الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: ألم، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

الألم، شأنه شأن المرض، يعتبر مرارًا كعقاب بسبب خطيئة فرديّة (تك 3 : 14-19) أو جماعيّة (إش 1:4-8). فقد تُضرب الجماعة بسبب خطيئة فرد واحد (2صم 24:10-17؛ 1أخ 21:7-17). ولكن ألم الفرد يستطيع أن يكفّر عن خطيئة الشعب (إش 53). فهذا العقاب يعيد النظام الذي أراده الله (إش 30:20-26؛ 53 :6). لهذا، وفي خطّ العهد القديم، جاء ألم المسيح (مر 8:31-33) وألم المسيحي (2كور 4:11-12) فصالحا البشريّة مع الله.

1) في العهد القديم.

(أ) منذ الصفحات الأولى في تك، دخل الألم : فالانسان الذي كان عائشًا، في الاصل، في رفقة الله، في جنّة عدن، طُرد منها بسبب عصيانه واستُبعد إلى أرض اللعنة. فالألم والمرض والموت عقاب الخطيئة الاصلية (أصل كل خطيئة)، الخطيئة الأولى. في الفردوس، لم يعرف الانسان الألم (تك 1 : 1ي). وفي نهاية الأزمنة لن يكون ألم ((إش 65:17-18؛ إش 66:22؛ رؤ 21:1). إذن، لا تعتبر البيبليا الألم وكأنه أمر محتوم، بمعنى أن الانسان لا يستطيع يومًا أن يُفلت منه. بل هو فوضى سببّتها الخطيئة. في سياق هذه العلاقة بين الألم والخطيئة، حاولت التوراة أن تشرح كل ألم (بما فيه ألم البارّ) على أنه عقاب خطيئة اقترفها الوالدون أو الأجداد مبدأ المجازاة المباشرة (والمعاقبة الجماعيّة) أو خطيئة شخصيّة عرفناها أو جهلناها. ولكن تنبّه الكتاب شيئًا فشيئًا إلى طابع النقص في هذه النظرة التي تسير في وجهة واحدة وبالتالي تكون متبورة (إر، حز، أي). ولكن بسبب نظرة الكتاب المخيّبة حول وضع الانسان في الآخرة، لم يصل العهد القديم إلى حلّ مرضيّ لهذا السؤال قبل حك 4.

(ب) إذن، تصارع شعبُ اسرائيل أجيالًا مع مسألة الألم. ما حاول أن يلغيها وكأنها غير موجودة، مع أنه أقرّ أنه لا يقدر أن يعطيها جوابًا يرضي العقل. لهذا انحنى، في قوّة إيمانه، أمام حكمة الله التي لا تُسبَر وقدرته التي لا تحدّ (أي). والأنبياء الذين شدّدوا بشكل خاص على الوجهات الخلقية في التعليم البيبليّ حول الفداء والمصالحة، في العهد القديم، جعلوا الشعب المؤمن يكتشف عمل الله في التاريخ، وأفهموه أن الكوارث الوطنيّة عقاب إلهي، يراعي الشعب، يطهرّه، ويجدّده (هو 2 :1ي؛ إش 10 :1ي). وبفضل كرازة الأنبياء هذه، فهم اليهود الاتقيالء أن الألم الذي يشاركون فيه كأعضاء في شعب الله هو توبة تتوخّى أن تستبق دمار الأمّة كلها. ونحن نجد هذه النظرة في لاهوت التاريخ لدى الكاتب الاشتراعيّ) دوّن كله في هذا المنظار. رج 2 :1ي، ق إش 40 :2). فيها وجهة قانونيّة، (فكرة التكفير وإرضاء الله، 2صم 21 :1ي) ووجهة تربويّة (الألم عنصر ضروريّ في تربيتنا. رج أم؛ خطبة أليهو في أي). كل هذا يعبِّر عنه تعليم جديد (إش 53 :1ي) يعلّمنا أن ألم البراءة الذي يتحمّله عبد الرب هو الوسيلة الوحيدة للتكفير عن خطايا العالم ( الكفّارة البدليّة). إن التعليم عن الألم، في اللاهوت اليهوديّ، في الحقبة المتأخرة، ككفّارة أو توبة، يجد عنه تعابير عديدة، وينطبق على منفى الشعب اليهوديّ كجماعة خسرت كل شيء وذاقت كأس الألم حتى الثمالة.

