الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: أعمال الرسل


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

أوّلاً : الكاتب. كان أعمال الرسل والإنجيل الثالث في البداية كتابًا واحدًا نستطيع أن نسمّيه تاريخ البدايات المسيحيّة. دوّنه الانجيليّ لوقا، ولم يشكّ أحد في نسبة هذا "التاريخ" إلى لوقا. فمنذ سنة 175 شهدت بذلك مجمل الكنائس : قانون موراتوري، المقدمة المناوئة لمرقيون، ايريناوس، ترتليانس. ولوقا هو مسيحيّ يونانيّ. تربّى تربية رفيعة ورافق بولس في أسفاره (كو 4 :10-14؛ فلم 24؛ 2 تم 4 :11). لا شكّ في أنه رافقه في الرحلة الثانية والرحلة الثالثة (أع 16:10؛ 20 :6ي). يبدو أن أع دوِّن بعد الإنجيل الثالث أي حوالي السنة 85. نميّز في التقاليد التي جمعها لوقا تلك التي تتعلّق بجماعة أورشليم الأولى (أع 1-5)، ثم تلك التي تورد نشاط بطرس وفيلبس الذي التقاه لوقا في قيصرية البحريّة (أع 21:8). ونقلت جماعةُ انطاكية الأخبار المتعلقة بتأسيسها مع جماعة الهلينيين (أع 6:1-8؛ 13 :1-3). وأخيرًا، كانت يوميّات لوقا التي يتحدّث فيها بلغة المتكلم الجمع (نحن).

ثانيًا : تصميم الكتاب. هدف أع هو الحديث عن تاريخ البدايات المسيحيّة، عن انتشار كلمة الله من أورشليم إلى أقاصي الأرض، أي إلى رومة. تجذّر الإيمانُ أوّلاً في أورشليم حيث نمت الجماعة الأولى عددًا وتقوى. ثم امتدت المسيحيّة بفضل الهلينيين، فوصلت إلى السامرة وقيصرية. وأعلمنا اهتداء بولس بوجود مسيحيّين في دمشق. وصلت الرسالة إلى أنطاكية التي صارت مركز اشعاع دون أن تقطع العلاقات مع أورشليم لحل المشاكل العالقة (أع 11:27-30؛ 15 :1-35). وما عتّم الإنجيل أن انتقل إلى العالم الوثني مع كورنيليوس الضابط الروماني. ولكن تبشير العالم الوثني سيكون عمل الرسول بولس الذي قام بثلاث رحلات أوصلته إلى قبرص وآسية الصغرى ومكدونية واليونان. وعاد إلى أورشليم حيث أوقِف وأرسل مقيّدًا إلى قيصريّة ومنها إلى رومة حيث بشّر بالمسيح. لقد وصلت كلمة الإنجيل إلى أقاصي الأرض، ولهذا يستطيع لوقا أن يتوقّف هنا عن الكتابة. هو لم يقل كل شيء ولم يُرد أن يقول كل شيء، ولم يذكر من الرسل الا بطرس وبولس، ولكنه أراد أن يبيّن انتشار الكلمة وعمل الروح في الكنيسة الأولى.

ثالثًا : تعليم الكتاب. الإيمان بالمسيح هو أساس الكرازة الرسوليّة التي أهتمت أول ما أهتمت بانتصار يسوع الإنسان الذي صار مسيحًا وربًا بالقيامة. نلاحظ بصورة خاصة مواضيع عبد الربّ، ويسوع موسى الجديد، وابن الله. وتاريخ الشعب المختار يحذّر اليهود من مقاومة النعمة (أع 7:2-53؛ 13 :16-41). أما الرسل فهم شهود الرب من أورشليم إلى اليهوديّة والسامرة وإلى أقاصي الأرض. المشكلة الأساسيّة للكنيسة الأولى هي دخول الوثنيين في عالم الخلاص. ظل مسيحيّو أورشليم المجتمعون حول يعقوب أمينين للشريعة اليهوديّة (أع 15:1-5؛ 21 :20ي). أما الهلينيون (تكلّم استفانوس باسمهم) فأحسّوا بالحاجة إلى الانفصال عن شعائر العبادة في الهيكل. وعُقد مجمع أورشليم الذي شدّد على مبدأ الخلاص بالإيمان بالمسيح، فعفا الوثنيين من الختان والممارسات الموسويّة. وقدّم لنا لوقا معلومات عن حياة الجماعات المسيحيّة الأولى : حياة الصلاة ومشاركة في الخيرات في كنيسة أورشليم، عماد الماء وعماد الروح، الاحتفال بالافخارستيا، أول تنظيم كنسي.

