الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: اسرائيل


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

أولاً : اسم أعطي ليعقوب بفم الرجل السريّ الذي صارعه طوال الليل قرب يبوق (تك 32 :22-33؛ هو 12 :4 ي) أو بفم الله (الوهيم) الذي تراءى له في بيت ايل (تك 35 :10). في كلا الحالين، يرتبط تبدّل الإسم بفكرة تقول إن يعقوب هو جدّ أبناء إسرائيل (رج ابرام - ابراهيم : تك 17 :5). الاشتقاق الشعبي يفسّر هذا الاسم : قويَ ضدّ الله. "لا يدعى اسمك يعقوب بعد الآن بل إسرائيل، لأنك غالبت الله والناس وغلبت". أما الأشتقاق الحقيقيّ فهو موضوع جدال. رأي أول. فعل سريَ : ملك. إسرائيل، أي ليملك الله وليكن السيد. رأي ثان : الله يلمع، يضيء. رأي ثالث : هو الاسم الشعري يشوروم (المستقيمون). في الأكادية : ياسور ايل، ييسير ايل.

يُستعمل إسرائيل كاسم شخص محلَّ يعقوب (تك 37 :3، 13؛ 43 :6، 11؛ 46 : 1؛ 47 :31؛ 48 :10، 13). ونجده مرارًا في عبارات تدلّ على نسل يعقوب : بنو إسرائيل (تك 32 :32؛ خر 1:1؛ لا 1 :6)، نسل إسرائيل (1أخ 16:13؛ نح 9:2)، بيت إسرائيل (خر 16:31؛ مت 8:6)، جماعة إسرائيل (خر 12:3).

ثانيًا : 31) كاسم شعب أو قبيلة يعني اسرائيل (أ) : أبناء يعقوب (تك 34 :7؛ 47 :27) (ب) الإسرائيليّين (تك 49 :7؛ خر 1:9؛ يش 7 :15؛ قض 11 :39؛ را 4:7؛ 1صم 9:9؛ 2 أخ 9:3؛ عز 2:12؛ 1مك 1 :12؛ مت 2:6؛ لو 1 :54؛ أع 4:10؛ رو 11 :2؛ أف 2 :12). وخارج التوراة يُذكر اسرائيل في كتابة منفتاح (إلا إذا دلّت الكلمة على يزرعيل) وفي نقود زمن المكابيين. (ج) سكّان مملكة الشمال (2صم 2:9؛ 10 :17ي؛ 19 :11...) أي في زمن داود وبالأخص بعد الانفصال. ولكن رج 2صم 1:24؛ 23 :3).

كاسم شعب نجد أيضاً عبارات مثل "شيوخ بني إسرائيل" (حز 3 :16...)، رؤساء اسرائيل (عد 7:2)، قبائل اسرائيل (خر 24:4؛ مت 19:28)، شعب اسرائيل (أع 4:10)، أرض اسرائيل (1 صم 13:19؛ مت 2:20)، ملك اسرائيل (يو 1 :49)، إله اسرائيل (خر 5:1). في 1أخ 9:2؛ (عز 6:16؛ عز 9:1؛ نح 11:3، يدلّ اسرائيل على العوام تجاه الكهنة واللاويين وخدّام الهيكل. يتكلّم بولس في رسائله عن إسرائيل بحسب الجسد (1كور 10 :18)، وهكذا يدلّ اسرائيلُ على شعب الله الجديد (رو 9 :6؛ غل 6 :16).

