الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: يهودي، العالم (الـ) والكتاب


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) مكانة الكتاب في اللاهوت. تسمّى البيبليا العبريّة "توره" أي تعليم. فقبول التوراة يتضمّن بالتالي وضع التلميذ أمام المعلّم والابن أمام أبيه. فهناك علاقة تدخل فيها السلطةُ والقرابة، والمحبّة والتمرّد والإعجاب والبحث عن مثال وإقرار بالخطيئة وعاطفة الاطمئنان. وتحديد هذه العلاقة لا يكون أبدًا على مستوى البلاغة، لأنّ الولد يسمع أول الأخبار البيبليّة من فم أمّه. أما أبطال هذه الأخبار، هذه الميتولوجيا، فهم ابراهيم، موسى، دبّورة، داود، أستير... وبعد ذلك الوقت يعلّمه أبوه فيقرأ معه التوراة المرتبطة ارتباطًا حميمًا بعالمه. تساءل العالم اليهوديّ عن منابع كتب التوراة. فالنصّ المكتوب، شأنه شأن التقليد الشفهيّ، يتسلّم سلطته من حدث هو الوحي. وهذا الوحي يمنح الشعب الذي تسلّمه، طابع الشعب المختار. لأنّ الله وهب كلمته في إطار عهد (وميثاق) حقيقيّ يتجسّد في ثلاث علامات أساسيّة :التوراة، الختان، السبت. ووضعُ شعب إسرائيل كأحد المتعاقدين هو متشعّب جدًّا، لأنّه في الوقت عينه حرّ واختاره الله، هو سيّد مصيره ومحدّد بما التزم به آباؤه. إنّ الوحي يصل إلى البشر بواسطة الأنبياء، هؤلاء الناس الذين عيّنهم الله لكن ينالوا كلمته وينقلوها.

كل الذين دعاهم الله لكي يحملوا كلمته، لم يستطيعوا أن يتهرّبوا من الدعوة النبويّة. والتوراة نفسها تورد مقاومات فارغة قام بها موسى أو إرميا أو يونان. إنّ هؤلاء المختارين يحتلّون مكانة فريدة في النظام البشريّ، لأنّ النداء الإلهيّ جعل منهم أشخاصًا حُرموا من مجال واسع من الحريّة. لم يُسمح لهم بأن يرفضوا أن ينقلوا تعليم الله. ولم يُسمح لهم بالغشّ والمكر. ومغامرة بلعام (عد 22-24) الذي هو نبيّ حقيقيّ لله، وإن جاء من الأمم الوثنيّة، تبدو معبّرة كلّ التعبير. فوضعُ الشعب اليهوديّ المطبوع بمصير يتحمّله في الدموع والدم، يشبه الوضع النبويّ. في هذا المعنى، شعبُ اسرائيل هو شعب أنبياء. وقد اختاره الله ليحمل كلمته. فإذا كانت الدعوة النبويّة ثابتة من ثوابت التاريخ، فالله ما عاد يتكلّم بشكل مباشر إلى الناس. هنا نتحدّث عن انغلاق القانون البيبلي (لائحة الأسفار المقدّسة) على كتب جديدة في نهاية القرن الخامس ق.م. فإن لم يتطلّب التحديدُ النهائيّ للكتابات المعتبرة ملهمة من قبل الله، سوى عمل تشريعيّ احتفالي، لا يكون الأمر كذلك عندما نكون أمام مسألة نقل الوحي الشفهيّ الذي هو أداة حيّة لقراءة النصّ الإلهيّ. ففي العالم اليهوديّ، جُعلت نقطة وصل داخل الزمن البيبليّ، لأنّ عزرا ونحميا اللذين لم يكلّمهما الله، قاما بوظيفة "الحكماء" فأكملا عمل الأنبياء وعلّما الشريعة.