رابعًا : هدف الكتاب. بيّن أعمال كيف أن "أعمال وتعاليم" (1 :1) يسوع قد امتدّت في نشاط الاثني عشر رسولاً. ثم في نشاط تلاميذ الجيل الثاني في خطّ السبعة حول بولس ورفاقه. وأخيرًا في نشاط شيوخ الكنائس المحليّة. أنهى لوقا إنجيله في الحديث عن صعود يسوع، فتوخّى أن يكلّمنا عن يسوع المسيح. وهكذا كان مرمى إنجيله كرستولوجيًا. وانطلق أع من الصعود في أورشليم وحدّد مسيرة الانجيل الذي وصل بفعل الروح إلى رومة (28 :16)، أي إلى أقاصي الأرض (1 :8). فالهدف هنا هو إكليزيولوجيّ (حديث عن الكنيسة) وبنفماتولوجيّ (الروح القدس) : وهكذا شهد الرسل على تواصل بين يسوع والكنيسة. والفن الأدبيّ في أع قريب من السيَر كما نقرأها في بلوترخوس. كما هو قريب من "التاريخ" في العهد القديم، ومن التقليد اليهوديّ الذي قدّم لنا "كتاب العاديّات البيبليّة" المنسوب إلى فيلون.

إذن. ليس هدف الكتاب في الدرجة الأولى دفاعيًا أو هجوميًا. هو لا يتوخّى أن "يغسل" المسيحيّة الناشئة من ظنون الناس فيها على المستوى السياسيّ داخل الامبراطوريّة الرومانيّة. وما توخّى أن يردّ، في داخل الكنيسة، على انحرافات مثل انحرافات اليوحناويّين في أفسس، أو الغنوصيّة في كورنثوس. وما توخّى أن يعيد الاعتبار لبولس في نظر المسيحيّين المتهوّدين. ولا أن يصالح "خطّ بطرس" مع "خطّ بولس". ما أراد لوقا أن يبيّنه هو أن الكنيسة المؤلّفة من يهود ووثنيّين، تتجذّر في الشعب المختار وتتابع رسالتها في الكون كله.

قالوا حتى القرن الرابع إن لو أع قد دُوّن في اليونان، بعد موت بولس (67). ثم تغلّب رأي أوسابيوس القيصري (التاريخ الكنسي 222 :1-6). إنّ النهاية المفاجئة (28 :30-31)، وغياب خبر موت بولس دفعاه إلى تحديد تدوين أع في رومة خلال أسر بولس وقبل محاكمته سنة 63. ولكن الدراسة دلّت على أن أع جاء بعد لو. هو الكتاب الثاني بعد الكتاب الاول. وبما أن لو دوّن بدون شك بعد سنة 70 ودمار أورشليم، فإن أع جاء بعد ذلك الوقت. وهكذا يبدو الرأي المعقول أن أع دوّن حوالي سنة 85. والذين يقولون إنه لم يذكر استشهاد بطرس وبولس، لم يتوقّفوا عند سجن بطرس (12 :1ي) الذي هو خبر رمزي عن موته، وعن قيامته على مثال معلّمه. ولم يتوقّفوا عند صعود بولس إلى أورشليم على مثال يسوع. ولكن مات يسوع في أورشليم، أما بولس فسوف يموت في رومة.

خامسًا : نص الكتاب. وصل إلينا أع في نسختين. الأولى قصيرة؛ وقد سمّيت "الاسكندرانيّة" أو "الشرقيّة". هي أساس النشرات والترجمات. أما مخطوطاتها فتعود إلى الاسكندرية أو أنطاكية. والثانية طويلة وقد سمّيت "الغربيّة" التي يشهد لها بشكل خاص الكودكس البازي وعدد من البرديات (29، 38، 48) ومخطوطات لاتينيّة وقبطيّة وسريانيّة. ظنّ بعضهم أن النصّ الغربيّ شكّل المشروع الأول. وقال آخرون : جاء بعد الشرقي وتوسّع في بعض مقاطعه. ولكن يبدو أن الشرقيّ هو النصّ الأقدم، وهو الذي يحافظ على روحانيّة الكتاب.