هذا على مستوى الكتاب المقدّس. أما على مستوى التاريخ القديم، فاسرائيل، شأنه شأن اسماعيل (الله يسمع)، هو اسم علم في البلاد الساميّة الغربيّة. قرأناه في إيبلا في الألف الثالث ق.م. وهو يعني : "إيل بدا قويًا"، هذا إذا عدنا إلى تك 32 :29؛ هو 12 :5. أما بنو إسرائيل كشعب فلم يدخل في التاريخ إلا مع نصب الفرعون منفتاح (1212-1202) الذي يعود إلى السنة الخامسة لملكه (1207 ق.م.)، ويتحدّث عن انتصار مصر بشكل نهائيّ على اسرائيل. نقرأ في صشو 342-343 : "دُمّر اسرائيلُ بحيث لم يعد لزرعه من وجود". فالحرب التي واجه فيها اسرائيل مركبات فرعون، قد صوّرت على جدار في هيكل أمون في الكرنك (الاقصر اليوم، جنوبيّ مصر)، وقد جرت في سهل كنعان الساحليّ. فنتج عن ذلك أن اسرائيل كان يعيش في قلب الضفّة الغربيّة من فلسطين، وكان يشكّل وحدة اتنية لها من الاهميّة بحيث جابهت الجيوش المصريّة في أرض مكشوفة، لا في الادغال. غير أن هذا لا يعني أن امتصاص اسرائيل لبني يعقوب، الذي يلمّح إليه تك 32 :28-29 (صار اسم يعقوب اسرائيل) كان قد تمّ قبل نهاية القرن الثالث عشر ق.م. فإذا كانت اللائحة البيبليّة للقضاة الصغار في اسرائيل تامة، وإذا كان قد تحدّد زمن تنظيمهم حالاً بعد زمن يشوع، فهذا يعني أن تكوين الاتحاد (امفيكتيونية، أي اثنتا عشرة قبيلة تحيط بالمعبد، وكل قبيلة تقوم بالخدمة شهرًا كل سنة) لقبائل اسرائيل بما فيها بنو يعقوب، قد تمّ في شكيم (رج يش 24) في النصف الثاني من القرن الثالث عشر. ذاك الوقت قد انطبع بانحطاط سريع لقوّة مصر بعد الحملات العسكريّة التي قام بها رعمسيس الثالث (1182-1151) في فلسطين. في زمن دبورة، حوالي سنة 1100 ق.م.، كان اسرائيل يتألّف من إحدى عشرة عشيرة أو قبيلة : افرايم، بنيامين، ماكير، زبولون، يسّاكر، نفتالي، رأوبين، جلعاد، دان، اشير، ميروز (قض 5 :14-18، 23). وهذه القبيلة الأخيرة قد استحقّت اللعنة. أما العشيرة الثانية عشرة فقد تكون اسرائيل نفسه أو عشيرة يشوع التي أقامت في موضع خاص بها في أرض افرايم. مقابل هذا، لم يكن يهوذا ولا شمعون ولا لاوي من اسرائيل السابق للزمن الملكيّ. فالاتحاد الاسرائيلي كان عرضة للتبدّلات خلال القرن الحادي عشر. ووجود هذه "الامفيكتيونيّة" (12 قبيلة حول المعبد) كان عرضة للخطر في نهاية ذاك القرن، بسبب تقدّم الفلسطيين تقدّمًا تتوّج بنصر أحرزوه في ابن هاعازر (1 صم 4، حجر المعونة). ولكن لمّا تنظّمت الملكيّة حوالي سنة 1000، شكلّت سدًا في وجه ذلك الخطر.

2) مملكة اسرائيل. وبدأت المملكة مع شاول. اختارته جماعة الشعب، فصار على رأس الدولة شخصاً وجب عليه أن يقوم في الوقت عينه بوظائف "القاضي" (يقضي بين الناس، يدبّر أمورهم) الصغير الذي يعمل على مستوى القبيلة، و"القاضي" الكبير الذي يتصرّف على مستوى القبائل، والقائد الحربيّ. أما مهمّته الأولى فتقوم بأن يحرّر اسرائيل من خطر الفلسطيّين. وهي مهمّة قام بها شاول حين نقل القبائل من اتحاد فدراليّ حرّ إلى مملكة عسكريّة، فيها يلتحق بالملك مقاتلون أشدّاء فيقتطع لهم أفضل الأراضي ((1صم 8:11-17؛ 1صم 14:52؛ 22 :7). غير أن هزيمة جلبوع التي فيها قُتل شاول وثلاثة من أبنائه (1صم 31)، دلّت على نهاية سلالة شاول. وحكم ابنه إيشبوشت الذي التجأ إلى شرقيّ الاردن، حكمًا لم يدُم سوى سنتين انطبعتا بحرب بين يهوذا وجيش إشبعل، وبخلاف بين اشبعل وقائد جيشه أبنير (1صم 2 :8-4 :1). وانتقلت المكليّة إلى داود وسليمان. فبعد موت إشبعل (2صم 4:5-12) اختار شيوخُ اسرائيل داود ملكًا (2صم 5:3)، وهكذا كان اتحاد اسرائيل ويهوذا في أيام داود وسليمان، وكانت العاصمةُ أورشليمَ التي احتلّها داود (2صم 5:6-9). وكان لداود أن يحتل مدنًا أخرى كنعانيّة (مثل مجدّو وتعناك) سوف يحصّنهما سليمان. وكان لضمّ هذه المدن في نظام خلفه سليمان في أرض اسرائيل، نتائج مهمة جدًا من أجل النموّ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والدينيّ في اسرائيل. وعظمت هذه النتائج بشكل خاص حين عيّن سليمان مديرين على هذه المديريات من أصل كنعاني : هناك مدير واحد يحمل اسمًا يهويًا (1مل 4 :17، يوشافاط، يهوه يدين، يحكم). أما بعنا بن احيلود، وبعنا بن حوشاي (1مل 4 :12-16)، فهما اسمان مختصران : بعل نتن أي بعل أعطى.

