الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: أنبياء، (إيمان الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) إله الأنبياء. إنّ إله الأنبياء إله يتكلّم وليس كالأصنام التي لها أفواه ولا تتكلّم (مز 115 : 5). ولقد وصلت كلمته إلى الأنبياء فنقلوها بدورهم إلى الشعب : "إذهب وقل للشعب...". وهذه الكلمة عينها تتجلّى أيضًا في المجاعة والوباء، تتجسّد في الحرب والدمار وغيرها من الأحداث، وفي ضخامة الجبال وقوّة العاصفة وجمال الصبح ونظام الليالي. وماذا يقول هذا الإله الذي يتكلّم؟ يقول للناس إنّهم خطأة مدعوّون ليؤلّفوا شعبًا وجماعة. ويكشف لهم عن هويّته ويعلن متطلّباته : هو الأب والزوج والسيّد. هو الإله القدّوس والنار المحرقة.

إله الأنبياء هو إله يقيم علاقة مع شعبه : يسير معهم في الطريق ويتحدّث إليهم (عا 3:3-8). ولقد اختار شعبه من بين الشعوب وقاد مسيرته، مع أنّهم ليسوا بأفضل من غيرهم. أمّا تجاوزاتهم فلا تغيّر مخطّطه. فما قاله سيفعله لأنّه هو هو لا يتبدّل (عا 9:11-15). وهذا الإله هو إله العهد، الأب الرحيم، والأم العطوف المُحبّة، والسيّد الذي يعرف الصداقة الحقّة (هو 11 :1 ي).

إله الأنبياء هو إله قدّوس يدين شعبه دينونة لا رجوع عنها (عا 4:2) : تدفعه قداسته إلى أن يمتاز عن بني البشر، فلا يكون إله الدمار والانتقام (هو 11 :9)، بل إله الغفران والخلاص. كانت صفة القداسة مرتبطة بالإله "عليون" العليّ الذي عبده اليبوسيون، فانتقلت إلى يهوه ورافقتها صورة النار والعاصفة. فالنار لا يمسّها أحد لأنّها تخيف، ولكنّها في خدمة الإنسان؛ والعاصفة تُرهب الناس، ولكنّها تحمل المطر المخصب والمحيي. هكذا هي قداسة الله. فهو قدّوس رهيب لا يجرؤ أحد أن يقترب منه (خر 3:5) لأنّه يدمّر كل ما يجده في طريقه (2صم 6:6-8؛ إش 6:11-15؛ حز 43:4-9)، ولكنّه يتنازل ويطهّر شفتي إشعيا (6 :8-10) ويرسله في رسالة، ويعلن اسمه لموسى، ويكشف ذاته لإيليّا، ويستمع إلى تذمّر إرميا. أمامه ترتعش الأرض والشعوب. ولكنّه يستجيب دعاء موسى وهرون وصموئيل وكلّ الذين يدعون باسمه (مز 99:1-6).

إله الأنبياء هو إله شعب إسرائيل، ليس هو بخاصة الشعب ومَلِكه، بل الشعب مُلك له. أيتجاسر الشعب إذن فيجحد ربّه؟ فلئن فعل، يكون مصيره كمصير الحشيش الملتهب (إش 5:24). فليترك الشعب الأصنام (إش 17:7) وليتّكل على الربّ لأنّه قدوس (إش 10:20) ساكن بينهم (إش 12:6) بقدرته وأمانته، ولأنّه بعد الشدّة سيُعيد السرور إلى البؤساء والبهجة إلى المساكين (إش 29:19).

إله الأنبياء هو الإله العادل الذي يَعِد ويصدق في وعده ووعيده. ولكنّ هناك نصوصًا جعلته إله الخير وإله الشرّ معًا. فهو الذي قسّى قلب فرعون ليصنع آياته بين المصريّين (خر 10:10، 20-27). وهو الذي أغرى داود فأحصى شعب إسرائيل فحلّت بهم الضربة (2صم 24 :1 ي). وهو الذي أرسل من يغوي أخاب (1مل 22 :19-32) ومن يمتحن أيّوب ويذيقه الألم والشقاء (أي 1-2). قال بلسان عاموس : "أم يحل بالمدينة سوء ولم أفعله أنا الربّ" (3 :6)؟ وبلسان حبقوق : "أنا الذي أثار الكلدانيّين عليكم يا شعبي" (1 :6). وبلسان هوشع : "لذلك سأكون لبيت أفرايم كالعث، ولبيت يهوذا كالسوس" (5 :12). وبفم إشعيا : "مهما سمعتم لا تفهمون ومهما نظرتم لا تبصرون. أجعل قلب هذا الشعب قاسيًا وأذنيه ثقيلتين وعينيه مغمضتين، لئلاّ يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع إلىّ فيشفى" (6 :9-10). فأي إله إذن هذا الذي لا يأتي شرّ إلاّ بإرادته، ولا تكون نكبة إلاّ منه؟

