الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: استرولوجيا، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

علم التنجيم، النجامة. إن الاسترولوجيا (علم التنجيم) لم تسبق علم الفلك (استرونوميا، أو نواميس الأفلاك)، رغم ما يقال هنا وهناك. فممارسة علم الفلك بشمسه وقمره ونجومه وكواكبه هي التي سبقت ممارسة التنجيم.

1) العهد القديم. حين نعود إلى نظام الاسترولوجيا الدينيّة، الذي يتميّز عن نظام الاسترولوجيا الصوفيّة والميتولوجيّة، التي ظهرت آثاره منذ القرن الخامس ق. م.، نستطيع أن نميّز حقبتين : الأولى، وهي الأقدم، تعود إلى الألف الثالث وقد سبقت عالم الاسترولوجيا والتنجيم، بل سبقت العالم السومري. وقد سبقها في فترة ما قبل التاريخ مناهجُ توجّهاتٍ أفلاكيّة ومراقبة تصرّف طرائد الصيد حسب الفصول. وكل هذا ارتبط بطقوس سحر في إطار العيد. والحقبة الثانية تسير مسيرتها لا في العالم السومريّ بل الأكاديّ والبابليّ. فظهرت الاسترولوجيا في الألف الثاني كأقصى حدّ. وقد وُجدت جذورها في مراقبة علامات تظهر في أعضاء الذبائح الحيوانيّة فتعبّر عن إرادة الآلهة. فالسومريون والاكاديون والكهنة البابليّون، كانوا قد وصلوا بتقنيّة البحث هذه، إلى مستوى متشعّب جدًا. فاكتشفوا حتى 6000 علامة عن مصير البشر وإرادة الآلهة. وجُعل علمهم في خدمة الملوك، فاتّخذ بحثُهم منحًى سياسيًا.

لهذا أخذوا يبحثون عن علامات موازية، لا على الأرض، بل في السماء. هذا ما يدلّ عليه النصّ التالي : "سأل الحيوانات الداجنة. سأل الحيوانات البريّة. سأل شروق الشمس وغروبها...". وإذ أرادوا أن يفسّروا حركة الكواكب، وجب عليهم أن يحدّدوا ميزة كل موضع في السماء، مثل الناظرين في الأكباد الذين يتفحّصون فلقتي الكبد والتفاف الامعاء. فهذا ما عمله الاقدمون بحسب شهادة ديودورس الصقليّ (2030 :2-4) : "بعد أن راقب الكلدائيون الكواكب منذ أقدم العصور، عرفوا بدقّة فريدة مسيرتها وتأثيرها (ديناميس أي قوّتها)، وتنبأوا بمستقبل كل واحد. والتعليم الأهمّ في نظرهم يتوقّف عند حركة خمسة كواكب نسمّيها "سيّارة" ويسميها الكلدائيون "مفسّرة" (تقدم هرمانايا أي تفسيرًا). وبين هذه الكواكب التائهة، يعتبرون أن ذاك الذي يسمّيه اليونان "كرونوس" (أي زحل) والذي عرفه الكلدائيون باسم بالوس، هو الأكثر تأثيرًا. ويسمّون سائر (الكواكب) السّيارة كما يفعل علماء التنجيم (أو : الفلك) عندنا : المريخ (مارس)، الزُهَرة (فينوس)، عطارد (مركور)، المشتري (جوبيتر ). ويسمّيها الكلدائيون "مفسّرة" لأن هذه "الكواكب السيّارة" تنعم بحركة خاصة لا تنعم بها سائر الكواكب، فتعلن الأحداث المقبلة، وتشرح للبشر مقاصد الآلهة الخيّرة".

واللوحة الخامسة في "انوما إليش" استرولوجيّة بكلّيتها. فهي تبيّن كيفيّة توزيع المناطق السماويّة. "خلق مردوك الموقع السماويّ للآلهة الكبار. وجعل النجوم في مواضعها التي هي صورتها وكأنها توأم لها. وحدّد السنة، ورسم لها حدودها. ولكل من الأشهر الاثني عشر وضع ثلاث نجوم. وهكذا، بعد أن صوّر أيام السنة...".