وإقامة الحكم المركزيّ خارج اسرائيل في أورشليم التي صارت مركز العبادة اليهويّة، والتقسيم الاداري للبلاد بشكل يختلف كل الاختلاف عن المناطق التي تقيم فيها القبائل، وإحصاء السكّان من أجل ضبط الضرائب (2صم 2:1-9)، وفرض السخرة لتنفيذ العديد من المشاريع العامّة (1مل 5 :27-32؛ 11 :27-28)، كل هذه الاجراءات خلقت في اسرائيل حركة معارضة ستظهر في تمرّدين حصلا في زمن داود (2 صم 15:18؛ 20 :1-22، ابشالوم، شابع)، وفي ثورة يربعام (على سليمان 1مل 11 :26-40) التي نجهل تفاصيلها، وفي النهاية بقرار اتخذته جماعة شكيم (1مل 12) بعد موت سليمان سنة 930 : أكدّ شيوخ اسرائيل من جديد حقّهم باختيار الملك، وعيّنوا يربعام الأول كخلف لسليمان، ورذلوا رحبعام ابن سليمان. غير أن منطقة بنيامين ظلّت في يد رحبعام. وبيت ايل التي اعتبرت مدينة بنيامينيّة في يش 18 :22، صارت جزءً ا من مملكة اسرائيل. وظلّ التزاحم بين مملكة اسرائيل ومملكة يهوذا قائمًا حتى نهاية مملكة السامرة. وكانت حروب بين المملكتين زادت نتائجَها خطورة اجتياحات الممالك الاجنبيّة. اجتاح الفرعون شيشانق الأول حوالي سنة 925 ق.م. (نشو 242-243، 263-264) أرض اسرائيل وضرب البلاد بيد من حديد. وقد شيّد نصبًا في مجدّو يدلّ على انتصاره. وبعد عشرين سنة تقريبًا، دخل بنهدد الأول، ملك دمشق (1مل 15 :17-32)، أرضَ اسرائيل، وضمّ شماليّ البلاد إلى مملكة أرام (1مل 15 :20). تقلّب الوضع في الخارج، وتقلّب في الداخل، فقتل بعشا نادابَ، ابن يربعام الأول (1مل 15 :27-29)، ثم قتل زمري الملك أيلة بن بعشا (1مل16 :9-12-16)، ولكنه مات في ترصة التي حاصرها عمري (1مل 16 :17-18).

وتلا كلّ ذلك حربٌ أهليّة امتدت ثلاث سنوات بين جماعة تِبني وجماعة عمري (1مل 16 :21-22). وبدأت سلالة عمري الذي انتصر على تبني، فوضع أسس ملكيّة وراثيّة ستدوم أربعين سنة ونيّف (885-841). فبنى المدينة الملَكيّة، السامرة، التي هي بعيدة عن تأثير النظم القبليّة القديمة (1مل 16 :24)، والتي صارت مركزًا لعبادة "يهوه السامرة" (مثل يهوه أورشليم). هذا ما تدلّ عليه مدوّنات كونتلّت عرجود. أخضع هذا الملك بلاد موآب بحسب شهادة نصب ميشع (س 4-8)، وثبّت موقع الاسرة المالكة بواسطة زواجات دبلوماسيّة. وهكذا أمّن له صداقة اتوبعل ملك صور الذي تزوّجت ابنته ايزابيل بأخاب الوريث المنتظر للعرش (1مل 16 :31). وزوّج ابنته عثليا بيورام ملك يهوذا العتيد (2مل 8 :26؛ 2أخ 22:2). وامتدت شهرة عمري على المستوى الدولي بحيث إن الحوليّات الأشوريّة سمّت "اسرائيل"، "بيت عمري"، "منطقة عمري". وتحالف ابنه أخاب مع هددعازر ملك دمشق، واورخلينا ملك حماة في الدول السوريّة الفلسطينية ضدّ شلمنصر الثالث ملك اشورية. وإذا أخذنا بما تقوله الحوليّات الاشوريّة، كان أخاب قد جهّز في معركة قرقر سنة 853 ق.م.، 2000 مركبة وعشرة آلاف مقاتل (نشو 278-279). ولكن تقلّبت الظروف ونُقضت العهود، فكانت حرب بين حزائيل، ملك دمشق، ويورام بن أخاب الذي هلك سنة 841 ق.م. في معركة راموث جلعاد (2 مل 8 :28؛ رج 1مل 22 :3-37؛ 2أخ 18:3-34 حيث نجد اسم أخاب ويوشافاط قبل الأوان). هذا ما أتاح لقائد جنده ياهو أن يستولي على العرش.

