في ظِلالِ الكلمة
رسالة تسالونيكي الأولى 4

أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن

نص : ALB - INJEEL   |   صوت : MISLR - ABAUD - FOCHT   |   فيديو : LFAN - BIB - COMM

أدوات الدراسة : البوليسية - الكتاب المقدس - ترجمة كتاب الحياة - الترجمة المشتركة - القاموس اليوناني - في ظِلالِ الكلمة - الخزانة من الكتاب المقدس


هُناكَ العديدُ من رُعاةِ الكنائس الذين قضُوا حياتَهم وهُم يعِظُونَ بكلمةِ الله، يُحبُّونَ عظةَ حزقِيال التي ألقاها في حقلِ مقبَرةٍ جماعيَّة، لربَّما كانت مكاناً تمَّ فيهِ ذبحُ العديد من شعبِ الله. نقرأُ أنَّ حزقِيال اقتِيدَ إلى وادٍ مملووءٍ بالعظام اليابِسة (حزقِيال 37). فكانت مُهمَّةُ حزقِيال التي أعطاهُ إيَّاها اللهُ أن يتنبَّأَ ويعِظَ لهذه العظام.

مجازِيَّاً، هذا هو التحدِّي الذي غالِباً ما يشعُرُ بهِ القسِّيسُ عندما يقِفُ لِيَعِظَ على المِنبَر صباحَ الأحد أمامَ مُستَمِعيه. قالَ أحدُ رُعاةِ الكنائِس أنَّهُ عندما سيرجِعُ يسوعُ المسيحُ، سيكونُ أعضاءُ كنيستِهِ أوَّل من سيُلاقي الربَّ في الهواء، لأنَّ بُولُس كتبَ يقول، "والأمواتُ في المسيح سيقومونَ أوَّلاً" (1تسالونيك 4: 16). قد يتساءَلُ الواعِظُ أحياناً، أتَحيا هذه العِظام؟ وهل سيكونُ بإمكانِهِ أن يعِظَ بطريقةٍ تجعلُ الحياةَ الروحيةَ تسري فيهِ وفي عِظَتِه، وتنتَقِلُ إلى حياةِ مُستَمِعيه؟

عندما أطاعَ حزقِيالُ أمرَ الله بأن يتنبَّأَ على العظامِ اليابِسة، نقرأ، "فقالَ لي يا ابنَ آدَم أتحيا هذه العظام. فقُلتُ يا سيِّدُ الرب أنتَ تعلَمُ. فقالَ لي تنبَّأْ على هذه العِظام وقُلْ لها. أيَّتُها العظامُ اليابِسة اسمَعي كلمةَ الربّ. هكذا قالَ السيِّدُ الربُّ لهذه العظام. هأنذا أُدخِلُ فيكُم رُوحاً فتَحيَون" (حزقِيال 37: 3-5).

  ويُمكِنُنا القول روحيَّاً ومجازِيَّاً أنَّ شعبَ يهوذا كانوا عظاماً يابِسة. وكانَ التحدِّي الذي وضعَهُ اللهُ أمامَ النبي حزقِيال هو التالي: يا حزقِيال، أتَحيا هذه العِظامُ؟ نرى اللهَ يتحدَّى أنبياءَهُ في كَلِمَتِهِ حِيالَ رُؤياهُم الروحية. فالآن لا نرى حزقِيالُ يُجيب، "نعم، لديَّ كُلُّ الإيمان بأنَّ هذه العِظام ستحيا،" بل يقولُ، "أنتَ تعلَمُ أيُّها السيِّدُ الربّ." فحزقِيالُ لم يُلزِم نفسَهُ أمامَ الله لأنَّهُ لم يُؤمِن حقَّاً أنَّ العظامَ مُمكِن أن تحيا. فإذا باللهِ يقولُ له، "تنبَّأ على هذه العِظام."