نسارع إلى القول إنّ الكتاب الذي يقول إنّ الله قسّى قلب فرعون (خر 4:21) يقول أيضاً إنّ فرعون قسّى قلبه (خر 7:13)، فكان مسؤولاً عن تصلّب قلبه (خر 7:22) وتدمير شعبه. وإنّ 1 أخ 21:1 ي يفسّر ما قاله 2صم 24 : لا، لم يجرّب الله داود، بل هو الشيطان (رج أي 1 :7 ي؛ 2 :1 ي حيث يلعب الشيطان دور المجرّب) جربّه ودفعه إلى أن يحصي الشعب، كأنّ الشعب مُلك المَلِك لا مُلْك الله. ثمّ إنّ هناك كوارث تحلّ بالناس يكون أساسها عوامل الطبيعة أو إرادة الشرّ عند البشر. ولكنّ الشيطان الذي أدخل الشرّ والموت إلى العالم (حك 2 :24 ؛ في حك 1 :13 نقرأ : فالله لم يصنع الموت، لأن هلاك الاحياء لا يسره) نراه في صورة الحيّة التي صنعها الربّ (تك 3 :1) كما صنع سائر المخلوقات. فكيف نفهم كلام الأنبياء إذن؟

كان الفكر الذي انتشر حول الأنبياء يقسم العالم معسكرين، معسكر الخير الذي يسيطر عليه الله، ومعسكر الشرّ الذي يخاصم الله (كلمة شيطان تعني في الأصل الخصم والمخاصم). ولكنّ الله هو السيّد المطلق على كلّ ما يحدث في الكون كلّه. قال مز 139:8 : "إن تسلقتُ السماء (موضع الخير والحياة) فأنت فيها، وإن نزلت الى عالم الاموات (موضع الشرّ والموت) فأنت هناك". من أجل هذا شدّد الأنبياء على عدالة الله في معاقبة شعبه الخاطئ. ولقد قال الشعب في القديم : "طريق الرب غير مستقيم". الربّ : "إسمعوا يا شعب إسرائيل : أطريقي أنا غير مستقيم؟ أم طرقكم أنتم هي غير مستقيمة" (حز 18:25)؟ وسيجيب القدّيس بولس على المشكّك بعدالة الله ورحمته قائلاً : "من أنت أيّها الإنسان حتى تعترض على الله" (رو 9 :20) ؟

2) إله الأنبياء هو إله التاريخ

يستطيب الأنبياء أن يتأمّلوا في التاريخ، لأنّهم يرون فيه عمل الله. من أنهض الوفي من المشرق؟ الله هو الذي صنع. من قاد العميان في طريق يجهلونها؟ الله هو الذي صنع. من عرّض يعقوب للسلب ودفع اسرائيل الى الناهبين؟ الله هو الذي صنع (إش 41:4؛ 42 :16، 24). هذا الإله يراه عاموس في الأحداث : في الجراد الزاحف والقحط والجفاف وتجمّع الأسلحة والهزّات الأرضيّة (ف 7-9). ويبحث هوشع عن تفسير لكذب معاصريه وبحثهم عن الملذّات في تصرّف يعقوب، أبي الآباء (12 :3-15). ولكنّنا نتوقّف عند نبيَّين عُرفا بنظرتهما الثابتة إلى التاريخ : إشعيا وحزقيال.

أولاً : إشعيا. يشكّل التاريخ في نظر إشعيا وحدة متماسكة، يجمع بين الماضي (8 :23)، يوم مديان (9 :3)، والحاضر، يوم الاجتياح الأرامي الأفرايميّ (7 :1-9)، والمستقبل المتجسّد في شخص عمّانوئيل (7 :14-26). وكل هذا يوجّهه الله بحسب مخطّطه. قصد ولن يتراجع (رج عا 1 :6-9). فهو سيّد التاريخ، والتاريخ من عمله (إش 5:12-19)، يتّجه معارضًا مخططات البشر (إش 10 :12 : عمل سنحاريب)؛ من خلاله يكتشف الشعب أنّ الربّ حاضر في وسطه (إش 39:23)، فيسير وراءه نابذًا المخطّطات البشريّة الهزيلة وناظرًا إلى الرجاء المسيحاني.

ثانيًا : حزقيال. إنّ حزقيال يرى أنّ مكان معرفة الله، بعد السبي، لن يكون الهيكل أو ممارسات العبادة، بل مسيرة التاريخ. على هذا النحو سيعرف بنو إسرائيل ويهوذا الله عبر التاريخ من خلال العقاب الذي استحقّوه بسبب خطاياهم (حز 5:13)، وسيكتشفونه عندما يرون الجثث حول المذابح والمعابد (حز 6:13)، وسيعرف الكلّ الربّ من خلال أحداث التاريخ : كل أشجار البريّة (حز 17:24)، كل البشر (حز 21:4)، كل سكّان مصر (حز 29:6)، كل أبناء عمون وموآب وأدوم وفلسطين (حز 25:5-17) ومصر (حز 26:6-9)، وكل الأمم (حز 36:3).