حسب التقليد، اجتمع أعضاء "المجلس العظيم" بعد عزرا بقليل، وبعد أن قلّدهم عزرا سلطانه، فجعلوا الكتابات النبويّة في ثلاث مجموعات. التوراة بحصر المعنى وهي تضمّ أسفار موسى الخمسة (تك، خر، لا، عد، تث). الأنبياء. هناك الأنبياء الأولون (يش، قض، 1-2صم، 1-2مل) والأنبياء الآخرون (إش، إر، حز، الاثنا عشر أو الأنبياء الصغار). وأخيرًا الكتب الباقية أي مز، أم، أي، نش، را، جا، أس، دا، عز، نح، 1-2أخ. وهناك كتب أخرى، عاصر بعضُها اللائحة القانونيّة وجُعل في التوراة المسيحيّة. لا طابع مقدّسًا لهذه الكتب في التقليد اليهوديّ الذي يعتبرها عملاً بشريًّا ولا ملهمًا. هي لا تنتمي إلى التعليم النبويّ، والتوراةُ الشفهيّة تتجاهلها. فما هي طبيعة هذه المجموعة من الكتب التي تكوّن كلمة الله؟ فإن اعتبر آخرون هذه الكتب كمادة لاهوتيّة أولى، فاليهود يرون فيها انتروبولوجيا (أو : نظرة بشريّة) في منظار إلهيّ. فالله نفسه يبدو وكأنّه يميل بالإنسان عن الأبحاث اللاهوتيّة حين يقول لموسى : "ترى قفاي. أما وجهي فلا يُرى" (خر 33:32). وهذا يعني بحسب التوراة الشفهيّة، أنّ الإنسان يستطيع أن يراقب الأحداث ويفسّرها، أن يفسّر التاريخ، ولكنّه لا يستطيع أن يلج ما سوف يصير، ما لم يتمّ بعد. وماذا عن مصيره؟ نال وعدًا، قطع عهدًا، وتسلّم التوراة. وكل إنسان يعلن باسم التعليم الإلهيّ، غريبًا عن تتمة التوراة هو مضلّل، هو نبيّ كاذب. لهذا ما اكتفى معلّمو التقليد اليهوديّ بأن يبنوا لاهوتًا وأن يتساءلوا حول جوهر الله، بل علّموا رؤية للإنسان فيها يتكلّمون عن الحبّ والعدالة وخدمة الله. أي قيمة نقرّ للتوراة كوثيقة تاريخيّة؟

أوّلاً : التوراة تعليم

ليست التوراة كتاب تاريخ ولا كتاب أخبار. إنّها تعليم كلام الله. ولهذا فتاريخ البشر والشعوب لا يدخلها إلاّ ليخدم جوهر التعليم النبويّ. وينتج عن ذلك أنّه يجب أن نحذر من مزج هذا الكتاب مع تاريخ الشعب اليهوديّ.

ثانيًا : التوراة والتاريخ

لا تستطيع التوراة بطبيعتها أن تمرّ بجانب التاريخ دون أن تتوقّف عنده. فبقدر ما تتوجّه إلى الشعب اليهوديّ، فهي تستند إلى الظروف التاريخيّة لتكوين هذا الشعب : فاختيار الله له، والوصايا التي فُرضت عليه، والعهد مع الله، والوحي، كل هذا يخرج بشكل مباشر من الخروج من مصر، من تاريخ ضِيق وتحرّر. فبما أن إسرائيل قد عرف الضيق، ولكي لا يكون يومًا في جانب من يضيّقون على الناس، اختاره الله وسلّم إليه التوراة. فهذه التوراة لا تستطيع أن تتجنّب ذكر تاريخ الضيق والتحرّر والوحي. وهي تتبع مسيرة إسرائيل في مواجهته للشعوب والحضارات كما في مغامرته الروحيّة. لهذا، فالتوراة المتجذّرة في حياة البشر، هي في التاريخ مع أنّها تعارضه وتتحدّاه، واضعة نصب عينيها متطلّبة إلهيّة لا نستطيع معها أن نحسب الحسابات أو نساوم. هذا مع العلم أن صبر الله ورحمته لا ينضبان.