  فبدأَ حزقِيالُ بالتنبُّوءِ على العِظام. وبعدَ تنبُّوئهِ عليها، قالَ حزقيال أنَّهُ سمِعَ صوتاً، وإذا رعشٌ فتقارَبَتِ العظامُ كُلُّ عظمٍ إلى عظمِه. وبعدَ أن تقارَبتِ العِظامُ كُلٌّ إلى عظمِهِ صارَ لدي حزقيال جُمهورٌ من الهياكِل العظميَّة، بدونِ لحمٍ ولا جلد. فأُمِرَ حزقيالُ ثانيةً، "تنبَّأْ!" وبينما أخذَ حزقِيالُ يتنبَّأُ، إذا بالعَصَبِ واللحمِ كسا العِظامَ وبُسِطَ الجِلدُ عليها.

  عندما أصبَحَ لدى حزقِيال هذا الجيش من الهياكِل العظميَّة التي كساها اللحمُ والجِلد، لم يكُن بعد قد وجدَ جواباً على سُؤالِ الله، "أتَحيا هذه العِظام؟" فتلكَ الجُثَث كانت لا تزالُ ميِّتَةً أمامَه. ولم يكُن فيها روح. فأتى الأمرُ من الله، "تنبَّأَ للروح." في الكتابِ المقدَّس، كلمةُ ريح، نَفَس، ورُوح، يُعبَّرُ عنها بالعبارَةِ نفسِها. والرُّوحُ هُنا هو الروحُ القُدُس. هُنا نجِدُ مبدأً عظيماً نراهُ في كلمةِ الله بأكمَلِها: وهو أنَّ الواعِظَ بدونِ الروحِ القُدُس يُحاوِلُ المُستَحِيل.

  وكُلُّ نَبِيٍّ صادِقٍ يعرِفُ أنَّهُ إن لم يأتِ الروحُ ويرفَعُهُ ويضعُ عليهِ يدَ المسحة والقُوَّة، فكُلُّ ما يُحاوِلُ عملَهُ سيكونُ مُستَحِيلاً. وهكذا فعندما تنبَّأَ حزقِيالُ للروح، دخلَ الروحُ في هذهِ الجُثَث فقاموا على أقدامِهم وأصبحوا جيشاً عظيماً.

فالتطبيقُ الأساسيُّ لما كُلِّفَ حزقِيالُ بالوعظِ بهِ كانَ التالي: اللهُ يقول لِشعبِهِ، "أنا قادِرٌ وسوفَ أردُّكُم من سَبيِكُم. أنا قادِرٌ وسوفَ أُرجِعُكُم من بابِل إلى أرضِكُم. وسوفَ أُعيدُ لكُم ثرواتِكُم."

والتطبيقُ الثاني لهذه الرسالة العظيمة لحزقِيال يُعطينا صُورةً عما هو مُتضمَّنٌ في هذه الخدمة العظيمة في بناءِ الكنيسة اليوم. فالوعظُ بالإنجيل هو الذي يبني الكنيسة. فالعِظامُ اليابِسة تُشيرُ إلى الهالِكين. يُوجدُ أكثر من ستَّة بلايين نسمةَ على وجهِ الأرضِ اليوم، ومُعظَمُهم ضالُّون هالِكون. فكم من هؤلاء البلايين الستة يعرِفونَ عن يسوع المسيح؟ وكم منهُم أحياءٌ معَ المسيح؟ وكم منهُم يعرِفُونَ ماذا يعني أن يسكُنَ الروحُ القُدُس فينا ويُجدِّدَنا؟ قليلونَ جدَّاً جدَّاً. هذا هو التحدِّي  الذي يُواجِهُ الكنيسة اليوم. فالتطبيقُ التعبُّدي لعظةِ حزقِيال للعظامِ اليابِسة هو التحدّي التالي: هل تستطيعُ كنيسةُ يسوع المسيح أن تتحرَّكَ بِقُوَّةِ الروحِ القُدُس لتُطبِّقَ المأمُوريَّةَ العُظمى، وتُوصِلَ إنجيلَ يسوع المسيح إلى الهالكين في هذا العالم؟

هل أنتَ جزءٌ من هذه العظام اليابِسة؟ هل أنتَ هالِكٌ لأنَّكَ لم تسمَعْ ولم تُؤمِن أبداً بإنجيلِ الخلاص؟ هل تنطَبِقُ هذه الرسالةُ عليكَ، لأنَّكَ تبدو حيَّاً ولكنَّكَ لا تملِكُ الحياة الحقَّة؟ هل لديكَ رُوحُ الله في حياتِكَ وخِدمَتِك؟ مهما كانت ظُروفُ حياتِكَ صعبَةً، فعلى الأرجح لن تكونَ صعبةً بمقدارِ صُعوبَةَ ظُروفِ حزقِيال التي واجهها كُلَّ يوم. فإن كانَ اللهُ قادِراً أن يجعَلَ العظامَ تحيا أمام حزقِيال، فإنَّهُ قادِرٌ أن يعملَ هذا لكَ ولي اليوم.