سادسًا : لاهوت سفر الأعمال. كان لوقا لاهوتيًّا حين دوّن أع. ما اكتفى بأن يورد أحداثًا سابقة، بل قرأها كما يقرأها "خادم الكلمة" (1 :2). شدّد على التواصل بين نشاط يسوع، وجماعة البدايات، والكنائس في عصره. فالروح القدس هو هو الذي يعمل، وهو كافل الوحدة. كان لوقا أمينًا للمعطى التقليديّ، ولكنّه ظلّ حرًّا بالنسبة إلى مراجعه. فاختار العناصر التي يحتاج إليها، واستعملها في إطار نظرته، لا حسب الترتيب الكرونولوجيّ الدقيق.

ظنّ عددٌ من اللاهوتيّين أنّ أع هو مؤلَّف قد أعدّ ليساعد مسيحيّي الجيل الثاني على تجاوز انتظار سريع للمجيء الثاني. فلوقا (في نظرهم) ينزع الطابع الاسكاتولوجيّ عن البلاغ الإنجيليّ أو هو يعطي صفة تاريخيّة لبعده الاسكاتولوجيّ. إنّه يعلن "زمن الكنيسة" كنظام خلاص على الأرض. إنّ الأحداث الواردة في أع تشكّل "منتصف الزمن"، بين تاريخ اسرائيل وتاريخ الكنيسة. مثل هذه النظرة تفترض إشكاليّة حديثة. أما هدف لوقا الأول، فإبراز تماسك تاريخ الخلاص.

في وقت انتشرت فيه المسيحيّة في كلّ الإمبراطوريّة الرومانيّة، وجب على الكاتب أن يبيّن أنّ هذا الانتشار لا يشكّل قطيعة مع العالم اليهوديّ، بل يدلّ على أنّ المسيحيّة هي الوارثة الحقيقيّة للعالم اليهوديّ. فمنذ العنصرة (2 :8-11) تمثّلت البشريّة في أورشليم بواسطة يهود جاؤوا من العالم كلّه. وقد اختار الله شخصين يهوديّين ليعلنا البشارة للأمم : دعا الروح القدس بطرس لكي يتقبّل كورنيليوس في الإيمان بالمسيح (10 :45؛ 11 :17؛ 15 :5). وارسل يسوعُ شاولَ الفريسيّ وجعله رسول الأمم (9 :15؛ 22 :21؛ 26 :17). وبيّن لوقا أيضاً أنّ رفض اليهود الاعتراف بيسوع كالمسيح، هو عن طريق السرّ جزء من مخطّط الله الخلاصيّ (4 :28؛ 5 :39؛ 13 :46-47؛ 15 :11؛ 28). بالإضافة إلى ذلك، أبرز أع أمانةَ الرسل لفرائض الشريعة (3 :1؛ 10 :9؛ 15 :19-21؛ 16 :1؛ 21 :20-26؛ 25 :8)، كما أبرز التماسك بين العهد القديم (2 :25، 28، 31؛ 4 :11؛ 13 :23، 33، 36؛ 26 :22-23) والتعاليم الفريسيّة من جهة (3 :20-22؛ 5 :30؛ 9 :22؛ 17 :11-12؛ 23 :7-9؛ 26 :5-6؛ 28 :20) والإيمان بقيامة المسيح من جهة ثانية.

في القسم الأول من أع، حيث يحتلّ بطرس المركز الأول، تتجاوب الأخبار والخطب فتبيّن كيف تتجذّر الجماعة المسيحيّة في شعب اسرائيل، وتعيش من الكتب المقدّسة التي تقرأها على ضوء المسيح القائم من الموت : ما فعله يسوع يفعله بطرس أيضًا وهو المتكلّم باسم الاثني عشر. والقسم الثاني المخصّص لأسفار بولس وكرازته، يروي كيف انتشرت الكلمة في العالم اليونانيّ والرومانيّ، وكيف أطاع الوثنيّون الإنجيل : ما فعله بطرس فعله بولس أيضًا. استبعدت المسيحيّة الأولى كل الاعتبارات السياسيّة، فما شكّلت خطرًا على رومة. لهذا، أشار لوقا إلى فاعليّة النظام القضائي في الإمبراطوريّة، كما أشار إلى وجدان القضاة الرومان الذين رفضوا أن يأخذوا موقفًا في القضايا الدينيّة (13 :12؛ 18 :15؛ 19 :37؛ 23 :29؛ 24 :25؛ 25 :4، 6-15).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.