الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: وحي، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) العهد القديم. يختلف إله اسرائيل عن الأصنام البكماء. فهو الإله الحيّ (حب 2:18-19). ويفسَّر عن وحيه بلفظة "ج ل هـ " (في العربيّة : جلا أي : كشف) التي هي أساس ديانة اسرائيل.

(أ) وحي الله في التاريخ. كشف الله عن ذاته حين دلّ أنّه حليف اسرائيل، وحين خلّصه من عبوديّة مصر (خر 20:2؛ تث 5:15؛ 26 :6-9). وانتصارات اسرائيل (قض 4-5؛ 1مل 3 :13) وهزائمه (حز 12:15) هي ثمرة تدخّل الربّ. فالله يُشرف على مصائر الأمم (عا 9:7؛ دا 5:21). لا شكّ في أنّ التاريخ ليس وحيًا إلاّ حين يفسَّر بالنظر إلى العهد (تث 28:1). ولكن لا معنى اسكاتولوجيّ للتاريخ إلاّ للمؤمن الذي يربط وجوده بعمل الله.

(ب) وحي الله في الخلق. إنّ جمال الخليقة يعظّم خالقَها (خر 20:11؛ أي 30:38-41). وتجاه الميتولوجيّات الوثنيّة، قدّم الفصلُ الأول من تك، الله على أنه خالق عناصر الكون. فهذه العناصر لا نخاف منها ولا نعبدها لأنّها في خدمة الله القدير ((مز 19:1-7؛ مز 103:18-22؛ رج غل 4 :8-9).

(ج) وحي الله في المعبد. المعبد هو الموضع الذي فيه يكشف الله عن نفسه. هناك كان يكلّم موسى (خر 29:42-45). وقد دلّ على مجده في هيكل سليمان (1مل 8 :10-13)، فبيّن بذلك أنّه رضي عن الذبائح المقدّمة، واستعدّ لاستجابة الصلاة. ولكنَّ فشلَ عالمِ الذبائح، قاد الأنبياء إلى أن يوجّهوا انتباه الشعب نحو التوراة (1صم 15:22). وسيقول حز 10:18-19 إنّ الله ترك هيكله ومضى.

(د) الشريعة. الشريعة المكتوبة بيد موسى تشكّل وحي إرادة الله (تث 31:9-11)، وتلعب دور الشاهد على اسرائيل (تث 31:24-26). وإن تقلّبات التاريخ وخيانات اسرائيل وتراجع النبوءة، جعلت من الطاعة للشريعة شرطًا لوجود اسرائيل، والوسيلة الوحيدة لمعرفة الربّ (مز 25:4-9؛ 119؛ مي 4 :2).

(هـ) الأنبياء. كان صراع دائم بين الكهنوت والأنبياء. فالكهنة هم المفسّرون الرسميّون للشريعة (تث 33:10) التي أعطاها موسى في وحي مباشر (عد 12:8). كلّم الله الأنبياء بألغاز (عد 12:9)، ولكنّهم موضوع دعوة شخصيّة جعلتهم يستقلّون عن السلطة السياسيّة. أعلنوا أنّ الكهنوت أضلّ الشعب (إر 50:6)، وندّدوا بالخيانات للشريعة. وخلال الحقبات المظلمة من تاريخ اسرائيل، شكّل وحي الله للأنبياء حرزًا ونداء لعيش أمانة حقيقيّة. إذا كان الله يكلّم الأنبياء في الأحلام وفي الرؤى، فوحيُه هو قبل كلّ شيء كلمة (د ب ر) لا رؤية (رأه). لا شكّ في أنّ العهد القديم يشير إلى التيوفانيات. ولكنّها ترتبط دومًا بإعلان ووعد. فحين يتكلّم الله يجعل الانسان يراه. لهذا، فالجزء المستعمل للتعبير عن الوحي، هو "ن ج د" الذي يعود إلى الاتّصال الشفهيّ (خر 20 :22 : تك 15 :1). الله يتكلّم لأنّ الانسان لا يستطيع أن يراه ويبقى حيًّا (خر 33:20؛ 34 :5-7). والروح هو بعمله الشامل، العامل السامي في الوحي. فهو يُعطي الكلام للنبيّ (عد 11:25؛ 2صم 23:2؛ زك 7 :12). وهو حاضر لدى جميع الذين يخدمون الله (أي 32 :8؛ إش 61:1)، فيدلّون هكذا على حكمته وحنانه (إش 11:12). وأخيرًا، يكشف الله عن نفسه حين يعلن الآتي، المستقبل ((إش 41:22-23؛ إش 46:10؛ دا 8:2). فمصير الشعوب هو تحت نظره. والكلمات النبويّة التي تلفّظ بها الأنبياء سوف تتحقّق (إش 55:11). ويكشف الله برّه في اليوم الذي هو يومه (إش 2:12-21). وسيتوسّع العالم الجلياني اليهوديّ في هذه الوجهة الاسكاتولوجيّة من الوحي، التي هي حاضرة في دا وحز.