فإن كانَ الروحُ يحيا فيكَ، فماذا تفعلَ لكي تبنِيَ الكنيسة؟ لا تحتاجُ أن تكونَ واعظاً لكي تُعلِنَ الإنجيلَ لشخصٍ آخر. كُلُّ ما تحتاجُهُ هو أن تُؤمِنَ أنَّ روحَ الله سوفَ يمسَحُ كلمةَ الله عندما تُشارِكُها معَ الآخرين. يُقال أنَّ المُبَشِّر هو شحَّادٌ يُخبِرُ شحَّاداً آخر عن مكانِ وُجودِ الخُبز. فإن كُنتَ واحداً من الشحَّادين الذي يُخبِرُ شحَّاداً آخر عن مكانِ وُجودِ الخُبز، فعليكَ أن تفهَمَ روحيَّاً قُوَّةَ هذا الدَّمج ما بينَ الصلاة والكِرازَة بالكلمة.

في الإصحاحِ الثاني من سفرِ أعمالِ الرسُل، نجدُ أنَّ الرُّسُل عاشوا معاً في مُجتَمَعٍ رُوحِيٍّ مُشتَرَك. ولقد شارَكُوا مُمتَلَكاتِهم وتناولوا الطعامَ جميعاً معاً. لقد مارَسوا الإشتراكِيَّة الحقَّة. فأصبَحَ الرُّسُلُ يخدِمونَ موائد، مما صرفَ انتباهَهم عن خدمتِهِم الرعوية. فاتَّخَذُوا قراراً مُهِمَّاً، وانتخَبُوا لهُم شمامِسةً للمرَّةِ الأُولى وقالوا لهُم أن يهتَمُّوا هم الشمامسة بخدمةِ الموائد، لكي ينصَرِفَ الرُّسُلُ إلى الصلاة وخدمةِ الكلمة. ولقد باركَ اللهُ قرارَهم إذ انصرفَ الرُّسُلُ إلى الصلاةِ والكِرازةِ بكلمةِ الله.

هذا هو الدمجُ نفسُهُ الذي نجِدُ حزقِيال يستخدِمُهُ في وعظِه. قالَ أحدُهُم أنَّنا عندما نجتَمِعُ معاً، إن لم يتغيَّر أحدٌ، فهذا يعني أن شيئاً لم يحدُثْ. فإن كُنَّا فقط نكرِزُ بالكلمة، سنكونُ فقط نُعطي معلومات، ولكن لن يحدُثَ شيءٌ للَّذِينَ يسمَعون. ولكن إن كُنَّا نتبَعُ مِثالَ حزقِيال والرُّسُل، فسوفَ نكتَشِفُ أنَّهُ إن كانت خِدمتُنا تقومُ أوَّلاً على الصلاة، ثُمَّ على خدمةِ الكلمة، فإنَّ شيئاً ما سيحدُثُ. وسوفَ تتغيَّرُ حياةُ الذين يسمَعُونَنا للأبد.

عندما تُعلِنُ الأخبار السارَّة التي يُعطيكَ إيَّاها اللهُ، وعندما تتنبَّأُ للعظام، تنبَّأْ أيضاً لنَفَسِ الحياة، وتنبَّأْ للروح. وانظُرُ إلى الله، طِوالَ الوقت الذي تعظُ فيهِ، طالِباً القُوَّةَ والمسحةَ من الروحِ القُدُس أن تأتي على وعظِكَ، وعندما تحِلُّ قُوَّةُ الله، عندها تحيا العِظام.

إنَّ مَوضُوعَ رِسالَةِ بُولُس الرسُول الأُولى إلى أهلِ تسالونيكي هُو مَجيءُ يسُوع المسيح ثانِيَةً. لقد كانَ هذا الموضُوعُ هامَّاً للمُؤمنين في تسالونيكي، لأنَّ بُولُس علَّمَهُم هذه الحقيقة، رُغمَّ أنَّهُ لم يبقَ معَهُم إلا فترَةً وَجيزَةً.

