في ظِلالِ الكلمة
التثنية 8

أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن

نص : ALB - INJEEL   |   صوت : MISLR - ABAUD   |   فيديو : LFAN - BIB

أدوات الدراسة : السبعينيه - الكتاب المقدس - ترجمة كتاب الحياة - الترجمة المشتركة - القاموس اليوناني - في ظِلالِ الكلمة - الخزانة من الكتاب المقدس


أحدُ أكثر المقاطع المألُوفَة في الكتابِ المُقدَّس، هُوَ الإصحاحُ الثَّالِث من سفرِ التَّكوين، حيثُ يأكُلُ آدَمُ وحَوَّاءُ الثَّمرَةَ المَمنُوعَة. يُرينا الإصحاحُ الثَّانِي الإنسانَ كما كانَ عندما خُلِقَ وكما قصدَ اللهُ لهُ أن يحيا حياتَهُ. يُرينا هذا الإصحاحُ الخَطِيَّةَ – كما كانت عليهِ آنذاك، وكما هي عليهِ اليوم. ويُرينا آدم وحَوَّاء يُواجِهانِ نفسَ القَرار الذي نُواجِهُهُ جميعاً عدَّةً مرَّاتٍ في اليوم، ألا وهُوَ: هل سنتصرَّفُ على طَريقَةِ اللهِ أم على طريقَتِنا؟ لقد خلَقَنا اللهُ مخلُوقاتٍ ذات خَيار. ولهذا بإمكانِنا أن نعمَلَ إرادَةَ اللهِ أو أن نعمَلَ إرادَتنا.

يَصِفُ الإصحاحُ الثَّالِثُ من سِفرِ التَّكوين هذه الأزَمة عندما حَدَثَت لأوَّلِ مرَّة. وهُوَ يَصِفُ معرَكَةَ الإراداتِ كما كانت عليهِ في ذلكَ الزَّمان، لكي نفهَمَ هذه المعرَكَة كما هي في حياتِنا الآن. ولقد تمَّ شَرحُ الوَضعِ لنا سابِقاً، أي في تكوين 2: 8- 9: "وَغَرَسَ الرَّبُّ الإلهُ جَنَّةً في عَدن شَرقاً. ووضَعَ هُناكَ آدمَ الذي جبَلَهُ. وأنبَتَ الرَّبُّ الإلهُ منَ الأرضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وجَيِّدَةٍ للأَكلِ. وشجرَةَ الحياةِ في وسطِ الجَنَّةِ وشَجَرَةَ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرِّ."

في مَكَانٍ ما على الطَّريق، أخَذَ أشخاصٌ فكرَةَ كونِ الشجَرَةِ المَمنُوعَة شجَرَةَ تُفَّاحٍ، ولكن لا يُوجَدُ أيُّ ذكرٍ للتُّفَّاحِ لا هُنا ولا في الإصحاحِ الثَّالِث من سفرِ التَّكوين. بدلَ ذلكَ، نقرَأُ عن شَجَرَةِ الحياة، وشجَرَةِ معرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ.

قبلَ أن نُتابِعَ، نحتاجُ أن نتكلَّمَ عن نوعِ اللُّغَةِ التي تُستَخدَمُ هُنا. هذه القِصَّة هي حقيقَةٌ تاريخيَّة، ولكنَّها أيضاً مجازِيَّةٌ رَمزِيَّة. المجازُ هُوَ قِصَّةٌ يتَّخِذُ فيها الأشخاصُ، الأماكِنُ والأشياءُ معنىً إضافِيَّاً على المعنى التَّارِيخيّ الواضِح، وغالِباً ما يحملُ تعليماً أخلاقيَّاً.

في وَصفِ جَنَّةِ عَدَن، أنواعُ الأشجارِ التي نقرَأُ عنها تُشيرُ إلى أنَّ اللهَ كانَ سيُلَبِّي إحتِياجاتِ الإنسان في ذلكَ المكان. لاحِظُوا الأولويَّة: قبلَ كُلِّ شَيء، هذه الأشجارُ كانت ستُشبِعُ حاجَةَ الإنسانِ للنَّظَر؛ ثُمَّ كانت ستُلَبِّي حاجَتَهُ للطَّعام، ومن ثَمَّ كانت ستَمنَحُهُ الحياة. ولكن كانت هُناكَ أيضاً شجرَةُ المعرفة، وقد كانت محظُورَةً من قِبَلِ الله.