وهكذا نصل إلى سلالة ياهو. صار ياهو ملكَ اسرائيل في ظروف دمويّة هائلة (2مل 9-10)، فبدأ حكمه بتقديم الخضوع لشلمنصر الثالث الذي دخل إلى اسرائيل سنة 841 ق.م. ثم إن ميشع، ملك موآب، استفاد من الانقلاب الذي حدث في السامرة، فتحرّر من السلطة الاسرائيليّة. ومع ذلك، استطاع ياهو أن يؤسّس سلالة ستواصل الحكم خلال قرن من الزمن (841-748). وقد انطبعت العقود الأولى في هذه الحقبة بسيطرة مملكة دمشق الاراميّة التي ضايقت اسرائيل جدًا في أيام ياهو، في عهد ملكيها حزائيل وبنهدد الثاني (2مل 10 :38-33)، ثم في أيام يوأحاز (2مل 13 :22) وفي بداية ملك يوآش، حين حاصر بن هدد السامرة (1مل 20 :1-12؛ 2 مل 6 :24-31). عند ذاك أعلن يوآش خضوعه لهدد نيراري الثالث، فحمل الاشوريون العون إلى السامرة (2 مل 7 :6-7). وأتاحت هذه المعاهدة ليوآش فيما بعد، لأن يقهر الاراميين في أفيق (2مل 13 :17؛ رج 1مل 20 :26-34)، ويستعيد المدن التي خسرها والده يوآحاز (2مل 13 :25؛ رج 1مل 20 :34). وانتصر يوآش أيضاً على مملكة يهوذا في بيت شمش، واحتلّ أورشليم، وسلب كنوز الهيكل والقصر الملكيّ (2مل 14 :11-15). ولما ضعفت مملكة دمشق فيما بعد، استطاع يوآش ثم ابنه يربعام الثاني أن يؤمّنا لاسرائيل مكانة قويّـة في المناطق السوريّة الفلسطينيّة.

ولكن بدأ الانحطاط. فعند نهاية الحكم الطويل ليربعام الثاني (790-749)، دخلت مملكة اسرائيل في حقبة من الانحطاط بحيث صارت فريسة المؤامرات والثورات (داخل القصر) التي توالت بدون توقّف حتى بعد موت يربعام الثاني (2مل 15 :8-30). بالاضافة إلى ذلك، تأثّرت الحياة الاقتصاديّة في البلاد بسبب الجزية التي أجبر مناحيم سنة 730 أن يدفعها لتغلث فلاسر الثالث (2مل 15 :19-20). أما فقح الذي انضم إلى حلف معارض للأشوريين، وانطلق في الحرب الاراميّة الافرائيميّة ضدّ يهوذا (2مل 16 :5-9)، فقد أجبر على أن يترك لتغلت فلاسر الثالث شمال البلاد الذي أُخِذ قسمٌ من سكانه سبايا إلى أشورية (2مل 15 :29). وتابع خلفه هوشع (وهو غير النبيّ هوشع) سياسة معادية للاشوريين. فأخضعه شلمنصر الخامس، ثم حطّه عن العرش وأخذه أسيرًا إلى أشورية (2مل 17 :2-3). وقاومت مدينة السامرة الحصار ثلاث سنوات (724-722) قبل أن تسقط. ثم ثارت سنة 720 ق.م.. هذا القتال المسلّح آل بها إلى سبي ثانٍ (2مل 17 :5-6) وسبي ثالث إلى أشور. كما ضُمّت المنطقة كلها إلى المملكة الأشوريّة فصارت مقاطعة في امبراطورية سرجون الثاني الأشوري. عند ذاك، لجأ عدد كبير من الاسرائيليين إلى مملكة يهوذا، حيث اهتمّ التشريع الاشتراعيّ اهتمامًا خاصاً بالـ "ج ر"، أي الغريب اللاجئ وابن الدين الآتي من الشمال.

