الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: أنبياء (الـ وكلام الله)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) كلام الله. عندما نستمع إلى حديث الأنبياء، يخيَّل إلينا أنّه غرور صبيانيّ أو تهوّر وقح. بيد أنّه نابع من إيمان قويّ بالله واقتناع بأنّ ما يقولونه جاء من لدن الله. فلقد تعاهد رصين، ملك ارام، وفقح، ملك اسرائل، على آحاز ملك يهوذا لينزلاه عن العرش ويقيما مكانه ابن طبئيل. فما الذي تقدر أن تفعله مملكة يهوذا الضعيفة؟ ولكنّ إشعيا (7 : 7-28) يقول : "إنّ هذا الأمر لا يحدث ولا يكون... وبعد خمس وستين سنة ينكسر شعب اسرائيل فلا يبقى شعبًا". وهذا ما حصل. ثمّ يقول لآحاز الملك (إش 7:11) : "اطلب لنفسك آية من عند الربّ إلهك. إمّا من أعماق الهاوية وإمّا من أعالي السماء"؛ ويعده بمجيء عمّانوئيل (إش 7:16)؛ "فقبل أن يعرف الصبيّ كيف يرفض الشرّ ويختار الخير، تهجر الأرض التي يرعبك ملكاها". وأخيرًا، عندما يهاجم سنحاريب، ملك أشور، أورشليم، ويشدّد عليها الحصار، يقول إشعيا للملك حزقيا : "ويل لكم في شعوب كثيرة كصخب البحار ومن أمم تعجُّ عجيج المياه الغزيرة... في المساء تنشر الهول، وفي الصباح باكرًا لا يكون شيء. هذا نصيب الذين يسلبوننا وحظّ من ينهبون أرضنا" (إش 17:12-14؛ رج 29:5-8؛ 37 :33-35). وهكذا كان. فقد تفشَّى الوباء في جيش سنحاريب وحِيكت مؤامرة عليه فعاد إلى بلاده ونجت أورشليم.

إنّ النبيّ يتكلّم وهو متيقّن أنّ كلامه ليس كلامًا بشريًّا بل كلام الله. وهذا اليقين يُظهره بعبارات في مطلع أقواله وخاتمتها : هكذا يقول الرب، قول الرب. وإنّ صوت الرب هذا ((إر 11:7؛ إر 38:20؛ حج 1:12) يصل إلى النبيّ فيوصله النبيّ بدوره إلى الشعب. إنّه فم الربّ يتكلّم فيسمعه النبيّ ((إش 5:9؛ إش 22:14؛ إر 23:16؛ حز 3:17)، وهل يستطيع هذا أن يسكت فلا يقول ما سمعه من الرب؟ ولقد عرف الشعب أنّ ما يقوله الأنبياء هو كلام الله، فالتجأ إليهم (1مل 22 :5-8). وطلب الملك صدقيا من إرميا أن يصلّي من أجل المدينة (إر 37:4)، وأرسل من يسأله : هل من كلمة من لدن الرب (إر 37:17؛ رج 21:2)؟ وكذلك انتظر سائر الملوك من إرميا (23 :33) وإشعيا (30 :2) وحزقيال (33 :30) قولاً نبويًّا أو جوابًا لسؤال يطرحونه عليهم.

2) اختبار الله. ما الذي في قلب النبيّ ووجدانه ليعلن باليقين أنّه وحده حامل كلام الله إلى الملك والشعب؟ لا شكّ أنّه ليس من السهل أن نَدخُلَ سرّ الأنبياء، وهم لم يتحدّثوا يومًا عن أنفسهم، ولكنّنا نستشفّ بعض الشيء من حديثهم عن حقيقة رسالتهم وعن صدق كلمتهم التي هي تعبير عن كلام الله بلسان البشر. قال عاموس (7 :15) : "أخذني الرب... قال لي : "اذهب تنبّأ". أخذ الربّ إبراهيم (تك 24 :7) وداود (2صم 7:8) وزربابل (حج 2:23)، كذلك أخذ أنبياءه وأرسلهم. وعلى هذا قال إرميا للرب : "خدعتني (فتنتني) يا رب فانخدعت (خدعتني كما تخدع فتاة عذراء)، وغالبتني بقوتك فغلبت" (20 :7).