في الإصحاحِ الثَّالِث، حَيثُ جَرَت أحداثُ قِصَّةِ الخَطيَّةِ الأُولى، لاحِظُوا أنَّ ترتيبَ الأولويَّاتِ تَغَيَّر. فبَدَلاً من وضعِ حاجَةِ العَينِ أوَّلاً، والطَّعام ثانِياً، والحَياة ثالِثاً، والمعرِفَة أبداً بتاتاً، وضَعُوا الطَّعامَ أوَّلاً، ثُمَّ العَين، ثُمَّ الحَياة، ثُمَّ المعرِفَة – ولم يَصِلُوا أبداً إلى الحَياة. وبدَلَ ذلكَ، حَصَلوا على المَوتِ الرُّوحِيّ. نَقرَأُ في تَثنِيَة 8: 3 أنَّهُ، "ليسَ بالخُبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان، بَل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تخرُجُ من فَمِ الله." فنَحنُ بالحقيقَةِ لا نَعيشُ عندما نخرُجُ ونَبحَثُ عن طُرُقٍ نُشبِعُ من خلالِها إحتِياجاتِنا. فبِحَسَبِ هذا العدد، الحياةُ الحقيقيَّةُ تأتي من إطاعَةِ كُلِّ كَلِمَةٍ تخرُجُ من فَمِ الله.

عندما وضعَ اللهُ آدَمَ وحَوَّاءَ في الجَنَّةِ، وفَّرَ لهُما كُلَّ ما كانا يحتاجانِهِ. ولقد عرفَ إحتياجاتِهِما لأنَّهُ هُوَ الذي خَلَقَهُما. وبما أنَّهُ هُوَ الذي خلقَنا، فهُوَ يَعرِفُ إحتِياجاتِنا نحنُ أيضاً؛ ولدَيهِ كُلُّ نِيَّةٍ بتَوفِيرِ ما نحتاجُهُ.

قد تتَساءَلُونَ الآن لماذا أتَتِ العَينُ أوَّلاً في لائحَةِ الأولويَّاتِ. عندما يذكُرُ الكتابُ المُقدَّسُ العَينَ، فهُوَ غالِباً لا يَعني العين حَرفِيَّاً. فمَثَلاً، في متَّى 6: 22- 23، قالَ يسُوع، "سِراجُ الجَسَد هُوَ العَين؛ فإن كانت عينُكَ بَسيطةً، فجَسَدُكَ كُلُّ يكُونُ نَيِّراً. وإن كانت عينُكَ شرِّيرَةً، فجَسَدُكَ كُلُّهُ يكُونُ مُظلِماً." لم يكُنْ يسُوعُ يتكلَّمُ عن الرُّؤيا الرُّوحيَّة. بل كان يتكلَّمُ عنِ الطَّريقَة التي بها ننظُرُ للأُمُور، أو ذهنِيَّتِنا، أو نظرتِنا للحياة. وعندَما وضعَ اللهُ هكذا أولويَّة سامِية على ما هُوَ جَيِّدٌ للنَّظَرِ في جَنَّةِ عدَن، كان يَقُولُ بالحقيقَةِ أنَّهُما كانا بحاجَةٍ أن ينظُرا إليهِ لكَي يُشبِعا حاجَةً واحدَةً من أعظَمِ إحتِياجاتِهِما. فأعظَمُ حاجَةٍ كانت لدَيهِما وأعظَمُ حاجَةٍ لدينا، هي أن ندعَ اللهَ يُظهِرُ لنا كيفَ ينبَغي أن نرى الأُمُور.

ولكن تُوجَدُ صُورَةٌ أُخرى في هذا الإصحاحِ أيضاً. فبعدَ أن إستَسلَمَ آدَمُ وحَوَّاءُ للتَّجرِبَة، نقرَأُ أنَّهُما سَمِعاً صَوتَ الرَّبِّ الإلهِ ماشِياً في الجَنَّةِ عندَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهار، فإختَبَأَ آدَمُ وامرأَتُهُ من وَجهِ الرِّبِّ الإلهِ في وسطِ شَجَرِ الجَنَّةِ. فنادَى الرَّبُّ الإلهُ آدَمَ وقالَ لهُ أينَ أنتَ؟" (تَكوين 3: 8- 9).