وانطلاقًا من زوال مملكة الشمال ومجيء اللاجئين الكثر من مناطق احتلتها الجيوش الأَشوريّة، برز اتجاه في الكتابات البيبليّة (حتى في العهد الجديد) يزيل الفروقات التي كانت بين اسرائيل ويهوذا بحيث أعطي اسم اسرائيل لشعبين مختلفين يعترفان بالديانة اليهويّة.

3) السلطة الأشوريّة والفارسيّة. وتوزّعت أرض مملكة اسرائيل بين أربع مديريّات أشوريّة : مجدّو، دور، السامرة، جلعاد. وبعد أن أجلى سرجون الثاني جزءًا من السكان الاسرائيليّين، جعل مكانهم مستوطنين جاء بهم من بابل ومن منطقة حماة (2مل 17 :24). ثم جاء بعشائر من عرابية الشماليّة. بالإضافة إلى ذلك، دمج وحدات الجيش الاسرائيليّ، ولا سيّمـا وحدات المركبات، بالجيش الأشوريّ. وهي سوف تُذكر في عدد من النصوص المسمارية العائدة إلى زمن سرجون الثاني.

واستعملت الادارة الأشوريّة اللغة الاكادية في هذه المديريّات الاسرائيليّة. وهذا ما تدلّ عليه عقود وُجدت في السامرة وفي جازر. كما استعملت على ما يبدو اللغة الاراميّة، لغة الدبلوماسيّة في ذلك العصر. وحين سقطت المملكة الأشوريّة، سعى يوشيا، ملك يهوذا، إلى السيطرة على جزء من أراضي اسرائيل القديمة (2مل 23 :15-20). ولكن هذا السعي باء بالفشل بعد موت الملك في معركة مجدو سنة 609 (2مل 23 :29). وحوالي سنة 604 ق.م.، احتلّ نبوخذ نصر الثاني المنطقة كلها وضمّها إلى الامبراطورية البابليّة الجديدة أو الكلدانيّة.

ونصل إلى الحقبة الفارسيّة. غير أننا لا نعرف الشيء الكثير عن تاريخ أرض اسرائيل في القرن السادس ق.م. ولكننا متأكدون أنها كانت على أيام الاخمينيّين جزءً ا من المقاطعة الفارسيّة "عبر الفرات" (ع ب ر. ن ا ر ي التي لا ترد في النصوص الاشوريّة قبل الربع الاخير من القرن 8). وفي أيام أرتحششتا الأول (464-424) شكّلت السامرة مقاطعة أدارها "سين أوباليط" ( سنبلّط) العدوّ اللدود لنحميا (نح 2:10، 19؛ 3 :33). وابنه دلايا الذي نشط مع أخيه شلميا في إدارة "سين أوباليط الأول" (البرديات الاراميّة في القرن الخامس 30 :29؛ رج 31:28)، قد خلف سين اوباليط (31 :2). ونحن نجد ذات السلسلة من الحكّام في أيام ارتحششتا الثاني (404-359)، حين حكم السامرة "سين اوباليط الثاني" الذي خلفه ابناه يشعياهو (اشعيا) وحنانيا. وحسب شهادة فلافيوس يوسيفوس (العاديات 11 :302 346)، انضمّ "سين اوباليط" الثالث الذي أدار المقاطعة في أيام داريوس الثالث (335-331 ق.م.)، إلى الاسكندر الكبير منذ سنة 332 ق.م. كما نعرف من "تاريخ الاسكندر" (4 :8، 9-11) لكونتوس كوركوس، أن السامريين ثاروا على اندروماكوس الوالي المعيّن جديدًا على سورية الجوفاء (أي البقاع وما حولها) وأحرقوه حيًا بالنار. فانطلقت الجيوش المكدونيّة من مصر سنة 331 ق.م. نحو السامرة، فلجأ الوجهاء في مغارة أبوسنجه في وادي داليه التي تبعد 29 كلم إلى الشمال الشرقيّ من أورشليم. اكتُشف مخبأهم على اثر خيانة، فماتوا خنقًا بدخان نار اشعلت على باب المغارة، وكان عددهم 200 شخص. وتُرك الاموات هناك مع أملاكهم وسند ملكيتهم، فاكتشفت البقايا سنة 1962. اما الوثائق التي وُجدت هناك، والتي دُوّنت في الاراميّة، فتعود إلى العقود الأخيرة في المملكة الفارسيّة (375 أو 365 حتى سنة 335). وحفرت أيضاً بالحروف الاراميّة الصور النقديّة (السامرة، يربعام) التي تدلّ عليها نقود تعود إلى نهاية القرن الرابع ق.م. ويُطرح السؤال : هل يربعام هذا الذي يدلّ اسمه على ماضي اسرائيل المجيد، هو عظيم الكهنة في السامرة أو حاكم السامرة الذي لا نعرف عنه شيئًا حتى الآن؟ وهل نحدّد موقعه في نهاية الحقبة الفارسيّة أو في بداية ثورة 332-331، أو في بداية الحقبة الهلنستيّة؟