2) العهد الجديد. موضوع الوحي يتركّز هنا بشكل رئيسيّ على شخص يسوع المسيح، على مستوى الخلاص الأبديّ الذي جاء يكشفه. يُستعمل هنا الفعلان "ابوكالبتو" (كشف) و"فاناروو" (ظهر)، ويفضَّلان على الاسمان "ابوكالبسيس" (رؤيا) و"فاناروس"، فيشدّدان على عمل الله ليصلا بالتاريخ إلى تمامه. وهكذا يتشرّب كلّ فكر العهد الجديد من الاسكاتولوجيا.

(أ) الأناجيل الإزائيّة. إنّ إعلان الملكوت بفم يوحنا المعمدان، يجد ملء غايته في شخص يسوع بالذات (مت 12:28). إنّه وحي الآب وأسرار ملكوته (مت 11:25-27). التعليم واضح ولكن الجميع لا يفهمونه. هناك سرّ مسيحانيّ لا يُكشف مضمونه قبل الساعة (مر 3:12). ولكن حين يظهر ابن الإنسان (لو 17 :30)، ستسطع الحقيقة (مر 4:22). منذ الآن، كُشف السرّ للأبرار والوضعاء (مت 11:25؛ 16 :17).

(ب) الرسائل البولسيّة. ^ أولاً : وحي المسيح. إنّ سرّ المسيح الذي كان مخفيًّا خلال الدهور قد وصل الآن إلى الأمم فعرفوه (رو 16 :25؛ أف 3 :5؛ كو 1 :26). هذا السرّ يعني في الوقت عينه التجسّد الذي يؤمن به بولس مع الكنيسة الأولى (غل 4 :4؛ رو 1 :3؛ رج 1تم 3 :16)، والارتفاع (فل 2 :9؛ رج عب 1 :3). فالمسيح بظهوراته بعد أحداث الفصح والقيامة، يؤسّس الإيمان (1كور 15:1-4)، ويكشف عن أصوله : فيه خُلق كلّ شيء (كو 1:15-17). هو سيّد الكون (كو 2:9-10)، وهو يقدر أن يخلّصه (2كور 1 :19-20؛ 2 كور 5 :18-19). وكلّ شيء يستضيء بوحي يسوع المسيح : العهد القديم (2كور 3 :14)، أسرار القلوب (1كور 14 :25)، برّ الله (رو 1 :17)، السبب الذي لأجله أعطيت الشريعة (غل 3 :23)، التاريخ (رو 3:24-26). فالله يكشف عن مخطّط رضاه في أن يجمع كلّ شيء في المسيح (أف 1 :10). ومن المدهش هو أن وحي سرّ المسيح في علاقاته مع الكينسة هو سامٍ جدًّا بحيث إنّ السرّ يبقى كلّه. سُحر بولس الرسول بجلالة ذاك الذي اتّضع حتى الصليب لكي يخلّص البشريّة (أف 2 :16؛ فل 2 :5-8؛ رو 5:6-8). ففي قلب هذا الاتّضاع كُشفت كلّ عظمة يسوع (فل 2 :9). فالرسول الذي كُلّف بأن يكشف سرّ ابن الله (غل 1 :16) بالكرازة (رو 16 :26؛ 2كور 2 :14؛ رج تي 1 :3) والمثل (1كور 11 :1)، يؤسّس سلطته على آلامه من أجل المسيح (غل 6 :17؛ 2كور4 :10-11)، كما يؤسّسها على تكليف من الله (غل 1 :1).

ثانيًا : وحي مجد أبناء الله. إنّ مجد أبناء الله سيُكشف يومًا، لأن ما هو لم يظهر بعد (روم 8 :19؛ كو 3 :4). وآلام الزمن الحاضر تُخفي المجد الآتي (رو 8 :18). وسيأتي يوم يُكشف فيه عمل كل واحد (1كو(ر 3:13؛ ر 4:5؛ 2كور 5 :10؛ 2تس 1:7-10). بانتظار ذلك، يحيا التلميذ في الإيمان بالمسيح الذي تجلّى في الفصح والقيامة (رو 1 :17؛ 16 :26)، وفي رجاء المجيء (2تس 1:7). وقبل المجيء سيُكشف أيضًا الكافر الذي يجتذب اللا مؤمنين بسحره. ولكنّهم سيهلكون بسطوع مجيء المسيح الأخير (2تس 2:1-12).