ما هي الطريقة التي بها عرف الاخصائيّون القدماء كيف يفسّرون الحركات السماويّة؟ نجد بعض المعلومات على لويحة تعود إلى الألف الثاني ق.م. كانت جزءًا من مجموعة وُضعت في أيام سرجون الاكاديّ. ووُجدت منها نسخة في خرائب مكتبة أشور بانيبال في نينوى. إليك بعض الجمل التي نقرأها فيها : "إذا أحاطت هالة بالقمر ووُجد المشتري (جوبتير ) في داخلها، يُحاصَر ملك أكاد. وتهلك الحيوانات في الريف. وفي الرابع عشر من هذا الشهر، لن تعود الزهرة تُرى، بل يكون خسوف قمر. الويل لأرض عيلام وسورية. غير أن ملكي سيكون في أمان... يكون خسوف. بل هو حصل. إنه علامة سلام. ويكون لشهر ادارو (ادار ) ثلاثون يومًا. في ليله الثالث عشر والرابع عشر، راقبتُ بعناية، بعد أن قمتُ (من فراشي) سبع مرات، فلم يكن من خسوف. سأرسل تقريرًا إلى الملك". لم تحتفظ التوراة إلا بصدى ضعيفٍ جدًا لهذه التنظيرات المعقّدة. وحده النبي إشعيا قد تذكّرها ليرسل بعض سهام السخرية ضدّ بابل (إش 37:14). أما (دا 2:27؛ دا 4:7؛ 5 :7، 11 فيذكر أيضاً علماء التنجيم. ويرى سفر العدد في فم بلعام الآتي من شواطئ الفرات، قولاً إلهيًا يشرح مصير الملك المقبل بصورة كوكب (أو نجمة) (عد 24:17). وإحدى العبارات الاسترولوجيّة التي وُلدت في بابلونية كانت تقول : "إن ظهر كوكب سيّار في بداية كيسيليمو (رج كسلو )، سيكون عبيرو، ستكون هزيمة". مثل هذا التنبّؤ كان علامة خيّرة لبني اسرائيل، وقد نُقل بشكل بسيط : "يطلع كوكب من بني يعقوب ويقوم صولجان من بني اسرائيل". ونزيد واقعًا يتعدّى نطاق التوراة. فمنذ القرن الثاني ق.م. نما أدب هو الأدب الجليانيّ. فاهتمّ كتّابه اهتمامًا خاصاً بقصد الله، بمجيئه، بالعلامات التي تنبئ به (دا 7). فإن كان المؤمنون قد طلبوا من الكتاب المقدّس جوابًا على أسئلة يطرحها عصرهم، فقد اهتمّ آخرون بالتنظيرات الاسترولوجيّة القديمة. فالنجمة تُستعمل كرمز إلى الملائكة (1أخن 86؛ رؤ 1:16-20؛ 2 :1، 28؛ 9 :1)، وهي تؤثّر على البشر تأثيرًا صالحًا أو رديئًا، وذلك في امتداد تنظيرات تقول إنّ الكواكب تؤثّر على مصير البشر.

2) العهد الجديد. بدت الاسترولوجيا في العالم اليونانيّ كتوسّع للاهتمام بالأقوال الالهيّة. بدأت ملتبسة، بل غامضة، فكان الكهنة يشرحونها وينشرونها، وهم الذين ارتبطوا بالخدمة في مختلف المعابد. ولقد توجّه هؤلاء الكهنة إلى الاسترولوجيا ليُرضوا الحجّاج العديدين، ويردّوا على أسئلتهم، بعد أن يعيدوا طرحها ويكيّفوها بحسب الأسرار التي وصلت إليهم. وبعد ان كانت الاسترولوجيا سياسيّة، صارت ميتولوجيّة وصوفيّة. غير أن هذه الشميلة الجديدة لم تحصل قبل القرن الخامس ق.م. وامتدّت في خطين. خط مصريّ بواسطة اسرار ايزيس وفيتاغوراس. وخطّ كلدائي متأخّر لم يتعدّ القرن الثالث. وفي زمن العهد الجديد، اهتمّ العالم اليونانيّ، كما أهتمّ قبله عالم بلاد الرافدين، بأن يتميّز مصير البشر ويؤثّر فيه. فتطلّع بعناية إلى عالم الكواكب. ومارس عددٌ من العرّافين الاسترولوجيا ودراسة طالع البشر. فسُمّوا "الكلدانيين". وكما فعل العبرانيّون في الماضي (2مل 21 :5؛ صف 1 :5؛ إر 8:2؛ تث 4:19)، فاقتدوا بالأشوريين، هكذا حاول هؤلاء العّرافون أن يمارسوا طقوسًا تتوخّى التأثير على النجوم، وعلى المصير الذي تحدّده هذه النجوم. وأهتمّ مسيحيّو كولوسي بمراقبة القمر الجديد أو الهلال، وبالمحافظة على فرائض الطعام، وبالاحتفال بعبادة الملائكة وعناصر العالم أي عناصر الكون الماديّة والارواح التي تسوسها والتي سُمّيت "قوى" (دينامايس، كو 2 :8). هل اهتمّوا بأبحاث استرولوجيّة تمنحهم معرفة أفضل بالاسرار؟ مهما يكن من أمر، فالاهتمام بالتعبير الكونيّ للسرّ، قد قاد بولس إلى أن يفكّر في البُعد الكونيّ لسرّ المسيح الذي يحيط بملئه جميعَ المخلّصين، كما يحيط بالكون (كوسموس) الذي هو إطار حياة البشريّة (كو 1:15-20) وإطار القوى الملائكيّة. وأخيرًا إن نجم (كوكب) مت 2:2 يلتقي باعتقاد يقول إن مولد كل شخصيّة عظيمة يدلّ عليه ظهور كوكب جديد. تبع متّى عالم اليهود الرابينيّ فضمّ مولد المسيح إلى ظهور الكوكب الذي أعلنه عد 24:17. وما يلفت النظر هو أن هذا الجمع بين مولد المسيح ونجمة بيت لحم قد نُسب هنا إلى مجوس جاؤوا من المشرق.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.