4) الحقبة الهلنستيّة. أقامت مستوطنة مكدونيّة هامة في السامرة، غداة ذاك التمرّد، ولكن هذا لا يعني انقطاعًا عمّا سبق. بل إن السامريين بنوا في بداية الحقبة الهلنستيّة أو في زمن خلفاء الاسكندر، معبدًا على جبل جرزيم يشبه هيكل أورشليم، كما يقول يوسيفوس (العاديات 139 :1). قال يوسيفوس : كان عمر هيكل جرزيم 200 سنة حين هدمه يوحنا هرقانوس حوالي سنة 107 ق.م. أما تاريخ سائر مناطق مملكة اسرائيل القديمة، فنجهله كما نجهل تاريخ السامرة. وسيشكّل الجليل في الحقبة الفارسيّة واللاجية (مع البطالسة) وحدة إداريّة متميّزة. أما مديرية دور الساحلية القديمة، فارتبطت بفينيقية منذ القرن السابع ق.م. وحين انتقلت مناطق اسرائيل سنة 201 ق.م. إلى سلطة السلوقيين، توزّعت على ثلاث مقاطعات : مقاطعة السامرة (1مك 10 :38؛ 11 :28، 34) التي تضمّ الجليل (1مك 10 :30). مقاطعة جلعاد في شرقيّ الاردن (1مك 5 :9،20، 26-27، 37، 45). مقاطعة الساحل أو المنطقة البحريّة (في اليونانيّة : باراليا. في العبريّة : م د ي ن ت. هـ ي م) التي كانت تمتدّ من "عقبة صور إلى حدود مصر" (1مك 11 :59؛ 15 :38؛ 2مك 13 :24). أما الحاكم الوحيد في السامرة السلوقيّة الذي نعرفه، فهو أبولونيوس، خصم يهوذا المكابي (1مك 3 :10؛ 2مك 5 :24؛ رج 1مك 1 :29). وتيموثاوس هو الوجيه المعروف الذي تدخّل في جلعاد (1مك 5 :10). مقابل هذا نعرف ثلاثة حكام في الساحل : هيجمونيوس (2مك 13 :24). سمعان الحشموني (1مك 11 :59). كندباوس (1مك 15 :38). إن هذه المنطقة الساحليّة التي كانت تضمّ أقليّات يهوديّة، لم تُعتبر أرض اسرائيل في تقليد الرابينيين القديم. أما الحشمونيون فاحتلّوا في النهاية جميع الأراضي التي كانت تخصّ في الماضي مملكة اسرائيل. وهيرودس الكبير استعاد القسم الأكبر من تلك المملكة، بعدما اقتطع له بومبيوس ما اقتطع. ولكن سنة 4 ق.م.، ولدى موت هيرودس الكبير، انقسمت المملكة الهيرودوسيّة، فكانت السامرة لارخيلاوس، والجليل وبيريه لهيرودس انتيباس، والجولان لهيرودس فيلبس. ونشير في النهاية أن السامرة احتفظت بتقليد مميّز عن تقليد يهوذا في ما يخصّ قانون (لائحة) الأسفار المقدّسة (فقط أسفار موسى الخمسة في السامرة)، في ما يخصّ تدوين هذه الكتب، في ما يتعلّق بشعائر العبادة والطقوس.

أسَرئيل من قبيلة يهوذا (1أخ 4:16). ابن يهلَّـلْئيل وأخ زيف وزيفة وتيريا.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.