ثالثًا : موهبة حمل الوحي. فالكشف عن الله هو موهبة (أف 1 :17). فإذا كان الله يقود التاريخ من أجل وحي ابنه (غل 4 :4)، فهو يقود المؤمنين أيضًا بإيحاءات خاصّة. ليس لهذه الإيحاءات الخاصّة الطابع الحاسم لسرّ المسيح. هي تُعطى لتقود المرسَلين (2كور 12 :1؛ غل 1 :12؛ 2 :2) ولتبني الكنيسة (1كور 14 :16). هي تجلّيات الروح (1كور 12 :7) من أجل الفائدة المشتركة (1كور 14 :6). والأنبياء ينعمون بشكل خاصّ بالوحي (1كور 14 :29-31؛ رو 16 :26؛ أف 3 :5). وإذا أردنا أن نميّزهم عن الأنبياء الكذبة، نطبّق المعايير المختلفة على إيحاء اتهم. تُعرف الإيحاء اتُ الحقيقيّة حين تتطابق مع اعتراف الإيمان الأول (1كور 12 :3)، مع ما أوحي للكنيسة من قبل (1كور 12 :4-6؛ 14 :32، 36-37)، مع المحبّة (1كور 13)، مع النظام الخاص بالروح (1كور 12 :28؛ 14 :33)، مع المشاركة في بناء الكنيسة (1كور 14 :3-5، 12). ويتواصل الوحيُ النبويّ ما تواصلَ كمالُ القديسين وبناء جسد المسيح (أف 4 :11-12).

(ج) إنجيل يوحنا. لا يستعمل الأدب اليوحناوي لفظة "وحي"، ولكنّه يتوسّع في مدلولها، فيقدّم لنا لاهوت هذا الوحي من خلال أفعال مثل : عرف، سمع، رأى، آمن. أو أسماء مثل : الكلمة، الحقيقة، الحياة، النور، المجد. جاء يسوع بوحي الآب، بكشفه (1 :18؛ 14 :7). هو ابن الله بشكل خاص جدًّا، بحيث يسطع لاهوتُه في قلب طاعته لأبيه (8 :54-58). وحين يُظهر نفسه كالخادم، يَظهر كالسيّد والمعلّم (13 :3). والصليب يكشف كلّ شيء (8 :28؛ 12 :16). وتتلاحق المعجزات والأمثال والتعاليم لترينا في يسوع ذاك "الذي هو" (4 :26؛ 6 :35؛ 8 :28؛ 10 :9-11؛ 11 :25). وقد بُني الإنجيل لكي يبيّن أنّ كلمة الله قد تجسّد (1 :1، 14)، وأن الإيمان وحده يساعدنا على تمييز وحي الله السامي في ذلك الذي أحبّ أخصّاءه حتى الموت على الصليب (3 :16؛ 4 :28-29). والإيمان هو نتيجة هذا الوحي (6 :29). ولا نهاية لهذا الوحي، لأنّ الروح يتابع عمله فيلقي النور على الكلمات الغامضة (14 :26؛ 16 :12-15).

(د) سفر الرؤيا. تستعمل لفظة "ابوكالبسيس" (رؤيا) مرّة واحدة في رؤ لتدلّ على الكتاب كلّه : يريد الله أن يبيّن لعباده ما سيحصل قريبًا (1 :1). ويمتدّ الكتاب حول فكرة مركزيّة : مجيء الربّ يسوع (1 :7؛ 2 :5، 16؛ 3 :3، 11؛ 6 :17؛ 11 :15؛ 14 :14؛ 19 :11-16؛ 22 :20). ويتم سرُّ الله (10 :7) حين يملك المسيح على ممالك هذا العالم إلى دهر الدهور (11 :15). وتتشوّق الكنيسة إلى هذا الظهور (22 :17)، لأنّها تتألّم وتتساءل : متى يا رب؟ فهي تستطيع أن ترى بالإيمان أورشليم السماويّة (22 :2-5) وجمهور المفديّين (7 :13). بل تفهم أيضًا مصيرها التاريخيّ حيث يخدم الاضطهاد في النهاية تحقيق مخطَّط الله. يستطيع المؤمنون أن يفرحوا تجاه قوى الشيطان و"ملوك الأرض"، لأنّ الخلاص هو لهم منذ الآن في السماوات (12 :10). ويكشف الله عن نفسه كالآتي (1 :4، 8). هو سيّد التاريخ وهو يوجّهه من أجل أهدافه التي هي تدمير الشرّ وتعزية مختاريه.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.