وأخيرًا، إنّ التعليم التاريخيّ للتوارة، يقوم بإعطاء معنى للحياة (وهذه ليست بوجهة ثانويّة). فالتاريخ، شأنه شأن الحياة والخلق، له بداية وله نهاية. واسم هذه النهاية المسيح. فالشعب اليهوديّ عرف خلال وجوده حقبات من اللاصبر المسيحانيّ المحتدّ كما عرف حقبات أخرى من الصبر الهادئ. غير أنّ هناك يقينًا واحدًا يفرض نفسه بدون أيّ تحفّظ : إنّ زمن المسيح يتحدّد موقعُه في نهاية التاريخ، وهذا الزمن لم يتمّ بعد حتى الآن. فستكون علاماته واضحة وجليّة في عيون جميع المعاصرين : تكون البشريّة قد انتهت من الحرب والعنف والجوع والضيق والجور وكل الغربات. في ذلك اليوم، يتقبّل كلّ إنسان الآخر كأنّه أخ له مهما كان مختلفًا عنه وغريبًا. عندئذٍ تُعلن في الكون كلّه وحدةُ الله المطلقة.

2) أعمال حول الكتاب المقدّس. التوراة عبريّة هي. وكل محاولة لقراءتها وسماعها ودراستها في لغة أخرى، آخرتها الفشل بحسب النظرة اليهوديّة. لا شكّ في أننا نستطيع أن نقرأ العهد القديم في اليونانيّة واللاتينيّة وفي لغات جميع شعوب الأرض. ولكن ليس من لغة تستطيع أن تعبّر كل التعبير عمّا تقوله التوراة في العبريّة. فكلّ كلمة، بل كل حرف من حروف النصّ المقدّس، لها قيمة لا تختزل ولا تبسَّط. ونحن نجد صورة عن ذلك في طقوس المجمع. فالعبادة تبدأ بقراءة علنيّة للبنتاتوكس أو أسفار موسى الخمسة، في لفيفة من رقّ دوّن كلّه باليد (ليس مطبوعًا). فإن وُجد خطأ في حرف واحد، أو غاب حرف أو مُحي، فاللفيفة كلّها غير جديرة بالقراءة العلنيّة. لا بدّ من إصلاحها. ونقول الشيء عينه عن القارئ الذي يرتكب خطأ. فعليه أن يعيد القراءة. يجب أن لا نرى في كل هذا عبادة للورقة والحرف والكتاب، يعيدنا إلى الأيام الغابرة، بل إقرارًا وضيعًا واحتفاليًّا بقيمة كل كلمة وكل علامة. فالتفسير التقليديّ يعلّمنا مثلاً أنّ الحرف الأول في نص التوراة هو الباء (الحرف الثاني في الأدب العبريّ كما في سائر الأدب السامي) الذي يشير إلى البركة (ب ر ك في العبريّة). أما الحرف الأول، حرف الألف (في الابجديّة)، فيدلّ على اللعنة (أرر لعن). في هذا الإطار نفهم الصعوبة في ترجمة التوراة وبطلان كل محاولة لنقلها إلى لغات العالم. فكيف ننقل إلى لغة أخرى مدلولات كل الحروف في النصّ الأصليّ، والحروف في النهاية تلقي ضوءًا خاصًّا على الكلمات والجمل. لهذا، فكلّ ترجمة للتوراة تبقى تقديمًا جزئيًّا للمضمون الإلهيّ، بل تشويهًا حقيقيًّا. لهذا نفهم أنه في كلّ مرّة حاول اليهود أن يترجموا التوراة، حرّكت مبادرتُهم انتقادات عنيفة، وكانت نقطة انطلاق لأزمة حضاريّة عميقة في قلب شعب اسرائيل. هذا ما حدث في زمن سعديه غاوون (القرن التاسع، بلاد الرافدين)، صاحب ترجمة إلى العربيّة أو موسى مندلسون (نهاية القرن 18، ألمانيا) الذي نشر التوراة مع تفسير تقليديّ في اللغة الألمانيّة.