مِنَ المُثِيرِ للإهتِمامِ أنَّ اللهَ بدَأَ هذا الحِوارَ معَ آدمَ وحَوَّاء بطرحِ أسئِلة: "أينَ أنتَ؟ من أخبَركَ أنَّكَ عُريان؟ (تكوين 3: 9- 11) لقد كانَ اللهُ يعرِفُ الأجوِبَة مُسبَقاً بالطَّبع؛ فهُوَ مَوجُودٌ في كُلِّ مكانٍ في نفسِ الوقت، وهُوَ يرى كُلَّ شَيء. لقد طرحَ اللهُ هذه الأسئِلة، بسببِ أُمُورٍ كان يجهَلُها كُلٌّ من آدَم وحَوَّاء. كان المَقصُود منَ الأسئِلة جعلُهُما يُفَكِّران. فعندما سألَ اللهُ، "أينَ أنتَ؟" كانت بالحقيقَةِ يسأَلُ، "لماذا تختَبِئُ منِّي؟"

السُّؤالُ الثَّاني الذي طرَحَهُ اللهُ، بعدَ إعتِرافِ آدَم بأنَّهُ إختَبأَ لأنَّهُ كانَ عُرياناً، هُوَ سُؤالٌ مُفَضَّلٌ عِندِي: "من أعلَمَكَ أنَّكَ عُريانٌ؟" (تكوين 3: 11 أ) في اللُّغَةِ العِبريَّة، نقرأُ هذا العدد على الشَّكلِ التَّالِي: "من جَعَلَكَ تَعرِفُ ذلكَ؟" والجوابُ الحقيقيُّ هوَ بالطَّبعِ أنَّ اللهَ كان مصدَرَ تلكَ المعلُوماتِ، بما أنَّهُ هُوَ مَصدَرُ كُلِّ المعلُوماتِ الأُخرى. هُناكَ بعضُ المعلوماتِ التي يُريدُنا أن نعرِفَها، وهُناكَ معلُوماتٌ أُخرى إختار أن يُخفِيَها عنَّا، ولكن لا تُوجَدُ معلُوماتٌ خَفِيَّةٌ على اللهِ نفسِه. ففي كُلِّ مَرَّةٍ نعرفُ أينَ نحنُ رُوحِيَّاً، إذا فَكَّرنا بهذا الأمر، نَجِدُ أنَّ اللهَ هُوَ الذي يجعَلُنا نعرِفُ أينَ نحنُ، وأينَ ينبَغي أن نَكُون.

السُّؤالُ التَّالِي الذي طَرَحَهُ اللهُ كانَ، "هل أكَلتَ منَ الشَّجَرَةِ التي أوصَيتُكَ أن لا تأكُلَ منها؟" (تكوين 3: 11 ب). لقد عصا آدم وحوَّاء على الله، وإختَبآا خلفَ شجرِ الجَنَّةِ، واضِعَينِ أوراقَ تينٍ لِسَترِ عُريِهِما، متَحَمِّلَينِ عواقِبَ خَطِيَّتِهما. إن كُنتَ تقتاتُ على مائدَةٍ كَريهَةٍ هي عواقِب خطايا إرتَكبتَها، إطرَحْ على نفسِكَ هذا السُّؤال: هل كُنتَ تأكُلُ منَ الشَّجَرَةِ التي قالَ لكَ الرَّبُّ أن لا تأكُلَ منها؟ وهل كُنتَ تتجاهَلُ وتَعصى كلمةَ الله؟ وهي تتجاهَلُ توجِيهاتِهِ لكَ في الحياة؟

السُّؤالُ الرَّابِعُ الذي طَرَحَهُ اللهُ هُو، "ماذا فعَلتِ؟" ولقد وَجَّهَهُ اللهُ إلى حَوَّاء، وهُوَ يُنتِجُ إعتِرافاً، حتَّى ولو كانَ الإعتِرافُ مُذَيَّلاً بعُذرٍ أو بِحُجَّة. إن كَلِمَة "إعتِراف" تأتي من كلمتَينِ تعنِيانِ، "قَول المِثل." حرفِيَّاً، الإعتِرافُ هُوَ المُوافَقة معَ اللهِ فيما يقُولُهُ عمَّا فعلتَهُ. لقد أرادَ اللهُ أن تضعَ حوَّاءُ كُلَّ الحقائِق على الطَّاولَة بينَها وبينَ الله، لكي يتعامَلاً معاً بِجدِّيَّةٍ معَ ما حدَثَ. وهذا ما يُريدُهُ اللهُ منَّا اليوم. إنَّهُ يُريدُنا أن نُدرِكَ ما فعلنا، وأن نُواجِهَهُ بأمانَةٍ وإخلاص.