في سفرِ الأعمال، هُناكَ وصفٌ جَميلٌ عن كيفَ زُرِعت الكنيسةُ في تسالونيكي (أعمال 17: 1- 15) إنَّ هذه الأعداد تُساعِدُنا أيضاً على فهمِ خدخة بُولُس غير الأعتِيادِيَّة التي قامَ بها في تِلكَ المدينة عندما تأسَّسَت هذه الكنيسة. لقد تأسَّست هذه الكنيسةُ الديناميكيَّة في غُضُونِ أقَلِّ من شَهر، لأنَّ بُولُس لم يقضِ معهُم سِوى ثلاثَة سُبُوت. فرُغمَ أنَّ بُولُس ذهبَ إلى المجمَع ووعَظَ، ولكنَّ المُهتَدينَ الأوائِل في تسالونيكي لم يكُونُوا يهُوداً، بل يُونانِيِّينَ بارِزين من رِجالٍ ونِساء. ونتيجَةً لهذا، غارَ اليهودُ كثيراً من بُولُس وحسدُوهُ. ولقد إضطَّهَدُوهُ بِقَسوَة، لدرجَةِ أنَّهُ كانَ عليهِ أن يترُكَ المدينة، وأن يذهَبَ أوَّلاً إلى بيريَّة، ومن ثَمَّ إلى أثينا وكُورنثُوس، حيثُ كتبَ رِسالتَهُ الأُولى للتَّسالُونيكيِّين. ولقد بَقِيَ تيموثاوُس وسيلا في تسالونيكي، ولِحقا ببُولُس فيما بعد.

لا بُدَّ أن بُولُس كانَ قد شدَّدَ كثيراً على مجيء المسيح ثانِيَةً عندما قضى أسابِيعَهُ الثلاثة في تسالونيكي. وعندما لَحِقُ تيمُوثاوُس ببُولُس إلى كُورنثُوس، أعطاهُ تقريراً عن حالَةِ المُؤمنين الذين تركَهُم وراءَهُ في تسالونيكي. ولقد أخبَرَ تيمُوثاوُسُ بُولُسَ أنَّهُ رُغم كونِ التسالونيكيِّين أقوياءَ في الرَّب، ولكنَّ اليهُود كانُوا يضطَّهِدُونَهُم، لدرجَةِ أنَّ الكثيرينَ من المُؤمنينَ الجُدُد فقدُوا حياتَهُم.

ولقد أخبَرَ تيمُوثاوُس بُولُس أنَّ التسالونِيكيِّين كانَ عندَهم الكثير من الأسئِلة عن تعليمِهِ عن مجيء المسيح ثانِيَةً. وكانُوا مُهتَمِّينَ أن يعرِفُوا مَصِيرَ أحِبَّائِهم الذين كانُوا يستَشهِدونَ وسطَ الإضطِّهاد. فهل ستفُوتُهم البَرَكاتُ عندما يرجعُ المسيحُ لأجلِ كنيستِه؟

معَ وُجهَةِ النَّظَرِ هذهِ، لنُفكِّر بهذه الكلمات لبُولُس الرسُول، التي تُركِّزُ على مجيءِ المسيح ثانِيَةً، وعلى إختِطافِ الكَنيسة. إنَّ إختِطافَ الكنيسة هُوَ التعليمُ أنَّ المُؤمنين سيُختطَفُونَ إلى السماء، قبلَ رُجُوعِ المسيح. يُرينا بُولُس قلباً مملووءاً بالمحبَّة تجاهَ التسالونيكيِّين المُضطَّهَدِين عندما يقُول: "ثُمَّ لا أُريدُ أن تَجهَلُوا أيُّها الإخوة من جِهَةِ الرَّاقِدينَ لِكَي لا تحزَنُوا كالباقِينَ الذينَ لا رجاءَ لهُم. لأنَّهُ إن كُنَّا نُؤمِنُ أنَّ يسُوعَ ماتَ وقامَ، فكذلكَ الرَّاقِدونَ بيسُوع سيُحضِرُهم اللهُ أيضاً معَهُ. فإنَّنا نقُولُ لكُم هذا بِكَلِمَةِ الرَّبّ إنَّنا نحنُ الأحياءُ الباقِين إلى مَجيءِ الرَّبّ لا نسبِقُ الرَّاقِدين. لأنَّ الرَّبَّ نفسَهُ بِهُتافٍ بِصَوتِ رئيسِ ملائكةٍ وبُوقِ الله سوفَ ينزِلُ من السماءِ والأمواتُ في المسيح سيقُومُونَ أوّلاً. ثُمَّ نحنُ الأحياء الباقِين سنُخطَفُ جميعاً معهُم في السُّحُب لمُلاقاةِ الرَّبِّ في الهواء. وهكذا نكُونُ كُلَّ حينٍ معَ الرَّب. لذلكَ عزُّوا بعضُكُم بعضاً بهذا الكلام."