وهناك تعابير قديمة تبيّن لنا كيف يهجم نداء الله على النبيّ. فحزقيال يتحدّث (3 :22؛ 33 :22) عن يد الربّ التي تأتي (1 مل 18 :46) فتقع على النبيّ (حز 8:1) وتكون عليه شديدة (حز 3:14). ويد الربّ جعلت كذلك إيليّا يركض من جبل الكرمل إلى يزرعيل (1 مل 18 :46)، ويمنع إشعيا من سلوك الطريق التي يسلكها الشعب (8 :11).

ويد الربّ هذه جعلت أيضًا إرميا (15 :17) يجلس منفردًا متألّمًا، وبلبلت حياة حزقيال (1 :3؛ 3 :14-22؛ 33 :22؛ 37 :1؛ 40 :1) وضعضعت تفكيره. وتتحدّث النصوص عن روح الله الذي يقع على حزقيال (11 :5) ويدخل فيه (2 :2) ويرفعه (3 :14) ويأخذه (8 :3) ويحمله ويرميه في مكان ما (37 :1) أو يجعله يقف أمامه (2 :1). ويحسّ حزقيال بشدّة هجوم الله عليه، إذ يرى عرش الله ويسمع صوته فيتحطّم ولا يستطيع الوقوف على قدميه (2 :1-2)؛ وبعد الرؤية الثانية، يجد نفسه مندهشًا سبعة أيّام لا يمكنه التكلّم (3 :15).

أمّا إشعيا فيطلعنا على وجدانه عبر ليتورجيا عاشها فأثَّرت فيه (إش 6 :1 ي). وأمّا إرميا (1 :11-15) فينطلق من أمور طفيفة، قضيب لوز وقدر تغلي، ليجد فيها علامة حضور الله في حياته. والأنبياء يتورّعون عادة عن ذكر الحدث الذي أضرم قلوبهم ودفعهم إلى الكلام باسم الله ؛ ولكن يبقى أنّهم خاطروا بحياتهم وارتضوا أن يقوموا برسالتهم في ظروف قاسية (عا 7:12-15؛ إر 16:1 ي)؛ وهكذا دلّوا على حضور الله ومخطّطه، وأعلنوا أنّ كلّ هذا إنّما هو نتيجة اختبار عاشوه مع الله ؛ لا يمكنهم الإفصاح عنه، فيكتفون بتحديد معناه بقولهم، مثلاً : إنّ النبيّ دخل مجلس الربّ فرأى وسمع كلمته وولج في أسراره (إر 23:18، 22)؛ أو قولهم : إنّ الله وضع كلماته في فمي (إر 1:9). ولقد قال عاموس (3 :7 ي) : "إنّ السيّد الربّ لا يفعل شيئًا إلاّ إذا كشف سره لعبيده الأنبياء... تكلم الرب فمن لا يتنبّأ". وإنّ هذا يترجّع صداه في رسالة بطرس الثانية : "فازداد يقيننا بكلام الأنبياء... واعلموا قبل كلّ شيء أن لا أحد يقدر أن يفسّر من عنده أيّة نبوءة في الكتب المقدّسة، لأنّ ما من نبوءة على الإطلاق جاءت بإرادة الإنسان، ولكنّ الروح القدس دفع بعض الناس إلى أن يتكلّموا بكلام من عند الله" (1 :19-21).

3) نداء الله. يخبرنا الأنبياء كيف ناداهم الله يومًا ودخل حياتهم، ثمّ أرسلهم إلى الملك والشعب. هناك نداء مبنيّ على رؤية جاءت من الله. رأى إشعيا : "يهوه وعرشه والسارافيم". "من أرسل؟" "قلت : ها أنا. فقال : إذهب وقل لهذا الشعب" (6 :1-13). وقال ميخا بن يملة : "رأيت الربّ جالسًا على عرشه وجميع ملائكة السماء وقوف لديه. فسألهم الربّ من يغوي أخاب... وقال : أنا أُغويه..." (1مل 22 :19-23). وفي حزقيال نقرأ : "رأيت... العرش. وقال لي الرب : قم يا ابن البشر، إنّي مرسلك إلى بني إسرائيل... لعلّهم يسمعون ويمتنعون..." (ف 1-3).

وهناك نداء مبنيّ على كلام الله، نجده خصوصًا في حياة إرميا : "قال الرب لي : جعلتك نبيًّا للأمم. فقلت : آه أيها السيد الربّ! أنا لا أعرف أن أتكلّم لأنّي صغير. فقال لي الربّ : لا تقل إني صغير. أينما أرسلك تذهب وكل ما آمرك به تقوله، ثم مدّ يده ولمس فمي وقال : ها أنا جعلت كلامي في فمك" (1 :4-10؛ رج حز 2:1 ي؛ إش 40:10-11).