وليست العبريّة الحاجز الوحيد الذي يجب أن نتجاوزه. فمعرفة الله كأداة لا تعطي بشكل مباشر قيمة الحروف ومعنى الألفاظ ومضمون الجمل. فهناك قراءة يهوديّة للتوراة. هي تتألّف من تفسير تقليديّ للنصّ المكتوب، وقد نُقل نقلاً شفهيًّا عبر الأجيال. فصاحب هذا التقليد الشفهيّ هو نفسه الذي دوّن التوراة. لهذا يُسمّى هذا التقليدُ التوراةُ الشفهيّة. فانطلاقًا من حدث الوحي الذي هو عبور كلمة الله إلى البشر، يتمّ الاتصال عبر علاقة بين المعلّم والتلميذ. أسلوب فريد ولافت للنظر، لأنّه يتضمّن تبادلاً حيًّا ويفترض من السامع ردّة فعل على الكلمة، كما يفترض من الكلمة التي تجسّدت في معلّم، أن تؤثّر على من يتقبّلها.

هذا الاتصال الشخصيّ والحيّ لا يحلّ شيء محلّه. لا يحلّ محلّه مثلاً قراءةُ سفر من الأسفار. بعد هذا نفهم أن التفسير الموحى للكتاب المقدس ظلّ شفهيًّا خلال قرون عديدة. ولم يخسر هذا الطابع إلاّ يوم صار من الواضح أنّ مجمل التقليد صار معرّضًا للضياع بسبب تشتّت الشعب اليهوديّ وبسبب المضايقات التي يقاسيها معلّمو التوراة. فالذين ظلّوا أحياء بعد دخول هدريانس إلى فلسطين في القرن الثاني ب. م. تيقّنوا من ضرورة الأخذ بهذا السبيل الوحيد الباقي، فعزموا على تدوين التوراة الشفهيّة. هذا العمل قام به رابي يهودا (سمّي "الأمير"). فقدّم ملخّصًا بُني بناءً منهجيًّا. قدّم المشناة (هذه اللفظة تعني الدرس والتعليم وهي ترادف توراة). في القرون الثلاثة التالية، توسّعت الدراسات في فلسطين، كما في بلاد الرافدين، المركز الرئيسيّ للشتات، وحيثُ وُجدت أكاديميّات شهيرة، مستندة إلى المشناة. فأنتجت مؤلّفًا ضخمًا "غمارة" وهو المرادف الكلداني للتوراة كدرس ومعرفة. فالغمارة تحتفظ احتفاظًا دقيقًا بالمشناة كما تراعي تصميمها فتشكّل تفسيرًا منهجيًّا لها. إنّ مجموعة المشناة والغمارة تحمل اسم التلمود (رج تلميذ في العبريّة) أي الدرس. وتوسّعت الدراسات بشكل متوازٍ في فلسطين وبلاد الرافدين فأنتجت "تلمود أورشليم" و"تلمود بابل". ولقد دُرس أكثر ما دُرس تلمود بابل وصار أليفًا للناس لأنّه الأكمل. فاليوم يتماهى التقليد الشفهيّ مع التلمود. ولكن إذا أردنا أن ندرس هذا الكتاب الواسع، نحتاج إلى تنشئة وتدرّج. لا تنشئة طقوسيّة، بل تنشئة عقليّة وروحيّة. إنّ الدخول في التوراة الشفهيّة، في التوراة نفسها (لأنّ التقليد الشفهيّ هو مفتاح النصّ المكتوب)، يفترض دومًا العودة إلى معلّم. فالاتصال بين المعلّم والتلميذ يبقى حتى اليوم أمرًا لا يُستغنى عنه ولا يحلّ شيء محلّه. هذا ما كان في الماضي. وهذا هو الوضع الآن.