2) في العهد الجديد.

(أ) الألم في حياة يسوع.

أولًا : إن التعليم حول الألم والموت الضروريين في حياة يسوع، ابن الانسان وخادم الرب، جزء جوهريّ في الفقاهة الانجيلية. فآلام (حاش) يسوع (النزاع، الموت. عند يوحنا يُرفع إبن الانسان على الصليب وفي المجد) تعطي حياته كل معناها. وهذه الآلام وهذا الموت هي موضوع قرار إلهيّ، يرتبط بمشيئة الله الخفيّة، ويُكشف بعض الشيء في الأسفار المقدسة. حسب الأناجيل الازائية، يجب على يسوع كمسيح أن يتألم ويموت حسب مشيئة الله. هنا نتذكّر الاثباتات بالآلام (مت 16 :21وز؛ 17 :22-23وز؛ 20 :18-19وز) كما نتذكّر أقوالًا خفيّة تفوّه بها يسوع (مت 8:12؛ 15 وز؛ 12 :38؛ 20 :22وز؛ لو 12 :50)، والسرّ المسيحاني (رج مت 12:15-16؛ مر 9 :30-31؛ لو 9 :21-22، تقرأ في سياقها)، والتوافق العميق في التقليد الأزائي بين حاش يسوع ومصير عبد الربّ كما في إش 53 (ق مت 8:16-17 مع إش 53:12؛ مر 9:12-13؛ 14 :24 وز مع إش 53:11-12؛ مت 20:17 مع إش 53:12؛ (مر 9:12-13؛ مر 14:24؛ وز مع إش 53:11-12؛ مت 20:28؛ مر 14 :24وز مع إش 53 :10). نشيرهنا إلى أن الازائيين لا يتحدّثون مرارًا عن القيمة التكفيريّة في آلام يسوع.

ثانيًا : إن أقدم كرازة مسيحيّة إلى اليهود ((أع 2:23-24؛ أع 3:15؛ 4 :10؛ 5 :30) والوثنيين (13 :17-41؛ 17 :3؛ 26 : 23) تطرّقت إلى آلام الربّ. فرأت فيها بشكل خاص محنة فرضها الله فتحملها يسوع وانتصر عليها. كما أكّدت بشكل ضمنيّ قيمتها السوتيريولوجيّة ومركزها في مشروع الخلاص (رج (أع 3:15؛ أع 4:12؛ 8 :32 على ضوء إش 53. رج آلام المسيح).

ثالثًا : وجاء بولس والرسالة إلى العبرانيين ورسالة بطرس الاولى، فقادوا لاهوت الألم إلى ملء نضوجه. فبولس وفّق تعليمه عن ألم يسوع مع لاهوت الصليب. فالصليب، في نظره، وعثار الصليب، يتحدّد موقعهما في قلب الكرازة المسيحيّة (كلمة الملكوت في مت 13:19 صارت كلمة الصليب، 1كور 1 :18). فلاهوت الصليب عنده هو أساس العبادة المسيحيّة (فل 2 :6-11؛ 1تم 3:16؛ رج (1بط 1:18-21؛ 1بط 2:21-24؛ 3 :18-22) والتعليم عن الافخارستيا (1كور 10 :16؛ 11 :24-26) والمعمودية (رو 6 :1ي؛ أف 5 :25؛ كو 2 :12). وقد رأى الرسول بولس في ألم المسيح وموته عمل حبّ عظيم (رو 5 :8؛ 2كور 5 :14؛ غل 1 :14؛ 2 :20؛ أف 5 :2، 25). فبآلام المسيح وموته، بذبيحه التكفيريّة، تمّ فداء جميع البشر، الذين تصالحوا مع الله، ونجوا من الخطيئة والشريعة والموت وكل القوى الكونيّة. وبها نال لنا يسوع كل خيرات الخلاص، ووضع أساسات الكنيسة. بهذه الطريقة، صار تعليمُ الصليب الذي لا يُخفي أبدًا ذلَّ المسيح المتألّم (1كور 1 :25؛ 2كور 13 :14؛ عب 2:9-10؛ 1بط 2:23)، تعليمَ القيامة والحياة.

