وإذا كان امراة يقرأون : (مز 103:1-4؛ مز 115:15-17؛ 119 :81، 109، 132، 175؛ 1كور 15 :39-49؛ مز 116:7، 4-5؛ مت 26 :6-13...

(ج) تذكّرات بيبليّة في أرض مصر

هناك ثلاثة أحداث بيبليّة ارتبطت بحياة الأقباط، لأنّها حصلت في وادي النيل : خبر يوسف بن يعقوب. مسيرة الخروج. هرب العائلة المقدّسة إلى مصر. هناك "بحر يوسف"، واحة الفيّوم الكبرى، وفي القرون الوسطى سمّيت الأهرام "أهراء يوسف". وهناك عدد من السينكسارات (تروي سيرة القديسين) والعظات ومدائح القديسين، تتوسّع في خبر مجيء العائلة المقدّسة إلى مصر إلى أرض الفراعنة. وتقول هذه الأخبار إنّ يسوع ووالديه وصلوا إلى أشمونين (هرموبوليس الكبرى) التي تبعد 300 كلم إلى الجنوب من القاهرة، بل إلى قسيّة. وهناك أماكن عديدة يكرّمها المسلمون والمسيحيّون، كانت مسرح إحدى معجزات الطفل الإلهيّ خلال سفره : العين العجائبيّة وجميّزة العذراء في حديقة البلسم في مطريّة (قرب القاهرة). قبر العائلة المقدّسة (ستي مريم) في كنيسة مار سركيس في القاهرة القديمة (قصر الشمس).

(د) البيبليا في الحياة اليوميّة

إنّ الأقباط سواء خرجوا من الريف أو من المدينة، سواء كانوا من الفلاّحين أو الجامعيّين، يقرأون بشكل متواتر الكتاب المقدّس، إمّا بشكل إفراديّ وإمّا بشكل جماعيّ. وبرنامج المعاهد الدينيّة يكرّس خمس البرنامج للكتاب المقدّس. هناك "جمعيّة بيبليّة قبطيّة" غير جمعيّة الكتاب المقدّس في مصر، وهي تنشر النصّ الكتابيّ وسط الشعب. وهناك الحلقات البيبليّة والإنجيليّة التي ترافقها نشرات مثل "الكرازة"، "المحبّة"، "المنار"... فالتنشئة الليتورجيّة والتنشئة البيبليّة يسيران معًا... ولن نذكر العادات والممارسات الحاضرة في حياة الشعب والتي تستلهم الكتاب المقدّس. هنا نستطيع العودة إلى ما قيل عن الكنيسة الحبشيّة التي أخذت الكثير عن الكنيسة القبطيّة.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.