ونعطي مثلاً يبيّن كيف أن التقليد الشفهيّ يلقي ضوءًا خاصًّا على التوراة. إنّ تث 21 يتحدّث عن اكتشاف جثّة رجل قُتل ولم نعرف القاتل. فعلى الشيوخ والقضاة أن يقيسوا المسافة التي تفصل موضع الجثّة ليروا أقرب قرية إليها. حينئذٍ يأخذ شيوخ هذه القرية (أو : المدينة) عجلة ويذهبون إلى مكان قفر، وهناك ينحرون العجلة. وبحضور الكهنة يغسلون أيديهم ويعلنون : "أيدينا لم تسفك هذا الدم، وعيوننا لم ترَ. اللّ?هم اغفر لشعبك إسرائيل". عند ذاك يُغفر لهم الدم. فهنا كما في صفحات عديدة من التوراة، نحن أمام طقس قديم يصعب علينا فهمه في الحقيقة. ولكن إليك كيف يفسّره التلمود. "يقيس شيوخك وقضاتك" : نحن أمام أعضاء السنهدرين، محكمة الدولة العليا، ورؤساء السياسة في البلاد. أجل، حين يسيل الدم ولا يستطيع المجتمع أن يمارس العدالة، يجب أن تتوقّف كلّ حياة الوطن. فعلى السلطات العليا أن تترك قصورها ومكاتبها وعائلاتها، وتذهب إلى المكان. ففريضة "القياس" لا تتجاوب فقط مع اهتمام تقنيّ : فالقياس يتمّ ولو كان من الواضح أن الجثة كانت قريبة من هذه المدينة. نحن أمام فعلة طقسيّة تقوم بها السلطات العليا. لا اختصاصيّون في علم الهندسة، ولا موفدون من قبل هذه السلطات. ونقول الشيء عينه عن الطقس اللاحق. ولكن يسأل التلمود : كيف نظنّ أنّ القضاة الكبار وأعضاء الحكومة والمجلس البلدي قد اقترفوا هذه الجريمة؟ ويستنتج : وحده يستطيع أن يعلن "يداي لم تسفكا هذا الدم" ذاك الذي يقدر أن يقول بصدق : "ما رذلت إنسانًا يطلب الضيافة، ولا تركت فردًا معرّضًا لأن يقترف قتلاً أو يكون ضحيّة هذا القتل". وحده الضوء الذي ألقته التوراة الشفهيّة يتيح لنا أن نكتشف أن تث 21 يفهمنا أن الدم المراق هو إشارة إلى فوضى اجتماعيّة. ولهذا، يجب على المجتمع كلّه أن يكون في حالة تأهّب. فالمسؤوليّة والخطيئة أمر جماعيّ. ونحن كلنا نحاسَب عن دم القريب. هذا ما تُعلّمه كلمةُ الله.