(ب) الألم في حياة المسيحي.

أولًا : حين يتحدّث يسوع عن ألم تلاميذه (مت 16 :24-28وز)، لا يستعمل أبدًا فعل "بسخاين" الذي ستستعمله الكنيسة فيما بعد (أع 9:15؛ 1كور 12 :26؛ رؤ 2:10). ففي نظر بولس، يتحدّد موقعُ كلّ حياة المسيحيّ، بين قطبين : موت مع المسيح، حياة مع المسيح. إذن، ليس الألم ميزة خاصة بالرسول أو ببعض المسيحيين، بل هو جوهر الحياة المسيحيّة عينها. بل هو نعمة خاصة تتفوّق تفوّقًا على نعمة الايمان (فل 1 :29؛ رج 2تم 3:13؛ أع 14:22). لهذا تجرّأ بولس وما خاف أن يقول إن المحن ستحلّ بالجماعات المسيحيّة (1تس 3:3). لهذا، ليس الألم شيئًا نحسّ بثقله (1تس 2:14)، بل صراعًا ناشطًا، يتحمّله الانسان من أجل المسيح (فل 1 :9؛ ق 1 :30). ولهذا أيضًا لا يستحي بولس بآلامه (2تم 1:12). كما لا يترك اليأس يدخل إلى قلبه بسبب الألم (2كور 12 :7؛ أف 3 :13)، بل يرى في الحرمانات العديدة والمحن والاضطهادات التي يتعرّض لها المسيحيّ، باعثًا على الفرح والسعادة (2كور 8 :2؛ كو 1 :24؛ فل 2 :17)، وينبوع تعزية (2كور 1 :6) و"علامة خلاص" حقيقية (غل 1 :28)، وعربونًا ليوم الدينونة (2تس 1:4-5). ثم إن كل ما يتحملّه المسيحيّ هنا، لا يُقاس بالمجد الآتي (رو 8 :18؛ فل 3 :10؛ عب 12:2-10؛ 1بط 4 :1-2؛ 5 :1). نجد مثل هذه الأفكار موسّعة في 1بط 2-5، حيث يُسمّي الرسول نفسه "شاهد آلام المسيح" (5 :1)، وفي عب 2:10؛ 3 :1 (يسوع مثالنا) : 3 :14 (المسيحيّون يشاركون المسيح)، يعلّمنا الكاتبُ أن أنجع سند في الألم هو شخص المسيح.

ثانيًا : وربط بولس الرسول التعليم حول ألم المسيحيّ، مع التعليم حول جسد المسيح السريّ. فالرسول، المتحدّ بالمسيح، يفيد أعضاء الجسد. في هذا المجال نقرأ 2كور 1 :5-7 حيث يشدّد النصّ على التبادل العميق بين المسيح والكورنثيين : هنا، الآلام والتعزية. وفي 5 :21، الخطيئة وبرّ الله. ونقرأ 4 :10 : "تحمل في أجسادنا كل حين آلام موت يسوع لتظهر حياته أيضًا في أجسادنا". كما نقرأ 13 :4 في مقابلة بين الضعف والقوّة بإزاء الصليب. في كو 1 :24 أكمل في جسدي ما نقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة نتعرّف إلى المحن المرتبطة بنهاية الأزمنة. بقدر ما يستعدّ الرسول لأن يحمل الكلمة، فسوف يشارك في ضيق المسيح (ضعف، اضطهاد...). هذه المحن هي محن المسيح، لأنه احتملها من أجل اعلان الملكوت (2كور 4:10-12). ولكنه ما زال يحتملها في رسوله حين يدعوه أن يشاركه في مصيره. إن آلام الرسول هي امتداد آلام المسيح. لهذا فهو يعلن فرحه حين يحتمل "كل شيء في سبيل المختارين حتّى يحصلوا هم أيضًا على الخلاص الذي في المسيح يسوع" (2تم 2:9-10).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.