هذا واحِدٌ من عدَّةِ مقاطِع من كلمةِ اللهِ حولَ مجيء يسوع المسيح ثانِيةً. لاحظوا الأمُور التي كانت على قَلبِ بُولُس عندما كتبَ هذا المقطع. كمُعلِّمٍ عظيم، لم يُرِدْ بُولُس لهؤلاء المُؤمنين الجُدُد المُضطَّهَدِين في تسالونيكي، أن يكُونوا جاهِلينَ حِيالَ بعضِ نواحي مجيء يسُوع ثانِيَةً. (1تسالونيكي 4: 13)

وبما أنَّ بُولُس كانَ مُرسَلاً عظيماً، لم يُرِدْ لهَؤُلاء المُؤمنين التسالونيكيِّين أن يكُونُوا بدُونِ إيمان. فلقد كتبَ ما معناهُ أنَّنا إذا آمنَّا أنَّ يسُوعَ ماتَ وقام، بإمكانِنا أن نُؤمِنَ بِقيامَةِ أحبَّائِنا من الموت (4: 14). ثُمَّ يُخبِرُهُم بالتفصيل عن إختِطافِ الكنيسة.

بما أنَّ بُولُس هُوَ نَبِيٌّ عظيم، لم يُرِدْ أن يكُونَ التسالونيكيُّونَ بِدُونِ كَلِمَةٍ من الرَّبّ. كتبَ أنَّهُ يَقُولُ لهُم هذا "بكلمةِ الرَّب." (4: 15)

وأخيراً، بما أنَّ بُولُس هُوَ راعٍ عظيم، لم يُرِدْ أن يكُونَ هؤُلاء الإخوة المحبُوبون بِدونِ رجاء وبدونِ عزاء. لرُبَّما كانَ هذا الدافِعُ الرئيسيّ عندَ بُولُس في مُشاركَتِهِ هذه الحقيقَة معَ التسالونيكيِّين، بسبب كونِهم مُهتَمِّينَ بأحبِّائِهم الذين كانُوا يُقتَلُونَ من أجلِ إيمانِهم. كتبَ يقُول أنَّهُ عندما سيأتي المسيحُ ثانِيَةً، "الأمواتُ في المسيح سيقُومُونَ أوَّلاً." (4: 16) إنَّ إختِطافَ الكنيسة هُوَ التعليمُ الأكثَرُ أهمِّيَّةً في هذا المقطع الدينامِيكيّ من الكتاب المقدَّس. (1كُورنثُوس 15: 51، 52) لقد علَّمَ يسُوعُ هذه الحقيقة نفسَهَا في عِظَتِهِ على جَبَلِ الزيتُون (متَّى 24: 40، 41).

يُعلِّمُ بُولُس التطبيقات العمليَّة للإيمانِ برُجوعِ المسيحِ، من بدايَةِ هذه الرِّسالة إلى التسالُونيكيِّين. فلقد كتبَ في تحيَّتِهِ يقُول: "نَشكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ من جِهَةِ جميعِكُم ذاكِرينَ إيَّاكُم في صَلَواتِنا. مُتَذَكِّرينَ بِلا إنقطاعٍ عَمَلَ إيمانِكُم وصبرَ محبَّتِكُم رَبَّنا يسُوع المسيح."