ولكنّ الربّ لا يكشف عن ذاته فقط عبر القصاص الذي يصيب الأمم، بل أيضًا عبر الخلاص الذي يدلّ على أمانته لعهده وعلى رحمته الحانية على شعبه. قال الربّ لأورشليم : "أمّا أنا فأذكر عهدي معكِ في أيّام صباك، وأقيم لك عهدًا أبديًّا... وأجدّد عهدي معكِ فتعلمين أنّي أنا الرب" (حز 16 :60 ي). وعندما يحدّثنا حزقيال عن رعاة بني إسرائيل فهو يتطلّع إلى يوم يحرّر فيه الله غنمه من كل ضيق فتعلم أنّي أنا الرب حين أكسر نيرها وأنقذها من أيدي الذين استعبدوها" (حز 34 :27 ي).

3) إله الأنبياء هو إله الرجاء

الرجاء هو ما ينتظره الأنبياء ويوجّهون إليه أنظار الشعب فيشحذون رغباته. الرجاء يجعل الإنسان هدفًا يصبو إليه وخيرًا يتمنّى الحصول عليه. ماذا كان ينتظر إيليّا وأليشع؟ كانا يقولان مع مز 4:7 : من يرينا الخير والسعادة والسلام؟ من يعطينا النعمة ويغمرنا بالعدالة؟ إنّ العدالة تساعدنا على الحصول على السعادة (تث 33:21) وتعيد السلام إلى البلاد، ونعمة الربّ خير وفير، فالربّ يعطي عطاياه والأرض تعطي ثمرها (مز 85:13). في هذا المعنى، نقرأ في هو 14 :10 ي : يكون الربّ كالندى لشعبه فتكون لهم الحنطة والخمر والزيت. ويترجّى الشعب عند عاموس (9 :11-15) وإشعيا (11 :1-10) ملكًا بحسب قلب الله، به يعرفون سلامًا على الحدود وخيرًا في الداخل، يقضي للبائسين بالعدل ويحكم لبائسي الأرض بالإنصاف؛ تضرب كلمته البلاد كما بالعصا، وحكمُ شفتيه يُهلك المنافق فيسكن الذئب مع الحمل ويربض النمر مع الجدي.

وهذا الرجاء يرتبط بيوم يتجلّى فيه الرب فيحلّ السلام وسط شعبه. إنّه يوم الرب (عا 5:18)، يوم انتصاره على الأمم من أجل شعبه، ويوم انتصاره للأمم على قوى الشر. في هذا يقول إرميا : "وقال الربّ على الجيران الأشرار... أعود وأرحمهم وأعيدهم كلاًّ إلى ميراثه وإلى أرضه. فإن تعلّموا جيدًا طرق شعبي... فإنّهم يقيمون في وسط شعبي" (12 :14 ي). ويقول إشعيا : "وفي ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلّم بلغة كنعان (أي العبرانيّة) وتحلف أنّها تخصّ الربّ القدير... في ذلك اليوم يكون مذبح للربّ في أرض مصر...وشهادة للربّ القدير في أرض مصر" (19 :16ي). فإذا ما صرخ المصريّون إلى الربّ في ضيقهم (خر 14:10)، كما صرخ العبرانيون، أرسل لهم مخلصًا ومحاميًا لينقذهم.

ولكنّ يوم الربّ هذا ليس يومًا كسائر الأيّام. إنّه آخر الأيّام (إش 2:2؛ إر 23:20). يقول فيه صفنيا : "قريب يوم الربّ العظيم، قريب وسريع جدًّا. يوم الربّ قصير، مرّ، يصرخ فيه الجبار. يوم عقاب ذلك اليوم،يوم ضرر وضيق" (1 :14 ي). وينطلق دانيال (12 :1 ي) مع غيره من كتب الرؤى ليحدّثنا عن تبديل في العالم ما كان لأحد أن يتخيّله. وبعد يوم الغضب هذا تبقى بقيّة، ولن يبقى إلاّ بقيّة (إش 15:9؛ 16 :14). في ذلك اليوم، يقول الرب، أجمع البعيدين من السبي وألّم والمشرّدين من شعبي وأرعى الباقين منهم، أجعل العرج يمشون والجياع أمّة عظيمة فيملك الربّ في جبل صهيون من الآن وإلى الأبد (مي 4:6-7). أمّا في نظر إشعيا (7 :9؛ 8 :11-23) فالبقيّة تتكوّن من قلّة من المؤمنين الذين يسمعون كلام الله، من المساكين الملتجئين إلى صهيون (إش 14:28-32) ومن الملك المسيح (عمّانوئيل) الذي هو حجر كريم في قلب صهيون (إش 28 :16 ي)، وزرع مقدّس وجذع في شجرة جديدة هي شعب الله (إش 6:13). وإنّ هذه البقيّة، وإن قلّ عددها، إلاّ أنّها ستتقبّل مواعيد الخلاص. تُشتَّت، ولكنّها ستتجمّع من جديد (إش 1:11-16) وتدخل بلاد الله الواسعة فتعرف النصر والازدهار ويصل بواسطتها الخلاص إلى الأمم، إلى أقاصي الأرض (إش 29:3-6).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.