الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: أيوب (سفر)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

أولاً : المضمون

(أ) الخبر النثري (ف 1-2) : أيوب رجل تقيّ جدا ومبارك من الله. أصيب بالألم بسماح من الله، ولكنه لم يعرف السبب. أراد الشيطان أن يختبر تجرّد أيوب في تقواه، فضربه أولا في خيراته المادية ثم في جسده غير أن أيوب تحمّل المحنة بصبر ولم يخطأ.

(ب) صُلْب الكتاب. شعر (33 :1-42 :6).

1) في حوار فيّاض (ف 3-27)، نستطيع أن نقسمه ثلاثة أقسام (3-14،15-21، 22-27)، يتجادل أيوب وأصدقاؤه (أليفاز، بلدد، صوفر) حول سبب هذا الألم. بعد أن يُطلق أيوبُ شكواه المرَّة، يعطي أصدقاؤه رأيهم : كانوا أمناء للتعليم التقليدي الذي يعتبر أن الألم هو عقاب الخطيئة. فبحث كل بطريقته كيف يفسّر وضعَ أيوب (4-5؛ 8؛ 11؛ 15؛ 18؛ 20؛ 22؛ 25). ولكن أيوب يستند الى واقع وهو أنه بريء، فيرى نفسه مجبرا على رفض موقف محاوريه. لم يجد حلاً للمشكلة، وهو الذي يجهل المجازاة في الآخرة. لهذا ينهي الجدال بدفاع عن حياته السابقة وكأنه يستأنف الحكم على الله. أكّد براءته. واذ لم يجد أي نور من جهة البشر، لم يبق له الا أن يستغيث بالله ويطلب حمايته.

2) خطبة اليهو (ف 32-37). وقطع أليهو بخطبته الطويلة وغير المنتظرة مسيرة الدراما الديناميكية. وبّخ أيوب وأصدقاءه بلهجة متعالية، ولكنه لم يعط جوابا مرضيا على السؤال المطروح.

3) ويظهر الله (38 :1-42 :6)، فيُسكت أليهو تاركا الكلام لله من وسط العاصفة. ذكّر الله أيوبَ بقدرته وحكمته الظاهرتين في الخليقة. اتّضع أيوب وسكت تائبا.

(ج) الخاتمة النثرية (42 :7-17) اعترف أيوب متواضعًا بخطأه فنال الغفران من الله، وتشفّع من أجل أصدقائه. بعد هذا ردّ اليه الله أضعافَ الخير الذي كان له.

ثانيا : الكتاب. متى دوّن السفر ومن دوّنه؟ شاعر عبقري يعرف في العمق أرض فلسطين وأفكار التوراة وأخبار الشعوب القريبة ولا سيما المصرية. إنه من بني اسرائيل. هو مفكّر يملأ قلبَه مثالٌ أخلاقي رفيع. أظهر بفهمه للألم البشري أنه عرف الألم في نفسه. كانوا يقولون إن المؤلف هو أيوب (من زمن الآباء) أو موسى.

ولكن ليس من يقول هذا الرأي اليوم. يبدو أن الكتاب دوّن في القرن 5 ق.م. نقول هذا منطلقين من المشكلة المطروحة والموضع الذي تمثّله هذه المشكلة في تطوّر الأفكار الدينية في اسرائيل، ومن اللغة العبريّة المطعّمة بالأرامية. أما تأليف الكتاب الحالي فيفرض علينا أن نتفحّص علاقة المقدمة والخاتمة النثريتين بالحوار الشعري. فأسماء الله المختلفة، والطابع اللاشخصي والبسيط للخبر النثري الذي يقابله حوار شخصي، وموقف أيوب الصابر تجاه رجل يتردّد ويصل به تردّده الى الثورة، كل هذا يجعلنا نطرح مسألة ارتباط القسم النثري بالقسم الشعري. يقول الشرّاح : أخذ كاتبُ الشعرِ خبرًا موجودًا عن أيوب ذلك الرجل الذي لا عيب فيه، وجعله إطارًا لأفكاره الخاصة عن ألم البار (مديح الحكمة في ف 28 هو عنصر غريب على الحوار). ولكن يبدو ارتباط الشعر بالنثر وثيقًا، إن من جهة المعنى وإن من جهة المبنى ليقول آخرون بأن الكتاب كله هو صنع يد واحدة. وجاء من يرفض صورة (بهيموت البهيمة) ولاويتان (الملتوي أو التمساح). ولكن براهينهم غير مقنعة. إن هذه الاستطردات تجعل خطبة الله طويلة، ولكنها من تأليف الكاتب. يشهد على ذلك اللغة والأسلوب وغنى الصور.