كانَ لَدَى بُولُس سببٌ لذكرِ "عملِ إيمانِهم" و "تعبَ محبَّتِهم" عندما كتبَ لمُؤمني هذه الكنيسة. فبما أنَّ التسالونيكيِّين أساؤُوا فهمَ تعليمِهِ عن مجيءِ المسيح ثانِيَةً، يبدو أنَّ بعضَهُم تركُوا عملَهُم. لقد ظَنُّوا أنَّ مجيءَ المسيح ثانِيَةً كانَ قد صارَ وَشيكاً، فجلسُوا ينتَظِرُونَ مجيءَ الرَّب. لهذا، لمَّحَ بُولُس إلى أنَّهُم إن كانُوا يُؤمِنُونَ بمجيءَ المسيح ثانِيَةً، عليهم أن يعمَلُوا عملَ المحبَّةِ للمسيح.

في 1تسالونيكي 2، نجدُ وصفاً جميلاً من قِبلِ بُولُس للمُرسَلِ النمُوذَجِيّ. لاحِظُوا شجاعَةَ بُولُس وجرأتَهُ وصُدقَهُ وإستِقامَتَهُ وأمانتَهُ للهِ ولكلمتِه. قالَ للتَّسالُونيكيِّين أنَّ هدَفَ حياتِهِ هُوَ خير التسالونيكيَّين وإزدهارهم الرُّوحي (1تس2: 1-12). 

في الإصحاحِ الثالِث، نجدُ وصفاً عن سببِ كِتابَةِ هذه الرسالة، حيثُ يقُولُ بُولُس: "من أجلِ هذا إذ لم أحتَمِلْ أيضاً أرسَلتُ لِكَي أعرِفَ إيمانَكُم لَعَلَّ المُجرِّبَ يكُونُ قد جَرَّبَكُم فَيَصِيرَ تعَبُنا باطِلاً. وأمَّا الآن فإذ جاءَ إلينا تِيمُوثاوُس من عِندِكُم وبَشَّرَنا بإيمانِكُم ومَحَبَّتِكُم وبأنَّ عِندَكُم ذكراً لنا حسناً كُلَّ حِينٍ وأنتُم مُشتاقُونَ أن تَرَونا كما نحنُ أيضاً أن نراكُم. فمن أجلِ هذا تعزَّينا أيُّها الإخوة من جِهَتِكُم في ضِيقَتِنا وضَرورَتِنا بإيمانِكُم. لأنَّنا الآنَ نَعيشُ إن ثَبَتُّم أنتُم في الرَّبّ." (1تسالونيكي 3: 5- 8) هذه نظرَةٌ جميلةٌ نتعرَّفُ من خِلالِها على القَلبِ العظيم لبُولُس المُرسَل، الراعي، المُعلِّم، وكاتِب نِصف العهدِ الجديد.

هَل تُؤمِنُونَ بإختِطافِ كنيسةِ يسُوع المسيح؟ لقد شارَكنا بُولُس الرسُول بهذا، لأنَّهُ أرادَنا أن نتعزَّى. فلا تُفوِّتُوا على أنفُسِكُم العزاء الذي يُمكِنُ إيجادُهُ في التعليم عن إختِطافِ الكنيسة. إنَّهُ الرَّجاءُ المُبَارَك لكُلِّ من يُؤمن، والرجاءُ الوحيدُ لهذا العالم.

في الإصحاحِ الرَّابِع، بالإضافَةِ إلى المقطَع الذي ركَّزنا عليهِ، يبدَأُ بُولُس بإعطاءِ بعض التطبيقات العمليَّة لهذا التعليم. فهُوَ يُخبِرُ التسالونيكيِّين المُنتَظِرينَ رُجوعَ المسيح قَريباً، بأنَّهم سيكُونُونَ شُهُوداً صالحين بحياتِهم الهادِئة وعملِهم بإجتِهاد (4: 11- 12).