4) أعمال الأنبياء وحركاتهم. تكلّم الأنبياء وقالوا أقوالاً ونادوا بصوت عال (إش 40:6)، ولكنّهم لم يكتفوا بالكلام أو الكتابة، بل قرنوا القول بالعمل فرافقت كلماتِهم حركاتٌ وأعمال ترمز إلى قوّة الله الفاعلة فيهم. فهذا إيليّا يجترح المعجزات : بواسطته لم تفرغ قارورة الزيت، وبصلاته عادت روح الصبي إليه (1مل 17 :14-21). وكذلك فعل أليشع : كثّر الزيت لامرأة لتدفع دينًا عليها، وأقام ابن الشونمية، وألغى فعل السم، وأطعم بعشرين خبزة من الشعير مئة رجل، وشفى نعمان رئيس جيش ملك أرام، وجعل الحديد يعوم على الماء (2مل 4-6).

وبواسطة الأنبياء أعطى الرب المطر (1مل 18 :45) والخبز (2مل 4 :42-44) والزيت (1مل 17 :14؛ 2مل 4 :1-7؛ رج هو 2 :10، 24) والحياة (1مل 17 :17-24؛ 2مل 4:8-37). ونلاحظ أنّ الذين كتبوا سيرة إيليا وأليشع رأوا في أعمالهما العجيبة جزءً ا من كلمة الله الفاعلة.

ونودّ أن نتوقّف هنا على بعض حركات قام بها الأنبياء ليعلنوا تعليمًا ويتنبّأوا نبوءة (هذا ما نسّميه : فِعلة نيويّة) : شقّ أخيّا رداءه ليدلّ على انشقاق مملكة سليمان (1مل 11 :3-33)، وصنع صدقيا لنفسه قرونًا من حديد ليدلّ على نصر ملك إسرائيل على الأراميّين (1مل 22 :11)، وأحبّ هوشع (3 :1) امرأة زانية خائنة ليرمز إلى محبة الله لشعبه الخائن، وأعطى إشعيا (7 :3) ابنه الأوّل اسمًا يدلّ على أنّ بقيّة ترجع، وابنه الثاني اسمًا آخر يدلّ على أنّ أشور سيَسلب دمشق والسامرة (إش 8:3-4)؛ أمّا مولد عمّانوئيل فهو حقيقة تدلّ على الرسالة التي يعبّر عنها اسم الولد (7 :14)؛ ويوم تنبّأ إشعيا (20 :1 ي) على المصريّين الذين اتّكل عليهم بنو يهوذا، "مشى عاريًا حافيًا"، ليدلّ على الحالة التي سيصيرون إليها بعد انتصار الأشوريّين عليهم.

وهذا إرميا يَدفن الحزام عند الفرات (13 :1-11) (أو : وادي الفارة التي تبعد قليلاً عن عناتوت)، ويرفض الزواج ومشاركة الناس أفراحهم (16 :1 ي)، ويكسر الجرّة (19 :1 ي)، ويضع النير على عنقه (27 :1 ي)، ويشتري حقلاً ليدلّ على أنّ الحياة ستعود إلى طبيعتها في البلاد (32 :1 ي). أمّا حزقيال فقد أغلق على نفسه في داخل بيته وبقي أبكم (3 :24-27)، ورسم حصار المدينة على قرميدة من الطين (4 :1-3)، وظلّ مضطجعًا على جنبه الأيسر ثمّ على جنبه الأيمن ليدلّ على حالة الذلّ التي ستعيشها مملكة الشمال ومملكة الجنوب (4 :4-17)، وحلق شعر رأسه ولحيته (5 :1-3)، وحمل بقجته ليعلن جلاء أبناء أورشليم (12 :1-16)، وأكل خبز الشقاء فصوّر بذلك حياة سكان أورشليم في المنفى (12 :17-20)، وجعل في يديه عودين يمثّلان يهوذا (مملكة الجنوب) ويوسف (مملكة الشمال) ليدلّ على أنّ المملكتين ستتوحّدان (37 :15-28). إنّ هذه الفعلات تساعد على فهم التعليم فهمًا أفضل. هي الكلمة ذاتها نعبّر عنها بالفم وباليد وبالجسم كلّه وهي آتية من عند الله، تحمل قوّتها الفاعلة في ذاتها.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.