ثالثا : الموضوع والهدف. اعتبر اسرائيل القديم مدة طويلة أن الألم هو عقاب. وما دام يرى في خيرات هذه الأرض مكافأة إلهية وفي المحنة عقابا للشر، وما دام يؤمن أن الانسان يمكن أن يُعاقَب عن خطايا غيره (مثلا خطايا الآباء)، فكّر أن الواقع يُثبت نظريته. ولكن جاء تعليم الأنبياء وأحداث المنفى فبرز العنصرُ الشخصي في العلاقات مع الله. حينئذ بدأ المفكرون يعترضون على هذه الطريقة الضيّقة التي بها تعاملُ عدالةُ الله البشر. ولكنهم لم يجدوا جوابا مرضيا لألم البار، لأنهم لم ينظروا الى الأمور على ضوء الآخرة. وكان سفر أيوب محاولة من الفكر الديني للخروج من هذا المأزق. إنه يتضمّن بعض المحاولات التي تتجاوز التعليم التقليدي عن الألم كمحنة للتقوى الحقيقية، كتنقية تهيّئ لخيرات أكثر فيضا... ولكن كل هذا ليس الموضوع الرئيسي للكتاب. هذه هي ملاحظات ولا تشكل اللحمة الجوهرية. كل الحوار يصل الى الفصل الذي يبرز أيوب من جديد (ورغم أقوال أصدقائه)، براءته أمام الله. هل سيعطي الله جوابا لسؤاله الملحّ عن سبب الألم؟ ويتردّد أيوب ويتردّد القارئ. اذا كان ينتظر جوابًا واضحًا فسيخيب أمله، لأنه بعد حوار قاس لا نكتفي بجواب "كيف ما كان" عن خضوع الايمان. ثم إننا لا نقدر أن نلوم كاتب الكتاب بأنه فشل. ولهذا لا بد من أن ننظر الى الموضوع في السؤال التالي : هل يظهر برُّ الله دومًا في مكافأة الخير ومعاقبة الشر؟ ألا يمكن (رغم ما يقال) أن يكون الانسان بارًا أمام الله ولو قالت الظواهر عكس ذلك؟ في هذا المجال يصطدم أيوب (ولا عيب في ضميره) بالنظرية الدارجة. لذا يدافع عن نفسه بقوّة بوجه أصدقائه ويتشكّى، لأن الرب لا يُظهر برّه تجاهه (كما ينتظر الناس). هو لا يطلب من الله أن يزيل عنه الألم أو أن يفسّر له الألم، بل أن يبرِّره أمام الناس. وهذا ما حصل. إن كاتب أي ظلّ متيقنًا أن الله يكافئ هنا فضيلة البار، ولكن في نظره يجب أن يطبق التعليم التقليدي بطريقة مرنة فيما يخصّه. ولهذا تعطي المقدمة صورة عن ممارسة عدالة الله (تعتبر طبيعية). يدافع أصدقاء أيوب عن التعليم الذي يعتبره الكاتب تقليديًّا، ولكنهم يذهبون بعيدًا حين يريدون أن يروا في كل ألم عقابا للخطيئة. فيجعل أيوب يقول ضدهم، مستندًا الى خبرته الشخصية : ان عدالة الله تظهر بعض المرات بشكل سري. وثبّت الله هذا القول حين برّر أيوب وذكّره أنه (أي الله) حرّ في ممارسة قدرته التي هي ينبوع عدالته وقاعدتها. إن هذا التفسير يأخذ بعين الاعتبار وحدة الكتاب ويعطي للمسألة المطروحة جوابا كافيا.

رابعًا : الشكل الأدبي أيوب. هو من أجمل كتب الأدب العالمي، وهو أيضا من أصعب أسفار

العهد القديم. إنه فريد من نوعه. لغة صعبة، كلمات ترد مرة واحدة. والكتبة لم يفهموا دوما النص الذي أمامهم فحاولوا أن يبدلوا موقع المقاطع وهكذا أفسدوا الأصل. والنص اليوناني لا يساعدنا كثيرا، فنراه يختصر النص العبري ويتهرّب من الكلمات الصعبة أو ينقلها بطريقة حرة.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.