3) البيبليا في حياة الجماعة. إن القراءة العلنيّة للتوراة هي قديمة قدَم التوراة نفسها. نقرأ في تث 31:10-12 : "في نهاية السبع السنين، في ميعاد سنة الإعفاء من الديون، في عيد المظال، حينما يأتي جميع بني إسرائيل ليروا وجه الرب إلههم في الموضع الذي يختاره، تُقرأ هذه الشريعة على مسمعهم جميعًا. اجمعوا الشعب، رجالًا ونساءً وأطفالًا، والغريب الذي في مدنكم ليسمعوا ويتعلّموا ويتّقوا الربّ الهكم، ويحرصوا على العمل بجميع كلام تلك الشريعة". وكانت عادة قديمة جدًّا تفرض قراءة الشريعة كل اثنين وخميس. أما تنظيم القراءة بعد ظهر يوم السبت، فيُنسب إلى عزرا. في الأصل، يقرأ الكاهن أو النبيّ الشريعة قراءة علنيّة، وفي بعض الظروف الخاصة، الملك نفسه. وبعد تدمير الهيكل، كان كل مؤمن "مدعوًّا" ليقوم بهذه القراءة. ويقف قرب القارئ "مترجم" يفسّر في لغة واضحة بسيطة النصوص المقروءة أو ينقلها إلى لغة الشعب. وقد حلّ محلّ هذا العمل، فرضٌ يوجب على كلّ شخص أن يقرأ في كلّ أسبوع الجزء الأسبوعيّ ويدرس شرحه. وجرت العادة بأن يقرأ إنسان متعلّم التوراة قراءة علنيّة لئلاّ يُجرح الجاهل. وهذه العادة ما زالت سارية إلى أيامنا. ولا تخالف هذه العادةُ إلا في سبيل الفتى الذي يقرأ المقطع الواجبة قراءته في اليوم الذي صار فيها بالغًا على المستوى الدينيّ (ابن 12 سنة). قُسم مضمون التوراة من أجل القراءة السنويةِ العلنيّة إلى 54 قسمًا (سدروت) فيُقرأ في كل سبت قسمٌ. وحين يقع في السبت عيد، يُقرأ المقطع المحدّد لهذا العيد، والقسم المحدّد لهذا السبت يُقرأ في السبت المقبل. وتُتلى التوراة حسب أسلوب قديم، ولهذا وُضعت الإشارات العديدة والمعقّدة.

يحيط بكتاب التوراة احترامٌ لا مثيل له. يُكتب بالأيدي، بواسطة ريشة من ريش البط. ويُكتب على الرق. والناسخ الذي يوكل إليه هذا العمل، يعتبر أنه أمام مهمة مقدّسة، فترافقها الصلاة المتواصلة (كما في تصوير الأيقونات). ويُجعل الرقّ بشكل لفيفة يسندها قضيبان. وتغلّف هذه اللفائف بالمخمل والحرير. ويوضع فيها "يد" من فضّة تتيح للقارئ أن يقرأ دون أن يلمس النصّ احترامًا له. وتحفظ اللفائف في صندوق يسمّى "التابوت المقدّس"، ويوضع في مكان يراه الجميع في المجمع. وحين يؤخذ الكتاب من التابوت المقدس، يقف الجميع ويقبّلون الغطاء الذي يغطّيه. ويوم السبت، وبعد الانتهاء من قراءة المقطع المحدّد لذاك اليوم، يُدعى مؤمن ليقرأ مقطعًا بيبليًّا آخر مأخوذًا من الأنبياء. تسبق هذا المقطع وتتبعه مباركاتٌ تؤكّد على الطابع الملهم للأقوال النبويّة التي تكون قريبة في معناها من نصّ الشريعة الذي يُقرأ في ذاك اليوم. في أعياد الحج الثلاثة، يقرأون نش في عيد الفصح، را في عيد العنصرة، جا في عيد المظال. وفي عيد الفوريم يقرأون أستير. ونذكر أيضاً عيد "الاختتام" الذي يمتدّ على يومين وينهي سلسلة أعياد السنة اليهوديّة في 22 تشري (حوالي 20 أيلول). ويكرّس اليوم الثاني من "الاختتام" لتمجيد التوراة. هو اليوم الذي فيه ينهون الدورة السنويّة للتوراة وسط البهجة العامّة وترانيم الفرح. تُحمل اللفائف باحتفال في حرم المعبد. ويقرأون في ذلك اليوم تك 1، وهكذا يدلّون على أنّ قراءة التوراة عمل مستمرّ يجب أن لا يتوقّف. ولهذا، فهم يبدأون اليوم من جديد المقاطع الأربعة والخمسين الموزّعة على السنة.

يهودي، العالم اليهودي والكتاب المقدس في اللغة العربية. ابو الفرج فرقا بن أسد. ابو الحسن الصوري. يافت بن عالي اللاوي. سعدية (سعيد) ها غاوون (أي الرئيس أو المدير ) الفيوميّ.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.