يُشَكِّلُ تكوين 3 صُورَةً عن شَخصَينِ أخطآا، وكيفَ تعامَلَ اللهُ معَهُما، ولكنَّهُ أيضاً صُورَةٌ عنَّا جَميعاً، نحنُ الذين أخطأنا، ويُرينا الإصحاحُ الثَّالِثُ كيفَ يتعامَلُ اللهُ معنا عندما نختَبِئُ منهُ بسببِ خطايانا. إنَّها صُورَةُ الخَطِيَّةِ وعواقِبِها. وهي أيضاً صُورَةُ اللهِ الذي يُلاحِقُ الخَاطِئَ ليُقيمَ معَهُ حواراً أو مُحادَثَةً.

هُناكَ تحريضُ قوي يمتدُّ عبرَ سفر التثنية بكاملِه، يأمرُ بإطاعةِ نواميس الله. فعندما أطاعَ الشعبُ نواميس الله، باركهم الله. وعندما لم يُطيعوا نواميس الله، حُرِمُوا من بَرَكاتِ الله. لقد أبرزَ موسى لهم هذه الحقيقة بِصَراحَةٍ وفصاحَة، وحضَّهُم على طاعةِ كلمةِ الله. إحدى كلمات سفر التثنية المفتاحيَّة هي "الطاعة".

القصدُ الرَّئيسُ من عِظَةِ مُوسى الأُولى في سفرِ التَّثنِيَة كانَ مُساعَدَةَ هذا الشَّعب العِبريِّ على تَذَكُّرِ كيفَ عمِلَ اللهُ في حياةِ جِيلِ أهلِهم الذين سبَقُوهُم، وأن يتذَكَّرُوا المُعجزات التي حقَّقَها اللهُ لهُم. لقد ترجَّى مُوسى أن يَكُونَ للمُعجزاتِ التي أنجَزها اللهُ معَ أهلِهم في مَسيرَتِهم في البَرَّيَّة، أثراً عميقاً ودائماً على حياةِ الجيل الذي كانَ يُخاطِبُهُ آنذاك، وأن يُخبِرُوا هُم بِدَورِهم الجيلَ اللاحِقَ من أولادِهم عن هذه المُعجِزاتِ الإلهيَّةِ العظيمة.

ولقد وعظَ مُوسى أيضاً بشكلٍ قَويٍّ قائِلاً لِلشَّعبِ بأن لا ينكُثُوا عهدَهُم معَ الله. فالعهدُ هُوَ عقدٌ أو إتِّفاقٌ بينَ اللهِ وشعبِهِ. وشُروطُ هذا العقد قد تمَّ شَرحُها بِوُضُوح. فإن لم يُحافظ الشعب على شروط العقد، يبطُلُ هذا العقد. فاللهُ غير مُلزَمٍ أن يُبارِكَهم عندما لا يكونون طائِعين.

الإصحاحُ الخامس هو تكرارٌ للوصايا العشر. قارنْ ما بين التصريح الأوَّل بالوصايا العشر في خروج 20، وبَينَ تَكرارِ هذه الوصايا العشر في تثنية 5. إذا قارنتَ بِعنايَةٍ بينَ هذين السِّجِلَّينِ للوصايا العَشر، سوفَ تكتَشِفُ نظرَةً جديدَةً على نواميسِ اللهِ هذه. ففي هذه التَّكرارِ للوصايا، يَطلبُ مُوسى منَ الشَّعبِ العِبريِّ أن يَكُونَ لدَيهم قُلُوبٌ طائِعَةٌ للهِ، وأن يُطِيعُوا وصاياهُ. وإذا فعلُوا ذلكَ، سوفَ يَكُونُ كُلُّ شَيءٍ على ما يُرام معَهُم في المُستَقبَل، ومعَ أولادِهم عبرَ الأجيال.