في الإصحاحِ الخامِس، قدَّمَ بُولُس أوَّلاً بعضَ المُلاحظاتِ عن تَوقيتِ المجيءِ الثاني، ثُمَّ ينتَقِلُ لِيُصبِحَ عمَلِيَّاً للغايَة بتشديدهِ على التطبيقات الواضِحة الأساسيَّة لهذا التعليم. كتبَ يقُول: "وأمَّا الأزمِنَة والأوقات فلا حاجَةَ لكُم أيُّها الإخوة أن أَكتُبَ إليكُم عنها. لأنَّكُم أنتُم تعلَمُونَ بالتَّحقيق أنَّ يومَ الرَّبِّ كَلِصٍّ في اللَّيل هكذا يجيء. لأنَّهُ حينما يقُولونَ سلامٌ وأمانٌ حينئذٍ يُفاجِئُهم هلاكٌ بغتَةً كالمخاضِ للحُبلى فلا ينجُون." (1- 3)

في هذا المقطَع، يبدُو أنَّ بُولُس يقُولُ أنَّهُ علينا أن نعتَرِفَ بجهلِنا لتحديدِ وقتِ رُجُوعِ المسيح. ولكنَّ بُولُس يُتابِعُ بالقَول: "وأمَّا أنتُم أيُّها الإخوة فَلَستُم في ظُلمَةٍ حتَّى يُدرِكَكُم ذلكَ اليومُ كَلِصٍّ. جَميعُكُم أبناءُ نُورٍ وأبناءُ نَهار. لسنا من لَيلٍ ولا ظُلمَةٍ. فلا ننَمْ إذاً كالباقِينَ بَلْ لِنَسهَرْ ونَصحُ." (1تسالونيكي 5: 4- 6)

إلى جانِبِ إختِطافِ الكنيسة، هُناكَ عِدَّةُ أحداثٍ أُخرى علينا أن نُلاحِظَها حِيالَ مجيء المسيح ثانِيَةً، مثل مُلك الألف سنة (أنظُر رُؤيا 20: 4- 6). بعضُهم يُفسِّرُ هذا المُلك حرفِيَّاً؛ وبعضُهم الآخر يُفسِّرُهُ مجازِيَّاً. فإذا كُنتَ تقُولُ أنَّ هذا المُلك هُوَ مُلكٌ رُوحِيٌّ أو مجازِيٌّ، فأنتَ تُسمَّى "لا-ألفِيّ." وإن كُنتَ تُؤمِنُ أنَّ يسُوعَ المسيح سيرجِعُ قبلَ أن يُؤسِّسَ مُلكَهُ على الأرض لألفِ سنةٍ، فأنتَ تُسمَّى "قبل-ألفِيّ." وإن كُنتَ تُؤمِنُ أنَّ الأُمُور ستَتَحسَّنُ تدريجيَّاً، وأنَّ ملكوتَ الله سيُصبِحُ حقيقَةً هُنا على الأرض، وفي تِلكَ المرحلة سوفَ يرجِعُ يسُوعُ المسيح، فأنتَ تُسمَّى "بعد-ألفِيّ."

وهُناكَ أُولئكَ الذين يُسمُّونَ أنفُسَهُم "كُلّ-ألفِيِّين،" لأنَّهُم يُؤمِنُونَ بأنَّ "كُلَّ" شَيءٍ سيكُونُ على ما يُرام. ولكن، مهما كانت نظرتُكَ اللاهُوتيَّة حيالَ المجيءِ الثاني، فإنَّ المقطَعَ التطبيقي من رسالةِ بُولُس الرسُول الأُولى إلى أهلِ تسالونيكي هُوَ عمَليٌّ للغايَة، خاصَّةً في نهايَةِ الإصحاحِ الخامِس، والأعداد 12- 22. هُنا يُعطي فيضاً من التوصِيات حولَ ماذا ينبَغي أن تكُونَ مواقِفُ المُؤمن وأعمالُهُ على ضوءِ رُجوعِ المسيح ثانِيَةً.

هُناكَ حقيقتانِ هامَّتانِ علينا أن نتعلَّمَهما ونُطَبِّقَهُما علىحياتِنا، من هذه الرِّسالة الأُولى إلى أهلِ تسالونيكي. أوَّلاً، أنَّ الرَّبَّ يسُوع آتٍ ثانِيَةً؛ وثانِياً، علينا أن ننخَرِطَ في عمَلِ محبَّةٍ من أجلِهِ بينما نجلِسُ وننتَظِرُ رُجُوعَهُ.


تابِع بَنْد - بشارة بَيَان

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.