لقد وعظَ مُوسى في سفرِ التَّثنيَةِ قائِلاً لشعبِ اللهِ: "عليكُم أن تُطيعوا كل وصايا الرب إلهِكم، وتتبعوا تعاليمَه بتفاصيلِها، وتسيروا في الطريق التي وضعها أمامكم. وعندها فقط سوفَ تعيشون طويلاً وتزدهرون." (تثنِيَة 27: 9- 11)

عظَةُ مُوسى العظيمَةُ في الإصحاح السادس، التي أصبَحت بمثابةِ قانون الإيمان اليهودي الأساسي، تُسمَّى بِ "شِمَاع"، (الذي يعني "إسمَعْ" بالعِبريَّة)، لأنَّ هذه العظة تبدَأُ بالقَول، "إسمَعْ يا إسرائيل." وهدفُ هذهِ العِظَة هو إخبار الجيل الثاني أن يُخبِروا الجيلَ الثالث لشعبِ الله بقِيَمِهم وبكلمةِ الله. نجدُ أساسَ ما نُسمِّيه التربية المسيحية في هذه العظة الجميلة لموسى.

يُقدِّمُ لنا الإصحاحُ الثَّامِنُ من سفرِ التَّثنِيَة عظةً أُخرى عظيمة وفصيحة من عِظاتِ مُوسى. وهي عِظَةٌ عن كلمة الله وأهميَّة طاعتِها. يُظهِرُ لنا مُوسى هُنا كيفَ يُمكِنُنا أن نتعلَّمَ كلمةَ الله. تُخبِرُنا هذه العظةُ العظيمَةُ عن مقاصِدِ كَلِمَةِ الله. فلقد أعطانا اللهُ كلِمَتَهُ لأنَّهُ يُريدُنا أن نعرِفَ كيفَ نعيش. فلقد خلقَنا اللهُ وهُوَ يعرِفُ كَيفَ يُمكِنُنا أن نحصلَ على حياةٍ مُتَمَّمَة. لقد جاءَ يسُوعُ قائلاً، "جِئتُ لِتَكُونَ لهُم حياةٌ وليَكُونَ لهُم أفضَل (أو: لِتَكُونَ لهُم حياةٌ فَيَّاضَة.)" (يُوحَنَّا 10: 10) يُخبِرُنا مُوسى في هذه الرِّسالَة العظيمة كيفَ يُمكِنُنا أن ندخُلَ إلى ملءِ هذه الحياةِ الفَيَّاضَة. (تثنيَة 8: 1- 14)

ويَعِظُ مُوسى أيضاً قائِلاً أن كلمةَ الله تتكلَّمُ عن الحياة. وهذا يعني أنَّكَ إذا أردتَ أن تفهمَ كلمةَ الله، فهناكَ على الأقَلّ طريقتانِ لدرسِها. أوَّلاً، يُمكِنُكَ الذهابُ إلى كليَّة لاهوت أو مدرسة كتاب مُقدَّس، ويُمكِنُكَ أيضاً التخصُّص عقلِيَّاً وأكادِيميَّاً في الكتاب المقدس. ولكن بحسب مُوسى، هذه ليست الطريقة الوحيدة لدراسة كلمة الله. فإن كانت كلمةُ الله هي عن الحياة، فهذا يعنى أن الطريقةَ الثانية لفهمِ كلمة الله هي دراسة الحياة. إنَّ كلمةَ الله تُعطينا بصيرةً في الحياة، والحياةُ تمنحنا بصيرةً في كلمةِ الله.

عندما يدَعُكُم اللهُ تجوعون وتَتألَّمُونَ من خِلالِ عواصِفِ الحياة، نلتَفِتُ إليهِ لِنُدرِكَ أنَّهُ هُوَ مَصدَرُ الحياة ومنبَعُ كُلّ ما نحتاجُهُ، لِنحيا الحياة التي أرادَها لنا عندما خلَقَنا. فمن خِلالِ تجربة التَّيَهان في البرِّيَّة الصعبة، ومن خلالِ تجارِبِ الحياة القاسِية، يُعَرِّفُنا اللهُ أنه ليسَ بالخُبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان. ولكنَّ الإنسانَ يحيا بإطاعةِ كلِّ كلمةٍ أُعطِيت لهُ من الله. بنُو إسرائيل القُدامَى لم يتعلَّموا كلمةَ الله في كليَّةِ لاهوت ولا في مَجمَعٍ، بل تعلَّموها في مجالِ إختبارِ الحياة الواقِعيَّة.

مُلاحظة أخرى علينا أن نتَعلَّمَها من الإصحاحِ الثَّامِن من سفرِ التَّثنِيَة، هي أن نحترسَ من مخاطِرِ البحبوحَةِ والإزدِهار. هل سبقَ وأدركتَ أنَّ الإزدهارَ والبحبُوحَةَ مُمكِن أن يُشَكِّلاً تَحدِّياً صَعباً؟ لقد تعلَّمَ شَعبُ اللهِ القديم كلمةَ اللهِ من خلالِ تأديباتِ اللهِ القاسِيَة. فعندَما أُدِّبُوا على عِصيانِهم، تعلَّمُوا أنَّ كلمةَ اللهِ كانت مفتاحَ الحياة. فمُوسى الآن يُحَذِّرُهُم بأنَّهُ عليهِم أن يُطَبِّقُوا ما تَعَلَّمُوهُ في المراحِلِ الصَّعبَةِ من حياتِهم، على تلكَ المراحل التي يُبارِكُهم اللهُ فيها بِوَفرَةٍ: "لا تَنسُوا الدُّروسَ التي تَعَلَّمتُمُوها في مصائِبِكُم وأزمِنَةِ تجرِبَتِكُم. وعندما تَصِلُونَ إلى مرحَلَةِ الإزدِهار، فتلكَ هي المرحلة التي تتطَلَّبُ منكُم الكثيرَ منَ الحَذَر." يُعَبِّرُ العهدُ الجديدُ عن هذه الحقيقَة بالكلماتِ التَّالِية، "مَن يَظُنُّ أنَّهُ قائِمٌ، فليَنظُرْ أن لا يَسقُطَ هُوَ أيضاً." (1كُورنثُوس 10: 12)

بعدَ عِظتِهِ العظيمة عن كلِمَةِ الله، يُقدِّمُ مُوسى عظَةً أُخرى عظيمة عن نعمةِ الله. وبهدَفِ التَّشديد، قالَ موسى للشعب أنَّهم لم يَتِمَّ إختيارُهم من قِبَلِ اللهِ لكَونِهم صالِحينَ أو لِكَونِهم قد أرضُوا اللهَ، "الرَّبُّ إلهُكُم لم يُعطِكُم هذه الأرض الجيِّدَة لكَونِكُم أبراراً، لأنَّكُم لَستُم كذلكَ. بل أنتُم شَعبٌ شَرِّيرٌ وقاسي الرَّقبَة." (تثنية 9: 4- 6).

هذه صُورَةٌ جميلَةٌ عن نعمَةِ الله. فرَحمَةُ اللهِ تحجِبُ عنَّنا ما نستَحِقُّهُ. ونعمَةُ اللهِ تُغدِقُ علينا عطفَ وبركاتِ اللهِ التي لا نَستَحِقُّها. واللهُ لا يُبارِكُنا لكَونِنا أبراراً. بل يُبارِكُنا لأنَّهُ هُوَ البَارُّ، ولأنَّهُ يُحِبُّنا. هذا ما تعنيهِ كلمة "نعمة."

يُعطِينا مُوسى وصفاً واضِحاً وصريحاً لنعمَةِ اللهِ في هذه العظة العظيمة في الإصحاحِ التَّاسِع من سفرِ التَّثنِيَة. وسوفَ ترَونَ تشديداً على النِّعمة عبرَ الكتابِ المُقدَّسِ بِكامِلِهِ، لأنَّ نِعمَةَ اللهِ هي القُوَّة الدِّيناميكيَّة المُحرِّكَة التي نَجِدُها في مصدَرِ خلاصِنا. فنعمَةُ اللهِ لا تُكتَسَبُ أو تُنجَزُ بواسِطَةِ أداءٍ إيجابِيٍّ من جانِبِنا.


تابِع بَنْد - بشارة بَيَان

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.